” ليلة الرايس الأخيرة ” رواية ياسمينة خضرا تحكي آخر أيام القذافي
كلنا تابعنا الأيام الأخيرة لمعمر القذافي، و التي انتهت بقتله بطريقة وحشية، أراحت بعضنا بنهاية ديكتاتور عربي، وآلامت بعضنا دون نسيان كل الجرائم التي ألحقها بشعبه الليبي ، آلامت انسانياتنا واقتناعنا بأن المجرمين لهم كذلك الحق في محاكمة عادلة. تابعنا خرجاته وتوعداته بالتنكيل بهؤلاء الثوار ( الخائنين ) ولن يرحمهم . لم ولن ننسى قولته( بيت بيت دار دار زنقة زنقة ..).
وتأتي رواية ( ليلة الريس الأخيرة ) للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا لكي نسمع مباشرة من القذافي نفسه حكيه للحظات تلك الليلة وكيف قضاها مع أقرب المقربين له مختبئين عن الثوار و منتظرين وصول ابنه لكي يخرجه من قدره المحتوم ، من مدينة سرت . فكانت ليلة قربتنا أكثر من هذه الشخصية بكل سلوكياتها المضظربة ،سلوكيات ديكتاتور لا يعترف بديكتاتوريته حتى في آخر لحظات حياته ،تعرفنا أكثر على شخصية نرجسية ولو في قمة لحظات القلق والفزع والتوجس ، شخصية تجد نفسها تجسد الذات الإلهية ،شخصية متضخمة الأنا . وكان توظيف لفلاش بلاك من الرواي ، القذافي ، طريقة يكسر بها ثقل هواجس لحظات انتظار القذافي وصول ابنه ، فلاش بلاك سافر بنا إلى طفولة القذافي ، ودور وتأثير خاله والصحراء وأمه و الأقران في شخصيته ، ويصل بنا فلاش باك إلى شبابه و تكوينه العسكري ببريطانيا وخطبته لحبيبته ، خطبة رفضت ، فانتقم شر انتقام بعد أن أصبح رئيسا من أب حبيبته ومنها باغتصابها ومن زوجها .. يحكي هذه القصة بكل فخر .. التي كانت بدايته بهوسه بالنساء . يواصل حكيه، مع وصفه للحظات الجوع و الخوف في مكان اختبائه ،ووصول ابنه ومحاولة هروبه إلى أن قتل تلك القتلة البشعة . يحكي الرواي /على لسان القذافي بأسلوب رائع مشوق يتخلله الكثير من الحوارات ، ويطغى عليه المونولوج الذي يشدنا ولا نستطيع أن نوقف سرد الريس إلى أن يسكت الموت صوته. ونطوي آخر صفحة من الرواية و نودع جثمان الريس و خليط من المشاعر تلفنا ، حزن و اندهاش و غضب وشفقة..مشاعر نحو ديكتاتور كبرنا مع اسمه و حكاياته و ارتباط ليبيا باسمه في ذاكرتنا و كتابه الأخضر ..وتبقى الشفقة أكبر احساس قد يطويه القارئ مع آخر صفحة و مشاهد قتلته البشعة . رواية تجعلنا نختبر انسانيتنا ،هل يمكن أن نشفق على ديكتاتور ذل في أواخر حياته أم لا يستحق منا لا شفقة ولا تعاطف.
كل الشكر للكاتب ياسمينة خضرا على هذه الرحلة في أعماق رئيس ديكتاتور ..كان لا يحب من الغرب الذي يحتقره إلا الرسام فان خوخ ،الذي كان حضوره في حياته مصرد رسائل له…كل هذا من خلال سرد و حكاية آخر ليلة من عمره .