تقديم روايات أبطالها نساء ورجال التعليم، بمناسبة اليوم العالمي للمدرس(ة) : “الهامسون بالكتب” لدونالين ميلر، كاتبة أمريكية
تقديم فدوى الجراري، طالبة مجازة، تطوان
إذا كان القارئ الذي بداخلك على وشك الاحتضار و الموت ، فإن كتاب الهامسون بالكتب يعيد لك أوكسجين الحياة حتى تواصل البحث عما فاتك ولم تقرأه بعد و تكتشف الحياة بين دفتي ما تقرأ، الهامسون بالكتب هو كتاب تربوي قبل كل شيء يحكي تجربة المعلمة والمربية الأمريكية دونالين ميلر مع تدريس مادة القراءة والدراسات الاجتماعية، وترسخ بين صفوف تلاميذها حب القراءة و متعتها، فكان هدفها الأسمى هو إحياء القارئ الكامن داخل كل طفل دخل فصلها، و هنا نجدها قد عبرت قائلة :” إنها لم تصادف حتى الآن طفلا لم تتمكن من أن تجعل منه شخصا محبا للقراءة”، وذلك من خلال تقديم نفسها كنموذج أمثل لعشاق القراءة، فقد كان رهانها أكبر من أن تكون مجرد معلمة فصل تدرس القراءة و فنونها و إنما تنشئة جيل قارئ يواظب على القراءة مدى الحياة.
عمدت ميلر من خلال كتابها على تدوين تجربتها أولا كقارئة منذ الصغر، وكيف كان لأمها دورا هاما في إدخالها عالم القراءة، فقد قضت طفولتها منكبة على قراءة الكتب دون أدنى فترة راحة، حتى و هي تشارك أمها رحلاتها في سيارتها لا تكف عن القراءة لوحات الإعلانات وإشارات الطريق، صنفت ميلر نفسها بالقارئة المنتمية إلى تلك الفئة من القراء الذين يقرؤون على ضوء مصباح الجيب تحت الأغطية، وممن يحملون معهم كتاب في كل تنقلاتهم، فوجود الكتاب في حقيبة يدها أو سفرها شرط أساسي مثله مثل فرشة الأسنان، هذه الطفولة جعلتها إنسانة ناضجة اجتماعيا قبل الأوان، فقد كانت مرشدة بارعة في ترشيح الكتب لمن يطلبون مشورتها من الأهل والأصدقاء و كل من يتصلون بها، وهذا انعكس إيجابا حتى على تجربتها كمعلمة، فقد كسرت النمطية الكلاسيكية لمعلمي القراءة رغم أن ذلك لم يكن بالنسبة لها بالأمر الهين، فقد كشفت لنا أسرار نهجها القوي و الاستثنائي في التدريس، وهذا ما لمسناه من خلال تجاربها مع طلابها وقدرتها على التعامل مع كل واحد حسب رغبته و توجهه ونجاحها في تحفيزهم على القراءة و عشق الكتاب لدرجة الهمس به، فهي مؤمنة أن القراء يعيشون حياة أكثر ثراء، بل و يعشون حيوات أكثر من أولئك الذين لا يقرؤون، فالقراءة تمثل لها رحلة معرفية و وجدانية، تأخذ من خلالها المسافرين في رحلات حول العالم و عبر الزمن، القراءة تساعدهم على الهروب من قيود المدرسة والسعي وراء تعليمهم الذاتي، فباحتكاكهم بشخوص أبطال كتبهم يصبحون شخصية أفضل، أكثر خبرة و ذكاء.
المعلمة ميلر لم تكتفي بغرس بذور حب القراءة في طلابها فحسب، و إنما عملت أيضا على تلقينهم أساسيات و تقنيات القراءة سواء فيما يتعلق بقراءة الخرائط، أو عمل تدوينات خاصة و ملاحظات عن كل كتاب مرورا بكيفية إعلان و ترشيح كتابهم المفضل لزملائهم والدفاع عنه.
ميلر كانت صديقة مع طلابها أكثر ما تكون مجرد معلمة و وموجهة، فقد سعت إلى منحهم الثقة و الحرية في اختيار ما يقرؤونه، علمتهم الجهر بأفكارهم و عواطفهم اتجاه ما يرغبون بقراءته، إيمانا منها أن القراء الذين يفتقرون لسلطة الاختيار بأنفسهم يفتقرون لشيء إسمه الحماس في القراءة، بل لم يكن عندها أدنى مانع أن تقرأ هي ترشيحات طلابها و تقاسمهم بسعادة اختياراتهم التي فاتتها فرصة قراءتها من قبل، و تشجعهم على تبادل كتبهم معها، و هذا ما كسر الجدار العالي بينهم و بينها، الأمر الذي لم يستطيعوا فعله مع باقي معلميهم الآخرين المنغمسين في النمطية الكلاسيكية للتدريس و التي خلقت فجوة بين المعلم و طالبه، ميلر ربما تكون النموذج الأمثل الذي يبحث عنه كل تلميذ داخل مدرسته.
بقلم فدوى الجراري
شبكة القراءة بالمغرب
اليوم العالمي للمدرس