الواجهةلحظة تأمل

لحظة تأمل : “الشبح .. والوسام” الجزء الأول

بقلم ذ. محمد أنين

    عقارب الساعة، تشير اللحظة – وإبهامي الأيمن، ينقر على مفتاح الحروف بهاتفي – إلى الساعة 03 و53 من فجر يومه الخميس 12 نوفمبر 2020 ..

    وأنا أتلقى بكل فرح وسرور، تهانئ أخوات وإخوان لم تلدهن، ولم تلدهم أمي ..

    أحرر مقالا عفويا .. كل شيء فيه عفوي ..

    “مقال عفوي” في انبثاق فكرته، من خلال طلب عفوي هو الآخر، من مدير جريدة الجديدة نيوز، وهو يبارك لي هذا التتويج قائلا:” أنتظر منك مقالا بهذا الشأن” ..

    “مقال عفوي” في اختياري لعنوانه، وعفوي في سردي لأحداث تؤثت ضفتيه، بكل صدق وأمانة !.. وبنوع من الإختصار الكبير ..
أحداث غطت مساري الإداري المتواضع، متنقلا بين أربع وزارات ومؤسستين عموميتين ..

    لذا فإن هذا المقال، سيكون عبارة عن حلقات، تجمع ما بين النوستالجية، وجانب من السيرة الذاتية ..

    .. تعود بي الذاكرة إلى الوراء .. إلى تاريخ 21 مارس من سنة 1988 .. تاريخ تدشيني لمشوار .. أو بالأحرى لنضال إداري طويل .. ولتجربية متنوعة، صادفت على امتدادها كل أنواع البشر :.. الطيبات والطيبون .. العصاميات والعصاميون .. عزيزات النفس، وعزيزو النفس .. الوصوليات والوصوليون .. المتملقات والمتملقون ..

    فعلا، قد أكاد أجزم أنني خلال مساري الإداري، الذي تجاوز ثلاثة، قد صادفت كل النماذج البشرية/الإدارية.

    ما زلت أذكر أول لحظة، ألج فيها مرفقا عموميا، لأقابل المسؤول عنه، كمجند مدني، قادم من الجامعة بعد حصولي على شهادة الإجازة في الحقوق، شعبة القانون العام، اختصاص العلاقات الدولية، بميزة حسنة ..

    كانت أول إدارة أعمل بها حينها، هي المحكمة الإبتدائية بالجديدة، التي كان يرأسها ذلك الوقت الأستاذ الزعيم ..

    سنتا الخدمة المدنية هته، كانتا بمثابة الفترة الانتقالية بين عالم الجامعة، بحمولتها الفكرية والنظرية والنضالية، وبين إدارة تتجاذبها البيروقراطية من جهة، وحلم التطور والانطلاق نحو انفتاح يتبناه شاب تلك الفترة، بل ويستميت من أجل تحقيقه من جهة ثانية ..

    أسماء كثيرة تعرفت عليها في ذلك الوقت :.. قضاة ومحامون ومنتدبون قضائيون، ومحررون وكتاب جلسات .. فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر .. منهم من بدل تبديلا .. ومنهم من لم يبدل ..

    ومن الأسماء الكبيرة الوازنة، التي لن أنساها ما حييت، القاضي المتميز، الأستاذ الكبير، المرحوم سيدي إبراهيم أسد.
هذا الرجل العصامي، الذي جمع ما بين التكوين الشرعي بالقرويين، والتكوين القانوني.. الأستاذ والمعلم والموجه والأب، كانت تجمعني به علاقة فريدة من نوعها، امتدت لسنوات طوال، حتى أنه قد زارني بإقليم أزيلال، رفقة زوجته الكريمة وابنته المصونة، وبمعية الأستاذ الطيب الكريم، الأخ والصديق، الأستاذ محمد بونعيم “القوة الناعمة”، كما يحلو للأستاذ البليغ، المتعدد المواهب الجيلالي فجار تلقيبه بها ..

    زيارة توثقها مجموعة من الصور الفوتوغرافية، بكل من بين الويدان وشلالات أوزود.. والتي مازلت أحتفظ بها بكل حرص وحماية..
كانت تلك الزيارة، آخر زيارة للمرحوم الأستاذ ابراهيم أسد الذي ستوافيه المنية، بعد دخوله في غيبوبة، ظل يردد خلالها وهو فاقد لوعية، الآية الكريمة “يا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسيا منسيا”.

    ولن أنسى ما حييت كيف أنه – وهو ينتقد بعض القضاة الفسدة – كيف كان ينصحني، ألا أختار العمل، في هذا المجال، قائلا:” هناك أحكام تصدر باسم صاحب الجلالة.. وأخرى تصدر بصورة صاحب الجلالة”، وهو يحك سبابة وإبهام يده اليمنى، كإشارة للنقود/ للرشوة !

