الواجهةحقوق الإنسانمجرد رأي

في الذكرى 43 لاختفاء بوجمعة هباز

 

أبو نضال

تحل يومه الجمعة 19 ابريل 2024 الذكرى الثالثة و الاربعون لاختفاء الناشط الامازيغي بوجمعة هباز . لا يزال من تبقى من العائلة بعد وفاة الابوين يمنون النفس بسماع خبر عن شقيقهم الذي اختطف من منزله في مثل هذا اليوم من سنة 1981 . أي بعد عودته من فرنسا و حصوله على دكتوراه  السلك الثالث  في اللسانيات في موضوع: ” مقولة الجهة في الأمازيغية تاشلحيت المغرب، منطقة إيميني (مراكش- ورزازات)”. .

بعد حصوله على البكالوريا و هو يمارس مهنة التدريس التحق بوجمعة هباز بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل على شهادة الإجازة في اللغة الفرنسية والتي خولت له تغيير الاطار و الاشتغال بثانوية مولاي يوسف بالرباط.  و على هذا الأساس كون عائلته هناك.  و تزوج من إحدى بنات احد  الميسورين بمنطقة سوس  . المرأة التي عشقها و التي تشترك معه اللغة (الامازيغية)و الجغرافيا (منطقة سوس). و التي صحبت معها خادمة الى العاصمة .و لما سألها بوجمعة عمن تكون هذه الصبية ؟ اجابت بانها بنت من العائلة  جاءت لتساعدها في اشغال البيت و في نفس الوقت تؤنسها في غيابه . قبل بالطفلة على انها عضو من العائلة تتمتع بجميع الحقوق خصوصا و انها لا زالت صغيرة.

 و في احدى المرات وجد الصبية تبكي عند باب المنزل . فهدأ من روعها و سألها عن سبب البكاء. فردت بان:” لالة ضربتني” فمن تكون لالاك ؟ هي فلانة زوجتك . انت لست قريبتها اذن  انت خادمة ؟  فردت بالإيجاب . احس بنوع من الشتيمة كونه يرعى العبودية بمنزله من حيث لا يدري . و لما حلت زوجته بالمنزل اعلن عن طلاقها و اخبر ابوها بذلك . و قال لن يستعبد بوجمعة أبناء البسطاء في بيته. و لا يسمح باستعباد الأطفال في منزله و محيطه . و تم الطلاق حبيا و انتهى حبه الأول و الأخير .  

و يعتبر الطلاق جزء من الأسباب التي عجلت بالابتعاد عن ارض الوطن مرحليا . فطلب منحة  لمتابعة دراسته بفرنسا لتهيئ أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في اللسانيات، و تم له ذلك . و كانت هذه صيغة للهروب من عشقه الأول مضاعفات طلاق عشقه الاول .

اقامته بفرنسا لم تكن بالسهولة اذ لقي معارضة شديدة لافكاره التي لا تتلاقى  في نفس النقطة مع المعتقد السائد لدى النخبة الفرنسية و خصوصا المستمزغين كما يحلو له تسميتهم . و بعد صراع مرير مع المشرفة على رسالته الجامعية التي كانت تطالبه دائما بالاختصار ناقش في الأخير الرسالة و نال شهادة  الدكتوراه ليعود الى المغرب و يشتغل أستاذا مساعدا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط  الى ان حل  ذلك  المساء الأسود . يوم اكترى منزلا بحي اكدال و طلب من صديقه المهتدي كي يرافقه الى سكنه  الجديد عوض المكوث بالحي الجامعي السويسي .

و هما بهذا البيت طرق الباب شخصان لم يكن له سابق معرفة بهما و قدما نفسهما على انهما موظفان بوزارة التربية الوطنية و بدأت اسئلتهما تطرح حول مضمون الرسالة . و هو ما اعتبره المهتدي عاديا الشيء الذي حدا به ليطلب  من الثلاثة وقتا قصيرا كي يلتحق بالحي الجامعي الذي ل يبعد كثيرا عن المنزل  لأخذ بعض الاغراض و يعود فورا . و في العودة وجد المنزل غير مغلق و بدون صديقه . ترى اين بوجمعة ؟ و اين موظفا التربية الوطنية؟  و منذ هذا المساء لا يعلم المهتدي و لا تعلم عنه العائلة أي شيء رغم البحث المضني في كل الأماكن بدءا من الرباط.

 المتصفح  لأطروحة هباز، يلمس حمولتها السياسية . نهلت مما يخالج فكره الاثني و الحقوقي و المغربي . و على هذا الاساس “دخل في جدل علمي مع ثلة من المستمزغين الفرنسيين Les  berbèrisants خصوصا أولئك الذي اشتغلوا مع إدارة الحماية الفرنسية، ولا سيما أندريه باصي حين قال أن ” الأمازيغية لم تنتج قط لغة حضارة“Le berbère n’a jamais fourni une langue de civilisation.

وشكلت أطروحته – بتضمنها للكثير من الحقائق التاريخية والسيسيولوجية المثيرة، وتناولها للجانب الشائك في الأمازيغية، ودحضه لآراء  المستمزغين الفرنسيين خاصة العسكريين منهم العاملين في إدارة الحماية – بيانا سياسيا عاما حتى قيل أن الرجل بصدد الإعداد لثورة ثقافية بالمغرب، وبصدد الإساءة لتاريخ العلاقات المغربية الفرنسية”.(فقرات من بحث نشر بهيسبريس )

رسالة الدكتوراه هي في الأصل تعبير عن سلوك حقوقي بامتياز . تعبير عما يخالج فكر الرجل الذي لم يقبل برعاية العبودة داخل منزله و ضحي  بحبيبته التي لم تشاركه نفس  الاهتمام . هو نفس الدرب الذي سار عليه من اجل الدفاع عن كرامة الانسان انطلاقا من تاريخه و من هويته و كينونته داخل المجتمع. و هذا  يعطي  هامة مغربية لن يجود الزمان بمثلها .

قد يقول قائل بان رسالته سبقت وقتها. خصوصا و ان المغرب آنذاك كان يعيش تحت وطأة الجمر و الرصاص. و المجتهدون  من المفرنسين المغاربة  أولوا(فتح الواو المشددة) مفاهيم الرسالة و أعطوا خلاصات مفادها ان ما كتب يتعارض مع المصالح العليا للبلاد . علما ان الرسالة تدافع عن مكون من مكونات المجتمع المغربي الذي أعطاه دستور 2011 مكانة مرموقة في ديباجته : “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء“.(فقرة من تصدير دستور 2011)

كان الترافع قويا و هو يدحض اراء المستمزغين الفرنسيين الذين رسموا وجهة نظر خاصة بهم بعيدة كل البعد عن الحقيقة و عن التاريخ . فماذا يعرف المغاربة عن بوجمعة هباز و بالخصوص نشطاء الحركة الامازيغية بالمغرب ؟ لهذا سألت مسؤولا برواق احدى الجمعيات  الامازيغية بالمعرض الدولي للكتاب بالبيضاء  قبل زمن  الجائحة عن أي شيء يؤرخ لبوجمعة هباز  . فامدني  بكوفية تحمل صورته . وتساءلت عن السبب فأجاب  و هو يتنهد بان بوجمعة انما هو مناضل امازيغي . و وسائل الاعلام لم تنصف الرجل . بل حتى اصدقاءه الذين عايشوا معه تجربة الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي لا يذكروه الا لماما. لن تجد له اثر لا في الدراسات و لا في مؤلفات غير الأمازيغ .  ثم أضاف بأنه حتى هيئة الانصاف و المصالحة أعطت  الأولوية لفصيل واحد من ضحايا  سنوات الجمر و الرصاص.

و تأكد لي هذا  بعدما سألت السيد مبارك بودرقة – و هو يزور مدينة الجديدة لحضور حفل توقيع  احد مؤلفاته (“بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة، من مذكرات مبارك بودرقة (عباس)”.) –  الذي كان عضوا بهيئة الانصاف و المصالحة و الذي كتب كثيرا عن تجربة العدالة الانتقالية . و بدا لي و كأنه لا يعرف بوجمعة هباز. علما ان صديق بوجمعة “المهتدي” كتب افادة و سلمها الى الهيئة . و يحكي فيها كيف تعرض صديقه للاختفاء القسري . و كيف تعرض هو الاخر الى الطرد من الإذاعة الوطنية لكونه كان صديقا لبوجمعة هباز. و هنا أتساءل : كيف لرجل من قيمة “عباس” لا يعرف هامة من طينة هباز؟ ام ان المذكرات الصادرة يجب ان لا تتضمن بوجمعة . علما ان قناة الامازيغية بالشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة المغربية قد بثت شريطا عن حياة بوجمعة هباز منذ البداية الى الاختفاء. و هذا  يعني ان قضية السجين بلا عنوان ليست “طابو” .

فبوجمعة من ايقونات الحركة الامازيغية . تقدمي .صاحب مبدأ حقوقي . و طني ترافع ضد المستعمر الذي اعطى لنفسه الحق كي  يمرر مجموعة من المغالطات في حق أحد مكونات المجتمع المغربي و الذي ساهم في بناء الحضارة المغربية عبر العصور  .

المطلوب إخراج فكر بوجمعة هباز الى التداول  انطلاقا من رسالة الدكتوراه و الموجودة بأرشيف جامعة السوربون بفرنسا. و التعريف بهذه الشخصية  عبر ترجمة الشريط السالف الذكر الى العربية و الى الفرنسية. فأفكار الرجل كانت  دفاعا عن احد مكونات الثقافة المغربية . كانت ترافعا ضد الفكر الاستمزاغي الذي صور الامازيغي مجرد انسان بدائي . و ان لغته ليست لغة حضارة . و المطلوب  قبل ذلك الكشف عن مصير بوجمعة هباز في ذكرى اختفائه الثالثة و الربعين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى