ومضات على تاريخ حركة المسرح في العراق .
ومضات على تاريخ حركة المسرح في العراق .
جوزيف الفارس /مجلة الفنون المسرحية
لك ان تتخيل وضع العراق عزيزي القارىء في بداية العشرينيات , الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي , وجيمع هذه الظروف المتردية لعبت دورا في تنشيط اية حركة او نشاط يساعد على التغيير والتطوير وتحويل الظروف المرحلية من المتدنية الى مرحلة يستطيع الفرد ان يجد له موطىء قدم باتجاه المضي الى الامام والمساهمة في تحريك هذه الانشطة من اجل التغيير .
فلك ان تتخيل الوضع الاقتصادي والذي يكاد الانسان العراقي لايجد لقمة العيش ليسد جوع بطنه , ولا يستطيع ممارسة نشاطه ان كان على المستوى الثقافي او السياسي من اجل خلق حالة من التوعية والثقافة الجماهيرية واعين رجال الدرك العثماني والجندرمة متربصة على ابناء العوائل المثقفة من العوائل العراقية الاصيلة , والابواق المأجورة تطلق ابواقها من اجل تجميل النظام الحاكم انذاك من الموالين للحكومة العثمانية , والدراسة مكرسة ثقافتها من اجل نشر تاريخ الدولة العثمانية وتسليط الاضواء على مسيرة سلاطينها والتفاخر بمكاسب كل والي وما يحققه من جني الاموال للبيت العالي في انقره , والعراق ضحية هذا الوضع الذي لايسر بعض الاغنياء من العوائل العراقية والبرجوازية الوطنية , وهم في حيرة مابين اطفالهم والذين يتتلمذون على الثقافة العثمانية في تركيا , والتدريب على اساليب الثقافة العسكرية والموالية للدولة العثمانية , ومابين احاسيسهم الوطنية العراقية والمستمدة من جذور اصيلة منحدرة من اعرق الاسر العربية انتماءا وولاءا.
الوضع العمراني في العراق لا يسر الناظر , من ابنية متهرئة وازقة ضيقة ومتعفرة الارض , والحالة الصحية والمعتمدة في علاج معظم العوائل على المشعوذين من السحرة والدجالين من المدعين انهم اطباء يشافون المرضى بتمتمات شفوية يوهمون بان امراض مراجعيهم ستشفى على ايديهم , ولهذا تشاهد تهافت يعض المرضى يتهافتون على دور هؤلاء الدجالين في ليالي طارئة مظلمة يسودها ظلام دامس الا من اضواء خافتة مصدرها من قناديل الزيت والمتوزعة مابين ازقة ضيقة تؤدي الى بيوت اولئك الدجالين والذين كانوا يعتمدون الكي وجرح الاجساد بالامواس الحادة وتشريط اجسادهم ورؤوسهم في معالجة وهمية يتم تقديمها للمريض المراجع لقاء بعض المقايضة من الحنطة والسكر او الشاي او الخبز او غير ذالك.
جميع هذه العوامل كانت مؤثرة لدفع بعض المفكرين من العراقيين النجباء للتفكير في كيفية انقاذ المجتمع العراقي من سوء هذه الاحوال المتردية والمنحطة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا , وهو يترنح من ثخن جراحاته العميقة نتيجة سوء الاحوال التي كان يعاني منها وهو تحت نير السلطة العثمانية , اضافة ان دول الجوار كانت تلعب دورا بارزا في تاثيراتها الثقافية والدينية ولا سيما الامبراطورية الفارسية التي اثرت بتطرفها الطائفي مستحوذة على عقول بعض الذين ينظرون الى ايران الجارة هي منقذة من الحكم العثماني , وظهور بريطانيا على الساحة السياسية ودورها الذي لعبته من اجل تحرير العراق من السيطرة العثمانية على انها البطل المنقذ والمحرر من الهيمنة العثمانية.
الشخصيات الوطنية من المثقفين وتفعيل الحركة السياسية والثقافية:
ونتيجة لجميع هذه الظروف برزت بعض الشخصيات الوطنية من المثقفين العراقيين ساعدوا على تنشيط الحركة الثقافية وتفعيلها مع متطلبات التغيير والتحرير ونشر حالة من التوعية الثقافية والوطنية والمعتمدة على انتمائية الفرد العراقي والدفاع عن ممارسات انشطته الثقافية والسياسية , واحياء العادات والتقاليد العربية وممارستها فيما بينهم , هذه الشخصيات العربية والوطنية من المثقفين العراقيين دعت الى التوعية الجماهيرية وتذكيرهم بما هو عليه واقع حالهم من تدهور اجتماعي وثقافي وسياسي مصممين على دعم القضايا الجماهيرية والاهتمام بتعزيز اسم العراق مراعين دعم الشعب العراقي دعما معنويا وانقاذه من الضياع وتهميش مكانته , هؤلاء المثقفين من الشعراء والصحفيين وممن يملكون الفكر السياسي المؤمن بارادة التحرير والانعتاق انذاك , مناشدين الجماهير العربية ولا سيما الشعب العراقي بغسل افكارهم من متعلقات الثقافة العثمانية وتعبئتهم التعبئة الوطنية وعن طريق المنافذ الاعلامية ان كانت في الاجتماعات السرية او في الخطب الدينية او في المحافل الثقافية والاجتماعية والدينية , والدعوة على تحرير المراة العراقية والاعتراف بمكانتها الانسانية ودورها في تنشيط الحركة الاجتماعية والثقافية والسياسية , وبتوالي مثل هذه الاجتماعات السرية والعلنية برزت شخصيات استطاعت ان تقود الجماهير في طريق تحرير نفسها والعراق معا , وبالرغم من العقوبات الصارمة التي وضعتها الحكومة العثمانية في وقتها الا ان المثقفين من الاحرار لم يهابون مثل هذه العقوبات وعلى الرغم من المطاردة الامنية ومضايقات هؤلاء السياسيين الا انها لم تاتي بنتيجة الا بعد صدور قانون يسمح من خلاله اجازة الجمعيات الاجتماعية والثقافية وذالك في عام 1920 حيث بدأت حركة ثقافية سياسية وانسانية بين المثقفين العراقيين ساعدت هذه الجمعيات على تنشيط الحركة الثقافية وسهلت الاجتماعات السرية بين الناشطين السياسيين العراقيين ومن بين هؤلاء الناشطين افرادا ارتات ان تكون التوعية الجماهيرية عن طريق عرض ماثر الابطال العرب وقصصهم المشهود لها بالشجاعة والبوطولات وعن طريق المسرح المدرسي , حيث بدأ التغني بالوطن وبالعروبة من خلال القصائد الوطنية , وكذالك تناول بعض الناشطين المسرحيين وبالرغم من الامكانيات البسيطة والمتواضعه انذاك نصوص اجتماعية وتاريخية مستمدين قصصها وحكاياتها من الواقع الذي كانوا يعيشونه ومن التاريخ العربي الاسلامي والمتمثلة بقصص الابطال العرب ومسرحتها , اضافة على التاكيد لمناهضة الظلم والاستعباد , وعلى انقاذ المجتمع من العادات والتقاليد البالية , وعلى تحرير التربة المقدسة من براثن المستغلين والطامعين في ارض العراق .
في هذه الفترة والحقبة الزمنية برز بعض الفنانين المنولوجستية والذين اهتموا بتقديم منولوجات فيها من النقد والسخرية والدعوة الى مناهظة الافكار والعادات والتقاليد الهجينية والغير الاصيلة وباسلوب كوميدي يدعو الى السخرية من الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العراقي اضافة الى ظهور حركة الشعراء والصحفيين الوطنيين , ومع ظهور المسرح المدرسي جميع هذه المحافل كان لها الاثر في توعية الجماهير والعمل على بث الحركة الثقافية بين صفوف الشعب العراقي وانقاذه من العبودية تحت وطأة الامبرطورية العثمانية وتاثيرات الثقافة الفارسية وتحجيم نشاطها والابتعاد عن مؤثراتها مستهدفين طمس الهوية العربية في العراق ومسخها واشاعة ثقافتيهما اللغوية وعن طريق التبادل التجاري والثقافي , واستغلال تعاطف الشعب العراقي الديني ومع ماكانت تطرحهما من المعتقدات الدينية , مما كان له مردود سلبي عليهما حينما بدات المشاعر الانسانية والفكرية للمواطن العراقي تدع على الثورة والانتفاظة ضد جيع محاولات محو الهوية العربية من الشعب العراقي .
لقد بدأت حركة فنية من قبل بعض الهواة مدعومين من قبل بعض الرواد من الاساتذة الذين كانوا يؤمنون ان للفن رسالة فكرية وسياسية ووطنية , هؤلاء الاساتذة اقدموا على تشكيل الفرق المسرحية والجمعيات الفنية بعد صدور اول قانون للجمعيات في سنة 1922 حيث البعض من هؤلاء الرواد حاولوا الحصول على اجازة تاسيس جمعية فنية ثقافية فكان لهم ماأرادوا وتحقق حلمهم حينما برزت جمعية التمثيل العربي , وتذكر بعض المصادر التاريخية بان الرائد محمد خالص الملا حمادي كان من انصار ثورة العشرين 1920 وقد اشرف على اعمال هذه الجمعية وبدأت بتقديم اعمالها الكوميدية الفكاهية الساخرة , اضافة الى بعض الاعمال الهادفة و وهكذا توسعت ظاهرة العروض المسرحية في ساحات المدارس ومن ثم انتقلت الى قاعات السينما في تلك الحقبة من تاريخ العراق , وبدأت حركة الدعم المادي من قبل الاقبال الشديد على شراء التذاكر والدخول لمشاهدة العروض المسرحية .
تذكر الوثائق الرسمية والموثوقة بأن صالة مسرح رويال والتي هي عبارة عن صالة لعرض الافلام قد استخدمت للعروض المسرحية , حيث ان هذه الظاهرة برزت بعد الاحقاب الزمنية , اي في بداية القرن العشرين , حيث نشطت حركة الفنانين الرواد , ومن خلال حديث فني ذكر الفنان الرائد المرحوم حامد الاطرقجي في احدى لقاءاتي معه حينما كان يحاضر في مادة الصامت والابتكار في معهد الفنون الجميلة في بغداد , ان الفنانين الرواد من العراقيين كانوا جادين في تحركاتهم وانشطتهم المسرحية , حيث سعوا مخلصين الى تشكيل الفرق والجمعيات الفنية ( جمعية حماية الاداب والفنون ) والذي كانت برئاسة الفنان الرائد فتح الله الخيالي , وجمعية بغداد للفنون الجميلة , حيث كانت محاولاتهم اشبه بالتحدي مبعثه الايمان برسالتهم المقدسة مستمدين هذا الايمان من صدق مشاعرهم وارادتهم في التغيير والحداثة , والمساهمة في دعم الحركة الثقافية والفنية والوعي السياسي .
فخري الزبيدي وبرنامج صندوق السعادة:
كان الاستاذ المرحوم حامد الاطرقجي استاذ الابتكار والصامت والاضاءة المسرحية في المعهد , يتكلم عن تاريخ حركة الرواد بحديث شيق مليىء بحكايات عن الرواد , كنا نستأنس لاحاديثه متناولا من خلاله احاديثه عن تاريخ الفرق المسرحية والحركة الثقافية في المجتمع العراقي , اضافة الى كونه احد اعضاء فرقة الزبانية والتي تأسست ضمن تلك المرحلة من تاريخ حركة المسرح العراقي , حيث كانت هذه الفرقة الفنية المسرحية والتلفزيونية تضم اعضاءا فنانين رواد ساهموا في تطوير المسيرة الفنية انذاك منهم , الفنان حامد الاطرقجي , الاستاذ الفنان ناجي الراوي , الاستاذ التشكيلي حميد المحل , والفنان رضا علي , والفنان ناظم الغزالي , والفنان المحبوب فخري الزبيدي والذي تالق نجمه في الستسينات كمقدم لبرنامج ( صندوق السعادة ) والذي استقطب الجماهير ولاسيما في بغداد , فحينما كان يعرض البرنامج ومن خلال شاشة التلفزيون , لن تشاهد اي انسانا في الشارع , اما ان يكون قد حجز له كرسي في احد مقاهي وكازينوات بغداد , او انه فضل مشاهدة البرنامج مع عائلته في الدار .
فرقة الزبانية للتمثيل:
هذه الفرقة الشعبية كانت تقدم اعمالا يطغي عليها الطابع الكوميدي , مشتقة اعمالها من الواقع الاجتماعي المتردي انذاك وعرضها بشكل كوميدي منتقدة بعض العادات والتقاليد التي كانت تسود الواقع العراقي انذاك , واتذكر تمثيلية سعاد والتي كان بطلها الاستاذ حامد الاطرقجي والحاج ناجي الراوي واعضاء فرقة الزبانية للتمثيل , حيث ان ابن احد الاسر العراقية يقع في حب فتاة يعترض اهلها على تزويجها منه ( حامد الاطرقجي ) فنتيجة لهذا الحب ومعاناته يصاب بالجنون والكابة , فتقترح احدى سماسرة فتاح الفال ( ناجي الراوي ) بعرضه على الفتاح الفال لمعالجته بحجة ان فيه شيطان الحب ومسيطر على قلبه , فحينما ياتون بالشاب وعرضه على الفتاح الفال , يطلب من اهله ان يخرجون الى الخارج باستثناء الشاب وفتاح الفال , حيث يبدأ فتاح الفال بضرب هذا الشاب الولهان حامد الاطرقجي ) ضربا مبرحا والبث حي وامام الجماهير لانه في وقتها لم يكن هناك تسجيلا في الفيديو , ولهذا الضرب القوي من قبل الحاج ناجي الراوي للاستاذ حامد الاطرقجي له قصة رواها لنا الحاج ناجي الراوي في احدى محاضراته , كونه كان استاذ في فن المكياج والرياضة المسرحية ( التكنك بدي ) يذكر الحاج ناجي الراوي قائلا : في احدى العروض المسرحية الشعبية كان دوره يؤدي عرضا رياضيا بالزورخانات ومتناسقة مع صوت المطرب ناظم الغزالي , فعندما بدأ المطرب ناظم الغزالي بالغناء البغدادي ومع ايقاعات طبول فخري الزبيدي , خرج الحاج ناجي الراوي مكشوف العضلات والصدر , وامامه الزورخانة والتي تعود على حملها واستعراض بعض الحركات الرياضية بها والمتناسقة مع الايقاع والغناء البغدادي امام الجمهور المشاهد , فلما حاول رفع الزورخانة فوجىء بثقلها لانها قد استبدلت باخرى من الاسمنت بدلا من الزورخانه الخشبية , فاحتار الاستاذ ناجي الراوي في كيفية اللعب بها وامام الجمهور المتفرج , فنظر الى الجهة اليسرى واذا بالاستاذ حامد الاطرقجي يضحك ويبرم بشاربه , ومعه فخري الزبيدي , فعلم بالمقلب , وهنا ما كان من الاستاذ ناجي الراوي الا حمل الزورخانات الكونكريتية واللعب بها مما اجهدته ووضعته في موقف محرج امام الجمهور المشاهد , وبعد الانتهاء من مشهده خرج من خشبة المسرح ليتلقى القبلات والممزوجة مع الضحكات قائلين له لا تزعل احنا حبينا نتشاقى وياك , فلم ينبس الحاج ناجي الراوي باية كلمة فقط اكتفى بكلمة الله كريم , ولما عرضت هذه التمثيلية لفتاح الفال في معالجة منه للولهان المجنون حامد الاطرقجي وعلاجه بضربه على قدميه وظهره بالعصى الوهمية والمصنوعة من المقوى الكارتون ,لم يستعملها ناجي الراوي في هذا المشهد وانما جاء بعصى حقيقية وشرع يضرب حامد الاطرقجي على قدميه ورجليه اشد واقسى الضربات وهو يقول : اخ منك شيطان , انت لازم يطلع من جسم هذا الشاب ,( ويستمر في الضرب وهو يقول : شوف شيطان انت ازا مايطلع ايروح ايجيبلك مطرب جالغي ودنبكجي بغدادي , حتى ايخليك تركص وتغني وتنسى نفسك وتطلع من جسم هذا الشاب , انت شيكول ؟؟؟؟ عندها افتهم الاستاذ حامد الاطرقجي المقلب كونه كانت لعبة من الاستاذ ناجي الراوي وانتقامه لنفسه من المكيدة التي نصبها له الاستاذ حامد الاطرقجي يوم عرض المسرحية , فبقي الاستاذ حامد الاطرقجي خامدا امام ضربات الراوي ومن ثم انفجر بقوة قائلا : شكول , مثل ذاك اللي بحلكه الموس , لا يكدر يحجي ولا يكدر ايبلعه , عندها ضحك الحاج ناجي الراوي ضحكة قوية مكملا لحواره قائلا : اي هسه اني فرحان جيف الشيطان طلع منك وصرت تحجي كله عقل , وبقي الحاج ناجي الراوي ضاحكا ومن ثم قال مخاطبا ذويه الذين ينتظرونه في الخارج : وينكم تعالوا اخذوا ابنكم العاقل و اللي عليا طلعت الشيطان ونطيته درس طول عمره بعد ماينساه مختتما جملته بضحكة قوية .
الدنبكجي والقشمر والشعار والقرقوز
في الاربعينيات من مرحلة تاريخ العراق , برزت اسماء ايضا ساهمت في تنشيط الحركة الفنية منهم , الرائد يحيى فائق , والذي على يديه شكلت فرقة مسرحية قدمت عروضا جريئة بطرحها , ومتعاونا مع بعض الهواة من الفنانين , اضافة الى فرقة جبر الخواطر والتي شكلها بعض الرواد منهم , عبد المنعم الجادر ,وشهاب القصب , ويوسف العاني , وبرزت في هذه الحقبة الزمنية ايضا ظاهرة جديدة ساهم بتجسيدها بعض الفنانين وهي ظهور النشاط الفني والذي سمي بعدئذ بالمسرح المدرسي .
طبعا في فترة الاربعينيات كان يسمى الممثل بالقشمر , والمطرب بالدنبكجي , والمنولوجست بالقره قوز قبل ان ياخذ شكله الحقيقي من خلال الدمى القفازية والتي كان الممثلون يختفون خلف هذه الدمية متسترين بانفسهم حرصا منهم ان لا يعرضون شخصياتهم امام الجمهور خوفا من التشهير بهم , حيث كان الفن وقت ذاك من الاعمال المخجلة ويتجنب معظم الناس صحبتهم , واذا اراد احد الاشخاص ان يهين احدا يقول له دنبكجي , او شعار او قشمر , او قرقوز , والخ —- ولكم ان تتصوروا معاناة هؤلاء الفنانين من الاجواء التي كانوا يعيشونها ومن المحيط الذي يتعايشون معه بالاكراه والمعانات .
الفرق المسرحية في تاريخ المسرح العراقي: المسيرة الفنية لم تتاثر بهذه الاجواء السلبية والتي ذكرناها انفا , لكونها مدعومة من قبل فنانين مؤمنين بان الفن ليس وسيلة تسلية بقدر ما كان ايمانهم راسخ على ان للفن رسالة مقدسة من خلاله يتم خدمة الجماهير ويعمل على توعيته وتثقيفه ومقاومة الظلم والاستبداد من خلال عرض بعض النصوص الفكرية والسياسية والنقدية والتي جائت عن طريق الفرق الاهلية التي تشكلت بعد مرحلة الخمسينسات , اضافة الى الاندية الاجتماعية والثقافية والتي دعمت المسيرة الفنية بعروضها المسرحية وترسيخ حركة المسرح في العراق , حيث بادر الفنانين الرواد بتشكيل فرق مسرحية جاهدت من اجل تقديم عروض مسرحية ذات طابع فني متميز منها , فرقة المسرح الشعبي والذي كان يرأسها الفنان الرائد الاستاذ المرحوم جعفر السعدي ومقرها في منطقة الباب الشرقي , وفرقة 14 تموز للتمثيل والذي كان يشرف عليها الفنان الرائد المخرج الاستاذ اسعد عبد الرزاق ومقرها في الصالحية , وفرقة المسرح الحر والذي كان يشرف عليها الاستاذ جاسم العبودي ومقرها كان في كرادة مريم بالقرب من نقابة الفنانين العراقيين وامام الفرقة القومية للتمثيل انذاك والتي اصبحت فيما بعد الفرقة الوطنية للتمثيل , اضافة الى الفرقة القومية للتمثيل وهذا هو اسمها انذاك , وفرقة المسرح الفني الحديث والتي اتخذت لها مقرا في مسرح بغداد في البتاوين خلف سينما النصر والان اصبح مزبلة للاوساخ والنفايات ومع المزيد من الاسف ,وفرقة مسرح اليوم والتي كان يشرف عليها الاستاذ المخرج جعفر علي ومقرها امام سينما النصر , وفرقة الستين كرسي وهي بالقرب من فرقة مسرح اليوم والذي كان يشرف عليها كل من الفنانين د , عوني كرومي والفنان عادل كيوركيس , وفرقة مسرح الرافدين والذي كان يشرف عليها كل من الاساتذة اسامة القيسي والفنان عبد الخالق الفلاح والذي توفي في امريكا بعد اغترابه عن الوطن , وفرقة مسرح بغداد والذي كان يشرف عليها الفنان الراحل خليل الرفاعي , فرقة المسرح المعاصر والتي كان يشرف عليها الفنان مكي العفون وكان مقرها في بداية شارع النهر من قرب راس جسر الصالحية , وفرقة اتحاد الفنانين والذي كان يشرف عليه الفنان الاستاذ خالد سعيد وطه سالم وعبد الوهاب الدايني , وفرقة الفنون المسرحية والتي كان يشرف عليها الفنان محمد القيسي والفنان عبد علي اللامي , وبعدها برزت فرق جماهيرية مدعومة من قبل مؤسساتها الحكومية المسرح الفلاحي , وبيت المسرح العمالي وفرقه العمالية ( اضواء على مسيرة المسرح العمالي —- جوزيف الفارس ) والفرق السريانية وفرق الاندية الاجتماعية ( نادي بابل الكلداني – الارض والحب والانسان , ونادي التعارف الاهلي – الشيخ والقضية ) والمسرح الكنسي في بغداد والذي اخذ دوره المسرحي من خلال الاخويات الكنسية وتقديم مسرحيات , في انتظار المخلص , القداس الالهي , الصوت الصارخ , مارتوما الرسول ) اضافة الى الفرق الكردية في السليمانية والتركمانية في كركوك , والفرق المسرحية في البصرة وبقية المحافظات العراقية .
جميع هذه الفرق التي ذكرناها انفا قدمت النصوص للمسرحيات الشعبية والعالمية والاوبريتات المسرحية ( الفنان قصي البصري ) , وكان هدفها ان تساهم في تطوير الحركة الفنية باسلوب شيق فني وجميل ورائع ورغم المعانات والظروف السلبية والمتشابهة مع ظروف المرحلة الراهنة التي يعيشها شعبنا في العراق لكنها نجحت واستطاعت ان تخطو بمساحات كبيرة نحو التالق , وان تثبت حضورا ملموسا في المحافل العربية والعالمية .
والان —- لننظر الى ماتوصل عليه واقع الحال المسرحي في عراقنا الحبيب , واقع لا يرتقي الى ماكان عليه في الستينات والسبعينات , باستثناء بعض الاعمال لشباب مبدعين احتضنوا المسيرة وتبنوها بكل جد واخلاص هدفهم ان ترتقي اعمالهم الى مستوى الطموح مسخرين كل مايملكون من الثقافة والخبرة والتجربة , اضافة الى خزينهم المسرحي ومن خلال مشاهداتهم والتي حظيوا بها في الماضي الذي اسعفهم الحظ وان يتعايشوا مع الاساتذة المخرجين من الرواد يومذاك , بحيث جائت اعمالهم ان لم اقول عنها الكوبي عما شاهدوه وانما ظهرت عليها تاثيرات من العروض السابقة للاساتذة الرواد ومع الاختلاف البسيط , هذه الحالة نشكر الله على انها اعطت صورة واضحة لما توصل عليه واقع المسرح العراقي , نحن نبغي من شبابنا ان يتجاوزوا مرحلة التقليد وان تتمخظ اعمالهم عن مدارس جديدة واساليب فيها من الابداع والتالق مايبهر المتلقي وعلى الرغم من الظروف التي يمر به مجتمعنا وعراقنا الحبيب , ونحن وضمن هذه المرحلة , لو انصب تفكيرنا على ان المسرح هو سلاح فتاك ورصاصة في قلب المزيفين والمتملقين والاعداء الطامعين , وقاربنا فعله وتفعيله مع مايقدمه الحشد الشعبي من مقارعة الاعداء لتوصلنا الى نقطة مهمة قد يقتنع بها المسؤولين الاعلاميين بان خشبة المسرح لا تقل اهمية عما يقدمه الحشد الشعبي والجيش العظيم وبقية الاجهزة الامنية من سلاح فتاك اذا ماعلمنا بان الكلمة الحرة هي سلاح بوجه الاعداء , وهكذا يلعب المسرح لعبته السياسية مع الاناشيد الوطنية ومع ابناء الحشد الشعبي المبارك , عندها سنتعرف على موطىء اقدامنا من خلال الاعمال المتعددة والمدعومة من قبل المؤسسات الاعلامية ذات الصلة بدعم الحركة المسرحية والتعاون من اجل تطوير مسيرته وترسيخ اهدافه النبيلة والانسانية , فمن المؤكد ان هذا الدعم سياتي بنتيجة ترتقي الى مستوى الطموح اذا ماعلمنا بان العمل المسرحي لا يعتمد على شخص واحد وانما هو عمل جماعي تتكاثف من خلاله جميع المنافذ الفنية لتصب في واقع نطمح اليه هو المسرح العراقي الحقيقي الذي ادهش الكثير من الفنانين العرب في المرحلة السابقة من خلال حضوره الذي لم ننساه حينما حصد من الجوائز والتي ابهرت العديد من المعجبين بما قدمه اساتذتنا من الكتاب ولاسيما عادل كاظم والمخرج الرائد قاسم محمد من خلال تعريق واعداد نصوص ارتقت الى الطموح المنشود , والجميع يعلم ماذا قدم المخرج الرائد العبقري الرؤية المرحوم ابراهيم جلال من خلال عدة اعمال منها البيك والسائق والطوفان , وماقدمه بقية الاساتذة من مخرجينا المبدعين منهم سامي عبد الحميد وقاسم محمد وبدري حسون فريد .
واقع الحال المسرحي في عراقنا الحبيب:
نحن حينما نسلط الاضواء على الواقع المسرحي في العراق , لا نبغي من هذا الكشف الا تشخيص الايجابيات والسلبيات لمسيرته ومقارنة مع ما ذكرناه انفا , فان هذا الواقع لا يسر المعنيين المسرحيين كطموح للارتقاء بتاريخ المسرح العراقي , لكونه اصبح مسرحا تجريبيا يتخبط مابين الابداع والاحباط , واقع لا يرتقي الى ماكان عليه في الستينيات والسبعينيات , باستثناء اعمال بعض الشباب من المبدعين والذين احتضنوا المسيرة بكل جد واخلاص محاولين تطوير المسيرة المسرحية وبما يملكون من الثقافة المسرحية ومن بعض ماشاهدوه من العروض المسرحية لروادنا من المخرجين المسرحيين والتي بقيت متعلقة في اذهانهم وتاثروا بها .
