الواجهةثقافة وفنون ومؤلفات

«موسوعة الحكايات الشعبية المغربية»: تأريخ للذاكرة الجمعية وإعادة الإعتبار للتراث

بقلم : الطاهر الطويل.

عن القدس العربي

    هل ولى زمن الحكايات الشعبية إلى غير رجعة؟ ألا يستحق أطفالنا أن ينصتوا إلى صوت الحكمة والمتعة في تلك الحكايات؟ وهل من راهنية لها في زمن العولمة، سواء كانت راهنية اجتماعية أم معرفية أم تربوية؟ ألا يجدر بالمربّين والباحثين والآباء أن يستعيدوا الحكايات الشعبية، وفاء للذاكرة الجمعية، باعتبارها جزءا من التراث المهدد بالضياع مثل، العمران والأغنية الشعبية والفروسية وغيرها من المظاهر المشرقة للماضي؟

    تلك جملة من الأسئلة والإشكالات التي تؤطر كتاب «موسوعة الحكايات الشعبية المغربية» لمؤلفه محمد فخر الدين، الصادر ضمن منشورات معهد الشارقة للتراث، في 300 صفحة من القطع المتوسط.

    يتكون المتن الحكائي المقدم في هذا الكتاب من مئة حكاية شعبية مغربية، جمعت من مناطق مختلفة من المغرب: الجديدة، دمنات، أزيلال، بني ملال، أبي الجعد، فكيك، ميدلت، الرشيدية، الخميسات، الشاون… ويتميز بكونه مختلفا ومتعدد الروايات، فهو لم يعمد في جمعه على منطقة واحدة، لذلك، يتسم بغناه وقدرته على تمثيل السرد الشعبي المغربي، ما يسعف الباحث والدارس، خاصة أنه جمع كمادة خام ـ حكايات شفاهية ـ حرص صاحب الكتاب على الحفاظ عليها، كما وردت بدون تغيير كبير، مع ما اكتنف عملية الجمع والتدوين من صعوبات جمة؛ علما بأن المؤلف استعان في هذه العملية التي استغرقت حوالي عشر سنوات بفريق كان على اتصال وثيق برُواة وراويات الحكايات، لاسيما من كبار السن.

    يشدد محمد فخر الدين على أن اندثار تقاليد وطقوس جلسات الحكي، وحلول متابعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية، مكان متابعة الحكايات الشعبية، أدى إلى محاربة الحكاية الشعبية في عقر دارها، أي داخل الأسرة في القرية، من خلال إدخال وسائل اتصال حديثة في الوسط القروي، وتفكيك العلاقات الجماعية التقليدية التي كانت دعامة للسرد الشعبي في الماضي، وتفكك الفكر الجمعي، وهيمنة النزوع الفردي تحت ضغوط الاقتصاد النقدي. وهكذا أصبحت جلسات السرد الشعبي نادرة، وتكاد تنحصر في بعض البوادي وبعض المناطق النائية، وفي بعض الأسواق الأسبوعية والساحات العمومية التقليدية التي تقدم ـ خاصة ـ حكايات شعبية (عربية) مستمدة من ألف ليلة وليلة أو من السير الشعبية.

    تندرج كتابة هذه الحكايات ـ كما يوضح مؤلف الكتاب ـ في إعادة الاعتبار للتراث الحكائي الشعبي المغربي، والوعي بقيمة هذا التراث، باعتبار أنه يمكن أن يكون نقطة انطلاق وتجديد للأدب الشعبي وللأدب المغربي بشكل عام، واستثمار بنياته السردية وأخيلته في ميادين أخرى مواكبة للعصر.

  •     ويلاحظ فخر الدين، أنه رغم القيمة الجمالية لهذا التراث، فإنه لا يوجد اهتمام كاف من طرف المؤسسات العلمية في المغرب بهذا الميدان، على غرار الدول الأخرى التي تخصص لدراسته شُعَبًا وفروعًا، لبيان العبر الجمالية والسياسية والاجتماعية منه. كما يلفت الانتباه إلى أن إصدار هذا الكتاب يندرج ضمن إمداد التلاميذ والآباء والمدرّسين والباحثين بمادة خام، قد تصلح لمآرب شتى، يذكر من بينها :
  • مادة تربوية وأخلاقية، تربي وجدانيا بعض القيم الأخلاقية.
  • مادة تعليمية يمكن أن يجد فيها المدرّس أمثلة لدرسه، أو معطيات اجتماعية يمكن أن فيما في المقاربة التربوية بالكفايات المستعرضة.
  • مادة للبحث والمعرفة للجامعيين في مجالات علمية متعددة، كالأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم التربية والأدب الشعبي واللسانيات.
  • مادة للتسلية تجمع الآباء بأطفالهم في جلسات حكي حميمية تقوي الروابط الأسرية.
  • مادة نفسية قد تقي من القلق الذي يصيب الأطفال نتيجة تقديم مواد إعلامية غريبة عن واقعهم.
  • مادة فنية رمزية وتخييلية، يمكن أن توفر للمنشطين والفنانين نصوصا يمكن أن تستثمر في المسرح أو السينما، أو حتى في الدعاية الإشهارية أو الانتخابية.

    ويوضح محمد فخر الدين، أنه جمع هذه الحكايات من مناطق متفرقة، لكنه لاحظ مدى التشابه بينها وبين حكايات أخرى، ما جعله يقتنع بأن الحكايات لا وطن لها، فهي إنسانية مرتبطة بالوجود، لذلك، فهي موجودة في كل مكان، وعند كل الشعوب، ونسبتها إلى مكان معين هي نسبة جغرافية وتاريخية فقط، على اعتبار أن أي بحث عن الأصول لا معنى له. فقد تكون سليلة الأساطير الأولى التي فسر بها الإنسان العالم تفسيرا خرافيا.

    تتصدر الكتاب كلمة للأديب والباحث المغربي محمد السرغيني، يشير فيها إلى أن هذا المؤلَّف يحاول أن يشعرنا برحابة التراث الشعبي الشفهي في المغرب، حين يشير إلى تقسيمه إلى جغرافيات حسب المناطق التي ينتمي إليها. على أن هذا لا يمنع من أن يكون النص الواحد قاسما مشتركا أعظم بين مجموعة من المناطق، كل منطقة تقدمه بالشكل الذي يناسب نزوعها اللغوي، وضروب فحواه الأخلاقية.

    ويضيف السرغيني قوله إن هذا الكتاب يسدّ فراغا في بابه، رغم أنه مسبوق بغيره من الكتب المغربية المكتوبة بالعربية أو الفرنسية، تلك التي اهتمت بالموضوع. على أن فرادته التي امتاز بها عن غيره، هي أنه توجّه بتصنيف الحكاية إلى الناشئة التي عليها استخلاص العبرة من الحكي بطريقتها الخاصة وباجتهادها الشخصي.

    تجدر الإشارة إلى أن محمد فخر الدين حاصل على دبلوم من كلية علوم التربية تخصص منهجية تدريس اللغة، ودبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في السيرة الشعبية العربية «سيف بن ذي يزن» تحت إشراف محمد برادة؛ كما حصل على دكتوراه في الحكاية الشعبية المغربية «البنية السردية والمتخيل» تحت إشراف محمد السرغيني.

كاتب من المغرب.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى