بقلم: الدكتور أحمد كافي
ومن التدافع الراشد الالتزام بموضوع النازلة المعروضة على المغاربة وبالموضوعية. حتى يستمع العقلاء إليهم، ويعلمون أنهم يتكلمون مع عاقل لا مع غير عاقل رفع عنه القلم واللسان.
وموضوعنا، هو: إدخال التعديلات ذات الأبعاد القانونية والقضائية لموضوع الأسرة. وليس موضوعنا هو الهجوم على مدونة الأسرة.
والموضوعية، أن هذه المدونة قد أشرف عليها علماء بلدكم مع مجموعة من الفضلاء من توجهات مختلفة، وهي أقصى ما توصلوا إليه من التوافق عليها.
ولا يوجد فيها مسألة فقهية واحدة خارج الفقه الإسلامي العظيم، بل أخذت من المذهب المالكي، وخالفته في قضايا أخرى بأن حطت رحلها عند مذاهب فقهية مختلفة، بل واخذت بالأقوال الضعيفة…
ولسنا ننكر على اللجنة التي أعدت مدونة الأسرة هذا الاختيار، بل نباركه، وندعو الله لهم على ما قدموه للمغرب والمغاربة من اختبارات رأوا فيها قدرا من المصلحة معتبرة.
ولماذا نذهب بعيدا، فجميع المدونات السابقة قد نهجت وسارت على هذا المهيع. ودونك تقرير اللجنة الأولى لعام1957م، حيث أكدت أنها إنما خرجت إلى هذا المذهب أو إلى هذا الرأي الفقهي أو ذاك لاعتبارات منها: حاجة المجتمع المغربي إليها. ونصت على أنها تركت آراء تراها معقولة وراجحة لأن المجتمع المغربي لم يتأهل بعد لقبول هذه الاختيارات.
وفي جميع المدونات كان آخر نص فيها هو: كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى الراجح، أو المشهور، أو ما جرى به العمل في المذهب المالكي.
ومعنى المشهور: ما كثر قائلوه وإن لم يكن دليله قويا.
ومعنى ما جرى به العمل: هو الأخذ بالقول الضعيف أو الشاذ، وترك الراجح والمشهور، لحاجة أو ضرورة أو غيرهما.
وبعض من لا علم لهم بالفقه ولا بمدونات الأحوال والأسر، ينطلقون من غير ضابط في القول، وهم مسؤولون عنه أمام رب العالمين.
إن من حقكم أن تدافعوا عن آراء نخالفكم فيها، أما اتهام الناس، أو اعتبار ما هو موجود مخالف للشريعة فأمر لا نقبله منكم، فافعلوا ما بدا لكم، فلن نسكت عن انحرافكم واتهاماتكم.
ومن عنده مسألة واحدة في مدونة الأسرة تخالف الفقه الإسلامي، فليعرفنا بها حتى ندفع الجهل عن أنفسنا، فإن كانت الأخرى وتعسر عليك العثور عليها فالتزم غرزك ومكانتك.
وقد قام أخي الفقيه عبد الله بنطاهر السوسي التناني بجرد إحصاء للمسائل الفقهية في مدونة الأسرة، وبين أنها: 2000 قضية فقهية. وقسمها إلى أربعة أقسام، وهي:
* القسم الأول: ما خرجت فيه مدونة الأسرة عن المذاهب الأربعة(14 مسألة فقهية).
* القسم الثاني: ما خرجت فيه مدونة الأسرة عن المذهب المالكي(50 مسألة فقهية).
* القسم الثالث: ما أخذت فيه مدونة الأسرة بالقول الضعيف في المذهب المالكي(13 مسألة فقهية).
* القسم الرابع: المسائل الفقهية التي التزمت فيه المدونة بالمذهب المالكي، هو:1927 مسألة.
وإذا حولنا هذه المسائل الفقهية إلى نسب، فإننا نجد ما يلي:
القسم الأول: ما خرجت فيه مدونة الأسرة عن المذاهب الأربعة: 0,5٪
القسم الثاني: ما خرجت فيه مدونة الأسرة عن المذهب المالكي: 2,5٪
القسم الثالث: ما أخذت فيه مدونة الأسرة بالقول الضعيف في المذهب المالكي 0,65٪
ومجموع هذا الخروج عن المذهب المالكي هو: 73 مسألة فقهية، أي بنسبة: 3,65٪
والقسم الرابع: المسائل الفقهية التي التزمت فيه المدونة بالمذهب المالكي، نسبتها: 96,35٪.
ليتأكد لنا أن مدونة الأسرة قد أخذت بالمذهب المالكي عموما. وأن ما خرجت فيه عن المذهب المالكي قليل جدا جدا، ونسبته هزيلة، والحاجة إليه ماسة وشديدة(أنظر إحصاءه في الصور المرفقة).. وخلاصة دراسته أنه لا توجد مسألة واحدة في مدونة الأسرة تخالف الفقه الإسلامي العظيم، نعم تخالف المذهب المالكي…وهذا أمره هين، بل قد يتعين.
ولقد دعينا لتجويد مدونة الأسرة في مقتضياتها القانونية والقضائية، وليس لهدمها على رؤوسنا، فليس هذا عمل العقلاء. ومن زعم ما لا علم به، واتهم الناس بجهله، فالمعرة به أولى، والتهمة به أليق.