الواجهةثقافة وفنون ومؤلفات

“جلسة مع حجيب، تفاجي القليب”

نورس البريجة : خالد الخضري.

    كان لي ليلة عيد المولد النبوي الشريف، حظ ومتعة مجالسة الفنان الشعبي المغربي حجيب ببيته في الرباط رفقة بض أعضاء مجموعته السادة: إبراهيم بلجوهر وأحمد أخبيب عازفي إيقاع ثم منير فاروق منشد.. وفعلا كانت الجلسة إلى الحميمة والتواصل الإنساني أقرب دون إلغاء الجانب الفني – العيطوي – تحديدا والذي رمانا التجذيف فيه إلى العديد من الروافد البشرية والنظرية التي يزخر بها المجال، الشي الذي أذكى لدي الحس الإعلامي فآثرت أن أنقل إلى قرائي الأعزاء بعض شذرات هذا الحديث الشيق.

1 – وُلد فاطنة :

    في البداية أُقر أن الفنان حجيب رغم تضلعه في مجاله كمطرب شعبي، منقب في جانبه الممارساتي والفني، ومضطلع أيضا ببعض مرجعياته التاريخية لاسيما ما يخص شق العيطة، إلا أنه لا يدعى كونه باحثا معمقا ولا منظرا في المجال، وبالتالي فهو لا يتطاول على اختصاص الباحثين ولا يحرج نفسه بالدخول في غياهب الآراء وردودها وتعقيبات ردوودها.. وهذه ميزة تحسب له بخلاف فنانين آخرين يزجون بأنوفهم في ما هم عاجزون عن إثباته ولا حتى إدراكه في دواليب البحث النظري والميداني والتنقيب عن المصادر… فيسيئون لأنفسهم قبل أن يسيئوا للمجال المبحوث أو المعزوف فيه.

    من أهم الشخصيات الفنية التي استأثرت بجزء كبير من حديثي مع حجيب، الفنانة الشعبية الدكالية الحاجة فاطنة بنت الحسين ، بحكم ارتباطه معها فنيا وإنسانيا لما يقارب ال 25 سنة (من 1980 إلى حين وفاتها) إلى درجة أطلق عيه الكثيرون ولا يزالون لقب “وُلد فاطنة”. وتعتبر فاطنة نُصير بنت الحسين بن المكي من أشهر شيخات مرحلة ستينيات القرن الماضي حتى مستهل تسعينياته، وأشدهن تمسكا بأعراف “تاشياخت” الأصيلة وتمكنا من أدواتها المتوارثة، هنداما، حفظا وأداء حيث وافاها الأجل عن عمر 65 سنة بمقر إقامتها بسيدي بنور يوم 6 أبريل عام 2005 بينما تمت ولادتها بدوار مكوكة، جماعة المَشْرك، طريق العونات، دائرة سيدي بنور سنة 1940.

    الجانب الذي توسعنا في الحديث عنه بخصوص فاطنة بنت الحسين هو الشق الكوميدي الذي يجهله أغلبية من يعرف ويعشق فنها، إذ كانت المرأة تتمتع بحس فكاهي رهيب، لا سيما الساخر منه حيث كانت السخرية سلاحها الجاهز سواء للدفاع عن نفسها أو للنفاذ بها من بعض المسالك الوعرة التي كانت تعترض سبلها. مثلا ما رواه حجيب أنها كانت تسافر معه على متن سيارته لإحياء حفل بالقنيطرة عبر الطريق السيار، وتجاوز السائق السرعة القانونية مما عرضه للتوقيف من طرف دركي الذي أطل للتعرف على السائق، فتولت فاطنة الرد قائلة : “هادي اوليدي ع امك فاطنة واخُيِّك حجيب” .

    مما جعل ذلك الدركي ينادي رئيسه ليطلعه على هوية السائق ومن معه وهو يضحك.. فلما أقبل هذا الأخير طلب من الثنائي فاطنة وحجيب أن يتحفاهما بمقطع غنائي فإذا بفاطنة تقول له : “وسير أوليدي حتى تطلع گراد وجي نغني لك !! ” .

2 – فاطنة بنت الحسين كانت لا تطيقني :

    أما أول لقاء تم بينها وبين الفنان حجيب فيحكي أنه كان سنة 1980 حيث كان لا يزال في بداياته ولم يؤسس مجموعته بعد. “فدعوتُ الشقيقين بوشعيب وبوجمعة اولاد بنعگيدة الذين كانت فاطنة تشغل معهم بشكل كثيف – يحكي حجيب – وذلك باش يطوعني بوشعيب – (يعني يدربني ويمكنني) إذ أنني كنت أحفظ وأؤدي العيوط دون معرفة أسمائها.. فكنت كلما أديت عيطة يُعرِّفني باسمها أو عنوانها.. فإذا بفاطنة تقول لي وهي ترمقني بنظرة توجس مشيرة بأصبعها : “احياني عليك ألمقنّف، انت غادي يبان منك العجب” .

    فمن عند الله كانت فاطنة لا تطيقني في البداية ومن يومها وإلى حين اعتزالها الغناء وهي تناديني بهذا اللقب. لكنها غدت تذلعني به حين اطمانت إلي وتوطدت علاقتنا الفنية والإنسانية. بل إن فاطنة أيضا كانت ذات لسان سليط لم يكن يسلم منه كل من يقربها أو يشتغل معها خصوصا متى أخطأ في أداء قطعة ما أو طيح الميزان أو نسي الكلام وبالأحرى متى أساء الأدب، فمرة ونحن نسجل أغنية مشتركة في التلفزيون، طلعتْ أنا طلعة ناقصة، فإذا بها ترمقني بنظرة شزراء وهي تتوعدني : “بلاتي عليك ألمشرذل” .. قال هذا حجيب وانفجر ضاحكا .

    من أطرف ما عرفت به فاطنة بنت الحسين خوفها من ركوب الطائرة، فمرة وهي عندي رفقة مجموعة اولاد بنعگيدة، أخبرها بوشعيب أنهم سيسافرون لإحياء بعض السهرات في باريس على متن الطائرة طبعا.. فرد فاطنة ساخرة : “الله ياربي الله .. أنا كون غير حلّستو لي ع شي دحيشة نشوّر عليها وقت ما وصلت أولا نركب في هاد كحلة القمقوم ( وتعني : حبذا لو وضعتم على ظهر الجحشة حلاسة أسافر عليها ببطء بدل الطائرة التي كانت تصفها ب كحلة القمقوم)” .

3 – جندية مقاتلة :

    أما أول لقاء فني تم بين فاطنة بنت الحسين وحجيب فرحان، فقد كان سنة 1985حيث “كنتْ مازال كنتهجّا” يقر حجيب.. وكان ذلك في أحد أعراس الرباط. ومنذ لك التاريخ وأنا على علاقة وطيدة بها أتعلم منها وأشتغل معها رغم ارتباطها القوي بمجموعة اولاد بنعگيدة. وثق أن فاطنة بنت الحسين لا يمكن لها أن تربط علاقة إنسانية حميمة مع أي مطرب أو عازف كيفما كان إذا لم تشعر أنه “مْعلم” بمعنى الكلمة ومتمكن من أدواته وحرفته.” والله وما كنت حرايفي إلى بركت معك حتى البركة”.. هنا بادرته سائلا :

• طيب، ما هو أهم شيء تعلمته من فاطنة بنت الحسين؟
– “السّاس (يعني الأساس) علمتني كيف أطبع القطعة التي سأؤدي.. فكلشي على السّاس، إلى ما كان ساس، ما كاين والو.”
• سؤال: لو طلبت منك أن تنجز لي تعاريف مركزة في حق أهم واشهر شيخات عبدة ودكالة: خديجة مرگوم، الحامونية ثم فاطنة بنت الحسين .. ماذا تقول؟
قال حجيب بثقة وحسم:
– خديجة مرگوم: شيخة متمكنة تجمع بإتقان بين 3 مدارس أو بالأحرى بين ثلاث “مْعلْمات” شيخات: عايدة، الحمونية ثم فاطنة بنت الحسين.
– الحمونية: الله يرحمها وكنت أسميها “حْبيبتي” كان عاطيها الله البركة في الأداء .. كانت ذات أنوثة غريبة وكانت تمتاز بالفصالة.. يعني كانت تحسن تفصيل القطع. كما أنه لا يمكن أن تمل صوتها مهما أطالت الغناء أمامك.
– – أما فاطنة بنت الحسين: فأقل ما يمكن أن أصفها به أنها كنت رحمها الله “جندية مقاتلة” فهي بعكس الحمونية التي لم تكن تستطيع الغناء إلا مع رباعتها، كان بإمكان بنت الحسين الغناء مع أية رباعة أو مجموعة أو حثى مع ثنائي وتايري أوعازف منفرد.. وفي جميع الأوقات… كما في الظروف الحرجة…
***********************
– شكر خاص: للأخ ريحان شرفي من سيدي بنور، على تزويده لي بصور مربيته الفنانة المرحومة الحاجة فاطنة بنت الحسين .

 

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى