الإمتداد الازرق… قصة مهاجر سري من الصويرة إلى أمريكا.
الإمتداد الأزرق رحلة العبور كما رواها العربي بابمار، عنوان كتاب للروائي المغربي الكاتب والقاص حسن الرموتي يتحدث عن قصة حقيقية ليست من نسج الخيال لشخصين مغربيين في منتصف العمر قاما بالهجرة من ساحل مدينة الصويرة نحو أمريكا في قارب شراعي بسيط.
يمكن تصنيفه ضمن أدب الرحلة أو أدب البحر أو السيرة الذاتية.
رحلة تجاوزت بتشويقها حد الدهشة، بل إنها مغامرة حقيقية تفوقت على المستحيل.
الراوي وأحد أبطال القصة البحار العربي بابمار يحكي تفاصيل تجربة اكتساح المجهول البعيد، الرحلة نحو المحيط المظلم الأشبه برحلة اللاعودة، رفقة زميله محمد فوزي لاكتشاف الإمبراطورية الأمريكية.
هناك في المحيط ستطول الرحلة أكثر من المتوقع. بعدما نفذ منهم كل شيء، سيحاولون بكل طرق البقاء على قيد الحياة النجاة والإفلاة من التيه في بحر الظلام.
الوجهة كانت هي أمريكا، لكن أبطال القصة سيجدون أنفسهم في جزيرة أخرى بعيدة عن أمريكا. لقد أخذت الرحلة اتجاها آخر نحو جزيرة غويانا الفرنسية شمال البرازيل.
زمن الرحلة كان مقدرا بثلاتين يوما، سيتجاوزها إلى مئة يوم.
العربي بابمار لايزال على قيد الحياة إلى حدود كتابة هذه الأسطر، كان رجلا وطنه البحر، محترَفه البحر، كأي بحار محترِف لا يشعر بالسعادة سوى في الإمتداد الازرق، وبالعكس يشعر بالحزن حين يفارق البحر ويعود للوطن البري. كما لو كان البحر هو دواءه المدمن عليه.
من خلال روايته للأحداث سنعرف أن أي شخص له خفاياه، له سؤالاته المؤجلة والغامضة، له أسراره التي لايمكن أن يبوح بها لأي شخص إلا في لحظات الغرق، لحظات الاستعداد للانتقال إلى العالم الآخر. وهم يواجهون أهوال العواصف البحرية العاتية سيعترف رفيقه في المغامرة محمد فوزي ولأول مرة بأنه ليس مقاول بناء فحسب، كما صرح له عند التفكير في الرحلة، بل هو رجل عسكري شارك في انقلاب الصخيرات، قضى عقوبته الحبسية ويبحث الآن عن فصل آخر وزمن آخر وأرض أخرى. من هنا نفهم لماذا البحارة لا يطرحون كثرة الأسئلة، لماذا لا يَسألون، لماذا لا يتحدثون أثناء رحلاتهم المرعبة، لماذا لا يحكون إلا عندما يكونون في الأعالي فقط.
إن هذا الكتاب سيصيبك لا محالة بالدوار الشبيه بدوار البحر.
سنعرف أن حركة بسيطة صادرة من إنسان ثابت في وجه الخوف كفيلة بتحويل وجهتك. هذا ما سنلاحظه من خلال إصرار محمد فوزي. يقول العربي بابمار: حين غادر الزورق الميناء كنت بين الفينة والأخرى ألتفت إلى الوراء، أرى اليابسة، أرى مدينتي تتضاءل شيئا فشيئا، أحس بغصة وأنا أغادر الميناء الذي شكل جزءا من طفولتي وشبابي فكيف أفارقه بهذه السرعة. تساءلت مع نفسي:
ألم أتسرع في اتخاذ هذا القرار؟
فكنت أنظر إلى صديقي لم يكن يلتفت ليرى اليابسة مثلي ، كان ينظر إلى الأمام، حينها حاولت أن أنسى الأمر ، وأستعد لقادم الأيام. ص18.
قد لا يكون العربي بابمار كاتبا عظيما كهمنغواي صاحب رواية الشيخ والبحر، أو كفيكتور هيغو صاحب رواية عمال البحر، لكن القصة التي خاض تجربتها وسط المحيط الأطلسي عبر بحر الظلمات من الصويرة إلى أمريكا تجعله عظيما، ربما أعظم من كاتب ملحمة هوميروس أو أشبه برحلة كريستوف كولومبوس لاكتشاف العالم الجديد.
