إشتراط أم سحب بساط
بقلم أبو أيوب
إنعقاد الجولة الثانية بين الفرقاء الليبيين بمدينة بوزنيقة لم تفض إلى نتيجة تذكر ، و تضارب الآراء و المواقف و المصالح عكر صفو التوصل الى حل ، بالتالي برح الملف الليبي مكانه رغم المجهودات الكبيرة المبذولة من طرف المغرب .
للتذكير و منذ أسابيع مرت ، إنعقدت الجولة الأولى من المباحثات الليبية اليبية بنفس المكان و تحت إشراف وزير الخارجية المغربي ، لم تحقق هي الأخرى نتائج ملموسة يمكن احتسابها كمنصة انطلاق مفاوضات مثمرة ، قد تفضي في نهاية المطاف إلى وضع حد للأزمة التي يعاني منها هذا البلد الشمال غرب إفريقي .
الملاحظ في الجولتين معا غياب أي ممثل عن الأمم المتحدة ، فضلا عن غياب ممثل عن الإتحاد الإفريقي المعني الآخر بالأزمة الليبية ، من شأن الغياب الإنتقاص من أهمية الجولتين و ما قد ينتج عنهما و المساعي المغربية على حد سواء بحيث تبدو حوارات بوزنيقة المغربية بدون غطاء سياسي إفريقي أممي ، رغم ما سرب من أخبار عن تثمين أممي للخطوة المغربية .
اليوم الإثنين توصل المغرب بدعوة للمشاركة عبر تقنية التناظر عن بعد في قمة برلين حول ليبيا تحت إشراف أممي ، المقرر عقدها نفس اليوم بمشاركة كل الأطراف التي شاركت في قمة برلين الأولى و التي استثني المغرب منها … قمة تتزامن مع حوار الفرقاء الليبيين المنعقد حاليا ببوزنيقة ، و هذا ما يوحي في حد ذاته و يعطي الإنطباع بمحاولة سحب البساط و تفريغ المساعي المغربية من مضمونها ، و هي إشارة قوية و رسالة موجهة الى المغرب .
بخصوص الدعوة المعبر عنها ، عبر مسؤول مغربي من وزارة الخارجية لموقع الأناضول ، فضل عدم الكشف عن إسمه ، عن رفض المملكة المغربية المشاركة في قمة برلين الثانية التي تعقد اليوم الإثنين 5 أكتوبر الجاري ، دون ذكر أسباب هذا الرفض الرسمي المغربي .
البعض عزى الرفض المغربي بتبريره من زاوية إستثنائه من المشاركة في قمة برلين الأولى ، و بتقييمي هذا التبرير مجانب للصواب و لا يستند على أسس عقلانية ، من منطلق الرفض و التنديد و الشجب المغربي من عدم إشراكه في أشغال القمة الأولى ، و بالتالي فرفضه الحالي المشاركة في فعاليات القمة يبدو و كأنه لعب عيال ( أي بمعنى ما عرضتوش عليا فالقمة الأولى ما غاديش نشارك معكم فهاذ القمة ) .
في حين أن السياسة في جوهرها و فلسفتها تبقى برغماتية و عقلانية و ليست لعب أطفال ، و البرغماتية في هذه الحالة ، تستوجب تلقف دعوة المشاركة و فرض الوجود و المساهمة في المساعي الدولية و دعمها و إسنادها بما نتج عن إتفاقية الصخيرات .
إتفاقية و إلى وقت قريب كانت معتمدة من الأمم المتحدة نفسها و صدر بشأنها قرار لمجلس الأمن الدولي ، و هذا من شأنه كذلك أن يضفي مزيدا من الشرعية الدولية على موقف المغرب من الأزمة الليبية و يقوي من موقعه كفاعل رئيسي بشمال إفريقيا ، لأن سياسة الكرسي الفارغ لم تثبت قط فعاليتها و لم توصل الى نتائج تذكر ( انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 بسبب الإعتراف الإفريقي آنذاك بجمهورية الخصم ، ثم العودة الى المنظمة القارية بعد 34 سنة من سياسة الكرسي الفارغ لم يغير شيئا من الموقف الإفريقي مثال ) ، فما الجدوى إذن من الغياب ؟.
فيما ذهب البعض الآخر الى التعلل بأن المغرب لم يستشر و لم يتم التنسيق معه أو استشارته قبل توجيه الدعوة ، بالتالي فجائيتها تأتي من زاوية انعدام التحضير المسبق لها و تنسيق المواقف بشأن انعقادها ، و هو بالمناسبة نفس الموقف الذي عبرت عنه رسميا الشقيقة تونس على لسان هرم الدولة الرئيس قيس سعيد ، قبل أنطلاق أشغال مؤتمر برلين في نسخته الأولى التي ناقشت الملف الليبي ، و قد رفض الدعوة آنذاك الرئيس التونسي مبررا و مجسدا موقفه الكبريائي بأنها جاءت في اللحظات الأخيرة ، في الوقت الذي وجهت الدعوات للمشاركين بأيام قبل إنعقاد القمة …! أي بما معناه و بمعنى مبطن ، حضوره في الحفل فقط لتأثيت المشهد و شهادة زور في حق من يقاسمهم الحدود ، و اللغة و الدين و العادات و التقاليد و المصير …، بالتالي موقفه هو موقف شهامة و عزة و شرف و كبرياء ، و هذه شهادتي و شهادة الأكثرية للتاريخ .
بتقييمي للرفض المغربي بالمشاركة عبر تقنية التناظر عن بعد ، التي تعرفها قمة برلين المنعقدة اليوم الإثنين بخصوص ملف الأزمة الليبية ، رفض رسمي مغربي كما جاءت على ذكره بعض مواقع الإعلام الإلكتروني المغربي ( موقع الصحراء المغربية Le SAHARA MAROCAIN مثال ) , قلت بتقييمي للرفض أو عدم قبول الدعوة و مسوغات الموقف …، ليس مرده لقول البعض أو البعض الآخر كما قلنا سلفا ، بل في توقيته المتزامن مع جلسات الحوار ببوزنيقة و بالمساعي المغربية الرامية الى إيجاد موطئ قدم في الأزمة الليبية .
و سواء عبر التنصيص على اتفاقية الصخيرات كمرجع وحيد اعترفت به الأمم المتحدة بالأمس ، لكن بعض بنوده تعثر الإيفاء بها و لم تحترم آجالها … و هذا مع عجل بوضع الإتفاقية في الرف دون الإعلان الرسمي عن فشلها أو نعيها إن صح التعبير ، أو من خلال الأخذ بعين الإعتبار المساعي المغربية التي بذلت خلال الأشهر القليلة الماضية ما بعد إستثنائه من برلين 1 ( بوزنيقة 2/1 ) ، مع النظر في مخرجات طاولتي حوار بوزنيقة كمرجعية يمكن التأسيس عليها في قمة برلين المنعقدة ، و هو ما يعتبر في عرف الديبلوماسية كشرط مسبق قبل المشاركة .
سواء كان شرطا أو اشتراطا ، يبدو لي الأمر كمصيدة برمجت فصولها بإحكام لتصيد المغرب و تهميش دوره في الملف الليبي ، بالتالي إفراغ كل مقارباته ذات العلاقة من مضمونها و محتواها هو عنوانه الأساس، أي بما معناه ، التخيير بين تأثيث المشهد دون شروط من زاوية أنه غير معني مباشرة بالأزمة الليبية (بلغة الجغرافيا الضيقة لا حدود مشتركة ) ، بالتالي هو معني بصفة غير مباشرة قياسا بتونس مثلا أو الجزائر ، أو الإعتذار عن المشاركة أو الرفض …، و هذا في حد ذاته ما يعتبر في فلسفة السياسة و برغماتيتها ، تهميش و إقصاء بشكل إرادي مزدوج ( المغرب لن يقبل بتهميش دوره قياسا بأهمية الدور الجزائري و التونسي في حل الأزمة الليبية، و قمة برلين 2 بحضور أممي و مشاركة دول الجوار المعنية مباشرة لن ترضخ للإشتراطات المغربية بإعتمادها كمرجعية و إن بدرجة إعتبارية حفاظا على ماء الوجه ، هكذا هي السياسة ، عقلانية براغماتية تمليها لغة المصالح الإقتصادية و الجغرافيا السياسية …) .
توقيت برلين 2 تزامنا مع بوزنيقة 2 أفقد الأخير مشروعيته الأممية بخاصة من زاوية إقبار اتفاق الصخيرات ، هذا هو الموقف المعبر عنه التباسا و لسان حال برلين و المشاركين ، و هو المشجب الذي علق عليه الرفض المغربي بمفهومي حفاظا على نزر من كبرياء ، و قد تكون هي الحقيقة بعينها التي إستوجبت الرفض ، فمن يدري … أو هكذا يتبادر لذهني ؟ لعلها الحقيقة ، أو لنقل ببساطة إنها تحليلات من الحضيض كما نعثها أحدهم بخصوص مقال نشر على موقعنا هذا تحت عنوان ( بيت القصيد من زيارة الرعديد لنصب الشهيد ) .
قد أختلف معك أخي و قد أوافقك الرأي من زاوية أن الإختلاف لا يفسد للود قضية ، لكن الخبر مقدس و هذا خبرنا لهذه الليلة ، فيما التعليق حر و التعليق بدون تحليل منطقي عقلاني لا يستوي و لا يعتد به ، برغماتية السياسة ركيزتها الأولى أن لا مكان للعاطفة بالمطلق … فلا تتركوا العاطفة تنير تحليلكم مع تقديسي للرأي المخالف شرط المنطق و العقلانية . و إذ أكتفي بهذه الحقائق (حوار بوزنيقة 2 و قمة 2 برلين ) في دقائق (تزامن توقيت الحدثين) ، أستودعكم … وإلى مقال آخر و موضوع مغاير …