مجرد رأي

الأسرى الفلسطينيون: من ينصرهم؟ بل من يذكرهم؟

 

ذ. أحمد الريسوني

منذ عدة شهور.. لا حديث للمسؤولين والساسة الصهاينة الإسرائيليين، ولا لإخوانهم الأمريكيين والأوروبيين، إلا عن “المختطفين” وعن “الرهائن” وعن “المحتجزين” لدى حماس..
جولاتهم المكوكية بين تل أبيب ورام الله وعمان والرياض وأنقرة، تتم باسم الإفراج عن الرهائن، واجتماعاتهم في القاهرة وباريس والدوحة، إنما هي عندهم لهدف واحد هو إنقاذ المحتجزين، ووقوفهم أما الكاميرات والميكروفونات، إنما هو للتباكي على المخطوفين..
وحتى تصعيد الحرب وتكثيف المجازر والدمار الشامل ضد مجمل قطاع غزة، إنما هو مجرد ضغط عسكري لأجل “تحرير” الرهائن. وحينما لا يجدي ذلك، تأتي الدعوات إلى الهدنة “المؤقتة”، وهي فقط لأجل التمكن من إخراج الرهائن،
فالقضية كلها عند الساسة الصهاينة، وزملائهم المتصهينين، منحصرة في إنقاذ (130) ممن تم أسرهم واعتقالهم يوم السابع من أكتوبر الماضي!!
ونحن سررنا بالإفراج عمن أفرجت عنهم المقاومة في غزة من الأسرى الإسرائيليين، ضمن صفقة التبادل. وسعدنا بما اعترف به هؤلاء الطلقاء الإسرائيليون من المعاملة الكريمة الممتازة، التي تلقوها من مضيفيهم الفلسطينيين.. ونتمنى الآن أن تتهيأ الأسباب والشروط للإفراج عمن تبقى منهم.
ولكن لا بد أن نذكر أنفسنا وغيرنا بما يلي:
1. الأسرى الذين اعتقلتهم المقاومة يوم 7 أكتوبر 2023، كانوا في حالة اغتصاب لأرضِ غيرهم، وفي وطن ليس وطنهم. ولحد الآن لا توجد دولة واحدة تعترف بأن غزة وغلاف غزة هي جزء من “إسرائيل المعترف بها” عندهم. وحتى الدول التي تصهينت أكثر من إسرائيل، لا تعترف أي منها بأن غزة والضفة هي أرض إسرائيلية. بل حتى دولة الاحتلال لم تزعم ذلك لنفسها.
وعليه، فالمعتقلون “الإسرائيليون”، فيما يسمى غلاف غزة، مغتصبون معتدون محتلون في نظر جميع الشرائع والمذاهب القانونية والسياسية، وحتى الاستعمارية.
وأما في الإسلام، فالدار المغصوبة، والأرض المغصوبة، لا يجوز فيها حتى الصلاة وقراءة القرآن ومجالسُ الذكر والدعاء، بل في كل ذلك معصية وإثم.
2. المقاومة الفلسطينية، وخاصة في غزة، دأبت – كما تمكنت – على اعتقال بعض الجنود والمستوطنين الصهاينة، لغرض مشروع وشريف، هو المقايضة بهم للأفراج عن بعض المعتقلين الفلسطينيين، المنسيين في سجون الاحتلال المجرم، أو على الأقل لتذكير العالم بقضيتهم وفداحة الظلم الواقع عليهم وعلى ذويهم.
3. الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون ليسوا بالعشرات ولا بالمئات، بل هم الآن بعشرات الألوف. وكلهم ضحايا مظلومون معتدى عليهم؛ اعتُقلوا لدفاعهم عن وطنهم، ولرفضهم التهجير من قراهم ومدنهم، ولدفاعهم عن حقولهم ومزارعهم، ولمعارضتهم هدم منازلهم، ولتمسكهم بحماية المسجد الأقصى المبارك، وإصرارهم على الصلاة والاعتكاف فيه، ورفضهم لتهويده..
4. كثير من المعتقلين الفلسطينيين محكومون بمؤبدات، وبعشرات السنين سجنا، وكثير منهم لم يُعطَوا حتى محاكمات صورية، بل يسمونهم معتقلين إداريين؛ أي بدون تهمة ولا محاكمة.. وبعضهم موجودون في السجون منذ طفولتهم.
وكثير منهم (بالآلاف، وخاصة معتقلي غزة) هم الآن في حالة إخفاء قسري، وهو مما يصنف ضمن “جرائم ضد الإنسانية”، ويدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولكن للأسف لم تقدّم – حتى الآن – أي دولة عربية ولا إسلامية شكاية إلى الجنائية الدولية.. ويبدو أن هذا الفضل والشرف سيكون فقط من نصيب جمهورية جنوب أفريقيا، كما كان لها وحدها شرف تقديم شكوى أمام محكمة العدل الدولية.
وأكثر المعتقلين الفلسطينيين لدى الاحتلال، لا تحظى حقوقهم القانونية وأحوالهم الإنسانية، بأي رقابة أو تفقد أو تدخل، لا من الصليب الأحمر، ولا من الهلال الأخضر، ولا تثيرها ولا تهتم بها أي دولة؛ لا عربية، ولا إسلامية، ولا غربية، ولا منظمات حقوقية!! ولا يبحث أحد عن معتقلاتهم، ولا عن طعامهم وشرابهم، ولا عن أحوالهم الصحية، ولا غير ذلك مما نصت عليه اتفاقية جنيف وملحقاتها حول حقوق الأسرى..
لكن الضجيج اليوم يصم الآذان عبر العالم، ويحرك عددا من الدول والرؤساء والزعماء، حول مائة ونيف من المستوطنين، اعتقلوا قبل بضعة أسابيع، من دون أدنى إثارة أو إشارة لقضية الأسرى الفلسطينيين!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى