فضاء الصحافةمجرد رأي

الشيخ أدرعي يعلن الحرب اليهودية المقدسة!

محمود عبد الهادي*
أفيخاي أدرعي الناطق الرسمي العسكري في الكيان الإسرائيلي (مواقع التواصل الاجتماعي)
في الوقت الذي يتابع فيه العالم أجمع تفاصيل الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يطلع علينا أفيخاي أدرعي، رئيس القسم العربي في مكتب الناطق الرسمي العسكري في الكيان الصهيوني، والمتحدث باسم جيشه، بمناسبة اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست في ٢٧ يناير/ كانون الثاني الفائت؛ ليعلن باللغة العربية الفصيحة، في فيديو مصور بثه في منصات التواصل الاجتماعي، أن هذه الإبادة الجماعية “حرب مقدسة، وأن اليهود باقون في إسرائيل”، ولـ “يقسم بأرواح الشهداء أنهم باقون ومتجذرون في هذه الأرض، لأن الحق والعدل يعلوان ولا يعلى عليهما”، متفاخرا بدرع جيش الدفاع الإسرائيلي، ومهددا بالويل -وبلهجة متعالية- لكل من يعاديهم، على حد قوله، في رسالة مباشرة موجهة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وهي رسالة متسقة تماما مع توجه دولة الكيان الصهيوني وحكومتها. فهل وصلت الرسالة للعالمين العربي والإسلامي؟ وهل فهموا مقاصدها؟ وما تحتاج منهم القيام به؟
إن جميع ما يصدر عن أفيخاي أدرعي يعتبر خطابا رسميا صادرا عن مؤسسة رسمية، ويحتوي على مضامين موجهة، مرتبطة بأهداف ومقاصد محددة، تمت مراجعتها والاتفاق عليها قبل إنتاجها وبثها.
تهديد متعمد
أفيخاي أدرعي ليس مجرد يهودي ناشط على منصات التواصل الاجتماعي، فهو برتبة مقدم في الجيش، ويشغل موقعه كرئيس للقسم العربي في المكتب الإعلامي لجيش الكيان الصهيوني منذ عام ٢٠٠٥م، وكان عمره حينها ٢٣ عاما، وقد عمل قبل ذلك في وحدة ٨٢٠٠ الاستخباراتية، المعروفة بوحدة التجميع المركزية لقطاع الاستخبارات في وزارة الدفاع، والمسؤولة عن العمليات السرية وجمع الإشارات الاستخباراتية وفك التشفير والحرب السيبرانية والاستخبارات العسكرية والمراقبة. وهو ينحدر من أصول يهودية عراقية ومغربية وتركية، وتعلم اللغة العربية في المرحلة الثانوية. وعلى دراية جيدة بالثقافة العربية والإسلامية، وكثيرا ما يتحدث باللهجات العربية العامية ويشارك العرب والمسلمين في المناسبات الدينية كرمضان والأعياد، ويستشهد بآيات من القرآن الكريم محاولا تقديم أدلة شرعية على إدانة فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حتى أن البعض أطلق عليه لقب الشيخ أفيخاي، وقد وصفه موقع إيلاف في أبريل/ نيسان ٢٠١٥م بأنه جسر إسرائيل الجديد إلى العالم العربي. وخلال الـ١٨ عاما الماضية بث أدرعي في منصات التواصل الاجتماعي آلاف الرسائل باللغة العربية، المكتوبة والمرئية، وشارك في عشرات البرامج والحوارات والتعليقات في الشاشات العربية، والأجنبية الناطقة باللغة العربية.
وبالعودة إلى محتوى فيديو ذكرى الهولوكوست، فإننا بحاجة ماسة إلى توضيح ما يأتي:
إن جميع ما يصدر عن الناطق العسكري لجيش الدفاع الصهيوني، المقدم أفيخاي أدرعي؛ عبارة عن خطاب رسمي صادر عن مؤسسة رسمية ويعبر عن موقفها، وإن جميع ما يصدر عنه عبارة عن مضامين موجهة، مرتبطة بأهداف ومقاصد محددة، تمت مراجعتها والاتفاق عليها قبل إنتاجها وبثها.
إن رسالة التهديد تتجاوز المقاومة الفلسطينية لتصل إلى جميع الدول العربية والإسلامية، دون أن تراعي مساعي الكيان الصهيوني لاستكمال مخططات التطبيع والمشروعات الاستثمارية المشتركة مع الدول العربية والإسلامية، في رسالة مبطنة تقول لهم بأن هذه الشراكة تقوم على تفوق القوة والنفوذ اليهوديين في المنطقة، دونما اعتبار للتفوق السكاني الإسلامي. فإن أدرعي وقيادته؛ يعلمون جيدا أن مثل هذه المضامين تستفز الشعوب العربية والإسلامية بصورة كبيرة، ولكنهم مطمئنون إلى الحكومات الممسكة بقياد هذه الشعوب.
أخطأ أدرعي، من حيث يقصد أو لا يقصد، بتوجيه مثل هذه المضامين المستفزة، التي تضر بجهود السلام والتطبيع، وتغذي جذور العداء والثأر. فمثل هذا الخطاب لا يصب في صالح الشعب اليهودي في المستقبل، فالدوائر تدور، والزمان لا يبقى حاله، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
يتحدث أدرعي عن التجذر اليهودي في (إسرائيل) وينسى التجذر الفلسطيني، وأن هذه الجذور لا يمكن اقتلاعها من الأرض، فمهما طال الزمان واشتد الجدب، ستهب الرياح ويتنزل الغيث، وتنبت من جديد. وإذا ظن أدرعي وقيادته أنهم بهذا الخطاب يعززون جذور الشعب اليهودي في هذه الأرض، ويستأصلون جذور الشعب الفلسطيني، فهم واهمون، ولم يتعلموا من التاريخ، ويغذون دوامة العنف والكراهية التي لن تهدأ.
حاول أفيخاي أدرعي في محتوى هذا الفيديو أن يربط بين النازية وحركة حماس، متناسيا الدوافع التي جعلت حماس تقوم بهجوم السابع من أكتوبر، ومتناسيا أن خسائر الكيان الصهيوني في هذا الهجوم لا تذكر في ملف الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني على مدى قرن من الزمان، ومتجاهلا قبل هذا وذاك؛ حرب الإبادة الجماعية المتكاملة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بذريعة القضاء على حماس والمقاومة المسلحة. ولكن هذا التناسي والتجاهل يأتي انسجاما مع موقف التحالف الصهيو-أميركي الذي لا يرى في الصراع الفلسطيني-الصهيوني سوى الشعب اليهودي، ولا يذرف الدموع إلا على قتلاه وجرحاه، ولا يكترث إلا لأمنه واستقراره، وأما الشعب الفلسطيني، فليذهب إلى الجحيم.
مقابل حديث “أدرعي” عن الحرب اليهودية المقدّسة؛ لماذا تحرم معظم الدول العربية والإسلامية من يتحدث عن الحرب الإسلامية المقدسة للدفاع عن المسلمين في فلسطين وتحرير أرضهم واستعادة حقوقهم.
بالرغم من أن هذه المضامين الصادرة عن الناطق العسكري الرسمي للجيش الصهيوني؛ تعتبر مواقف رسمية، تعبر عن وجهة نظر الدولة والحكومة، إلا أن أحدا من الأوساط الرسمية العربية والإسلامية لم يتصد لهذه المواقف، لا على المستوى السياسي ولا العسكري ولا الديني.
لماذا يحق للكيان الصهيوني الحديث عن الحرب اليهودية المقدسة على أعلى المستويات، من رئيس الوزراء إلى وزير المالية إلى أفيخاي أدرعي؛ ضد الشعب الفلسطيني، وضد الدول العربية والإسلامية، ولا يعتبر هذا الحديث تحريضا على الكراهية، وإثارة للتمييز الديني، واستفزازاً للمشاعر الدينية للعرب والمسلمين؟
إذا كان الأمر على هذا النحو، لماذا تحرم معظم الدول العربية والإسلامية، بل وتجرم في هذا الزمان، من يتحدث عن الحرب الإسلامية المقدسة للدفاع عن المسلمين في فلسطين وتحرير أرضهم واستعادة حقوقهم؟ إن غياب هذا الحديث هو الذي أتاح لحرب الإبادة الجماعية في غزة بالاستمرار حتى هذا اليوم، وهو الذي يسهل للكيان الصهيوني تحقيق أهدافه من هذه الحرب.
* محمود عبد الهادي
كاتب صحفي وباحث.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى