أخبار

21 يونيو 1981 بالمغرب ذكرى “شهداء الكوميرا”.

بقلم : عبد الرحيم لعماري.

لم يكن أحد ينتظر ما ٱلت إليه الأوضاع في ذلك اليوم المشهود والأليم في الوقت نفسه، حيث سالت دماء كثيرة لأبرياء كانوا مارين بالشوارع، ولم ينخرطوا في مظاهرات دعت لها نقابة خرجت من رحم الاتحاد المغربي للشغل، ولم يمض على تأسيسها سوى سنتين. كانت سنة 1981 من القرن الماضي فاصلة وفارقة في تاريخ المغرب والمغاربة. النقطة التي أفاضت الكأس كانت زيادة بسيطة في بعض المواد الغذائية ومن بينها ” كوميرا” والكلمة مأخوذة من تحريف لكلمة فرنسية ” كوه او مير” كان يفرضها المستعمر الفرنسي على المغاربة الذين يرغبون في تسلم الخبز فيصطفون في طابور طويل.

الاحتجاجات التي انطلقت بالعاصمة الاقتصادية خلفت ضحايا، ودخل هذا الحدث ضمن مرحلة وسمت ب”سنوات الرصاص”.

بداية الأزمة :

أعلنت حكومة المعطي بوعبيد يوم 28 مايو 1981م، زيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، دعت الكونفدرالية الديموقراطية للشغل ذات التوجه اليساري إلى شن إضراب عام في البلاد يوم 20 يونيو 1981 احتجاجا على تلك القرارات. وكانت الاستجابة لنداء الإضراب كبيرة خصوصا في العاصمة الاقتصادية

الدار البيضاء، أكبر المدن المغربية، وباءت كل محاولات الأمن الإضراب بالفشل. ولما عجز الأمن على ضبط الشارع تدخل الجيش، وكانت الكارثة سقوط ٱلاف الضحايا، ومئات المعتقلين. وأطلق عليهم “شهداء الكوميرا”، مصطلح نحثه وزير الداخلية المغربي خلال تلك الفترة الراحل إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا.

واستمرت أعمال العنف إلى حدود يوم 21 يونيو الموالي، وفرضت قوات الأمن والجيش بالمغرب طوقا بالدبابات والسيارات العسكرية على كافة أحياء الدار البيضاء.

الضحايا :

بالرغم من محاولات النظام والداخلية المغربية التقليل من عدد الشهداء والضحايا فإن عدد الذين قضوا نحبهم في هذا الأحداث الأليمة أكبر. وقد تضارب المعطيات بشأن عدد الضحايا الذين قالت السلطات المغربية حينئذ إنهم لم يتجاوزوا 66 قتيلا و110 جرحى، في حين ذكرت هيئة الإنصاف والمصالحة -وهي مؤسسة حكومية شكلت لبحث ملفات الاعتقال السياسي منذ استقلال المغرب وحتى عام 1999، أو ما سمي في المغرب بسنوات الجمر والرصاص- أن العدد بلغ 114 قتيلا، أما المعارضة، ممثلة أساسا آنذاك بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فأشارت إلى أن العدد بلغ حدود 600 قتيل وخمسة آلاف جريح، وأما جمعيات حقوقية مغربية أخرى فقالت إن الرقم تجاوز ألف قتيل.

وتحدثت مصادر المعارضة حينئذ على أن أغلب ضحايا أحداث 1981 دفنوا في ما وصفتها بمقابر جماعية سرية، قالت إن من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ قرب أحد الأحياء الشعبية الشهيرة بالمدينة يعرف باسم “الحي المحمدي”.

وقد شنت السلطات عقب ذلك حملة اعتقالات واسعة في صفوف أحزاب المعارضة والنقابات، وكذا عدد من المشاركين في الاحتجاجات شملت -حسب المعارضة – حوالي 26 ألف معتقل، في حين حصرت السلطات عدد المعتقلين في 500 شخص، كما تم منع صدور صحيفتي “المحرر” باللغة العربية و”لبيراسيون” باللغة الفرنسية التابعتين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

النتائج المؤلمة :

الاحتجاج الجماهيري أخضع الحكومة التي تراجعت عن خياراتها اللاشعبية، والمقيدة بإملاءات صندوق النقد الدولي، وكي تبرز قوتها وتماسكها وجهت سهام نقدها للمعارضة وحملتها مسؤولية الوقائع والأحداث، وبررت تدخلها في حق المواطنين أنهم كانوا ضحية مؤامرة خارجية، كان همها التشويش على تماسك المغرب ووحدته، والخطير حسب الحكومة ال تشويش على لقاء للمغرب في مؤتمر بنيروبي حول قضية الصحراء المغربية، وردت المعارضة على بيان الحكومة بأن الأحداث”مجزرة حقيقية” في حق المغاربة.

ورغم مطالبة المعارضة آنذاك بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، امتنعت السلطات عن ذلك، كما تم فرض حظر وتضييق على وسائل الإعلام المغربية والدولية لتغطية تلك الأحداث.

واعتبر عدد من المتتبعين بالمغرب أن “الانتفاضة” شكلت مقدمة لاحتجاجات 19 يناير 1984 بعدد من المدن المغربية خصوصا بـمنطقة الريف ومراكش والقصر الكبير، بعد أن أصبحت الحكومة سجينة صندوق النقد الدولي وشرعت في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، ونتج عن ذلك ارتفاع الأسعار وفرض رسوم على التعليم. وقد كان من نتائج هذه الأحداث ضحايا حددتهم الدولة في ا 16 شخصا، في حين قالت المعارضة وتقارير إعلامية إنهم تجاوزوا 80 شخصا.

جمعية لمناصرة الضحايا :

تأسست جمعية ضمت عائلات ضحايا ومعتقلي تلك الأحداث أطلق عليها اسم “جمعية 20 يونيو 1981″، وعملت هيئة الإنصاف والمصالحة لاحقا على تحديد قبور الضحايا في المقابر السرية بناء على تحريات اعتمدت فيها على محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة.

وافتتحت بعد ذلك يوم الخامس من سبتمبر 2016 مقبرة رسمية لضحايا احتجاجات 1981 بالدار البيضاء بحضور مسؤولين حكوميين وشخصيات حقوقية ومدنية وعائلات بعض الضحايا، بهدف تحقيق ما وصفته جهات حقوقية بـ”إعادة الاعتبار لضحايا هذه الانتفاضة خلال فترة صعبة من تاريخ البلاد”.

وفي الإطار نفسه، أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة بحفظ ذاكرة الاعتقال والقمع والتضييق على الحريات حتى تتذكرها الأجيال الصاعدة لضمان عدم تكرار ما حدث، وذلك عبر ترميم أماكن الاعتقال السرية وتحويلها إلى معارض.

أفق بأمل دون ٱلام: يتمنى جيل اليوم عدم تكرار مأساة 81، والعيش في مغرب ديمقراطي يسع الجميع، ويحافظ على حقوقهم ويوفر لهم العيش الكريم، فجيل القرن 21 عايش تداعيات الربيع العربي والتحولات التي عرفها العالم والمغرب، وانتقالا ديموقراطيا بعد حكومة التناوب بالرغم من إجهاض التجربة الأولى، وتجربة الإسلاميين فيما بعد لتعود العجلة إلى نقطة البداية بعد انتخابات 8 شتنبر، مغاربة اليوم يرغبون في طي صفحة الماضي ونسيان ٱلام وجراح سنوات الرصاص وتوقيف نزيف الإخفاء القسري والتعذيب، وتعويض كل ذلك بإنصاف الضحايا والكشف عن الحقيقة كاملة، وتوفير مجال للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الأجرية والمساواة وركوب قطار التنمية، وتأهيل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وتخليق الحياة السياسية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي والنقابي والمدني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى