أخبار إقليم الجديدةالواجهةصحة

روبورتاج جمعيات المجتمع المدني تدق ناقوس خطر وباء كوفيد 19 كيف أصبح الداخل إلى مستشفى الجديدة مفقودا والخارج منه غير مولود !!

من إعداد أحمد امشكح

    حينما تقول نشرة كوفيد 19 اليومية التي تصدرها وزارة الصحة إن عدد المصابين في مدينة الجديدة ظل يتراوح بين الأربعين والخمسين حالة يوميا، وأن عدد الوفيات بسبب وباء كورونا المستجد، لا يصل في الأقصى لثلاث حالات يوميا، يطرح الجديديون السؤال عن صدقية أرقام وزارة السيد أيت الطالب، خصوصا و أنهم يتابعون يوما سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو من خلال الأخبار التي يتداولها الشارع، أعدادا أكبر مما يتم الإعلان عنه. إضافة إلى أن الأسر الجديدية أو المنتمية للإقليم تحكي عن حالات لأقارب وأصدقاء سقطوا ضحايا الوباء اللعين دون أن يتلقوا العناية اللازمة، لدرجة أن البعض أضحى يعتبر الجديدة بؤرة بامتياز. وهو ما دفع جمعيات المجتمع المدني للتحرك حيث أصدرت بلاغات شديدة اللهجة تنبه لخطورة الوضع وتطالب بضرورة حماية مازاغان من جائحة كورونا.

1/ دكالة تراسل رئيس الحكومة

    لم تتردد جمعية دكالة، واحدة من الجمعيات التي ظلت تتابع قضايا ومشاكل الجديدة وسيدي بنور، في مراسلة رئيس الحكومة منبهة لما آل إليه الوضع الصحي للمدينة والإقليم بعد تفشي وباء كوفيد 19. وقالت في مراسلتها إنها تسجل “أنه خلال الشهرين الأخيرين تدهورت الحالة الوبائية بإقليمي دكالة، الجديدة وسيدي بنور، حيث أصبحت المنظومة الصحية متجاوزة مما يمكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. فلا اطر طبية كافية ولا بنيات تحتية لائقة بعدم توفر الإقليمين على مختبر التحليلات للكشف على فيروس كورونا، حيث تضطر المصالح المختصة إلى إرسال العينات إلى الدار البيضاء أو إلى سطات والانتظار ما يقارب 3 أيام.”

    وتضيف الجمعية في رسالتها الموجهة إلى رئيس الحكومة، أنه لا وجود لمختبرات خاصة مرخص لها، مما يفرض على المواطنين التنقل إلى الدار البيضاء خارقين بذلك الحجر الصحي، ومعرضين أنفسهم والآخرين للعدوى.” وهكذا، تقول رسالة الجمعية، أصبح الكشف على الإصابة بفيروس کورونا بإقليمي دكالة امتيازا يعطى للبعض دون سواهم في المستشفى العمومي.

    والخلاصة، بحسب جمعية دكالة، هو أن هذا الوضع المأسوي قد يجعل من الجديدة وسيدي بنور بؤرا للوباء، إذا لم تتخذ باستعجال التدابير اللازمة بإحداث مختبرين بالإقليمين بالمستشفيات العمومية، خصوصا وأن الأمر يتعلق بحسب الجمعية بثاني قطب اقتصادي بالمغرب بعد الدار البيضاء.

    صرخة جمعية دكالة، التي يصنفها الجديديون على أنها جمعية “موالية” ولا تحمل معها جينات “المعارضة”، والتي اعتبرت رسالتها شديدة اللهجة، جعلت الساكنة تدرك خطورة الوضع وتضم صوتها للمطالبة بضرورة التحرك.

2/ اكتظاظ أمام محمد الخامس

    أمام المبنى الكبير لمستشفى محمد الخامس، كانت الجموع تملأ المكان. نساء وأطفال جمهروا أمام الباب الحديدي للمستشفى. والحرس، بمختلف تلاوينه يحاول تنظيم عملية الولوج. مرضى كوفيد الذين يمنون النفس بمسحة يمكن أن يوفرها مختبر المستشفى، يرابطون أمام المبنى قبل أن ينبههم أحد المسؤولين إلى أن ذلك لم يعد ممكنا على الأقل خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة. وهو ما يعني أن مرضى كورونا مطالبون بالبحث عن ضالتهم بعيدا أن المستشفى.

    نحاول فهم ما الذي يحدث. ولا نعثر للمسؤولين على أثر. كلهم خلف الباب الحديدي مدثرون بالبياض، ويسابقون الزمن لانقاد أرواح بعض الذين قدر لهم أن يجدوا سريرا بالعناية المركزة، ويجدوا بالتالي قنينة أوكسيجين.

    ” الداخل إلى مستشفى محمد الخامس مفقود، والخارج منه غير مولود”!! هكذا علق أحد أقارب سيدة كانت تصارع المرض دون أن تجد العناية اللازمة. لذلك لم يجد بدا من حملها إلى أحد العيادات الخاصة طمعا في إنقاذها من موت محقق بسبب كورونا.

    أجنحة المستشفى، الذي هلل له الجديديون وهو يفتتح أبوابه بالنظر إلى أنه يضم، أو هكذا كانت الساكنة تمني النفس، كل التخصصات الطبية، شبه فارغة. وكل التركيز أضحى على مرضى كوفيد. لذلك فضل الكثير من مرضى القلب أو السكري أو مرضى السل، أن يقاطعوا المستشفى خوفا من العدوى. ولذلك تحولت البناية إلى قبلة لمرضى كوفيد وعائلاتهم، خصوصا بعد أن تراجعت مديرية الصحة في الإقليم عن نقل المرضى إلى مخيم الحوزية الذي وضعت به أعدادا كبيرة من المرضى الخاضعين للحجر منذ مارس الماضي. أو نقلهم إلى مقر معرض الفرس ضواحي أزمور حيث ظلوا يخضعون للعلاج.

    اليوم يبدو أن مديرية الصحة بالإقليم حسمت في أمر المرضى الذين طالبتهم بتلقي العلاج بداخل بيوتهم واقتناء الأدوية الخاصة بالوباء من جيوبهم الخاصة. مع استثناء الحالات المستعجلة والحرجة والتي لا تجد سريرا أو قنينة أوكسيجين إلا بمشقة الأنفس حيث تلعب الزبونية والمحسوبية لعبتها. لذلك لم تتردد فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية بمدينة الجديدة في فضح الأمر وهي تكتب في بلاغ لها ” إن الوضعية الوبائية في المدينة التي تتفاقم باستمرار وتعرف عدة اختلالات مرتبطة بالبنيات التحتية والتجهيزات والتدبير والاستقبال والتمريض. ومنها ما يتعلق بالتحاليل والكشوفات عن فيروس كورونا المحدودة العدد والتي يتداول وسط الرأي العام أنها تخضع للزبونية والامتياز في غياب مختبرات متعددة بالقطاعين العام والخاص”.

    الخطير في كل هذا، وكما كشفت عن ذلك إحدى الجمعيات، هو ان يتم نقل بعض الفرق الطبية من مستشفى سيدي بنور لتعزيز الموارد البشرية لمدينة الدار البيضاء، فيما يتم تحويل مرضى كوفيد القادمين من سيدي بنور إلى الجديدة. والحصيلة هي أن محمد الخامس أضحى قبلة لمرضى الإقليمين بكل ساكنتهما.

3/ مدينة بدون مختبرات للتحليل!!

    من القضايا المثيرة في ملف كوفيد 19 بالجديدة هو أن الحصول على فرصة إجراء مسحة “بي سي أر” قد أضحى من سابع المستحيلات في غياب مختبر عمومي بالمستشفى الإقليمي، الذي يقوم بالمسحة ويرسلها لمختبر الدار البيضاء أو سطات. وفي الوقت الذي منعت فيه المختبرات الخاصة من القيام بهذه المهمة. لذلك يتساءل الجديديون لماذا تراجعت مديرية الصحة عن الترخيص للمختبرات الخاصة للقيام بهذه المهمة، بعد أن كانت قد رخصت لها من قبل.

    المثير أيضا في هذه العملية هو أن المستشفى الإقليمي للجديدة قلص عدد المسموح بهم بإجتياز اختبار كوفيد من 100 حالة يوميا، كما كان عليه الأمر سابقا، إلى ثمانين فقط. والرقم مرشح للتقليص بحسب مهتمين بقطاع الصحة بالمدينة والإقليم. لكن الأكثر إثارة، وكما كشفت عن ذلك إحدى جمعيات المجتمع المدني، هو أن يطلب من أي مصاب ألا يتجاوز عدد مخالطيه الذي سيخضعون للمسحة إثنان فقط!! ما يعني أن بقية مخالطيه لن يخضعوا للتحليل وسيتركون إلى حال سبيلهم لينشروا عدواهم إذا كانوا من الصمابين، حيث خصصت البناية القديمة للمستشفى باستقبال هذه العينة من المرضى المحتملين. هذا دون احترام حتى لهذا القرار حيث أعلن في الأيام القليلة الماضية عن وفاة أحد المتشردين، والذين كانت السلطات قد خصصت لهم قاعة نجيب النعامي الرياضية  للمبيت بها. وبدلا من إجراء الفحص لكل مخالطيه وهم بالعشرات، اختارت السلطات الصحية أن تغمض العين. لكن الأخطر في أمر هذا المشرد، الذي وافته المنية، هو أن جثمانه لا يزال بدون دفن بعد أكثر من أربعة أيام على وفاته!!

    العارفون بخبايا الأمور يتحدثون على أن بعض هذه المختبرات منعت فقط لأنها ظلت تنشر الأرقام الحقيقية للمصابين. وهو ما أغضب مديرية الصحة التي رفضت هذا الأمر وطالبت بسرية الأرقام. في الوقت الذي تقول فيه المديرية إنها هي التي يجب أن تتحمل مسؤولية الأرقام، وأنه لا دخل للمصحات فيها. والحصيلة هي أن ساكنة الجديدة والإقليم حرمت من الاستفادة من التحليلات سواء من خلال المختبر العمومي أو من خلال المختبرات الخاصة.

    حكاية مختبرات كوفيد بالجديدة تستحق أن تحكى لغرابتها. فبعد أن تم الترخيص لمختبر واحد للقيام بالتحليلات الضرورية والتي تعني ساكنة الإقليم ككل، كانت المفاجئة هي أن يسحب منه الترخيص بعد أن دخل الطرفان في رهان قوة حول أرقام المصابين. سيتم الترخيص لمختبر ثان للقيام بالمهمة. لكن المفاجئة هي أن يمنع هذا المختبر هو الآخر بعد أن رفضت مصالح الجماعة والسلطة المحلية الترخيص له بإحداث ملحقة تختص بمرضى كوفيد، وبعد أن وفر هذا المختبر كل تجهيزات التحليلات. والحصيلة هي أن إقليم الجديدة بكل امتداداته وبعدد ساكنته يوجد اليوم بدون مختبر للتحليل، ما يضطر الراغبين في إجراء مسحة الفيروس انتظار دورهم بالمستشفى العمومي وانتظار نتيجتها بعد يومين أو أكثر، أو التنقل إلى خارج المدينة للحصول على المسحة.

    هذا في الوقت الذي تقول فيه الأرقام، غير المعلنة والمسربة من داخل مصلحة كوفيد بالمستشفى الإقليمي وتتداولها السلطات الإقليمية، إن حالات الإصابة مرتفعة وقد وصلت مثلا في الجديدة خلال أسبوع واحد إلى  326 حالة. وفي آزمور إلى 28 حالة. ثم ثلاث حالات في كل من هشتوكة وأولاد احسين وأربعة في البئر الجديد.

    أما بداخل أحياء الجديدة، فيعتبر حي السلام هو الأكثر إصابة حيث تصل الحالات إلى 60 حالة. متبوعا بملك الشيخ بعشرين حالة، ثم البلاطو ب15 حالة والسعادة ب18 حالة ثم لالة زهرة وكاليفورنيا والنجد بعشرة حالات.

4/ ما يشبه الخلاصة

    ظلت مازاغان، أو “دوفيل” المغربية كما سماها الفرنسيون شبه محمية من حالات كورونا في الأشهر الأولى لتفشى الوباء. وظل الكثيرون يعتبرون الجديدة قبلتهم الخالية من الفيروس خصوصا وأن المدينة كانت تستعد لاستقبال فصل الصيف. لكن إغلاق المدن المجاورة وتحديدا مدينة الدار البيضاء، دفع بساكنتها إلى البحث عن متنفس. وعلى الرغم من كل الإجراءات التي ظلت تقوم بها السلطة للحد من تدفق الباحثين عن طقس معتدل هروبا من حر الدار البيضاء، إلا أن الحالات تسربت وأصبحت الأرقام في ارتفاع شديد. وكانت المفاجئة التي يتداولها الجديديون هي أن تقول وزارة الصحة في نشرتها أرقام المصابين بعد أن تجاوز العدد العشرة. أما حالات الوفاة، فكانت ناذرة جدا، قبل أن تتحول المدينة إلى بؤرة حقيقية مع ارتفاع أعداد المصابين وأعداد الوفيات. لكن ذلك حدث، وكما يقول الكثير من المتتبعين لهذا الملف من جمعيات حقوقية أو إعلاميين، فقط لأن المدينة ظلت بدون مختبر للكشف ما رفع من عدد المخالطين الذين هم في الأصل مشروع مصابين بالفيروس.

     اليوم تمني الجديدة النفس بتحرك حكومة العثماني لإصلاح ما يمكن إصلاحه. والإصلاح وجب أن ينطلق أولا من إحداث مختبر للكشف بداخل المستشفى الإقليمي وتسريع عمل “السكانير”، الذي يتعرض للعطل في كل مناسبة!! إضافة إلى ضرورة فتح التحليلات أمام المختبرات الخاصة المستعدة للقيام بهذه المهمة لتدارك الوضع وحماية هذه المدينة التي تراهن على السياحة لتحريك اقتصادها، على الرغم من أنها تجاور ثاني قطب اقتصادي وهو الجرف الأصفر بتواجد منطقة صناعية ومركبات الفوسفاط والطاقة. القطب الذي لم يشفع للجديدة بأن يكون لها مختبرها الخاص حماية لصحة أبنائها الذين أضحى الفيروس اللعين يتهددهم.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى