مجرد رأي

الحرب و الهدنة وجهان لعملة واحدة

 

جاء في لسان العرب لابن منظور، الهدنة تعني السكون بعد الهيج،وقولنا، هدن ويهدن هدونا، أي سكن ،وهدنه أي سكنه، والفعل منها يأتي لازما ومتعديا، وهادنه مهادنة، أي صالحه، والاسم منها، الهدنة، ويقال للصلح بعد القتال، والهدنة هي الموادعة بين المسلمين والكفار،وبين كل المحاربين كذلك.
وفي الاصطلاح: الهدنة هي أن يعقد الإمام أو نائبه، عقدا على ترك القتال لمدة، وتسمى مهادنة ومواعدة أو معاهدة(المغني لابن قدامة)
قال تعالى:” وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ.:الأنفال
وفي هذا السياق، قال ابن رشد:” فأما هل تجوز المهادنة، فإن قوما اجازوها ابتداء، إذا رأى الإمام مصلحة للمسلمين، وقوما لم يجيزوها إلا للضرورة الداعية لأهل الإسلام..”
ولهذا اشترط العلماء لتوقيع المهادنات مايلي:1- أن يكون العاقد لها الإمام أو نائبه.2- أن تكون لمصلحة. 3- أن تخلو من أي شرط فاسد.4- أن تكون لمدة معينة يعينها الإمام باجتهاده.
فوقفا لهذه المعاني، والأحكام والشروط والمقاصد، فإن العقلية العسكرية الإسلامية، ميالة للسلم، كارهة للحرب، لما في ذلك من حفظ للاديان والابدان والاموال والعقول والولدان.
لكن اتضح انه في حرب العرب مع العصابات الصهيونية، أن الهدن مع هذا الكيان الغاصب، لم تزده إلا غطرسة، وتوسعا في احتلال العقول والأرض، فمنذ قيام إسرائيل في 15/ماي/1948، وبعد الانتداب البريطاني على فلسطين، تمكن الصهاينة من ترسيخ كيانهم المعتدي، بقوة السلاح، واقتراض الأراضي، أو شرائها، ففي الحرب الأولى، بين العرب عموما وإسرائيل، وبعد 19 معركة، كانت الهدنة الأولى لمدة 04 اسابيع، حققت فيها إسرائيل، تدفقا عاليا لمعدات الحرب،واعدادا من المجندين،وذلك في يونيو 1948،كما دعمت الجيوش، بالطائرات، و القطع البحرية، التي تفوقت بها على الجيوش العربية.
وفي هذه الفسحة، عقدت اتفاقيات مهمة،منها اتفاقية رودس في 24/02/1949 تكريسا لانتصار الصهاينة على العرب، واحتلال الأرض تحقيقا لهدفهم الأسمى: الموطن الموعود، في أرض الميعاد، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية بخبرائها من الركائز الأساسية في عقد هذه الاتفاقيات، سواء مع الفلسطينين أو المصريين أو اللبنانيين أو مع سوريا والأردن.
وبهذا الاتفاق المبرم مع كل الدول، بدأ طوفان التطبيع يهيمن على السياسة الإقليمية والجهوية والعالمية، مما جعل منظمة الأمم المتحدة تقبل وبدون تحفظ إسرائيل كدولةذات سيادة،يجب احترامها،والتسليم بها طبقا لقوانين الأمم المتحدة التي ” تقر حق كل دولة في الحياة والسلام بحدود آمنة معترف بها” وذلك ” بضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية”.
ازداد الكيان الصهيوني بعد كل حرب وبعد هدنة رسوخا لافي حرب 48 ولا 56 ولا في 67 ولا في سنة 1973،في حين انتشرت المخيمات، و اكتضت باللاجئين ،وارتفع عدد المهجرين.
أيد العرب كل الاتفاقيات، لكن لم ينفذ اي قرار فيها،لا قرار 242 القاضي بانسحاب إسرائيل من أراضي فلسطين، كما لم تستطع الدول الخمس الكبرى، إيجاد حلول منصفة للشعب الفلسطيني..بل وتم توقيع اتفاقية أوسلو ووادي عربة .
إذن فالحرب والهدنة سلاح الصهاينة فهما وجهان لعملة واحدة، تحقق إسرائيل بالثانية ما لم تحققه بالأولى، أو لنقل باختصار الحرب تمهيد والهدنة تنفيذ، الشيء الذي يزيد الصهاينة الغاصبين رسوخا وتقدما،تطبيقا لسياساتهم في التطبيع الثقافي والسياسي والاقتصادي وحتى الأمني.
السبت 10 دجنبر 2023موافق 25 جمادى الأولى 1445
محمد كندولة.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى