فضاء الصحافةمجرد رأي

مائة وعشرون يوما شاهدة علينا

بقلم : أحمد داود شحروري

في شهر رجب الحرام وبحلول اليوم المئة والعشرين تدخل الحرب على غزة أعتاب الشهر الخامس ، وهي مدة بعد مضيها تكشفت كثير من الحقائق وأجيب على عدد من الأسئلة .
عرفت لتوي مثالا من أمثلة الكرب الذي يحل بغزة وأهلها ، فهذا زميلي وأخي أبو أشرف قد حط رحاله في مدينة رفح ، لينضم إلى نحو مليوني نازح بعد رحلة عصيبة لا أستطيع أن أخوض في تفاصيلها إلا ما كان من حمله على حمار ليستطيع أن يجتاز بعض الطريق بسنواته الستة والسبعين التي يحملها على كاهله، وبصحبته ابنه وأحفاده وكنته ، وقد كان قبل أن يجد الدابة يسير على قدميه يسقط مرة من شدة التعب ويتهادى بين اثنين مرة أخرى ، حتى استوقفهم الصهاينة في الطريق وحققوا معهم وانتهى الأمر بأسر ابنه البكر أشرف -الجريح أصلا من إصابة أول الحرب- وسوقه إلى فلسطين المحتلة في ظروف تشابه ظروف كل الشباب الذين يأسرهم العدو وهو يصول ويجول بين النازحين من الأهالي شيوخهم وأطفالهم ونسائهم .
لقد كان صاحبي الشيخ سنا والشيخ الأزهري علما يكلمني وهو يجأر إلى الله بدعاء المظلوم على كل من خذله وأهل غزة المنكوبين ، كان يدعو على من يملك الطعام ولم يطعمهم ، ويملك جلب الأمان لهم ولم يؤمّنهم ، وعلى كل من يستطيع التدخل لإنهاء معاناتهم ولم يعنهم . لقد بات أهل غزة يعرفون عدوهم جيدا ، فإذا كان الصاروخ الذي ينزل على رؤوسهم يحمل نجمة داود ، وإذا كانت الطائرة التي تقصفهم تحمل علم الخطين الأزرقين إشارة إلى ماء الفرات والنيل ، فإن في جيش العدو من تربى في حجر الثعالب فصار منهم ، يخرج من الدبابة يحمل سجادة صلاة وفي يده مصحف ، وعندما يفرغ من صلاة (الغولة) غير المقبولة يرجع إلى دبابته ليرمي (أخاه) في الإسلام بالموت الزؤام ، وقصة هذا الوغد المتأسلم سهلة إذا ما قورنت بمن يتطوع ليطعم الصهاينة ويرسل لهم أطباء نفسيين لمعالجتهم من أثر الهلع الذي أذاقهم إياه أبطال المقاومة ، هذه مؤازرة ظاهرة ، ولا يقل عنها سوءا ولا بشاعة هذا الصمت الآثم المغرق الذي يمارسه المسلمون عربا وعجما فيتحول إلى مؤازرة حقيقية للمعتدي ضد الضحية ، ويشارك في هذه الجريمة كل من قدر على المؤازرة فامتنع عنها ، آه لو كان طالب المؤازرة ذا عيون زرقاء ، وكانت مؤازرته إيذاء لأخ في العقيدة لأدى له الولاء ولما قال له بدل ال نعم لاء ، أما أبناء الجلدة وأولاد الجد فلا نامت لهم عين ولا صح لهم جسد !!
الأحداث على الأرض تزيد المرء يقينا بأن أعداءنا منذ قرن من الزمان تعبوا واجتهدوا في تربية أولياء لهم في المنطقة حتى باتوا مستريحين إلى أنهم قادرون على توجيه الساحة نحو مصالحهم بالريموت ، وتوكيدا لهذه المصالح لا بأس بشيء من التجريف على الأرض للإنسان والعمران إذا تبين أن الأحداث لا تتناغم في حركتها مع هوى معلم البلطجة الأكبر ، ومهمة وكلائه عندئذ مزيد من المراوغة والجعجعة يشترون بها الوقت ويسهلون بها محاولة الإجهاز على الضحية .
ولعل الحديث عن مشروع اتفاق وقف العدوان هو جزء من عملية شراء مزيد من الوقت ، فقد صوروا لنا الكيان الصهيوني دولا لا دولة واحدة ، دولة يمثلها وزيرا الأمن القومي والمالية ، ودولة يمثلها زعيم المعارضة ، وثالثة يمثلها النتن وحده ، دولة تمثلها حكومة الحرب ، وأخرى يمثلها المجلس العسكري ، وهكذا فإن أي طبخة يراد إعدادها لا بد من قتل آلاف الضحايا ريثما تنضج ، والأعراب يتسمعون ويتفرجون ، وليس من يأكل العصي كمن يعدها ، لكنهم قالوها منذ عقود : لا يحرث إلأرض إلا عجولها ، وأضيف هنا : ولا يحرق الأرض إلا خنازيرهم العاملة ومثلها الصامتة ومثل مثلها الفرحة بما يحدث من كوارث على الأرض ، ولكِ الله يا أرض الإسراء والمعراج ، لكم الله يا أطهار الأرض ويا طيور الحرية في سمائها، لكم الله ، فكل يوم يمر يزيدكم شرعية وينزع عن خصومكم برقعا كانوا يتخفون تحته بثوب ملائكة وهم محض شياطين ، ولله الأمر .

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى