مجرد رأي

فصائل “المقاومة المنسيّة” في غزّة.. لماذا تتصدر “حماس” المشهد؟

القاهرة – خالد محمود

بينما تسيّدت وتصدّرت حركة “حماس” الفلسطينية وكتائبها “القسّام”، المشهدين السياسي والعسكري منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، حرص أشقاء “حماس” في قطاع غزّة بدورهم على ضمان عدم تجاوزهم كقوى موجودة على الأرض، حيث بدوا كـ”مقاومة منسيّة” في زخم الأحداث الأخيرة.
فصائل
لكنّ “حماس” التي تعي وجود لاعبين منافسين لها في هذا الملف، تسعى أيضًا لبلورة نجاح جماعي يُسجّل لها في فرض سطوتها على أشقائها الصغار أو المشاكسين، بعدما باتوا على تفاوت أحجامهم وقدراتهم القتالية والتسليحية، رقمًا في المعادلة الفلسطينية-الإسرائيلية، بأسرى وعمليات محدودة، إلى جانب “الشقيق الأكبر”.
ولفت الاجتياح الواسع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتوغّل قوى المقاومة داخل مواقع عديدة في مستوطنات غلاف غزة، الأنظار إلى هذه الفصائل الفلسطينية، التي شاركت أيضًا في أسر مستوطنين وعسكريين إسرائيلين بشكل جماعي، في ظاهرة غير مسبوقة.
الأسرى العسكريون
وفقًا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية لم يحدث منذ الحرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة عام 1973، أن تمّ أسر هذا العدد الكبير من المدنيين أو الجنود الإسرائيليين.
ومع مرور الوقت، اتضح أنّ العدد الأكبر من الأسرى في ضيافة “حماس”، بينما هناك عدد آخر لا يقل أهمية قد تفرّق بين الجماعات والفصائل الفلسطينية الأخرى، بالإضافة إلى فلسطينيين مدنيين استفادوا من الفوضى العارمة للحظات الأولى لاجتياح المقاومة لحدود غلاف غزّة.
وبحسب مصادر فلسطينية ومصرية معنية، فقد ركّزت حركتا “حماس” و”الجهاد” أولًا على الأسرى العسكريين، لهدفين، أولهما الاستفادة من المعلومات التى لديهم حين خضوعهم للاستجواب والتحقيق، ما يزيد من حصيلة بنك المعلومات الاستخباراتي الخاص بطبيعة عمل قوات الاحتلال، بالإضافة إلى رفع سقف شروط مبادلتهم لاحقًا بالأسرى الفلسطييين في السجون الاسرائيلية.
ومع مرور الوقت، تكشّف أنّ من بين الأسرى أطفالًا وكهولًا، ما كان يجب أسرهم من الأساس لأنهم يشكّلون عبئًا على المقاومة، ولأنّ احتجازهم سيمثّل ورقة ضغط أخلاقية لصالح المعسكر الآخر.
وإدراكا منها لأهمية ورقة الأسرى (وخصوصًا الضباط والجنود منهم)، كأداة لتحسين أدواتها التفاوضية، كرّست “حماس” نفسها كمفاوض وحيد عن بقية الفصائل الفلسطينية، ونجحت في التحوّل إلى لاعب مركزي يسعى الوسطاء الإقليميون والدوليون للتواصل معه.
تنسيق وتباين
وعلى الرغم من التنسيق المعلوماتي والأمني المشترك بين “حماس” و”الجهاد الإسلامي” قبل وأثناء عملية “طوفان الأقصى”، إلا أنّ الطرفين حرصا على إبراز مواقف مختلفة خلال الساعات التى سبقت البدء فى تنفيذ بنود الصفقة التي تم التوصل إليها برعاية مصرية وقطرية وأمريكية لتبادل الأسرى والمحتجزين مع الدولة العبرية، وهو ما لفت الأضواء مجددًا إلى تباينات كلاسيكية بينهما.. وعوضًا عن إصدار بيان مشترك باسم لجنة التنسيق الأمني التي تجمعهما مع بقية جماعات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، أصدرت كل من “حماس” و”الجهاد” بيانين منفصلين.
وإذ كان لافتًا اعتبار أسامة حمدان القيادى البارز في حركة “حماس” أنه “في مرحلة ما بعد الحرب لن يستطيع الإسرائيلي التفاوض إلا مع حركة حماس”، جرى تفسير كلامه هذا على أنه “محاولة من الحركة للتفرّد بالقرار السياسي في تقرير مستقبل غزّة والاستئثار بعملية صنع القرار الفلسطيني الخاص بمصير القطاع وحكمه بعد الحرب”.
ولم يمنع الظهور الإعلامي الاعتيادي للناطق الرسمي باسم كتائب القسّام “أبو عبيدة”، نظيره “أبو حمزة” الناطق الرسمي باسم سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد من تسجيل حضوره الإعلامي على ساحة المعركة، وإن لم يكن بالحظوة نفسها والأسلوب نفسه الذي اتبعه الأول، والذى بات ضيفًا شبه ثابت على قناة “الجزيرة” القطرية برسائله الصوتية والمرئية.
وربما لعب وجود المكتب السياسي لحركة “حماس” في الدوحة، عاملًا مهمًا في تفسير حظوة “أبو عبيدة” الإعلامية على الشاشة القطرية، لكنه أيضًا نجح في توظيف قناة “تيليجرام” الإلكترونية لتوصيل رسائله، في ظل بُعد “أبو حمزة” عن الإمساك بأدوات الانتشار الإعلامي الحديثة.
وقبل ساعات من بدء مفاعيل الصفقة الأخيرة لتبادل الأسرى، لوّح الأمين العام لحركة “الجهاد”، زياد نخالة، بالانسحاب منها، موضحًا أنّ طريقة المفاوضات التي تتعلق بأسرى الاحتلال قد تدفع “الجهاد” إلى الخروج من الصفقة واحتفاظها بما لديها من أسرى لظروف أفضل.
ووفقًا لما أعلنه نخالة، فلدى حركته أكثر من 30 أسيرًا من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، علمًا بأنها بثّت شريط فيديو لامرأة وفتى ضمن الرهائن الذين تحتجزهم، مؤكدةً استعدادها للإفراج عنهما في حال توافرت “الشروط الملائمة ميدانيًا وأمنيًا”.
تعقيدات ميدانية
وكانت “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة الجهاد، قد نفّذت قبل ساعات من انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، مناورة عسكرية باسم “بشائر النصر” في قطاع غزّة لعدة ساعات، في محاكاة لعمليات هجومية متقدّمة على مواقع عسكرية بكثافة نارية، وإطلاق عدد من الصواريخ التجريبية باتجاه البحر تسببت بتفعيل صفارات الإنذار في المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع.
المناورة جاءت بعد أسابيع من مناورة مماثلة نفذّتها “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة” وشارك فيها 12 جناحًا عسكريًا في 12 سبتمبر/أيلول الماضي تزامنًا مع الذكرى الـ18 لانسحاب إسرائيل أحادي الجانب من القطاع.
لكنّ تطورات عملية “طوفان الأقصى” أظهرت قيام كل فصيل بمعاركه بشكل منفصل، وهو ما فسّره مسؤول مصري مطّلع لـ”عروبة 22″، بأنه يرجع إلى ما وصفه بالتعقيدات الميدانية وتعذّر الاتصالات بشكل مستمر وسط الحرب.
وأضاف المصدر: “هذا أمر طبيعي.. الاتفاق على الهجوم الاستراتيجي، مع ترك المجال لاتخاذ كل منهما القرارات التكتيكية وفقًا لظروف الميدان”.
تاريخ الخلافات
امتنعت “حماس” عن مؤازرة “الجهاد” في ثلاث مواجهات سابقة مع إسرائيل آخرها تلك التي استمرّت 5 أيام، قبل وقف إطلاق النار بوساطة مصرية في 13 مايو/أيار الماضي، رغم الإعلان عن أنّ المواجهة تُدار بتنسيق كامل عبر “الغرفة المشتركة”، ما جرى تفسيره خطأ على أنه سعي من “حماس” لمسارٍ جديد في معادلة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ورغم أنّ “حماس” لم تتجاوب مع ضغوط إيرانية كبيرة لدفعها للانضمام إلى “الجهاد” في تلك المعركة، فقد شدّدت على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، خلال زيارة إلى طهران على أهمية “وحدة الفصائل المقاوِمة وقرارها المشترك”.
ولم يمنع اتفاق الطرفين في الكثير من الأهداف والمبادئ، وإبرامهما عام 1992 “ميثاق الإخوة والتعاون”، من التنافس على النفوذ الذي يدور بينهما والذي لا يخلو من احتكاكات في بعض الأحيان.
ومع ذلك تبقى العلاقات ما بين “حماس” و”الجهاد” معقّدة، وقائمة على توازنات دقيقة، بعدما انتقلت من مرحلة “التنافس” بين الحركتين إلى مرحلة “المركز والأطراف” بعد سيطرة “حماس” على قطاع غزّة في عام 2007.
وإلى جانب “الجهاد” التي تحتل المرتبة الثانية من حيث القوة والتسليح والعدد بعد “حماس”، هناك العديد من الجماعات المسلحة الأخرى فى غزّة، من بينها لجان المقاومة الشعبية “ألوية الناصر صلاح الدين” التي تأسّست في عام 2000، وتُعد ثالث أقوى فصيل مسلّح في قطاع غزّة، من حيث قدراته البشرية والتسليحية، لكنها ورغم اغتيال عشرة من أبرز قادتها ومؤسّسيها خلال السنوات العشر الماضية، لم تعلن عن اسم زعيمها الجديد.
كذلك، ثمة حركات انشقت على حركة “فتح”، أبرزها “كتائب المجاهدين” التى أسّسها عمر أبو شريعة عام 2006 بعدما تمرّدت على “فتح”، واضطرت إلى إعلان فقدان اتصالها بعدد من المجموعات المكلّفة بتأمين أسرى إسرائيليين.
وفى مقابل مجموعة أيمن جودة وكتائب عبد القادر الحسيني وأحمد أبو الريش التي تشكّلت عام 2000 في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، هناك كتائب جهاد جبريل الجناح العسكري للجبهة الشعبية القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، بالإضافة إلى كتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي ساهمت في الحرب الإسرائيلية على غزة عامي 2008 و2012، فضلًا عن كتائب المقاومة الوطنية، الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وعلى الرغم من أنّ مجموعات المقاومة المسلّحة الأصغر في القطاع، منخرطة في الأعمال القتالية إلا أنّ إمكانياتها المحدودة، سواء على مستوى العدد أو العتاد وحتى على المستوى الإعلامي، جعلتها في خلفية المشهد الذي لا ينافس “حماس” على تصدّره سوى “الجهاد”.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى