بقلم: نجيب بلحيمر
نشرت مجلة The Atlantic الأمريكية على موقعها الإلكتروني مقالا مطولا للكاتب فرانكلين فوير يسرد فيها تفاصيل تحركات المسؤولين الأمريكيين منذ عملية طوفان الأقصى، ونجد أن دور العرب اقتصر على مسألتين أساسيتين هما التطبيع مع الكيان والمساعدة في تجسيد خطط تعويض حماس في قطاع غزة بعد سحق المقاومة فيها.
من الواضح ان كانب المقال يعتمد على مصادر من وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، وقد بدأ مقاله بالحديث عن اجتماع جرى في واشنطن بين منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودبلوماسيين سعوديين يوم السادس من أكتوبر وكان موضوعه صفقة لتطبيع العلاقات السعودية مع الكيان، وكان الانطباع الذي خرج به ماكغورك من الاجتماع أن الصفقة باتت في متناول اليد “وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تزداد عزلة على المستوى الدولي، كانت الدولة التي أطلقت على نفسها لقب زعيمة العالم الإسلامي ستحتضن هذه الصفقة”.
سيعود كاتب المقال إلى ذكر السعودية في موضعين آخرين، عندما يتحدث عن الشكوى التي قدمها بعض الحكام العرب لبلينكن عند لقائه بهم في 16 أكتوبر :”ففي عمان والرياض والقاهرة وأبو ظبي، ألمح رؤساء الدول السنية سراً إلى أنهم يتمنون الهزيمة الساحقة لحماس، الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين الأصولية التي تهدد أنظمتهم. كما اتهموا نتنياهو بجلب الكارثة على بلاده بالسماح للأموال القطرية بتعزيز حكم حماس في غزة ــ كانت دول الخليج الأخرى مستاءة من دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين ــ على الرغم من تحذيراتها الحاسمة بشأن مخاطر هذا الترتيب. ولكن إسرائيل كانت تجعل من الصعب على هذه الدول البقاء على الحياد”.
في الثامن من جانفي يلتقي بلينكن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ويستكشف مدى استعداده لإحياء الصفقة التي كان الطوفان قد عطلها، يقول الكاتب : “في ذهن بلينكن، كانت ملامح الاتفاق لا تزال ذات أهمية كما كانت دائما. وبدأت الإدارة تتخيل أن دبلوماسيتها تسير على مسارين منفصلين، ولكن مترابطين بشكل عميق. فكان من المقرر أن تبرم صفقة مع قطر والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب، والتي من شأنها أن تجعل بعض هذه البلدان تنشر قوات في غزة لتحقيق الاستقرار في أعقاب الحرب. ثم تبرم صفقة منفصلة مع السعوديين، الذين لن يعترفوا بإسرائيل فحسب، بل سيمولون أيضا إعادة إعمار غزة”، وينقل أجواء المحادثة، فبعد أن شرح بلينكن لمضيفه بأن فرص عقد الصفقة، التي تتضمن تطبيع العلاقة مع الكيان مقابل اتفاق دفاعي أمريكي سعودي، وتمكين السعودية من بناء مشروع نووي لأغراض مدنية، والتزام سعودي بهيمنة الدولار والمصالح الأمريكية في المنطقة، ستكون أكبر في ظل إدارة بايدن، سأل بلينكن بن سلمان :”ما الذي تحتاجه من إسرائيل؟”
وقال بن سلمان إنه يحتاج إلى الهدوء في غزة قبل كل شيء. وسأل بلينكن السعوديين عما إذا كان بوسعهم أن يتسامحوا مع عودة إسرائيل إلى القطاع بشكل دوري لتنفيذ غارات لمكافحة الإرهاب. فأجاب بن سلمان: “بوسعهم أن يعودوا بعد ستة أشهر أو عام، ولكن ليس في نهاية توقيعي على شيء من هذا القبيل”.
وبدأ الحديث عن ضرورة التزام إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية.
“لقد أوضح الملك السعودي البالغ من العمر 38 عاماً أن سبعين في المائة من سكانه أصغر سناً مني. وبالنسبة لمعظمهم، لم يعرفوا الكثير عن القضية الفلسطينية. ولهذا السبب فإنهم يتعرفون عليها لأول مرة من خلال هذا الصراع. إنها مشكلة ضخمة. هل أهتم شخصياً بالقضية الفلسطينية؟ أنا لا أهتم، ولكن شعبي يهتم، لذا فأنا بحاجة إلى التأكد من أن هذا له معنى”.
يحصر المقال دور مصر وقطر في نقل الرسائل إلى حماس، ويعطينا الانطباع بأن هدف كل هذه الدول هو السعي إلى الاستجابة للأوامر الامريكية، التي هي في الأصل إملاءات الكيان، بالشكل الذي يرضي الأمريكي.
تركت المقال الطويل الحافل بتفاصيل عن خداع مجرم الحرب نتنياهو، والخضوع المذل للمسؤولين الأمريكيبن للابتزاز الصهيوني، لأقرا آخر الأخبار فوجدت الجزيرة قد نقلت تصريحات مجرم الحرب المزهو بما فعله في لبنان وسوريا واليمن وغزة وبعودة جدعون ساعر إلى الحكومة، وقد قال : “تغيير موازين القوى يجلب تحالفات جديدة لأننا منتصرون”، قفزت إلى ذهني كل الصور القديمة لحكام العرب وهم يهرولون إلى التطبيع جماعات وفرادى بعد كل نكسة، وهم اليوم أكثر حماسة من اي وقت آخر لأداء سجدة ذل أخرى عند قدم إلههم الأمريكي.
—-