بدوري، لست كاتبا يعرف البحر، ولا كيف يكتب عن أسرار الأعالي، لكن القصة استحوذت عليّ منذ عرفتها مؤخرا بالصدفة وبواسطتها اكتشفت الكتاب الذي وثق كل تفاصيل المغامرة. أعني كتاب الإمتداد الازرق للروائي المغربي حسن الرموتي صاحب رواية (نيران صديقة). لم أكن أتوفر على الكتاب، ولشغفي بهذه التيمة (موضوع البحر)، حيث أعتبرها كالحب والفرح، اتصلت بالكاتب السيد حسن الرموتي شخصيا الذي زودني مشكورا بنسخة إلكترونية بي دي إف. لقد نفدت كل النسخ الورقية للأسف. قراءة الكتاب جعلتني أشعر بالحسرة إثر تواجدنا في رقعة تدمر أبناءها، تدمر التاريخ، تدمر الثقافة والاعتراف، تقتل المحاولات، لا تقدر إبداعات أناس استطاعوا تحدي المستحيل، لم تكن ردات فعل الرُقعة على نفس درجة مغامرات العربي وفوزي وإنجازاتهم فكان المصير هو سلة المهملات لولا توثيق الرحلة بهذا الكتاب، شخصيا أعتقد أنه من المفروض أن يتحول إلى سيناريو فيلم سينمائي.
أعتقد أن هذه المغامرة لقطع ما يقارب 5000 كيلومتر بحرية وسط ضباب الليل وعواصف أمواج مثل الجبال ومشاعر خوف ووحوش بحر لو حدثت لرجل أمريكي مثلا لصنعت منه نيتفليكس واحدا من أقوى الأفلام الأسطورية، لأن قصته شبيهة بالأسطورة، أقرب إلى الفانتازيا والخرافة منها إلى الواقع. فبحسب الكتاب، الكل نعت الرجلين بالجنون، لكن أعتقد أن الفرصة ماتزال مواتية لطرجمة الكتاب إلى الإنجليزية، ومن تم كتابة سيناريو سينمائي وتحويله إلى فيلم. يجب الاشتغال على هذه الفكرة، نيتفليكس ليست بعيدة عنا، إذا استحضرنا أنها اشترت قصصا لأشخاص مغمورين قاموا بقصص مدهشة بملايين الدولارات لإنتاج أفلام ناجحة. ربما الزمن كفيل بأن يبعث لقصة الكتاب حياة أخرى في زمن آخر، لست أدري.
زمن المغامرة غشت 1989.
كتب مقدمة الكتاب الأستاذ حسن هموش أشار فيها إلى رحلات سابقة كثيرة لكن تبقى رحلة العبور من الصويرة لأمريكا الأكثر إثارة.
لاقت المغامرة تجاهلا قاتلا، إلا من بعض المنابر الإعلامية القليلة.
كثيرة هي التفاصيل التي سرعان ما تنسى مع الزمن، تدوينها بأسلوب روائي جميل كفيل بأن يحتفظ بها كوثيقة تاريخية للأجيال القادمة وهو اختيار يحسب لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل تحديدا للروائي حسن الرموتي وأسلوبه السردي الجميل.
مغامرة امتدت مئة يوم بواسطة زورق شراعي صغير بدون معدات متطورة لا جهاز تحديد المواقع جي بي إس ولا بوصلة، فقط يتم الاعتماد على حركة غروب الشمس بالنهار وتتبع النجوم بالليل اعتمادا على خبرة العربي بابمار.
انتهت الطيور. توقف الزمن. تدخين الشاي بعد نفاد السجائر. نفاد الطعام. صيد السمك. تقديده. أحيانا سلقه. الحكايا. السفر مع الذكريات. النوم بالتناوب. التمشي في مساحة الزورق الصغيرة حتى لا تتجمد أعضاؤك مسيرة مئة يوم بحري أو تصاب بالشلل. مواجهة العواصف العاتية. خاصة تلك العاصفة الفريدة التي تجاوز فيها البحر خمسة أمتار وامتدت من الزوال إلى غروب الشمس. إنها عناوين لقصة نجاة من موت حقيقي.
يقول العربي بابمار، والصياغة للروائي حسن الرموتي :”كان الحديث ذا شجون، وسيلة لنسيان الزمن الذي طال، اللون الأزرق وحده أصبح رفيقنا، لم يعد للألوان وجود في حياتنا، كنا نسترسل في الحديث، نحت الذاكرة لنسترجع الأحداث والمواقف التي عاشها كل واحد منا ليرويها بالتفاصيل حتى لا يستمر الصمت بيننا ، كنت أعرف كم هو قاس هذا الصمت وهذا الانتظار الطويل ، انتظار أن نرى في الأفق طيرا قادما نحونا يبشرنا بالاقتراب من اليابسة ، لكن لا شيء من ذلك. حين نتوقف عن الكلام يسود الصمت لا نسمع سوى الزورق وهو يشق صفحة الماء أو الريح وهي تداعب الشراع في هدوء أو عنف. 20.
كتاب رواية صغيرة كتبت بدقة كما لو كان الكاتب حسن الرموتي هو صاحب التجربة، صعب أن تكتب عن البحر وأنت لم تعش التجربة، لقد استطاع أن يتمثل شخصية السارد السي العربي، استطاع أن يتقمص الدور ببراعة.
تمة أحداث أخرى ما بعد الرحلة، وما بعد العودة أدعكم تكتشفونها من خلال الكتاب. لا أريد أن أحرق كل التفاصيل.