وليغضبْ من يشاء الفصل الأول : الزجالون والمتزاجلون… بقلم ذ. نور الدين حنيف.
التابعون، هم أولئك الذين يسمون أنفسهم زجالين، وهم بالكاد متزاجلون، لا ينظمون القصيدة إلا إذا باركها صنمٌ، صنعوه بأيديهم وبنوا له تمثالاً من شمعٍ، ثم وضعوه على قارعة الطريق في زمن الهاجرة تحت شمسٍ طائلة، وقالو للعابرين: انظرونا نعبد هُبلَنا، وانظرونا نصفق له مراسم فرحه وحزنه وسرائه وضرّائه… هؤلاء وما يعبدون لا يرسمون خارطة الفن أبداً، وإنما يكررون المشهد الموبوء بالنقصان، والموسوم بالدونية، لأنهم خلعوا عن ذواتهم الشاعرية الأصيلة عندما لم يعترفوا بأنفسهم واعترفوا بغيرهم لا في معيار الجودة والإبداع، ولكن في معايير أخرى خارج سياقات الموضوعية والأمانة العلمية، كأن يقيسوا الشعر بالقبيلة أو بالعشيرة أو بالصحبة أو بالمشاركة الحانيّة (نسبة إلى الحانة وليس إلى الحنان)… مثل هؤلاء، يتم استدراجهم إلى طابور التابعين بجرة زرقاء يبصمها الصنم في مسكوكةٍ مثل (رائع) أو (ماتع)… فينبري الصغير مدفوعاً بوهم الروعة في ما دبّج، إلى الاعتقاد الصارم أنه وصل… وعندما تحدثه في شأن القيمة الشعرية، يُجحّظُ فيك عينيه قائلاً: أنا زجال كبيرٌ موسوم بإشارةٍ من الصنم الأكبر… وبالتالي يضيع الزجل في دواوين متسرعة تحب الطبع ولا تحب الطبع، الطبع الأول من الطِّباعة والثاني من الجِبِلّة والأصل المنساب في شرايين الإبداع الجليل دون قسر أو تعسف… هكذا تنتشر دواوين، لا لها في الزجل، ولا لها في الشعر، إِنْ هي إلا كلام يشبه كلام العامّة يفتقر إلى خصائص الشعر.
ولأنهم ظنوا الزجل لغةً عامية حسبوه حائطاً قصيراً فكثر عليه النطّ والقفز والاعتلاء… ولو علم هؤلاء أنهم في القادم من أزمنة العراء والكشف والفرز بين الشاعر والمتشاعر، لأحرقوا دواوينهم الآن قبل الغد، وسيعلمون أنهم يقدمون للثقافة خدمة جليلة وهم يرفضون النشر لأجل النشر، وهم يرفضون التطبيل لأجل التطبيل ويتنزهون عن التبعية المقيتة لشاعر عَدُّوه كبيراً، وهو في منظور الحق والحقيقة جالس أمام مرآة محدّبة تنفخ في صورته نفخاً مبيناً، وسرعان ما تنكسر فيظهر حجمه للناظرين صغيراً مثل حصية رمل…
من هنا سأشفق على كل من يرى في الإبداع سيده، ولا يرى فيه نفسه، وأقول له: كن أنت، ولا تكن غيرك، فكلنا مولودات تسعة أشهر.
…
نون حاء – ترقبوا فصولاً أخرى تكشف ورقة التوتِ عن خيباتنا في مجال الإبداع. و رُبّ صراحةٍ راحة.