أثر المعلوماتية في الرواية العربية
بواسطة : أحمد فضل شبلول
عن : بالعربية
يرى الدكتور شوكت المصري أن المداخل النظرية والمنهجيات النقدية التي استهدفت الوقوف على فنيات النص الروائي وبنياته تعددت تعددا حمل بين طياته وعيا ثنائي الوجهة، فمن جهة كان الزخم الهائل الذي حققه النوع الروائي منذ ظهوره غربيا ثم عربيا، ومن وجهة أخرى كان ما حققه الدرس النقدي الحديث من تطورات وقفزات هائلة بدءا من الشكلانية الروسية ووصولا إلى التحليل الثقافي؛ هذا الأخير الذي حاول إجمال عدد من إجراءات المناهج النقدية السابقة عليه داخل مقولاته؛ لتحقيق تفاعلية أكبر، وفاعلية أشد في فهم وتفسير وتأويل النصوص الأدبية وفق منهجية أدق وأشمل وأكثر تنوعا وقدرة على ملائمة النص ببنيته ومكوناته وتنوعاته وتحولاته وتطوره.
وأوضح في الجلسة الثالثة باليوم الأول من أيام متلقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي “الرواية في عصر المعلومات” والتي رأسها الروائي اللبناني رشيد الضعيف، أن دراسته تحاول تحقيق مدخل نظري لمنهجية مقترحة فيما يتعلق بقراءة النص الروائي قراءة ثقافية في ظل المعلوماتية ومفرداتها ومقولاتها وتأثيراتها المختلفة، محاولة الكشف عن أثر هذه المعلوماتية في النص الروائي العربي المعاصر على مستويين أحدهما خارجي، والآخر داخلي، حيث يصبح السؤال الرئيسي هنا هو: كيف أثرت المعلوماتية نظاما وأثّرت في بنية النص الروائي العربي؟ وما أشكال هذا التأثير والإثراء على مستوى النسق الداخلي للأعمال الروائية والسياق الخارجي المكوِّن لمرجعيتها؟
الوقوف عند بعض الجوانب المؤطرة للتفاعل الجديد القائم بين كتابة الرواية العربية وأدوات الاتصال الجديدة، انطلاقا من استثمار مجموعة من النصوص الروائية لهذه الأدوات وقدرتها على تحويلها إلى مادة روائية بأشكال جديدة وبمضامين ودلالات مغايرة
وأشار المصري إلى أن دراسته “القراءة الثقافية ومعلوماتية النص الروائي – مدخل نظري لمنهجية مقترحة” تتعامل مع بعض الأعمال الروائية الصادرة في السنوات الخمس الأخيرة بوصفها نموذجا قابلا للتطبيق الإجرائي، وذلك على مستويين رئيسيين هما: السياق المعلوماتي، والنسق المعلوماتي. وأوضح أن الدراسة تعنى في السياق المعلوماتي بالكشف عن الأثر الذي أحدثته الثورة المعلوماتية في الرواية العربية المعاصرة باعتبار النظام المعلوماتي مرجعية خارجية للتأويل والإحالة. أما النسق المعلوماتي فتكشف الدراسة عن تأثير النظام المعلوماتي في تغيير وخلق بنية العمل الروائي وفضائه النصي داخل بعض الروايات المعاصرة.
وخلص شوكت المصري في نهاية دراسته إلى اقتراح مجموعة من الإجراءات التحليلية المطروحة والتي يمكن أن تبنيها تقديم قراءة ثقافية للنص الروائي في ظل المعلوماتية ونظامها ومقولاتها.
وعن “الرواية ووسائل التواصل الاجتماعي .. كيف ننتج العمق في السطح؟” قال الروائي التونسي كمال الرياحي إن مطبخ الكتابة ظل المكان السري الساحر المتكتِّم على ذاته عبر تاريخ الأدب الذي يحرص الكاتب على جعله بعيدا عن الأنظار، حتى أن عددا من الكتاب كان يحرق مسوداته ولا يرميها في سلال القمامة خوفا من وقوعها في أيدي الغرباء، وبخاصة بعد أن ظهر بعض الفضوليين الذين يتجسسون على حاويات القمامة لكبار الكتاب في العالم بحثا عن نفاياتهم وأوراقهم المهملة، فكانوا يحرصون على التكتُّم عن عنوان مطبخهم ويخفون نصوصه الجنينية كما يخفون يومياتهم الحميمية في جيوب سرية.
ويوضح الرياحي أن كوسموس الكاتب هذا انفجر مع الانفجار التكنولوجي وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، فخرجت الكتابة من نشاطها السري لتصبح نشاطا يمارس في الفضاءات المفتوحة.
ويرى أن هذا الانفجار التكنولوجي لم يرحب به بعض كتاب العالم، فهجا كل من أمبرتو إيكو وجوناثان فرانزن وسائل التواصل الاجتماعي التي استحوذت على الإنسان المعاصر، الأول قال متحدثا عنها: “إنها تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء”، بينما وصفها الثاني بأنها “الوسيط” الأكثر لا مسؤولية وعدو الكتابة والقراءة الجادة.
بينما يتحدث بول استر دائما عن نفوره من التكنولوجيا وعن تمسكه بآلة الكتابة والفوبيا التي يعيشها من فقدان ما يكتبه إذا ما كتب رواياته على الكمبيوتر، ويفاجئ العالم بأنه لا يملك حتى بريدا إلكترونيا، فالكتابة حسب رأيه “تأتي من إحساس شديد بالوحدة، وإحساس بالعزلة” هناك حيث مطبخها السري.
ويرى الرياحي أنه في المقابل هجم الكتاب الآخرون على صفحات التواصل الاجتماعي يدونون بلا هوادة في شوق إلى تلك الجحافل من المتابعين حالمين بمئات اللايكات يحاولون ملاحقة مشاهير السينما والغناء، فكانت شهرة بعض الكتب التي نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي سببا في نجاحها وتحريض دور النشر على تقديم عروض لأصحابها لنشرها.
ويضيف الروائي التونسي كمال الرياحي بأن المتابع لصفحات الروائيين العرب على شبكة التواصل الاجتماعي يلاحظ بسهولة أن الروايات أصبحت تظهر منجَّمة في شكل مقاطع سردية موقعة من أصحابها وتخلق لها متابعين حسب شعبية الروائي قبل أن تظهر في محامل ورقية بعد ذلك أو تجهض على الصفحات الافتراضية، وتبقى معلقة مثل الأجنّة الغريبة بعضها سيظهر بعد سنوات، وبعضها يجف ماؤه وييبس كأوراق الخريف ويسقط من ذاكرة المتابعين.
ويتساءل الرياحي: ألا يعد هذا الخروج الغريب بمطبخ الكتابة السري إلى العلن مخاطرة كبيرة بفعل الكتابة نفسه؟ فما الذي حدث للكتابة الروائية بهذا الخروج بالكتابة من النشاط السري الحميمي إلى العمل الاستعراضي؟ من استفاد من هذا الخروج؟ هل ازدادت شعبية الكاتب أم فقد سحره؟ هل انتهى عصر القارئ ووقع الاستعاضة عنه بالمتابع؟ هل حافظت الرواية على عمقها وهي تكتب في العراء وأمام جمهور التواصل الاجتماعي المزاجي والمتهم بالسطحية من جوناثان فرانزن وامبرتو ايكو؟ كيف للكاتب أن يطمئن إليه بعد ذلك الهجاء الثقيل؟ هل الكاتب يطمئن لحكمه أم ينافقه؟ أي تعاقد يجمع بين الروائي ووسائل التواصل الاجتماعي والقارئ الافتراضي؟
كل هذه الأسئلة حاول الرياحي أن يطرحها في مشاركته بملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي.
وعن تفاعل الرواية العربية مع أدوات الاتصال الجديدة تحدث الكاتب المغربي عبدالرحيم العلام، فقال: لا شك في أن التحولات المعلوماتية المتسارعة اليوم، يواكبها تطور في الكتابة الأدبية بشكل عام، رغم بطء هذا التفاعل ومحدوديته، عربيا على الأقل، في سياق تكنولوجي انتقالي كبير، لم تسلم معه الرواية العربية من التأثر بإفرازات عالم الاتصال وأدواته، على مستوى موضوعات الكتابة الروائية وأساليبها وتقنياتها التي باتت تحمل آثار الحامل الرقمي والعالم الافتراضي.
وأشار إلى أنه من بين المستويات المجسدة لانخراط الرواية العربية في العالم الرقمي ومواكبتها لجانب من التطورات العاصفة في وسائل الاتصال الجماهيري، طبيعة التفاعل القائم اليوم بين كتابة الرواية وأدوات الاتصال الجديدة في تنوعها وفي تباين مستويات توظيفها، بما يتيح للمحكي الروائي تشييد مادته وبناء عوالمه، انطلاقا مما تفرزه هذه الأدوات من أشكال سردية، ومما تطرحه من قضايا تلامس جوهر الواقع المعيش وتخضع لمؤثرات الواقع الافتراضي.
ويوضح العلام أن هذا التطور النكنولوجي بوسائطه الجديدة، تؤطره شبكة عنكبوتية غدت اليوم تؤثر بشكل كبير على إدراك الإنسان للعالم ولأشكال حضوره فيه، وتمارس سلطة على حدود المعرفة والتواصل بين الناس، وتنسج حكايات فئات بشرية واسعة في مجتمعاتنا، وتؤطر أحلامها وبوحها ومصائرها، في تنوع رغائبها وأوهامها ونزواتها وهمومها وأزماتها وتناقضاتها، في ظل حوامل الكتابة والعوالم الافتراضية الجديدة.
ويشير الكاتب المغربي إلى أنه من شأن المتتبع لطبيعة انخراط الرواية العربية في صلب هذه الدينامية التقنية الجديدة، من منطلق قدرة الرواية عموما على التفاعل مع روح العصر وعلى استيعاب إفرازاته ومعطياته وتقنياته، أن يقف عند مستويات معينة من التفاعل القائم والمتواصل بين بعض نصوص الرواية العربية وأدوات الاتصال الجديدة، بشكل أضحى ملمحا لافتا في مشهدنا الروائي العربي، وفي ثقافتنا النقدية الموازية له، على حد سواء.
إن ما يتغياه عبدالرحيم العلام من مداخلته تلك، الوقوف عند بعض الجوانب المؤطرة لهذا التفاعل الجديد القائم بين كتابة الرواية العربية وأدوات الاتصال الجديدة، انطلاقا من استثمار مجموعة من النصوص الروائية لهذه الأدوات وقدرتها على تحويلها إلى مادة روائية بأشكال جديدة وبمضامين ودلالات مغايرة، وقد غدت هذه الروايات، بغض النظر عن قيمتها الفنية، مؤطرة لجانب من المتخيل الروائي، وذلك في كونها تنسج أحلام فئات بشرية واسعة في مجتمعاتنا، وتكبل رغباتها ونزواتها، وتحكي همومها وأوهامها وأزماتها، في الحب ومشاعر الغضب والرفض والخوف وتلاشي المطلقات وسرد التجارب الإنسانية.
وعن بنية السرد باعتبارها بنية ثقافية توقف الناقد المصري د. عبدالرحيم الكردي عند نماذج من الرواية العربية المعاصرة وقال: إن السرد في أي بيئة منتج ثقافي، من ثم فإن بنيته الفنية سوف تكون علاقتها بالثقافة التي ينتمي إليها تشبه علاقة الولد بوالديه، أو علاقة الكائنات الحية بالأقليم المناخي الذي نشأت فيه. وأكد أن الرواية العربية المعاصرة ليست استثناء من هذه الظاهرة، فهي بنت الثقافة العربية المعاصرة، وثمرة من ثمارها.
وأوضح الكردي أن الهدف من بحثه هو اكتشاف هذه العلاقة بين بنية السرد الروائي العربي وبنية الثقافة العربية من خلال دراسة بعض النماذج التي تمثل أهم العناصر في كل من الثقافة والسرد الروائي.
وعن الإشارات الثقافية للتطبيقات الحديثة في روايتي “حارس الفيسبوك” و”أنثى موازية” تحدثت د. فاطمة الصعيدي مشيرة إلى أن الكتابة الروائية عند الروائي شريف صالح، والروائي علي سيد تؤسس مجموعة مصطلحية تشير بوضوح إلى التطبيقات الحديثة، ومنها الفيسبوك وتويتر، إذ يعلنان منذ مطلع الروايتين إلى هذا، ففي رواية “حارس الفيسبوك” التي تتكون من ستة وثلاثين فصلا، معظم عناوين الفصول تشير إلى المصطلحات المتعلقة بالعالم الافتراضي مثل “تقرير موقع (فيروس)”، “السقوط بجوار اللاب توب”، سايبر الملاك الأزرق”، “رقصة تانجو مع زوكربرج”.
أما في رواية علي سيد “أنثى موازية” فإن اليوتيوب يشكل مرتكزا أساسيا في أحداث الرواية حيث إن الخط الزمني في الرواية يعتمد على فيديو تم نشره عبره.
وترى الصعيدي أن الروايتين تشكلان نوعا من الكتابة الحديثة التي ترتكز على تطبيقات التواصل الاجتماعي بدءا من تقنيات الكتابة الإلكترونية واستخدام المصطلحات المتعلقة بها، فهما ينطلقان من هذه البنية المعرفية ويجعلانها أساسا للبناء الروائي حتى في اختيار العناوين الفرعية لفصول الروايتين نجدها مختلفة عن العناوين التقليدية.
وأوضحت فاطمة الصعيدي أن دراستها تسعى إلى كشف الأسلوبية المميزة للكتابة الحديثة، وذلك باستقصاء المفردات الدالة على هذا الحقل المعرفي الذي أصبح علامة أساسية في حياة معظم من يسكنون الأرض.
وأشارت إلى أن رواية “حارس الفيسبوك” هي رحلة في العالم الافتراضي الذي يعيشه المستخدمون من الأعمار كافة، وأضحت هذه المصطلحات طبيعية ودخلت في سياق اللغة العربية، وأصبحت مألوفة على السمع وسهلة على لسان المتعلم وغيره. أما رواية “أنثى موازية” فهي عدسة ملتقطة لحياة فتاة عادية اتخذت من اليوتيوب منفذا تطل منه بصورة مغايرة على جموع العالم الافتراضي.
* أحمد فضل شبلول – كاتب صحفي وناقد وشاعر مصري / نائب رئيس اتحاد كتاب الأنترنت العرب.