إن دور الإعلام يتجسد في أن يكون مقتصرا على أخبار الناس واطلاعهم، وليس من وظيفته أن يتبنى قضايا بعينها أو يكون صوتا لأحد أو ناطقا باسم أحد. وهنا وما أريد التحدث حوله هو مسألة الحياد في الإعلام بصورة عامة.
لعله من نافلة القول أن الحياد يعني البعد عن الانحياز إلى طرف من الأطراف والالتزام بالبقاء في موقف وسط لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وهو أمر ليس بالهين والالتزام به يقتضي توفر النزاهة وإسقاط المصالح الشخصية وقمع العواطف وضبط الانفعالات، مما أدى بالبعض إلى أن يرفع خصلة الحياد إلى مرتبة الفضائل الأخلاقية العليا حيث يرى فيه تجسيدا للعدالة. والحياد في الإعلام هو إحدى صور الحياد وينطبق عليه ما قيل عن الحياد إنه من سمات الفضيلة، ولعل هذا ما يدفعني أن أردد بفخر أن جريدة أصداء الكواليس ملتزمة بالحياد.لكن في كل الظروف وفي كل الأوقات، فإني أقف متشككا حول هذا الأمر، وأجد في نفسي تساؤلات كثيرة حول حقيقة هذه المسألة التي تثير القلق، هل حقا إن الحياد في الإعلام فضيلة على الإطلاق؟ وإذا لم يكن، متى يكون حقا ومتى يكون باطلا؟ بل إن ذلك يجرنا إلى مسألة أكبر وهي التساؤل حول كنه الفضائل عامة، وفيم إن كانت مطلقة، أم مقيدة تتخذ صفتها من نتائجها؟ مثلا هل يكون الحياد فضيلة عندما ترى أخاك يقتحم بيته فيضرب ويؤذي على يد السارق، لكنك تقف متفرجا لا تحرك ساكنا لالتزامك بالحياد؟ وهل من الفضيلة أن يتشبث الإعلام بالموقف المحايد حتى وإن أدى ذلك إلى غبن الأهل حقهم في تبني قضاياهم والدفاع عن مصالحهم؟ وهل حقا أن دور الإعلام يقتصر على الأخبار والاطلاع فقط، ولا شأن له في تبني قضايا الأمة وإيصال صوتها للعالم والدفاع عنها؟ هل يمكن أن يكون هذا الموقف الإعلامي فضيلة متى اقتضى الأمر التعامل مع كارثة مهلكة تحل على يد عدو باغٍ موغل في العدوان؟ أو هل يمكن أن يكون فضيلة عندما تنتمي المؤسسة الإعلامية إلى جماعة معينة تحمل اسمها وتعيش على مواردها وتزعم أنها تتحدث باسمها، ثم تتخلى عن نصرتها وقت الحاجة، وتتنكر لها وقت الشدة بحجة الوقوف على الحياد؟ وهل من الفضيلة أن يسهم دور الأخبار والاطلاع في التعريف بحضارة العدو ومدينته وجمال حياته وأنظمته، أو أن يسهم في إيصال صوته ليخبر الناس ويطلعهم على مبرراته في الاعتداء؟
إنها تساؤلات كثيرة تتوارد على الخاطر حول المعنى الحق للحياد في الإعلام، ومتى يكون فضيلة ومتى لا يكون. خاصة أن الإعلام الغربي، الذي هو قدوة إعلامنا ، لا نجده دائما محايدا في كل الأوقات وفي كل الحالات.
الحياد في الإعلام يُعتبر فضيلة لأنه يضمن تقديم المعلومات بشكل موضوعي وغير منحاز. هذا يعزز الثقة بين الجمهور ووسائل الإعلام، ويسهم في تكوين آراء مستنيرة ومستقلة. عندما يكون الإعلام محايدًا، يتمكن الجمهور من الحصول على صورة كاملة وشاملة للأحداث والموضوعات، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات مبنية على الحقائق بدلاً من التحيزات أو الأجندات الخفية.
الحياد يُعزز أيضًا مصداقية الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، حيث يُظهر التزامهم بالنزاهة والشفافية في نقل الأخبار والمعلومات.
الحياد في الإعلام يُعتبر فضيلة لأنه يعزز من مصداقية الإعلام، ويدعم التعددية، ويقلل من التحيز، ويساهم في تحقيق العدالة والديمقراطية، ويعكس المسؤولية الاجتماعية.