    هذه الفترة التي قضيتها، مجندا بالمحكمة الابتدائية بالجديدة، تنقلت فيها للعمل بكثير من الأقسام، وقمت فيها بالعديد من المهام، منها تحرير الأحكام القضائية ..

    ما زالت أذكر حينها، القوة والاحترام الكبيرين اللذين كانت تحظى بهما نقابة المحامين، بقيادة الأستاذ النقيب المرحوم الطيب الواريثي ..

    وما زلت أذكر أيضا كيف أنني كنتُ مبهورا بقاضية شابة أنيقة، خفيفة الظل، طيبة ومحترمة.. إنها الأستاذة الفاضلة عائشة الشاهدي، والتي كنت أرى فيها تلك المرأة المغربية المناضلة، التي اقتحمت ميدانا، كان وحتى وقت قريب حكرا على الرجال..
وهي اليوم متعها الله بالصحة والعافية، تمارس مهامها بالنيابة العامة باستئنافية الجديدة ..

    من بين الأستاذة الأجلاء الذين تركوا بصمة في حياتي العملية، هناك المحامي الأستاذ التبر، بأناقته الراقية، وبصوته الدافء القوي ..

    هناك الأستاذ عبد اللطيف الفتوي، الإنسان الطيب، الذي تكاد الابتسامة، لا تفارق محياه..

    دون أن أنسى الأستاذ الكبير علي العلوي حسني، الذي فارقنا إلى دار البقاء منذ أيام قليلة..

    القائمة طويلة وطويلة جدا، بحيث لا يمكن حصرها في هذا الحيز الزمكاني الضيق.

    لقد كانت فترة الخدمة المدنية هته مليئة بالأحداث، سواء العملية، أو العائلية..

    ولأختصر فيها، تاركا المجال للحديث في حلقات قادمة عن تجار بوزارات أخرى كان لي شرف العمل بها، للتتراكم تجاربي، وتصقل مواهبي الإدارية ..

    المهم أنني، سأدخل القفص الذهبي، رفقة شريكة حياتي ورفيقة درب النضال، والتي أنا مدين لها بالشيء الكثير ..

    وأعترف أنني ومهما قدمت لها، فلن أستطيع أن أوفيها حقها، تضحية وصبرا على حماقاتي الكثيرة والتي لا نهاية لها ..

    وقبل إنهائي لسنتيْ الخدمة المدنية، كنتُ أترددت بين امتهاني للمحاماة، أو سلكي لطريق الوظيفة العمومية، الشيء الذي دفعني لاجتياز – وأنا في الشهور الأخيرة من خدمتي المدنية – إلى اجتياز مباراة مفتشي وزارة البريد والاتصال السلكي واللا سلكي ..

    أذكر جيدا، ذلك “الأربعاء”، الذي انتهت فيه مهمتي بوزارة العدل، وكيف أن زوجتي كانت حاملا.. وكيف كنت مهددا “بشبح العطالة” !! وكيف كانت الأسئلة تحاصرني ..!! بل وتؤرقني ..!!

    ..” إسراء”، مولودي البكر قادمة .. والمسؤوليات المضاعفة تطل علي برأسها !!

    إلاهي ما العمل ؟

    ..وأذكر كيف أنني كنتُ قبيل توديعي للمحكمة، كنت بين الفينة والأخرى أتصل بالسيدة الطيب “صفية” بوزارة البريد، متسائلا عن نتيجة المبارة التي شاركت فيها ..

    وأذكر أيضا كيف أجابتني بسؤال كالتالي : ” واش عندك شي فلوس ؟ هاد الناس راهم مدورينا ملايين” .

    فكان جوابي عفويا وسريعا :” عندي الله” ..

    كان جوابي صحيحا 100%.

    ذلك أنني بعد انتهاء فترة خدمتي المدنية، يوم الأربعاء، لم أذق طعم البطالة، إلا لثلاثة أيام فقط ..

    فالبشرى جاءت يوم الجمعة، من خلال برقية توصلت بها، تفيد أنني قد نجحت في مباراة المفتشين .. وليس هذا فقط، بل حصلتُ على المرتبة الأولى.

    لتنطلق تجربة ثانية، سأترك الحديث عنها إلى الحلقة القادمة، من لحظة تأمل ..

    عقارب الساعة تشير الآن إلى 05 و05 دقائق ..

    ماذا أقول لكم : (صباح الخير .. أو تصبحون على خير) ؟

    .. أفضل أن قول لكم : “شكرا على سعة صدركم”

 

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى