حملة التلقيح ضد كوفيد 19 : إقتراح منظومة ميدانية شاملة من أجل تدبير ترابي وزماني فعال
في خضم السباق الذي يجري في العالم أجمع، من أجل الحصول على لقاح كوفيد 19، سارع جلالة الملك أدام الله نصره، لضمان حق شعبه في حياة طبيعية، بحيث حجز نصيب وطنه من هذا اللقاح، ثم حشد المسؤولين للتأهب لذلك الوافد المرتقب.
إنها لميزة الربان الحقيقي الذي يستعد للعاصفة، عندما يكون الجو صحوا، ثم إنه لصدق الفراسة، ذاك الذي جعله يدرك أن تلقيح شعب بأكمله ليس بالعملية الهينة، بل هو مهمة تتطلب تصميم خطة استباقية شاملة ودقيقة.
أجل لابد من خطة، بل لابد من منظومة متكاملة، لأن تدبير آلاف الطوابير الممكنة، في مختلف أرجاء البلاد، لهو أشبه بالمهمة العسكرية التي لا مجال فيه للخطأ، ولا للتدارك، وبالتالي لا مجال لقرارات اللحظات الأخيرة.
وضمن هذه الدينامية، رأيت أن أسهم بهذا المقترح، فأصمم منظومة ممكنة، لعل من كلفهم جلالة الملك برسم استراتيجية حملة التلقيح، يستأنسون بهذه المنظومة، فيعقلنون استراتيجية التدبير الترابي والزماني لحملة التلقيح المرتقبة، حتى تأتي مبتورة، ولا مستحيلة.
الأسئلة المؤسسة للمنظومة المقترحة :
إن عملية التلقيح هي عملية طبية فعلا، ولذا فإن التدبير التقني لها لا بد أن يوكل إلى أهل الاختصاص، وهذا الجانب (الإدارة القطاعية) لن تتطرق إليه هذه المحاولة.
وفي المقابل، فإن عملية التلقيح التي تجرى، في آخر المطاف، في بناية، يجب ألا تخفي ملايين العمليات التدبيرية الترابية التي تسبقها، ولا تلك التي تعقبها.
فذلك اللقاء الحاسم الذي يجمع بين الملقح والملقح (بكسر ثم بفتح القاف)، لن يشكل سوى لحظة، من ضمن ساعات من العمل العمومي التأطيري (الإدارة الترابية).
لذا لا بد من استحضار كم هائل من الأسئلة، قبل عقلنة تصميم أية استراتيجية، وذلك حتى لا تؤدي إلى تزاوج خطورة الجائحة بتيهان الإدارة.
كيف، إذن، سترتب، زمانيا، الفئات المرتقب تلقيحها؟ كيف ومن سينظم الطوابير؟ وأمكنة التلقيح؟ كيف ستستدعى الفئات المستهدفة وتعلم بالبرامج؟ كيف سيتم تتبع مصير كل فرد؟ كيف سيتم حماية الفئات الهشة؟ من العدوى؟ ومن التنقلات العشوائية ؟ ومن الزحام ؟ ومن الانتهازيين ؟ ومن الأخبار الزائفة ؟
وفي النهاية، كيف سيتم التأكد بأنه لم يبقي في كل أرجاء الوطن، سوى.. صفر شخص غير ملقح ؟ وبأنه، إذن، تم القضاء على هذا المارد المخيف، ولم يغدو سوى كابوسا ينتمي إلى ماض تعيس ؟
ثم كيف ستوجه أجيال المستقبل لكي لا تكتب لها هذه التعاسة التي نعيشها نحن ؟
تلكم، إذن، هي الأسئلة التي سيحاول هذا المقترح الانطلاق منها، لتصميم هذه المنظومة المقترحة.
الإكراهات الواجب التنبه إليها في تصميم المنظومة :
إن طبيعة هذا الداء، وخاصة سرعة انتشاره، وانتهازه لظروف الفوضى والطوابير، تفرض علينا ألا نفكر بالبساطة التي تعودنا عليها، الأمر يستدعي التخطيط الدقيق لحملة شديدة التنظيم، وغير مسبوقة في تاريخنا.
فحجم هذه الحملة المرتقبة لا يسمح لنا بالاستكانة إلى قياسه على حملات التلقيح التي نظمناها في السنوات الخوالي، ففي ذلك الزمان كانت المؤسسات تعمل بأريحية، لأن بعد الزمن لم يكن ذي قيمة تذكر، ثم أن الفئات المناوئة والمشككة والمترددة، لم تكن تتوفر، وقتئذ، على وسائل الانتشار والتأثير المتوفرة لقريناتها حاليا.
أما في التجربة الحالية، فقد اصطفت عوامل الكم إلى جانب عوامل الكيف: فضغوط الفتك غير المتوقف الذي يخلفه الفيروس، ستجعل الجماهير تتهافت، لا محالة، على اللقاح، فور التأكد من نجاحه، وهذا سيفتح، طبعا، شهية الانتهازيين…، أو على الأقل، سيجعل الشكوك الهدامة، عوامل ضاغطة، لذا فإن تصميم تلك المنظومة، يستدعي التنبه لسبعة إكراهات على الأقل :
حجم الحملة: ويرتبط هذا الإكراه بكون الحملة تهم أعدادا غفيرة من الأفراد، فهي موجهة نظريا إلى كل المواطنين، أو الجزء الأكبر منهم، وربما لعدة مرات، كما أنها قد تستوجب الاستمرارية إلى أن يرفع الله تعالى البلاء.
شرط التباعد: إن تنظيم الحملة يجب أن يسري دونما إغفال للتدابير الاحترازية الهادفة إلى تلافي تفاقم الإصابات بالفيروس، قبل تعميم المناعة المرجوة.
شرط السرعة: ذلك أن الضغوط الاجتماعية ستفرض العمل ليل نهار على كافة المتدخلين، لأنه سيكون من الصعب إقناع الشرائح الاجتماعية المتماثلة، بأي ترتيب زمني يتبناه المرفق العام، وسيكون من المخاطرة الاكتفاء بأفكار تنسج في اجتماعات أطقم لم تختبر خفايا التأطير الترابي، ولم تحتك بمختلف نماذج العقليات.
المعطى البشري: فسواء تعلق الأمر بالجانب التقني، أو بالجانب التأطيري، سيتم، دون شك، استخدام نفس الإمكانيات البشرية التي أنهكتها شهور من التصدي للجائحة، وهذا يستلزم تصميم تكوين مبسط يوجه الكترونيا إلى كل موظفي الدولة.
المعطيات اللوجستيكية: ذلك أن الحملة ستنظم ضمن محيط عمل معقد، وخاصة في ما يرتبط بوسائل نقل وتخزين اللقاح، ثم وسائل نقل الأفراد إلى نقط إجراء التلقيح، أو نقل اللقاح إلى حيث يوجد كل فرد.
المتابعة البعدية: ذلك أنه يفترض، منطقيا، أن ردود الفعل التي ستبديها الأجساد حيال اللقاح ستكون متنوعة، ولهذا يجب أن تتضمن المنظومة محورا، يسهل التفاعل الفوري مع الحالات التي تتطلب عناية طبية.
المواكبة الإعلامية: وهذا عنصر لا يمكن إغفاله، في رسم المنظومة، إذ أنه يعتبر عاملا أساسيا في النجاح وفي الفشل، وشريكا لا يمكن إغفال دوره، لخنق الأخبار الزائفة في مهدها.
نجاحات يمكن استحضارها أثناء تصميم المنظومة :
من فحص الإكراهات السابق ذكرها، يتبين أنه من كل التجارب التاريخية التي عاشها المغرب، هناك تجربة واحدة يمكنها أن تشكل مصدرا حقيقيا لاستلهام المنظومة المرجوة، رغم الفوارق في الزمن، والأعداد، والامكانيات، والظروف، ويتعلق الأمر بتجربة المسيرة الخضراء.
إن أوجه الشبه بين الحدثين، في ما يتعلق بعنصر التأطير المكاني والزماني لأعداد غفيرة، ومتنوعة، ولا تعرف حدود المهمة على الوجه الأكمل، يغري باستلهام هذه المنظومة من دروس تلك الملحمة الكبرى، مع استحضار ما تزخر به الدولة، حاليا، من كفاءات عالية، وإمكانيات لوجستيكية متطورة، ومعلوماتية عالية الجودة، وقدرة خارقة على السرعة في تدبير قواعد البيانات الضخمة، وتجارب رائدة في تنظيم الطوابير المعقدة.
ومن هنا تبدأ المنظومة المقترحة، والمشكلة من مرحلتين: مرحلة الإعداد ثم مرحلة التنفيذ :
المحور الأول : مرحلة الإعداد :
تقتضي الحكمة تصميم برنامج زمني مكثف لسريان مرحلة الإعداد، قبل أن تشتد الضغوط على الدولة، بفعل سباق نظيراتها نحو إنقاذ شعوبها من الفتك اليومي الذي يمارسه الفيروس.
ويجب أن يكون الهدف المرسوم لمرحلة الإعداد، هو تحقيق سريان التلقيح، عندما يحين زمنه، في صمت تام، بحيث يصبح الجميع منهمك في العمل بمنطق الآلة، بحيث لا يجد أي مستخدم نفسه مضطرا للتساؤل عن دوره، ولا عن أي تفصيل صغير في المأمورية المنوطة به، ولا يضطر أي مواطن للتساؤل عن مكان وزمان تلقيه التلقيح، ولا عن كيفية التصرف إذا ألم به عارض جانبي.
ولكي تحدث هذه الدقة في الواقع، لكي نهجر ما ألفناه من عشوائية وتخبط، ومن قرارات ونقاشات اللحظات الأخيرة، ومن تجاوز اضطراري للضوابط العمومية، (كما حدث في عيد الأضحى الفارط)، لكي نجري حملتنا بدقة، علينا أن نعرف كيف نخطو الخطوات السبع التالية:
1. تحديد المستوى الترابي للتأطير :
في المغرب، يتم اعتياديا، تدبير الحملات الكبرى من طرف المستويات الثلاث الأساسية للإدارة الترابية: (العمالة، الباشوية أو الدائرة، ثم القيادة أو المقاطعة)، ويتم عادة إنزال الثقل كله على المستوى الأدنى في الهرم، رغم أن هذا المستوى مثقل أصلا بالأعباء المتعلقة بالتعمير والأمن العام …، وهو ما يجعل هذا المستوى غير قادر على التفرغ كليا لملف عملاق يستدعى اليقظة المتواصلة.
أما المستوى الأعلى (العمالة) فيفتقر، بطبيعته، إلى عنصر القرب الذي يعد شرطا أساسيا في التدبير الترابي للحملات، والإشراف الميداني الفعلي عليها.
وهذا ما يجعل من الملائم إيلاء هذه المهمة للمستوى الأوسط (الباشوية أو الدائرة)، مع إعفاءه، أثناء الحملة، من الاختصاصات الإدارية الاعتيادية.
وهذا يقتضي اللجوء، مؤقتا، إلى هرمين إداريين متوازيين ومنفصلين، جزئيا، عن بعضهما :
الهرم 1 : يضم المستويين الأول والثالث وينصرفان لتدبير الحياة العادية، حتى لا تنغمس الدولة بأكملها في ملف كورونا، ولكي تنصرف الإدارة لعملها الاعتيادي.
الهرم 2 : يضم المستوى الثاني وحده، ويكلف بالتفرغ لحملة التلقيح وحدها، تحت إشراف إدارة مركزية.
2. تجهيز المستوى الترابي للتأطير :
الإدارة المناسبة، إذن، لتدبير حملة التلقيح، ترابيا، هي الباشوية والدائرة، وهذه الإدارات تعمل عادة تحت إشراف رجال سلطة تمرسوا على تأطير العمليات الكبرى، كالانتخابات والاحتجاجات وعمليات الانقاذ من الفيضانات والحرائق والزلازل… لذلك تعودت هذه الأطر على تحمل المسؤولية الميدانية، دون الحاجة إلى إشراف رئاسي.
وبذلك فإنه لإنجاح حملة تهم كل المواطنين، يكفي تمكين هذه الإدارات، البالغ عددها حوالي 460 وحدة من الامكانيات التالية:
تجهيزات التواصل الآني مع الإدارة المركزية (وهي غالبا متوفرة لجلها).
تقنيي إعلاميات متمرسين على تدبير قواعد البيانات.
قاعدتين للبيانات سيتم التفصيل في كيفية وضعهما في فقرة موالية.
الأجهزة التقنية الخاصة بتخزين وحراسة مواد ولوازم التلقيح، إذا كان ذلك ممكن تقنيا، لأنه سيسهل نقلها إلى نقط التلقيح، في ظروف آمنة.
وسائل نقل الأطر المكلفة بالتلقيح وتلك المكلفة بالتنظيم إلى نقط تجميع الفئات المستهدفة لتلقيحها.
3. إعداد هيكل تنظيمي للحملة :
يجب أن تنظم حملة التلقيح على أساس هيكل إداري بسيط ومحدود المستويات، يعتمد التدرج الثلاثي التالي :
المستوى 1 : الإدارة المركزية :
وتعين بها فئتين من الأطر :
الأطر الطبية وتتولى تدبير الجناح التقني من الحملة.
الأطر الإدارية وتكلف بالإشراف على الجانب اللوجستي وتنظيم الفئات المستهدفة، والتتبع.
ويجب أن يقتصر دور هذين الجناحين على ترجمة القرارات الحكومية، وقرارات اللجنة العلمية، إلى تدابير قابلة للتفعيل المادي، بحيث تحدد الترتيب الزمني للفئات المستهدفة، وتعد الكبسولات الخاصة بتكوين وتأطير الأطقم التي ستنجز عمليات التلقيح، وتلك التي ستنظم الطوابير ووسائل النقل، ونقط التجمعات، كما تشرف على تتبع العمليات بواسطة الاجتماعات عن بعد مع المستوى الثاني.
المستوى 2 : الإدارة الترابية :
ويقترح أن تحدد، كما سلف، في الباشوية والدائرة، حيث يجتمع فيها جناحي الإدارة المركزية، فتشكل الفضاء الأمثل للتنسيق المحلي بين الأطر المكلفة بالتنظيم، والأطقم المكلفة بالتلقيح، وتمثل المستوى المؤهل للحوار الهادف إلى التصحيح الفوري للأخبار الزائفة.
ويقترح أن تختار لها قاعات المرافق الأشد قربا من المواطنين، كالمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية، ويعين للعمل بكل واحدة منها، إضافة إلى الموظف المؤهل لإجراء التلقيح، موظف يتم إعداده ليربط الاتصال بالمواطنين، ولينظم التنقلات والطوابير، ويتتبع العمليات في قاعدة البيانات، ويفضل، هنا، أن يتم في كل منطقة، اعتماد نفس الأفراد الذين سبق لهم العمل فيها، برسم الإحصاء العام للسكان والسكنى، أو في الانتخابات، أو أية حملة مشابهة، أو الشباب النشيط في هيئات المجتمع المدني.
4. إعداد قاعدة بيانات للمواطنين :
إن هذا الإجراء ليس شرطا واقفا، لكنه ضروري لإضفاء الدقة المتناهية على الحملة، وللتثبت، في النهاية، من أن كل المواطنين حصلوا على لقاحهم، ولتسهيل مرحلة التنفيذ، وطبعها بالانسيابية، كما أنها فرصة ذهبية لكي يضع المغرب قاعدة بيانات شاملة لمواطنيه.
والمفترض أن الفئة المستهدفة من اللقاح، إنما تتشكل نظريا، في النهاية، من مجموع المغاربة الأحياء، وهم يعادلون 100 مرة عدد من شاركوا في المسيرة الخضراء، لذا فإن تنظيم هذه الملحمة الجديدة الممكنة، سيتطلب 100 ضعف من الجهد والدقة، مما استدعته عمليات تجميع وتفريق المشاركين في الملحمة الأولى.
لذا وجب وضع قائمة كل المغاربة أولا، وهذا يقتضي استنباط قاعدة شاملة من القواعد الجزئية التالية :
1. قاعدة اللائحة الانتخابية العامة.
2. قاعدة الإحصاء العام للسكان والسكنى.
3. قاعدة الخاضعين لنظام الحالة المدنية.
4. قاعدة البطاقة الوطنية.
5. القواعد الممسوكة من طرف متعهدي الاتصالات.
وعملية الاستنباط تلك يجب أن تتم بتقنيات الدمج والمماثلة، (fusion et synchronisation) لاستخلاص قاعدة بيانات جديدة، لا تتسم، فقط، بالشمول الأفقي، أي بتضمن كل المواطنين، بل تستورد من كل قاعدة نقطة قوتها.
وهكذا يسهل ربط الأفراد بالنطاقات الترابية لاستقرارهم، كما هي مضمنة في القاعدة 1 و2، وربطهم بانتمائهم الأسري كما هو حال القاعدة 3، وتعريفهم برقم وطني كما هو الأمر بالنسبة للقاعدة 4، ثم دمج أرقامهم الهاتفية من القاعدة الأخيرة، ولكل تلك العناصر أهميتها التي ستتضح أثناء التنفيذ.
5. إعداد برنامج عام للحملة :
بعد حصر قاعدة البيانات الشاملة لكل المواطنين، وبعد اتخاذ الجهات المسؤولة لقرارها القاضي بترتيب المواطنين إلى فئات يلقح بعضها قبل بعض، للأسباب التي تراها معللة، يتم وضع برنامج عام لحملة التلقيح، وذلك بشكل يراعي الإمكانيات البشرية المتوفرة، وظروف التخزين المحلية، وارشادات مصنع المادة الملقحة، والحالة الأمثل هي أن تنظم حملة التلقيح مثلما ينظم يوم الاقتراع.
وفي كل الأحوال، يجب أن يتضمن البرنامج أيام وساعات وأمكنة تلقيح كل فئة، والمكلفين بالتلقيح والموكول إليهم شأن التنظيم والإبلاغ والتتبع.
وهكذا تدمج هذه المعطيات في قاعدة بيانات المواطنين، وقاعدة بيانات المستخدمين، ليتمكن كل متدخل وكل مستفيد من الاطلاع على التفاصيل الخاصة به، من خلال التطبيق المبسط موضوع الفقرة الموالية.
6. تطوير تطبيق معلوماتي :
ويجب أن يتضمن 5 ألسنة (Onglets) :
اللسان 1 : يخصص للإدارة المركزية، حيث لا يتاح ولوجه سوى لمستخدميها، ليتمكنوا من تدبير قاعدة البيانات الشاملة بكاملها، فيرتبوا الفئات المستهدفة وفقا للبرنامج العام للحملة، ويتتبعوا العمل الذي يجري في الميدان، فيؤشروا على الفئات التي بوشر تلقيحها، لتمكين الحكومة من الإحصائيات التي تعينها على اتخاذ قراراتها الموالية في الوقت المناسب.
اللسان 2 : يخصص لكل باشوية وكل دائرة، ويؤمن بمفاتيح سرية، لتتمكن هذه السلط من التنسيق، محليا، بين جناحي المنظومة (الملقح والمنظم) وفقا للبرنامج العام للحملة، ثم إعداد وسائل النقل، وتتبع العمليات الميدانية، واطلاع الإدارة المركزية يوميا على الفئات التي تم تلقيحها، ثم تأمين العمليات عن طريق أعوان السلطة والقوات العمومية.
اللسان 3 : يخصص للمستخدمين فيمكنهم من الاطلاع، جزئيا، على قاعدة البيانات، وتدبيرها، حيث يتاح لكل مؤطر على صعيد نقطة التلقيح من التعرف على الفئة التي أوكل إليه تنظيمها وتتبع تلقيحها، ومعرفة النطاقات الزمنية المخصصة لها، وذلك باستعمال قن سري يخصص له.
اللسان 4 : يخصص لوسائل الإعلام، فيطلعها، آنيا على الإحصائيات، وظروف سير الحملة، حتى تتمكن من إحباط الاخبار الزائفة، ونشر الحقائق كما هي في الواقع.
اللسان 5 : يخصص لعموم المواطنين، بحيث يمكن كل فرد من الاطلاع على البطاقة الخاصة به في البرنامج العام، وذلك باستعمال رقمه الوطني، ليتعرف على تاريخ وساعة ومكان تلقيحه، والمؤطر المخصص له لاستفساره عند الاقتضاء.
7. تكوين الأمكانيات البشرية :
بموازاة مع سريان تدابير الإعداد، يجب أن يجري تكوين الإمكانيات البشرية ذات العلاقة بحملة التلقيح.
وهذه المأمورية يمكن إجراؤها عن بعد، ذلك أنه يمكن تنظيم حصص التكوين عبر وسائل الاجتماع عن بعد، بواسطة ربط الإدارة المركزية بمقرات الباشويات والدوائر.
وفي ذات السياق، يمكن إنتاج كبسولات وتوجيهها للمعنيين مباشرة، ويفترض أن يهم هذا التكوين 3 فئات:
الأطقم التقنية : أي تلك التي ستكلف بالتلقيح، بحيث يعمق تكوينها في تقنيات التلقيح، وما يستتبعها من عناية بعدية، وتجميع للمعطيات المتعلقة بردود الأفعال الجسدية، لعل تطويرا لها، في المستقبل، قد يصبح ضروريا.
الأطر الإدارية : أي المكلفة بالتنظيم بحيث تدرب على تقنيات تأطير المجموعات، وتنظيم عمليات التبليغ بالوسائل الحديثة، كالرسائل النصية القصيرة، والتبليغ التقليدي، وتتبع العمليات عبر قاعدة البيانات، ولعل أهم جانب في هذا التكوين هو التعريف الميداني بالنطاق الترابي للعمل، ونطاق تواجد الفئات المستهدفة، وتنظيم توافدها.
الفئة المستهدفة : ففي ذات الفترة، يجب أن توجه للعموم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مواد إرشادية توجه الأفراد نحو كيفيات التعرف على تواريخ وأمكنة تلقيحهم، عبر التطبيق المعلوماتي، ثم حول كيفيات التصرف في حال ملاحظة التأثيرات الجانبية، علاوة على التدابير الاحترازية الضرورية.
المحور الثاني : مرحلة التنفيذ المادي :
1. اختتام تكوين الأمكانيات البشرية :
عندما يتأتى للدولة الشروع في تلقيح مواطنيها، وقبل أن تعطى إشارة البدء، يجب أن تكون الإدارة المركزية قد تأكدت بأن كل من انتدبته لهذه المهام، أصبح ملما بالمأموريات المنوطة به، وبمحدداتها المكانية والزمانية، وبالبيئة المحيطة بمهامه، وبكيفية ربطها بالمحاسبة، وذلك للنأي عن عقلية الهواية والاستخفاف في تدبير الحملات، تلك العقلية التي خلفت الضحايا في عدة مناسبات، كما قد تكون ساهمت في تفاقم العدوى، من جراء طوابير الإعانات المالية، وطوابير القفف ورخص التنقل.
إن الهدف من هذه الوقفة هو تثبت الدولة من أن كل مأموريها مستعدون تماما لمهامهم، وأن كل موظف يعرف جيدا المجموعة التي سيأطرها، وأنه قد أنهى إبلاغها ببرنامج التلقيح، أي بساعات التنقلات ومساراتها، وأماكن اللقاءات المحددة للناقل والمنقول، تماما كما كان المؤطرون يفعلون لتسجيل وتجميع المتطوعين في المسيرة الخضراء.
2. إعلام الفئات المستهدفة :
عندما يتم اختيار الترتيب الزمني للفئات، يجب أن تلجأ الإدارة المركزية إلى 4 وسائل للإخبار :
الوسيلة 1 : إدراج البرنامج العام للتلقيح في التطبيق المعلوماتي، بحيث يتاح لكل مستفيد معرفة ما يتعلق به شخصيا، ويتاح لكل مكلف الاطلاع في قاعدة البيانات على الفئة التي كلف بتنظيمها، أو تلقيحها، حسب وظيفته.
الوسيلة 2 : تتمثل في إعداد صيغة لرسائل نصية قصيرة باللغات الرسمية، تتضمن التاريخ والمكان المخصصين لتلقيح كل فئة، ويجب أن يكون التطبيق كفيلا بأن يرسل إلى كل فرد الرسالة النصية التي تلائمه، كلما كانت قاعدة البيانات تتضمن رقم هاتفه.
الوسيلة 3 : وضع ذلك البرنامج لدى أعوان السلطة، والمكلفين بالتأطير، ليقوموا في إطار تعرفهم على النطاق الترابي، باطلاع الأفراد عليه، وخاصة الفئات التي لا يتوقع منها الاستخبار عبر الوسائط الحديثة.
الوسيلة 4 : هي نشر ذلك البرنامج، مجزئا، في المواقع الالكترونية والجرائد المحلية.
ويجب أن تؤدى كل تلك الواجبات الإخبارية، بمدة كافية قبل بدء التلقيح، ليتمكن كل فرد من الاطمئنان على أنه لم يتم إغفاله، وبأن الدولة تضعه في حسبانها فعليا، وأنه ليس عليه الاحتجاج او التجمهر كما كان يحدث في عمليات توزيع الإعانات.
3. تنظيم نقل الإمكانيات البشرية :
إن اتخاذ الباشوية والدائرة بمثابة نقط التنسيق المحلي، سيجعل عمليات نقل المكلفين بالتلقيح والمكلفين بالتنظيم، أشبه بالعمليات التي تجري برسم كل انتخابات، حيث يتم تنظيم نقل رؤساء مكاتب الاقتراع ونوابهم، بوسائل تتنوع حسب تنوع الإيالات، من حيث مساحتها وتضاريسها، وقد أصبحت هذه العملية من أبجديات الإدارة الترابية، بحيث لا تستوجب سوى معرفة مسبقة ببرنامج التلقيح، وما إذا كان سيجري في يوم واحد كالاقتراع، أم أنه سيوزع على أيام أو أسابيع عدة.
4. نقل وتخزين وحراسة مواد التلقيح :
إن هذه العملية تتطلب معرفة دقيقة بمنتوج اللقاح وبإرشادات المصنع، وبشروط التخزين، ولكن الجهات المنظمة مطالبة مع ذلك بإعداد هيكل تنظيمي لهذه العملية، قد يتطلب سيناريوهات عديدة، لكنه كفيل بأن يجعل المكلفين ينخرطون بسرعة، في تنفيذ السيناريو الملائم، فور تبنيه رسميا.
فإذا تساءلت الإدارة، مثلا، عن المكان الملائم للتلقيح: هل هي المراكز الصحية، أم القاعات الأقرب للمواطنين، كمكاتب التصويت … ؟ فإنه من التبصر أن تضع سيناريو لكل اختيار، وتدرب موظفيها على كلا الاختيارين، وعندما يتم حسم الصيغة الأنسب، يسرع هؤلاء المكلفين بالانخراط في السيناريو المختار.
5. تنظيم تنقل المستهدفين :
المستفيدون من جهة، واللقاح من ثانية، كل من هذين يوجد في أحد طرفي الطريق، فإما أن التلقيح سيقرب من تلك الفئات، أو أنها هي التي ستعبر الطريق إليه، والاختيار لن يكون سوى تقنيا، أي أن اللقاح ذاته هو الذي سيحسم في ما إذا كان سيأتي أو يؤتى إليه، ولكن الإدارة المحترفة يجب أن تعمل بشكل استباقي، فتضع كل السيناريوهات الممكنة نظريا، لتكون جاهزة عندما يصبح التلقيح متوفرا.
6. تتبع الفئة التي خضعت للتلقيح :
إنها مسألة أساسية، ويجب أن يتم التنبه إليها أثناء التخطيط، ليحدد لكل فرد كيف ومن سيتابع حالته، إذا انتابه تأثير جانبي، أو اعتقد ذلك، لأن حجم الكآبة التي خلفتها حالة الطوارئ والانتظار، وحجم المعلومات غير الدقيقة التي يتم ترويجها عن اللقاحات، سيجعل بعض الفئات تعطي تفسيرا وحيدا لكل جديد بخصوص حالتها الصحية، وسيكون المتهم الأول هو اللقاح نفسه، أما الثاني فقد يكون المكلف الذي بدت عليه ملامح العجلة أو التوتر أو عدم الخبرة …
وهذا التتبع يجب أن يكون شاملا، ومضمنا في البرنامج العام للتلقيح، فيتم الإخبار به بنفس الوسائل الأربع.
7. تحيين قاعدة البيانات :
تتناقل المواقع الإلكترونية اخبارا قد تكون صحيحة وقد تكون زائفة، يستشف من بعضها أن جرعة واحدة من اللقاح قد تكون كافية، ومن البعض أنه لا مناص من عدة جرعات، ثم منها، كون التلقيح سيقضي على الفيروس نهائيا، أو أنه سينشط المناعة لفترة زمنية محددة …
وكيفما كانت درجة دقة هذه المعلومات، فإن الدولة ستكون في حاجة لمعرفة من من مواطنيها تناول التلقيح، ومن ينتظر، من انتابته أعراض، ومن لم تنتبه، لذلك على المكلفين بالتنظيم تتبع العمليات باستمرار، والتأشير على كل جرعة في قاعدة البيانات الخاصة بالمواطنين، وكل معلومة بعدية، وعلى مطور التطبيق أن يتيح ذلك، ويسهل تركيز تلك المعطيات لدى الإدارة المركزية.
وهكذا، فإذا تبين، بعد التلقيح، أن أدوية ما يجب أن توصف للفئات الملقحة أو لغير الملقحة، ستكون قاعدة البيانات متضمنة للأجوبة التي ستعين الأطباء.
أما إذا ثبت أن اللقاح سينشط الجهاز المناعي لفترة، فعلى الدولة أن تكون قادرة على معرفة ما إذا كانت قد لقحت الكل، وبالتالي قضت نهائيا على الفيروس، أم أنه لازال بداخلها أفراد قد يشكلون خزانا خفيا للفيروس، لعدم تلقيهم اللقاح، مما قد يقوض كل جهودها وملاييرها المصروفة.
إن شمولية قاعدة البيانات وتحيينها المتواصل، لهو الطوق الحقيقي لنجاة المجتمع بكامله، ولذلك يجب ألا يقتر في الإنفاق على هذه العملية، أو اعتبارها شأنا جانبيا.
ثم إن التوثيق وتشكيل قواعد البيانات الضخمة (big data) هو تأمين للمستقبل، وتيسير لمهمة أجياله، فقد تكتسب تلك الأجيال من المهارات ما يمكنها من تطوير اللقاحات محليا، ولذلك فقد لا تتجاوز حاجتها من هذا الجيل، سوى إرث بسيط ممكن، هو قاعدة بيانات شاملة، تمكنها من إنجاز الدراسات الإحصائية، باعتبارها نقط الانطلاقة، لعقلنة الملاحظات التي تتأسس عليها القوانين العلمية.
ختاما،
يجب ألا يدفعنا الهلع من الفيروس إلى التسرع بوضع استراتيجيات مبتورة، كتلك التي تنتشر هذه الأيام، لأنها قد تجعلنا بعد مدة، أمام معطيات مشتتة وغير قابلة للتنظيم، من جراء تحول الحملة إلى حملات جزئية كثيرة، لا نملك عنها بيانات متناسقة، فتجد الإدارة نفسها أمام تساؤلات من قبيل، أي الأحياء أو الدواوير أو الفئات استفادت، وأيها تنتظر، ومن استنفذ كل الجرعات، ومن هو في بداية الطريق، ومن … ومن ؟
قد يكون من الملائم البدء بفئات الصفوف الأولى دون إدراجها ضمن منظومة، فتلك الفئات لن تشكل عبئا ضخما لأنها لا تتجاوز مليون فرد على أكثر تقدير، ثم لأنها فئات مؤطرة بطبيعتها، لكن عندما يتعلق الأمر بملايين البسطاء، المشتتين في الأحياء المكتظة، وفي الجبال والصحاري… فيجب أن تكون هناك خطة مسبقة، بل منظومة متكاملة، وإدارة متفرغة ومهنية، تمارس التدبير الترابي كحرفة، ولا تتطاول عليه من باب الهواية، وبهدف تغطية الفراغ.
لقد سئم المجتمع عمل الهواة.