الذوق الجمالي في الإسلام
بقلم : عبد الرحيم مفكير
إن لكل إنسان رؤية وردود فعل حول الجمال كمفهوم، والجمال كانطباع تجاه أشياء مادية وروحية مختلفة يتذوق جمالها عقلياً، تترك في نفسه إحساساً بالبهجة والارتباك والنشوى والدهشة. فهو المقياس، الذي يحدد جمال المادة، التي تترك لدى المتلقي، الانطباع والإحساس بالبهجة، سواء كان عن طريق التأمل العقلي أو السمع أو النظر أو التذوق.
ولكي يكون لدى كل إنسان إحساساً جمالياً راقياً، يتطلّب تربية للذوق الفني والجمالي لدى الإنسان. وقد كان لفلاسفة الإسلام مفاهيم في الجمال، وإن أشهر هذه المفاهيم التي لعبت دوراً مهما في النظرية الجمالية عندهم، هو مفهوم التناسق. وقد لقيّ مفهوم التناسق الكوني الذي ظهر عند الفيثاغوريين تأثيراً لدى الفلاسفة المسلمين، وخصوصاً عند أخوان الصفا.الذين طوروا مفهوم التناسق بشكل يتفق مع بحثهم حول نظريات الموسيقى. كما استفادوا من أراء أفلاطون المثالية، الذي يرى أن الجمال من مكونات الشيء الجميل، أي أن له في نفسه قيمة ذاتية، وأرسطو الذي يعتقد إن الجمال هو الانسجام الحاصل من خلال وحدة تجمع في داخلها التنوع والاختلاف في كل منسجم. وأفلوطين يعتقد إن الجمال هو تلك الحياة التي وهبها الله مخلوقاته ونفخ فيها من روحه، ومن ثم فالشيء الجميل هو الذي يشع بالحياة. وغيرهم من فلاسفة اليونان والروم والفرس والهند…
تقريب المفهوم:
الذوق هو الحاسَّة المعنوية الشفَّافة التي تدعو صاحبَهَا إلى مراعاة مشاعر الآخرين، وأحوالهم، وظروفهم، وهو أدبيَّات التعامل مع الناس، وهو الفنُّ الجميل في العَلاقة مع الآخرين.
والذوق أيضًا ظاهري ومعنوي، وهنا نعدِّد بعض مظاهر الذوق الذي جاء به الإسلام، وأوصى به النبي ، وكان هو فيه القدوة والمثل.
هو ملكة عند الإنسان تنبني على أصل في الفطرة البشرية، أي ميزان داخلي نزن به الأمور المادية كتذوق الطعام ومعنوية كتذوق السلوك و الجمال والإحساس به، ومعنى السليم أي الصحيح والجيد. ويقصد به جمال التعامل وجمال التصرف ، وجمال الموقف، وجمال الخطاب ، وجمال السلوك ، وجمال العمل، وجمال النظام وقد تعرضت العلوم التجريبية لتفسير جوانب الخبرة الجمالية ووضحت كيف ترتبط هذه الخبرة بنشاط الحواس لاسيما حاستي البصر والسمع، وتفوقها على باقي الحواس، لأن هذه الحواس أكثر قدرة على فهم الأشكال المجردة واكثرها قدرة على الكشف عن طبيعة العالم الخارجي ، ويستعمل الفرد حواسه لتنمية ذوقه السليم على كافة المستويات
والقرآن الكريم يوجه أنظارنا وانتباهنا كثيرا إلى مظاهر الجمال في هذا الكون، باعتبار أن النظر إلى هذا الجمال أقل ما فيه أنه نوع من التحسينيات لهذه الحياة.
والذوق السليم ينتبه إلى جمال الكون، والوجود والخطاب ، والعمل ، ويحذر تغليب زينة الحياة الدنيا على الآخرة، ويعد هذا الوضع السوي للفنون باعتباره من التحسينيات ، مع الحذر من الافتنان والانشغال به عن الحاجيات والضروريات
والجمالية من منظور فريد الأنصاري : علم يبحث في معنى الجمال من حيث مفهومه، و ماهيته، و مقاييسه، و مقاصده. فالجمالية في الشيء تعني أن الجمال فيه حقيقة جوهرية، و غاية مقصدية، فما وُجِد إلا ليكون جميلاً.
والجمال في الإسلام أصل أصيل، سواء من حيث هو قيمة دينية : عقدية و تشريعية، أو من حيث هو مفهوم كوني، و كذا من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية.
والفرق في الجمالية من مفهومَيْها الغربي و الإسلامي كالفرق بين الطبيعة و التمثال، أو بين الحقيقة و الخيال، إذ لم تكن الصورة التي يبدعها المسلم ثابتة قارة في متحف ( اللوفر )، بل حيةً يشكلها بإبداعه اليومي بين ركوع و سجود، و طواف و سعي، أو بين صوم و تبتل، و انقطاع يصله كليًّا بالملأ الأعلى
جوْهر الجمال ..!
كيف نعرّف الجمال ؟ وكيف نحدّد جوهره وأسسه الموضوعية ؟ فهل الجمال كل ما ترتاح إليه عينا الإنسان ؟ هل هو كل ما يعجبنا ويفرحنا ويشدّنا إليه ، وما يثير إعجابنا ؟ أم ذاك لا يكفي لتعريف الجمال وتحديد جوهره الحقيقي السامي ..ربما يُخفي ” الجمال الظاهري” الذي تراه العينان القبح والبشاعة ..
وننطلق من الطبيعة فهي نبْعُ الجمال الفيّاض … الذي لا يجفّ ، فإذا جفّ هذا النبع لا يندثر الجمال فحسب ، إنما تفنى الحياة وتموت الكائنات كلها ..أي لا حياة إذا ماتت الطبيعة ، فالحياة مرتبطة بالطبيعة ، والجمال مرتبطٌ بالطبيعة . تُشبع الطبيعة حاجة الإنسان للجمال ، وتُنمّي لديه شعوره به الذي يرتبط بالميل نحْو الطبيعة ، لأننا كبشر نشعر في تنوّع موضوعاتها ، وثرائها بما يُـمْتع أبصارنا ويبعث الراحة في جوانحنا بما تُمثّله من شفافية وطُهْرٍ ونقاء ، فنحن نستمتع بتعدّد ألوان أوراق الشجر ، وبدقة نظامها البنائي ، وبالانسجام العجيب والعلاقات بين خطوطها ، والتي تتّصف بالرشاقة والنقاء .. من ذاك نعثر في الطبيعة على معايير التناسق والتوازن ، وعلى تجسيدات الثراء اللوني ، والإحساس بالرحابة المكانية ، وبالصفاء الضوئي ، وبتناغمات الكائنات في هذه الطبيعة.
إن الذوق الجمالي يلعب دورا مهما في صياغة الثقافة، وتحديد ذاتيتها، و النزعة الجمالية لها تاثيرها في تحديد اتجاه الحضارة في التاريخ وأن النزعة الجمالية والذوق الجمالي ينعكسان على سلوك الفرد والمجتمع، ويظهر هذا في الأفكار، والأعمال، وكل المســاعــي، أي أن عنصر الجمال مهم لتكـــوين الـــذوق العام. كما أن الجمال في صورته النفسية هو (الإحسان)
ومن وجهة لغة الاجتماع، فإن الأفكار بصفتها روح الأعمال التي تعبر عنها أو تسير بوحيها- إنما تتولد من الصور المحسة، الموجودة في الإطار الاجتماعي، والتي تنعكس في نفس من يعيش فيه، وهنا تصبح صورًا معنوية يصدر عنها تفكيره، فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان وأصوات وروائح وحركات وأشكال، يوحي للإنســان بأفكاره ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السماجة المستهجنة.
فالجمال من الوجهة النفسية والاجتماعية، أي إلى ذلك الجانب النفــســي المســتوحى من منــظر أو شـــكل أو رائحة أو صوت أو لون. هذه الحركات أو الأشكال إما تؤدي إلى إحساس بالقيمة الجمالية، أو إلى سماجة في السلوك إذا كان ما توحي به مستقبحًا. وهذا يؤدي بالإنسان إلى سلوك عملي يتوخى فيه الإحسان والدقة والإتقان، كما يتوخى كل سلوك محبب إلى النفس وكريم في العــادات. فالجمــال بما يوحيه في المجتمع من ثراء في الذوق، وما يمثله من نبع، تصدر منه الأفكار وتصدر عنه بواسطة هذه الأفكار أعمال الفرد في المجتمع
بعبارة أخرى، أن الجمال يشكل فصلاً مهمًا من فصول الثقافة، التي تشكل المحيط الاجتماعي، وتكوِّن شبكة العلاقات الاجتماعية بل إن الجمال هو الإطار الذي تتكون فيه أية حضارة.. والإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بذوق الجمال والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أوليا عناية كبيرة للبعد الجمالي في شخصية الفرد والمجتمع والأمة، ويظهر ذلك جليًا من خلال التأكيد على جانب الطهارة في النفس والجسم والمحيط، حتى اعتبر الإسلام إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، وصدقة يؤجر عليها فاعلهافالجمال ينتشر في المجال الطبيعي في صورة أصوات وألوان وحركات وأضواء وظلال، وفي المجال الاجتماعي تنتظم ألوان الحياة وصورها في قوالب وأشكال وأنماط متعددة، وكل هذه وتلك في المجالين معًا يتمثلهما الإنسان في ذاتيته شعوريًا ولا شعوريًا فتؤثر عليه وعلى سلوكه وتدخل في تشكيل ذوقه ودوافعه سلبًا وإيجابًا. فالانفعال الجمالي بالأشياء يمنح حركة العمل دافعًا وإبداعًا ويحدث التغيرات العديدة في السلوك والحياة أي أن الجانب التربوي هو المهم في الجمال،والذوق الجمالي كقيمة حضارية، له تأثير عام يمس كل دقيقة من دقائق الحياة، كذوقنا مثلاً في الملابس والعادات وأساليب الضحك، وكطريقة تنظيم بيوتنا، وتمشيط أولادنا، ومسح أحذيتنا، وتنظيف أرجلنا. و أنــنا في العــالم الإســلامي اليـــوم لا نمـــلك هذه القيمة، ولو كانت عندنا لوظفناها في حل مشكلاتنا باعتبارها أحد فصول الثقافة مثلها مثل المبدأ الأخلاقي، والمنطق العملي، وجانب الفن الصناعي، ولعل من الواضح لكل إنسان أننا أصبحنا اليوم نفقد ذوق الجمال، ولو أنه كان موجودًا في ثقافتنا، إذن لسخرناه لحل مشكلات جزئية، تكون في مجموعها جانبًا من حياة الإنسان فالمعيار الذي تقيس به الحضارة الغربيــة هو معيار الجمال، أما معيار الحكم على الأشياء في الحضارة الإسلامية فهو معيار القيمة الأخلاقية. وهذا ليس معناه افتقاد الحضارة الإسلامية عنصر الجمال، وإنما موضعه يأتي متأخرًا عن القيمة الأخلاقية في سلم ترتيب القيم
فالمســألــة في وضــعيــة إحــدى هاتــين القيــــمتين: الأخـــــلاق، أو الجمال، باعتبار إحدى القيمتين محورًا، والأخرى تابعة.. وهذه المحورية ترجع إلى أصول كل ثقافة وما تركبت منه في بداياتها، وإلى جذورها الأولى، فإذا كانت الحضارة الإسلامية نتاج خط النبوة وتعاليم الوحي، مما جعل (الحقيقة ) محورها، فإن الحضارة الغربية تعود في أصول ثقافتها إلى ذوق الجمال الموروث من التراث اليوناني الروماني; الذي كان شغوفًا بالتماثيل والرسوم، مما جعـــل الثقافة الأوروبيــة تــركب في مضمونها مزيجًا من الأشياء والأشكال، أي من التقنية والجمالية
وإذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية، قد وضعا دستور الجمال المؤسس على المبدأ الأخلاقي، فذلك يبين موقع الجمال في المنظور الإسلامي، الذي يعد قيمة غير قابلة للانفصال عن القيم الأخلاقية.. ولهذا فإن مسألة اللباس فيما يخص المرأة، منضبط بقيم الحياء والستر، وغض البصر، وعدم التبرج، وإخفاء المفاتن. أما الجمال في المنظور الغربي، وباعتبار أن الحضارة الغربية تتمحور حول الـــذوق الجمالي، فإن هذا أنــتج موجات الموضة والأزياء التي لا تراعي قيم الحشمة والستر والحياء، وتعتبرها لا قيمة لها قياسًا إلى المنظر الجمالي. وليس هذا في مجال الأدب والــزي فقط، بل إن العــلاقة: (مبدأ أخلاقي-ذوق جمالي )، تدل دلالة واضحة على عبقرية أي مجتمع، وتحدد اتجاهه في التاريخ نجد عند الفيلسوف الكندي ( 803 م – 873 م ) في مؤلفة عن الموسيقى، محاولة وضع تعميقاً عن التذوق الجمالي للألحان والألوان والروائح. فالألوان المختلفة برأيه مثل الألحان تستطيع أن تعبر عن هذا الشعور أو ذلك وتثيره، كما يوجد بين أنواع معينة من الألوان والألحان من حيث تأثيرها النفسي تشابه معين. وكذلك الحال بالنسبة للروائح التي يعتبرها موسيقى صامته. والموسيقى عند الفارابي(873 م -953 م) تعطي الإنسان السعادة والسرور، المترعرعين في تلك الحدود التي تنمو فيها ثقته وفهمه، وعبر فهمه يكتشف في نفسه الجمال والكمال. وكما يقول ” إن علم الموسيقى ذو فائدة من حيث إنه يرجع توازن التفكير لذلك الذي فقده، ويجعل الذين لم يبلغوا الكمال أكثر كمالاً، ويحافظ على التوازن العقلي عند هؤلاء الذين هم في حالة توازن فكري …”، ويقول أيضاً ” بأن صلة معينة توجد بين الفنانين والشعراء ويمكن القول أن مواد إنتاجهم الفني مختلفة، ولكن أشكال هذه المواد وتأثيرها وهدفها واحد أو على الأقل متشابه. وفن الشعر في الحقيقة يعتمد على نظم الكلمات أما فن الرسم فيعتمد على الشكل والألوان، وهنا يكمن الفرق بينهما إلا أن تأثير هذا وذلك هو واحد يعبر عنه في المحاكاة وهدفها واحد وهو التأثير على مشاعر الناس وحواسهم بمساعدة المحاكاة بينما نجد عند التوحيدي (320-414 هـ) إشارات عن مفهوم الجمال. حيث يضع إصبعه على بدايات علم الجمال المتمثلة في الاستيحاء من الطبيعة التي يعتبرها المعلم الأول للإنسان. والإبداع الفني الكامن في الإنسان والمستنبط من الطبيعة في أصوله المتقادمة قد لا تكفي الطبيعة وحدها كمناخ حقيقي للخصب الفني إذ لابد من توفر ركائز أخرى تسند الطبيعة الأم وتكون متكأ لها، منها الخبرة والطرق العلمية، وتتبع أعمال الآخرين. والطبيعة لا تمثل الخط النهائي لطموح الفنان بل أن الطبيعة محتاجة بدورها إلى الفن، وعلى الرغم من أن الصناعة تحاكي الطبيعة فالطبيعة تتوقف في احتياجاتها إلى الصناعة، والموسيقي إذا صادف طبيعة قابلة ومادة مستجيبة وقريحة مواتية وآلة منقادة، أفرغ عليها بتأييد العقل والنفس وشاحاً مؤنقاً، وتأليفاً معجباً أعطاها صورة معشوقة، وحليّة مرموقة وقوة في ذلك تكون بمواصلة النفس الناطقة، فمن هنا احتاجت الطبيعة إلى صناعة لأنها وصلت إلى كمالها من ناحية النفس الناطقة بواسطة الصناعة الحادثة التي من شأنها إستملاء ما ليس لها، وإملاء ما يحصل فيها، استكمالا بما تأخذ، وكمالاً لما تعطي.
كما كان للأفكار الصوفية تأثير على مفهوم الجمال، حيث تقوم الفكرة الأساسية لدى الصوفية إن الإنسان يستطيع أن يتحد في ذات الله روحياً عن طريق الوجد والحياة المتقشفة والتنسك والعبادة الخالصة وتنقية الروح والنفس من جميع الرغبات والشهوات الدنيوية. ومتى ما يصبح في حضرة الذات الإلهية، يدرك أن الجمال الحقيقي هو فيما يرى من نور، وما جمال العالم إلا انعكاسا للجمال الإلهي.
حيث نجد عند الفقيه والمتصوف أبو حامد الغزالي كيف أنه قد جعل الجمال الظاهر من شأن الحواس، والجمال الباطن من شأن البصيرة. ويقول ” الصورة ظاهرة وباطنة، والحسن والجمال يشملهما، وتدرك الصور الظاهرة بالبصر الظاهر، والصور الباطنة بالبصيرة الباطنة. فمن حرم البصيرة الباطنة لا يدركها ولا يتلذذ بها ولا يحبها ولا يميل إليها…… ومن كانت عنده البصيرة غالبة على الحواس الظاهرة كان حبه للمعاني الباطنة أكثر من حبه للمعاني الظاهرة، فشتان بين من يحب نقشاً مصوراً على الحائط بجمال صورته الظاهرة، وبين من يحب نبياً من الأنبياء لجمال صورته الباطنة
أن تقدير العرب للجمال قبل الإسلام كان معكوساً على الأشياء المادية الحسية مثل جمال المرأة والبعير والفرس والأطلال فكان مقتصراً على ردود الفعل والمشاعر العاطفية المباشرة من حب وشوق وحنين ولوعة ولهفة اللقاء فكانوا ينظموا شعر الغزل فيمن يحبوا ويعشقون. وحينما جاء الإسلام أهتم بجمال النفس والخلق والخلقة، فقد حث الناس على النظافة والاهتمام بمظهرهم وزينتهم. فقد قدر الإسلام الجمال والجميل لأنه ينطلق من الحديث الذي يذكر به “إن الله جميل ويحب الجمال “، والجمال هنا يشمل الجانب الشكلي والروحي.
أن الفنان في العصر الإسلامي يقيّم فنه على الوحي أو الحدس ويقيّم الأشكال بعيداً عن مقاييس الشكل الانساني وحدودها. لأن الفكر الاسلامي قام بتمجيد المثل الأعلى ( ألهو ) وليس على تمجيد الأنا، ولقد تمثل هذا في آيات الكتاب عند توسيع الفرق بين الانسان الترابي الأصل وبين الله وهو الحق المطلق الذي يحيط الملأ الأعلى
بما يقول البعض من باب الحمّية والدفاع عن الإسلام، بأن الدين الإسلامي لم يمنع التصوير الفني. لكننا نجد أن فن التصوير الفني والرسم بالخصوص، قد ظهر وأزدهر تنفيذه في فترة تمزق الدولة الإسلامية وضعفها. حين أصبح إيمان الناس بالدين لا يتعدى تطبيق الشعائر والطقوس فقط، لأن علمهم أقتصر على ما يفعله ويقدمه لهم شيوخ المنابر ووعاظ السلاطين من تفسير ومواعظ وفتاوى مقتصرة على علاقاتهم ببعض في أمورهم المعيشية والعملية.
يقول بريون ” أن الفن التجريدي كما يبدو لي أكثر محضية من تلك التي يثيرها الشكل التمثيلي. ” وكما يضيف ” أن الفن، في كل مرة يسعى فيها الى التعبير عما هو روحاني أو الهي، كان يسعى الى التجريدية، الشعور بأن تشخيص الآلهة فيه استخفاف لقيمتها. ” أن المطلق إذا كان مفهوماً فلسفياً فهو في المفهوم الجمالي يعني إيجاد الصيغة المرغوبة، فالمجال القائم في الطبيعة، جمال التفاحة أو جمال البحر أو جمال المرأة، هو جمال شيء معين، ويشترك في تزكية هذا الجمال عوامل عديدة، منها المتعة أو اللذة أو الذكرى. أما الجمال المحض، هو المجال البعيد عن جميع المغريات الإضافية، فلا وجود له في الطبيعة، إذ نادراً ما نعجب بزاوية جدار مهترئ تكتسيه طبقة من العفن، اللهم إلا إذا كان منا من هو شاذ الذوق .
لكن في الفن نجد أن الفنان يبحث تقريباً عن نفس الزاوية ويحاول إعادة إنشائها بشكل فني، وليس شرطاً أن يكون عملنا جميلاً جمال الجوكندا، ولكن الشرط أن يكون جماله فنياً أي أن يكون إبداعياً صرفاً، وبهذا يقول موندريان ” أننا نسعى وراء جمالية جديدة محضة، خطوط وألوان محضة، ذلك لأن العلاقات المحضة هي وحدها القادرة على الوصول الى الجمال المحض. “
أن العصر الحديث ميز بين التقدم العلمي والصناعي والعمل والخيال الإلهامي عن العمل القاعدي. فكان العمل الخيالي يجنح الى اللاواقع، والعمل العلمي يقوم على الواقع، وكما يقول براك ” إن الاحساسات تسعى الى التحوير، أما العقل فيسعى الى القاعدة. ” ومن هنا كانت بداية تحرر الفنان من الأشكال الطبيعية والعمل على مناهضتها شيئاً فشيئاً. حيث أصبحت اللوحة لدى كاندينسكي تمثل مجموعة من الخطوط والحلزونات والأشكال التي لا مدلول لها ولا ترتبط بأي الأشكال المألوفة في الواقع.
الحقيقة أن إعجاب الإنسان بجمال اللون والْـوَلَـه به ، يتجلّى على سبيل المثال في ألوان ريش الطاووس والتناسق في تمدّده ، وخُيلاء الطاووس لمّا يتحرّك ..وكذلك إحساسنا بالرضا والارتياح ونحن نتملّى الجو المشبع باللون في منظر غروب الشمس ، وانبهارنا بالنضارة اللونية في شروقها ، كلّ ذلك يرجع إلى كوْن الإحساس باللون هو من أكثر أنواع الشعور بالجمال شيوعا بين بني البشر، وأشدّهم جذبا.
للألوان تأثيرٌ عميقٌ في دواخل النفوس ، فتظهر بهيئة ملموسة ساحرة تارة تُحفّز أغلب الناس محرّكة فيهم الذوق الجمالي المتماشي مع كلّ إنسان ، وتارة أخرى بنفس إيماني ، وروحانيات ، واعتقادات تتداخل في كنف الدين والأعراف ، وحتى الأسطورة لدى بعض الشعوب …إن اللون هو صفةٌ للنور والضوْء ، وأن للنور السماوي الآتي من الشمس قدسية وحظوة يكتسيها في جلّ المعتقدات .
وما يمكن ملاحظته أن هذا الاختيار، الذي انتهت إليه الحضارة الغربية، أي تقديمها للذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي في سلم ترتيب القيم، أحدث في الثقافة الغربية انفصالاً عن الثقافة الإنسانية، كما أحدث خللاً منهجيًا أدى إلى قلب القيم، وإلى نتائج خطيرة على مصير الحضارة الغربية نفسها، وعلى الإنسانية عمومًا. فأدت النزعة الجمالية إلى الاستعمار، والإباحية والعبثية، وتفكيك الروابط التي تحفــظ المجتمع من الانحــلال، وإلى تمــركز الإنســان. مثلاً ظاهرة الاستعمار تعبر عن نمط ثقافة معينة قائمة على السيطرة، فالعقل الأوروبي المحكوم بإطار ثقافي قدم الجمال على المبدأ الأخلاقي في ترتيب القيم، فإن هذا الترتيب أثر في علاقة الغربي بالإنسانية
أننا لو تتبعنا الاعتبارات هذه، إلى أبعد مدى، لرأينا كيف أن الثقافة التي تمنح الأولوية لذوق الجمال، تغذي حضارة تنتهي إلى فضيحة حمراء، وذلك لأنها تسيطر عليها دوافع الأنوثة ي العقيدة الإسلامية جاءت دلالات اللون تعبيرية أو رمزية أو حسّية أو جمالية ، وارتبط اللون بمصدرين جوهريين : أولهما ، النور القادم من السماء المقترن بالخالق الأعلى ، فهو ( نور الله ) سبحانه وتعالى ، أو ( نور القلوب ) بما يعنيه الإيمان المنوِّر لدواخل النفس المظلمة ..وثمّة تداخلٌ لغوي ذو دلالات بين كلمتي ” ظلمة ” و ” ظلم ” المقترن بقُبْح الظلم والطغيان المنافي لجمال العدل ، وهكذا فكل انحراف واختلال هو قُبْح لأنه ابتعادٌ عن الجمال الواجب اقترانه بإرادة الله ؛ وبذلك فإن اللون وجماله يقترن مع وجود الضياء ، ثم يتداخل المفهوم مع العدل والقسطاس الإلهي . وأصبح الأسود المظلم لدى أغلب شعوب الأرض رمزا للحزن ، والألوان المشعّة الفاتحة دليلا على الحبور والمسرّة في الأعراف الشعبية.
العين منْفذ المشاهدة
ثاني الحوافز المرتبطة باللون والتي تؤدي إلى التذوق الجمالي،هي العين كأداةٍ جاسّة للنور واللون .والعين ذكرها الله في مُجمل نعمه على الناس ..ناهيك عن اعتبار اختلاف الألوان في ناموس الطبيعة والخَلْق في حدّ ذاته معجزة ربّانية تدعو الانتباه ، وإن تكريسها ما كان ولم يكن عبثا ، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ) (فاطر:27) و: (من الآية28 ).
قد يطرح القارئ السؤال التالي وما علاقة الألوان بالجمال وتذوّقه ؟ وأيّ الألوان أجمل ؟ وهذا بطبيعة الحال يجرّنا إلى أقوال بعض علماء النفس الذين من بينهم العالم النفساني الألماني ” فشنر ” إذْ يقول : ( صحيحٌ أن اللون الأحمر جميلٌ إذا ظهر على وجْـنة الفتاة ، ولكنه ليس جميلا إذا برز في أرنبة الأنف .) وهكذا نحسّ بجمال اللون من خلال مضمونه وأهميته ، وبذلك تكون نظرتنا إلى وهَج الغسق الأحمر مختلفة عن احمرار الوجه البشري . كما أن للطبيعة المحيطة وصورة الكون حضورُهما في المدى الفلسفي للألوان ، فالأزرق يلْقى الحظوة لارتباطه بالسماء ولوّن الماء الذي هو جوهر الحياة : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُـلَّ شـْيءٍ حَيٍّ ) . واللون الأخضر يرمز إلى الأمل والخصوبة والخلود المرتبطة أساسا مع بُعْدي اللونين المكوّنين له وهما الأزرق الدّالّ على الماضي والأصفر الدّالّ على المستقبل ، وما يعاكسهما في ذلك والذي يمثّل الزمن الحاضر فيبدو احمر اللون .
أساسيات ..للتذوّق الجمالي :
يقفز أمامنا والحالة هذه سؤال مهمٌّ : هل كلُّ كائن قادر على تذوّق الجمال والإحساس به ، والتعرّف على الجمال الحقيقي الأصيل ؟ أم أن الإحساس بالجمال والتعرّف عليه يحتاج إلى طاقة وقدرات ، وملكات رفيعة ، بل وخبرة ومستوى معرفي معيّن .. ونعتقد كما يعتقد العديد من ذوي الخبرة والاختصاص ،أن ليس كل إنسان يملك القدرة لاستيعاب وإدراك الجمال .
تذوّق الجمال يحتاج منّا :
1. ـ إلى عقْلٍ نشطٍ ناضج ، فالعقل الخامل الذي تغلب عليه البلادة ، وتطغى عليه الغرائز والنوازع البهيمية لا يملك القدرة على العثور على الجمال ، ولا التعرّف على ميزات الجمال ، ومن ثمّ الإحساس به ، وتحديد جوهره ، وتذوّقه والتنعّم به .
2. ـ إلى قلْب مُحبٍّ ، فالمحبة هي التي تنير الطريق على مَواطن الجمال والتوقف عندها والتأثر بها .
3. ـ إلى عين نشطة ومشاعر مرهفة حسّاسة ، فالإنسان الذي اعتاد أن يقضي حياته بين جدران أربعة ، لا يدرك جمال نهر تعانقه المروج والبساتين ، والذي لا يرى من الحياة غير وجهها الحالك ، لا يدرك الجمال ولا يعيه البتّة ، والنفس التي ترى من الحياة غير جانبها المادّي وقد صارت عبدا مملوكا للمال ، لعمري فالجمال تراه إلاّ فيما يُضاف كل يوم لها من عقارات وأوراق نقدية .
4. إلى نفس طيّبة ، متّزنة ، سويّة ، متسامحة ترى الوجود كله جميلا .. إلى أخلاق رفيعة سامية..نفس تنطوي على الخير والحبّ والجمال ، والفضيلة ، غير ميّالة للقبح والبشاعة في أذى الغير ..نفس طيّبة تعتقد الطيبة في غيرها .
5. ـ إلى خبرة بالحياة ومكوناتها ، وإلى إدراك للوجود ، وإلى قناعة بالموازنة بين الجانب الروحي ، والجانب المادّي ، وبين الجانب الحسّي والجانب المعنوي
إن الجمال يلبّي ويروي لنا حاجة إنسانية سامية ، وعلينا هنا أن نميّز بين الحاجات الإنسانية السامية للإنسان وبين الحاجات الوضيعة ، وإدراك قيمة الشيء معناه معرفته ، على سبيل المثال إذا لم ندرك ونقدّر ونعرف قيمة الوطن ، فهل يمكن أن نشعر بجمال الوطن ؟ قد نختلف حول العديد من القضايا ؛ إلا أننا لا يمكن أن نختلف حول الوطن الذي نعتبره أسمى وأرقى وأنبل مراتب الجمال .
الإنسان هو الوحيد من بين الكائنات قادرٌ على التطوّر ..قادر على استكمال ميزاته الإنسانية التي تُميّزه عن باقي الكائنات ، لأنه يملك العقل والإرادة ..الإنسان يملك غرائز نبيلة سامية نافعة ، ويملك بالمقابل غرائز عدوانية وحشية مخرّبة ضارّة ..إلاّ أن نزعة الخير موجودة أصلا فيه ..والجمال قادر على إبرازها وتوظيفها في سبيل الخير . والإنسان هو الوحيد من بين الكائنات كلّها ، قادرٌ على مجاراة الطبيعة التي هي نبْعُ الجمال ، في أن يكون جميلا ، وهو القادر على حماية الطبيعة لتكون مصدر قوّته وإلهامه ..بإمكانه أن يرفد ينابيع الجمال فيها ؛ وقدرته هذه تنبع من طموحاته وأحلامه .. فطموحات الإنسان وأحلامه تعبّر أيضا عن جانبٍ مهمٍّ للكشف عن القيم الجمالية ، والتواصل معها ، وتعبّر عن جانب مهمٍّ من طموح الإنسان وسعْيه ، واجتهاده لكي يكون جميلا .
القيم الجمالية غذاءٌ للروح ..حُرم منها الكثيرُ
إن القيم الجمالية هي غذاء الروح ، وغذاء الروح لا يقلّ أهمية عن الغذاء المادّي للإنسان ؛ إنْ لم نقل : إن الغذاء الروحي أكثر وأشدّ أهمية من الغذاء الطبيعي المادّي للإنسان ..ونعني بالغذاء الروحي ، كل ما يساعدنا على أن يبقى عالمنا جميلا يسرّ العين والروح ، ويقي الجسد .
ويشكل الموقف من القيم الجمالية ، والإبداع الجمالي ، والتعامل مع الجمال بُعْدا أساسيا في الحضارة الإنسانية ..فالحضارة التي تخلو من الجمال ، وتنتفي وسائل التعبير عنه فيها ، وتنعدم صناعة موضوعاته فيها ، لهي حضارة متخلفة ، لا تتجاوب مع مشاعر الإنسان ، ولا تلبّي أشواقه النفسية ونزعته الفطرية إلى الخير والحقّ والجمال ، ولا تعبّر في الآن نفسه عن إنسانيته .
قد لعب الجمال والفن بمعناه الواسع دورا كبيرا في حياة الإنسان ، إذْ كان وما يزال مظهرا من مظاهر تميّز الإنسان العاقل عن باقي المخلوقات ، ووسيلة تعبير هذا الإنسان عمّا يحسّه من مشاعر وانفعالات ، وكلما ارتفع مستوى هذا التعبير ، ارتفع معه مستوى هذا الإنسان ، ومستوى الحضارة التي يعيش فيها وبعيدا عن الفلسفة وأهلها ، فالإنسان العادي السوي مثلما يشاهد الجمال في عالم الطبيعة يشاهده ويتذوّقه في الأشياء الجميلة التي يقتنيها ، ويلحظه في الإبداع الفني الذي يصنعه الإنسان كالعمارة التي يبدع فيها المهندسون والبنّاؤون ، والطرق الفسيحة التي تحاذيها من الجانبين مساحات ظللتها أشجار وارفة وزخرفتها زهور وورود تفوح عطرا ، وساحات بديعة ,ومساجد تألقت بعمارتها الإسلامية المميزة ، كما أن الإنسان السوي يشاهد الجمال وينعم به في اللوحة الفنية ، الملابس الزاهية ، ترتيب غُرف المنزل ، الكُتب المزخرفة ، الخط ، ترتيل القرآن الكريم ، الزخارف والنقوش ، في الأواني والأبنية والفُرُش والزرابي ، في الإيقاع الموسيقي الأصيل والصوت الشجيّ ، والوزن الشعري العذب ، في الكلام الحسن ، في الحوار الهادئ ، في الاحترام المتبادل ، في فنّ الإصغاء للغير ، في حُسْن التعامل مع الجار ، مع الأصدقاء ، في صلة الرحم ، مع الزملاء في العمل ، في آداب الأكل ، في سلوك النظافة في داخل المنزل وخارجه ، في الحفاظ على البيئة .
الجمال نعمةٌ ربّانيّةٌ وكما نشاهد الجمال ونتذوقه في الإبداع الذي يصنعه غيرنا ونصنعه نحن أيضا ، فإن موضوعات الجمال التي كرّم الله بها عباده في الطبيعة أفسحُ وأجملُ وأكثرُ جاذبية ؛ حيث يغمرنا الجمال في عالم الأزهار والطيور وسفوح الجبال ، وجداول الأنهار ، وشلالات المياه المنحدرة ، وكثبان الرمال الذهبية ،والنخيل الباسق ، ، ومغيب الشمس ، وفي شكل الإنسان الذي قال الخالق عزّ وعلا في شأن تكريمه : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70) وقال أيضا : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) .. كما نسْعد بالجمال ونحن نتذوقه في سماء الليل الصافية ، وفي النجوم المتلألئة ، والقمر وهو يغمر الكون بضيائه ..نتذوّق الجمال في الغيمة ، في قوس قزح ، في الضباب وهو يدثّـرُ ما حولنا بغُلالة شفافة منعشة ، نتذوقه في نزول الغيث وتجمُّع قطراته وهي تنساب والأرض تتشرّبها في نشوة ..الجمال نتذوّقه في عيون الضباء ، وفي عيون المها وابتسامات الأطفال ، في ألوان الأسماك وشاطئ البحر ورماله الذهبية ، وأمواجه ..في حقول الزرع المترامية ، في السنابل الناضجة وهي متمايلة بما حملت من ثمار الخير ..في الخضار بألوانها المختلفة ..في الأشجار المثمرة وتدلّي الثمار بألوانها وأشكالها يانعة شهية في عراجين النخلة وهي مدلاّة ، مثقلة بحبات التمر في لونها الذهبي الرائق الشفاف ..وفي الأزهار بألوانها وأريجها .. وفي ملكها الورد بدون منازع ..ولدى الإنسان العامل وقد أبدع وأجاد وأتقن ، لدى الموظف وقد أخلص ، لدى البائع وقد أحسن عرْض بضاعته واستقبل الزبون باشّا وكان رحيما في تسعيرة بضائعه ، ولدى … ولدى ..ولدى ..
مواطن الجمال .. تعدّدت وتنوّعت
عموما ، فالجمال قد يكون متعلقا بالإنسان ، أو الحيوان ، أو النبات ، أو الصخور ، أو الجبال ، أو البحار ، أو السماء ، أو حتى السحب وتشكيلاتها ، تهاطل الأمطار ، تساقط الثلوج ، أو التعبير الإنساني خاصة في الفنون المختلفة ، وقد يكون مرتبطا بالجانب المادي ، أو الحسّي ، وقد يكون متعلقا بالجانب العقلي أو المعرفي ، أو التأمّلي قد يتمثّل في حالات صامتة ، أو حالات متحرّكة ، أو في مزيجٍ من الصمت والحركة ، وقد يكون في وجْهٍ جميل ، أو جسد جميل ، أو مسرحية جميلة ، أو مقطوعة موسيقية جميلة ، أو فيلم جميل ، أو لوحة فنية جميلة ، أو حديقة طبيعية جميلة لم تطلها أيدي البشر ، أو حديقة أخرى تولاّها الإنسان بالرعاية والاهتمام.
اختلافات هائلة بين تكوينات وحالات الجمال وتنويعاته ، فوصفنا العام لها بالجميلة إلاّ لكونها تثيرنا وتبعث المتعة والراحة في نفوسنا ؛ حيث يوجد الجمال في جميع مظاهر الحياة ، في الطبيعة والمباني والبشر والفنون واللغة … كما يوجد في العلوم ، فالفيزيائي ريتشارد فينمان يرى بأن ” المرْء يمكن أن يستبين الحقيقة بفضل جمالها وبساطتها ” ويعلن فيزيائي آخر بقوله : ” إن الجمال في العلوم الدقيقة وفي الفنون على السواء هو أهمّ مصدر من مصادر الاستنارة والوضوح ” .
كـلٌّ تلك موضوعات تجسّد الجمال ، بل الطبيعة بأسرها لوحة فنية تفيض بالحسن والجمال ، والنفوس السوية تثير لديها الإعجاب ، وتتفاعل معها روحيا ، إذْ تتحوّل لديها شعرا ، أنشودة ، عبادة وإجلالا وتسبيحا وتعظيما لمبدع هذه الطبيعة وخالقها .
ين نحن من هذا العطاء الربّاني ؟ هل نحسّ بهذا الجمال الفياض في سلوكنا اليومي ؟ هل نتذوق القليل أو الكثير في يومياتنا وليالينا ؟ …هي أسئلة مطروحة علينا أفرادا وجماعات ، ولا أعتقد أننا نجهل واقعنا وسلوكنا الذي يجهل في أغلب الحالات كُنه الجمال ومفهومه ، ومعاداتنا لكل ما هو جميل ، وإنْ جَهِـلْنا التذوقَ الجماليَّ فإننا في نفس الوقت نترفع عن تعلّم التذوق الجمالي ونرى بأنه من الصغائر التي ننزل إليها ، والبعض يراه أنه من الضعف والدونية .. نحن أغلبنا معطوبٌ من الداخل. لكن كيف السبيل إلى إصلاح هذا العطب ؟
الجمال يحيط بنا من كل جانب .. وسرّ الجمال يتمثّل في القدرة الإلهية التي خلقت وأبدعت ، لكننا نفتقر إلى استشعار هذا الجمال ، لأن ذاك يحتاج إلى تنشئة وتربية تستمرّ مع الإنسان ولا تتوقّف عند مرحلة محدودة من العمر ؛ فالشخص الذي يتعوّد على تناول الأشياء من زواياها النفعية ، تأكيدا لا يرى فيها جمالا ، لأن الأشياء في نظره لها مدلولات مادية حسّية ، إذْ هو يرى البرتقال ليأكله ، وينظر إلى المقعد ليستريح عليه ، ويركب السيارة لتُسْرع في نقْله من مكان إلى آخر ؛ لكنه حينما يبحث عن شكْل البرتقال ولونه ، وملامس سطوحه ، وكيانه الكُلّي ، ويعجب بهيئته حين يقارنها بفاكهة أخرى ، فإن إعجابه وسروره في هذه الحالة يؤدّي له وظيفة أخرى ..هي الاستمتاع والتذوّق ..وهكذا في بقية الأشياء
القبْح عـمَّ ..هلاّ الْتفتنا إلى تربية تكون الجمالية في صدارتها !!
إن الإيمان بالجمال والعمل على تنميته ملكاته ، وغرْس الميول المختلفة المساعدة على الذوق الرفيع لدى أبنائنا شيءٌ حيويٌّ وضروريٌّ لتنشئة أجيال تتذوّق الحياة بروحٍ ملْؤها المرح والبهجة والسرور .إن الطفل الذي ينشأ على حُبّ الجمال ، ويتعوّد مشاهدته ، ومعايشته داخل أسرته نظراً وسمْعا وعلاقات ، وأسلوب حياة هو طفلٌ سعيدٌ ، مستبشرٌ ، مطمئنٌّ ، هادئ النفس ، متحرّر من العُقد النفسية ، رقيق الطبع والذوق ، قادر على الحبّ والعطاء ، قادر على ولوج معترك الحياة بثقة .
والنفس البشرية لا يمكن أن ترقى بأحاسيسها السامية ، وتنهض بمستوياتها الوجدانية والفكرية ، إلاّ من خلال البحث عن الجمال ومَوَاطنه ، وتذوّقه ..فالجمال يهذّب النفس ، ويُدخل عليها الطمأنينة والسرور ، ويخفّف عنها حِدّة التوتّر والقلق ، والشعور بالاكتئاب والتشاؤم ..وما أحوجنا إلى ذلك في عصْر سيطر فيه الخوف والقلق والتوتر والتشاؤم المستمرّ .
التعامل مع كلّ ما هو جميلٌ يجعل الدنيا مشرقة في أعْيننا بصفة دائمة ، ويُزيل عنّا الهمّ والحزن والملل والضيق ، ويُخفّف من أعباء الحياة علينا ..هذا الجمال لا يحتاج إلى قدرة مادية ، أو نمطٍ خاصٍّ ، أو أسلوب معيشي معيّن ، وإنما هو أسلوب حياة أساسه الحدبث النبوي الشريف : ( اللّهمّ إنّي أسألك نفْسًا مطمئنّةً تُؤمن بلقائكَ وترضى بقضائكَ وتقنع بعطائكَ .)
صُور الجمال في الكون والحياة ، دليل على قدرة الله تعالى وعظمته وحكمته ، والقيم العليا في الديانات السماوية ، سيّـما في الدين الإسلامي الحنيف ، ترمز إلى نواحٍ جمالية مثلى ، لأنها ينبوع السعادة الحقيقية المتمثلة في الحق والخير والجمال ، للبشر في كل زمان ومكان ، فالخير والفضيلة ، والحب والصدق ، والعدل والرحمة ، والتآخي والبرّ ، والطهر والعفاف ، وغيرها من الصفات والسلوكات الإنسانية الحميدة التي تبعث في النفس الطمأنينة والأمن والأمان ..جميعها ينابيع للخير والوفاق وجمال النفس والكون في شموليته الواسعة ، والبيئة المحيطة بالإنسان .
لطائف الذوق السليم:
– جمال الذوق في طريقة المشي والصوت: قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْـجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا} [الفرقان: 63]. وقال تعالى: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْـحَمِيرِ} [لقمان: 18، 19]. قال ابن كثير: “وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمّه غاية الذم؛ لأن رسول الله قال: “لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ[2]”[3].
– جمال الذوق في عدم إزعاج الآخرين: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْـحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4]. ونزلت هذه الآيات في أناسٍ من الأعراب، الذين وصفهم الله تعالى بالجفاء، وأنهم أجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، قَدِموا وافدين على رسول الله ، فوجدوه في بيته وحجرات نسائه، فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج، بل نادوه: يا محمد يا محمد، (أي: اخرج إلينا)، فذمَّهم الله بعدم العقل، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أنَّ من العقل وعلامته استعمال الأدب”[4]
أما الذوق في الشارع والطريق: روى أبو سعيد الخدري أن النبي قال: “إِيَّاكُمْ وَالْـجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ”. فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ، نتحدَّث فيها. فقال: “إِذْ أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْـمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ”. قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: “غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْـمُنْكَرِ”[5].
– جمال الذوق في الضيافة والاستئذان: قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27]. وقال الرسول: “الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ؛ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلاَّ فَارْجِعْ”[6].
– جمال الذوق في التعامل مع الزوجة: فعن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله قال: “وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ”[7]. وروت السيدة عائشة قالت: “كنت أشربُ وأنا حائضٌ ثم أناوله النبيَّ ، فيضع فاه على موضع فِيَّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي ، فيضع فاه على موضع فِيَّ”[8].
جمال الذوق في العطس: فعن أبي هريرة قال: كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فِيه، وخفض بها صوته[9]. وفي الذوق في التعامل مع العاطس، روى أنس بن مالك قَالَ: عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: “هَذَا حَمِدَ اللهَ وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ”[10].
– جمال الذوق في التثاؤب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: “التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ”[11].
– جمال الذوق في الرائحة: عن جابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: “مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا”[12]. وفي رواية مسلم عن ابن عمر تصريح بأن هذا لأجل الرائحة؛ عن ابن عمر أن رسول الله قال: “مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا”[13]. يعني الثوم.
– جمال الذوق في المصافحة: عن أنس بن مالك أن النبي: كان إذا صافح رجلاً لم يترك يده حتى يكون هو التارك ليدِ رسول الله [14].
جمال الذوق في التثاؤب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: “التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ”[11].
-جمال الذوق في الرائحة: عن جابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: “مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا”[12]. وفي رواية مسلم عن ابن عمر تصريح بأن هذا لأجل الرائحة؛ عن ابن عمر أن رسول الله قال: “مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا”[13]. يعني الثوم.
– جمال الذوق في المصافحة: عن أنس بن مالك أن النبي: كان إذا صافح رجلاً لم يترك يده حتى يكون هو التارك ليدِ رسول الله [14].
-جمال الذوق في العودة من السفر: فلا يدخل الرجل على زوجته إذا عاد من السفر فجأةً حتى لا يرى منها ما يكره؛ فعن ابن عمر أن النبي قال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلاً، وَلا تَغْتَرُّوهُنَّ”[15].
-جمال الذوق في الجلوس: “نهى أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما”[16].
من الوصايا الإسلامية بالتبسم وطلاقة الوجه وطيب الكلام اهتمت بأن تخرج هذه الأفعال من صميم القلب، لا عن تصنُّع أو تمثيل أو تكلُّف أو نفاق.
وهنا يفترق الإسلام وتوجيهاته عن غيره؛ لأنه ليس مؤسسة أو شركة ربحيَّة تهتم لكثرة عدد “العملاء”، بل يهتم بانتشار المودَّة والرحمة والسعادة بين الناس.
فضل سلامة الصدر: أخبر رسول الله أن سليم الصدر نقي القلب أفضلُ الناس، فقال حين سُئِل: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: “كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ”. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: “هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ”.
وإن الله يغفر للناس إلا من كان في صدره شحناء لأخيه، بهذا أخبر النبي لما قال: “تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ويَوْمَ الخَمْيِسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بينهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فَيُقَالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا! أَنْظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”.
حتى إن أول الناس دخولاً إلى الجنة، الزُّمرة التي طهرتْ قلوبهم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: “أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْـجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمْ الْـمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْـحُسْنِ، لاَ اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا”.
وكانت (سلامة الصدر) من وصايا النبي: “إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْـحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا”.
لقد كان من فطرة الله تعالى في خلقه، أن خلقهم على الجمال ومنه سلامة الصدر {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]. ولهذا إذا بقيت الضغائن في النفوس، أتعبتِ النفوس ذاتها.
ذلك ما لاحظه الإمام ابن حزم فتعجب منه فقال: “رأيت أكثر الناس -إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم- يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا، ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً؛ من نيَّات خبيثة يضبون عليها من تمنِّي الغلاء المهلك للناس وللصغار ومن لا ذنب له، وتمنِّي أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقينًا أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئًا مما يتمنونه أو يوجب كونه، وأنهم لو صفُّوا نياتهم وحسَّنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم، وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد، من غير أن يؤخِّر ذلك شيئًا مما يريدونه أو يمنع كونه. فأيُّ غبنٍ أعظم من هذه الحال التي نبهنا عليها! وأي سعدٍ أعظم من الذي دعونا إليه”.
حب الناس: وأعظم من سلامة الصدر.. الحب للناس جميعًا. وإننا نبصر هذا في شخصية النبي فوق سلامة الصدر حبّه للناس جميعًا، وهو حب يبدو جليًّا في ألفاظ بلاغته. إنه حين وصف نفسه ومواقف الناس من دعوته قال: “إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَـمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا”.
إنه تصوير مؤثِّر، إنها لمعركة.. معركة يحاول فيها النبي دفع الناس عن الوقوع في النار، ولكنهم يغلبونه فيقعون فيها.
ليست إذن مجرَّد بلاغ، ليست مجرد مهمَّة، ليست مجرد نصيحة.. إنها معركة، النبي يحاول ويأخذ بحُجز الناس، وبعض الناس يغلبونه فيقعون فيها.
ويروي البخاري أنه كانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: “أَسْلِمْ”. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ”.
ما أعظم هذا النبي!!
– لما أصيب يوم أُحُد كان يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: “رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”.
والذي كان في أصعب يومٍ مرَّ عليه في حياته أرفق على الناس (الكفار) منهم على أنفسهم؛ روت عائشة – رضي الله عنها- أنها قالت لِلنَّبِيِّ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: “لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”.
– النبي الذي شمل حتى الحيوان بهذه العاطفة، حتى صار في العمل الصالح لأي كائن حي (في كل ذات كبد رطبة أجر)؛ فعن أبي هريرة أن النبي قال:”بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ”. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: “فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ”.
بمثل هذه التوجيهات صَنَع الإسلام (جمال الباطن)، وجعل من الإنسان كائنًا رقيقًا كنسيمٍ ناعم رطيب، ليس للمسلمين ولا للناس، بل للكائنات الحيَّة جميعًا.
إن من أهم تجلياته في الظاهر:
الاهتمام بالنظافة بأنواعها، والابتعاد عن كل نجس ومستقذر، تشمئز منه النفس الإنسانية، وتنفر منه العين، سواء تعلق الأمر بالجسم أو المحيط.
في الباطن: الاهتمام بجمال النفس بالتخلص من الذنوب والمعاصي، والتزام العقيدة الصحيحة والتحلي بكل خلق جميل، وعبادة الله والتزام شريعته، ومعاشرة الناس بالحسنى والتأدب بالأدب الجميل، مصداقا لقوله تعالى:( وذروا ظاهر الإثم وباطنه).
وقد كان المصطفى عليه السلام يمثل الجمال في هيئته وسلوكه( النموذج الراقي)
جماله في هيئته: إرسال شعره، بياض لباسه ، الجلوس للأكل، الكلام الفصل المفهوم فلم يكن عليه السلام فاحشا ولا متفحشا ، ووكان ضحكه تبسما، وما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله عليه السلام له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين ، لم يكن بالقصير ولا بالطويل عن البراء أخرجه الترمذي،
وكان سلوكه غاية في الجمال والحسن والاستجابة لحقوق الأطفال والبنات والعدل فيما بينهم ، والرحمة والشفقة خاصة بالنساء
ومن الذوق السليم التفسح في المجلس ، والسماحة في المعاملة ، والحياء والتواضع
، وسلامة الفطرة، وحب العدل والأمانة والخير والإنصاف، وكراهية الظلم والخيانة والشر، والنانية
ومن مظاهر أثر الذوق السليم على تصرفات الإنسان وعلاقته بالآخر:
ينشر بين الناس روح الفن والجمال في العلاقات- الاتزان النفسي والذاتي عند الإنسان- تمتين الروابط بين أفراد المجتمع- بيئة سليمة وأجسام طاهرة.
البعد الجمالي في مشروع الحركة الفني:
إن العمل الفني ـ يضيف ـ يشكل أحد مجالات عمل الحركة والإصلاح التي نص عليها ميثاقها، و ” الفن ” يندرج في مجال أوسع هو مجال العمل الثقافي والفكري،كما أنه لا يهتم فقط بالجانب العقلي أو المعرفي من الشخصية الإسلامية، بل إنه يشمل هذه الشخصية في أبعادها المختلفة، ويعمل على إعادة صياغة قيمها المعرفية والوجدانية والسلوكية ومن ثم سعة المجالات التي يشملها العمل الثقافي، ويمثل العمل الفني منذ أقدم العصور شكلا من أشكال التحضر والترقي، وأداة للتعبير عن الجوانب الجمالية والمواهب الإبداعية الكامنة في الفطرة الإنسانية. كما أن هذا المجال أصبح من بين أهم ساحات التدافع الثقافي ومجالات غرس القيم، مما يؤكد الحاجة إلى العناية بالمسألة الفنية إبداعا وإنتاجا، وتكوينا للطاقات ودعما للمواهب وإبرازها، وانفتاحا على الأعمال البانية،ولا تخفى أهمية الفنون في العقيدة والحضارة الإسلامية والإنسانية. وقد اعتنى القرآن بالمدخل الجمالي في بناء شخصية الإنسان، وهي نفس عناية السنة النبوية، و الحسن والجمال يشكلان ثلث الشريعة.
أهداف العمل الفني عند حركة التوحيد والإصلاح: والتي حددت في:
•الإسهام من خلال الأعمال الفنية في تعميق الإيمان من زاوية المدخل الجمالي والوجداني، والإسهام في تعزيز الوظيفة التربوية والثقافية للفن وتخليصه من الابتذال، من أجل أن تكون له رسالة بنائية، وتصحيح النظرة إلى الفن بكل تمظهراته لدى المجتمع، وتخليصه من الصور السلبية التي لحقت به في التاريخ الإسلامي، وتحقيق التواصل مع المجتمع من خلال أعمال فنية، وجعل الفن إحدى وسائل التخاطب وغرس القيم والأخلاق الحسنة ، والتعاون مع الأطراف الفنية المؤمنة برسالية الفن وسمو أدواره والتعريف بالإنتاج الفني الأصيل والجاد، والإسهام في ترشيد الإنتاج الفني من خلال تطوير خطاب النقد الفني وأدبياته وتكوين كفاءات متخصصة في هذا الإطار وفق القواعد العلمية المعتبرة في النقدي الفني.
وختاما نحن في حاجة إلى الاحساس بالجمال:
إن الإحساس بالجمال – في حد ذاته – خاصية إنسانية فريدة، لا نصيب للحيوان فيها، وهي من عجائب النفس البشرية التي لا تستطيع تفسيرها أو فهمها، إنما تشعر بها وتحسها، وتقع تحت سلطان تأثيرها، ونفوذها الواسع، فمع كون التذوق الجمالي يخفف من إيقاع المادية على النفس الإنسانية، ويفتح لها مجالاً خصباً للتعبير عن شعورها وإحساسها وانفعالاتها: فإنه مع ذلك حاجة فطرية ضرورية للإنسان على وجه العموم، يميل إليها الشرفاء من الأولياء وكبار العلماء، وحاجة أيضاً للشباب على وجه الخصوص، وللفتيات بصورة أخص؛ إذ هن أكثر تفوقاً في القيم الجمالية من الذكور، وأقل إصابة بمرض عمى الألوان منهم، والإنسان يستشعر الجمال بلذة ورضاً حتى وإن لم يكن مالكاً له؛ لأن القلوب مطبوعة على حب الصور الحسنة المتقنة، وما زال الإنسان يبذل غالب جهده العملي، وقدراته المتفوقة في التحسين والإبداع الجمالي
إن الجمال في التصور الإسلامي يشمل كل موجود ظاهراً كان أو باطناً، كبيراً كان أو صغيراً، عظيماً أو حقيراً؛ فأقدس ما يقدِّسه المؤمن، وأعظم ما يرجوه هو الرب، الذي اتصف بالجمال المطلق في ذاته وأفعاله، فما من صفة من صفاته إلا ولها أثرها الجميل المتغلغل في أعماق الوجود بأنواعه: الحي والميت، المتحرك والثابت، العاقل والأعجمي، الظاهر والخفي، وهكذا في كل ما خلق الله، ليس هناك من موجود في هذا الكون إلا ويحمل معنى من معاني الجمال: قد يكون ظاهراً في الأشكال والألوان والنقوش، وقد يكون باطناً في المعاني والرموز، فأينما وقع البصر، وسمعت الأذن من ملكوت الله تعالى فثمَّ الجمال، فهذه الصواعق رغم ما تُحدثه من خوف ورهبة تحمل معها معاني البهجة والجمال في رسومها وشعاعها، وفيما يرتبط بها من نزول الغيث، وانسياب المياه، وتشقق الأرض بالنبات: ما يبعث في النفس الراحة والاطمئنان، وكذلك في عالم الحيوان ليس من نوع مما يسير، أو يطير، أو يزحف، أو يسبح، إلا والجمال صبغته وطينته: في حركته، وألوانه، وسلوكه، وأشكاله وأما جمال الإنسان – الذكر والأنثى – فهو من أبدع ما في الكون هيئة وطبيعة، روحاً ونفساً، إلا أن جماله الظاهر والباطن مرتبط بإرادته – إلى حد كبير – فهو مأمور برعاية ظاهره بالطهارة وحسن المظهر وصحة البدن، وتفقُّد باطنه بالتربية والتهذيب وصحة المعتقد.
———————————————————————————————————————-
1] انظر في ذلك عمرو خالد: الصبر والذوق (أخلاق المؤمن)، ص87 وما بعدها.
[2] البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته (2479).
[3] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/339.
[4] السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص799.
[5] البخاري: كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات (2333)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه (114).
[6] البخاري: كتاب الاستئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثًا (5891)، ومسلم: كتاب الآداب، باب الاستئذان (34).
[7] البخاري: كتاب المغازي، باب حجة الوادع (4147)، ومسلم: كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (1628).
[8] مسلم: كتاب الحيض، باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله… (300)، والنسائي (282)، وأحمد (25635).
[9] أبو داود: كتاب الأدب، باب في العطاس (5029)، والترمذي (2745)، وصححه الألباني رقم (4755) في صحيح الجامع.
[10] البخاري: كتاب الأدب، باب الحمد للعاطس (5867)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب (2991).
[11] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (3115)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب (2994).
[12] البخاري: كتاب صفة الصلاة، باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث (816)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهى من أكل ثوم أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها (564)، وهذا لفظ البخاري.
[13] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهى من أكل ثوم أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها (561).
[14] الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (2490)، وابن ماجه (3716)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (2485).
[15] الدارمي: باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي حديث فلم يعظمه (444)، وأبو يعلى (1843)، والحاكم (7798)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (3085).
[16] أبو داود: كتاب الأدب، باب في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما (4844)، والترمذي (2752)، وأحمد (6999)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (2385).