فنحن حينما نتناول الواقع العام للحركة المسرحية في العراق وفي ظل مرحلتنا الحالية , منتقدين مسيرتهم التي تسير كالسلحفات مستندين على مايقدم من العروض الركيكة , انما لا يعني هذا ان الساحة العراقية لا تخلو من عروضا مسرحية فيها من التالق والابداع قدمها شبابنا الواعي المبدع , عروضا ونحن نشاهدها عبر الانترنيت , اثلجت صدورنا واحيت الامال لبداية نهضة مسرحية شبابية , انما هذا لا يكفي لانها جهودا ذاتية , ومما يؤسف له انها اعمالا غير مدعومة مقارنة مع العهود السابقة وبغض النظر عن سياسة انظمتها يكفي انها رفعت شعارا ( الفنان كالسياسي كلاهما يصنع الحياة بصيغ متقدمة ) وهذا الاعتراف الصريح بدور الفنان انه يصنع الحياة انجب اعمالا ابهرت العالم العربي واعطت نموذجا لتجربة مسرح جماهيري فيه من الابداع والتالق , عبرت عن تجربة رائدة وعملاقة في عروضها التي اتسمت بالثقافة العالية محاولين بعروضهم اختراق الحدود خارج الوطن ونشر تجاربهم وانجازاتهم الراقية على المسارح العربية ونحن نذكر تجربة الفرق الاهلية في هذا الانجاز والمتمثلة في فرقة المسرح الفني الحديث , والفرقة القومية وعروضها المتتالية , وعروض المسرح العمالي , جميعها اتسمت يتجربة رائدة فيها من تكامل العناصر والمقومات المسرحية من ممثلين موهوبين ومحترفين ومثقفين في حرفية التمثيل وملكة الالقاء المبدع والصوت الجميل المعبر عن احاسيس الكلمة الناطقة , اضافة الى تقنيات الاضاءة الحديثة والتي ساهمت بتجسيد مضامين ماطرح من على خشبة المسرح العربي والثقافة العالية في تصميم الديكور والملابس , والابداع في فن المكياج والذي اشتهر من خلاله الفنانان الرائدان فوزي الجنابي وطه الهلالي , ومن خلال قيادة حكيمة قادها اشهر اسماء من مخرجينا الرواد ابراهيم جلال , سامي عبد الحميد , قاسم محمد —الخ
اضافة الى النصوص العراقية الشعبية ان كانت على المستوى التاليف المحلي او الاعداد وتعريق النصوص العالمية , نصوص اتسمت بالمضامين الفكرية والسياسية وباساليب واقعية ورمزية انفرد من خلاله كتابنا المبدعين من امثال عادل كاظم ويوسف العاني وطه سالم وقاسم محمد —- الخ .
فنحن في هذه المقارنة مابين تلك الحقبة من العصر الذهبي للمسرح العراقي ومابين هذه المرحلة التي يتخبط فيها شبابنا مابين الامكانيات والجهود الذاتية والمتاحة بين ايديهم والتي لا تساعدهم على تحقيق طموحاتهم المشروعة لتقديم الافضل , وبالرغم من الدعم المعنوي من خلال بعض الصحف المحلية والعربية والتي تملك زمام الدعم والتشجيع , اقول جميع هذا لم يساعد الفنان العراقي المعاصر على ان يقدم عروضا بمستوى مايهدف اليه , وبالرغم من اننا في بعض مقالاتنا اشرنا من خلالها الى تشخيص بعض العروض المتالقة , وانما هي كانت حالة فريدة وليست شمولية , وعليه فنحن ومن خلال تفائلنا بمستقبل مسرحي عراقي زاهر نأمل ببداية مرحلة جديدة مؤمنين بالجهود التي يقدمها بعض شبابنا الواعدين والمثابرين من امثال د . الفنان المخرج كريم خنجر , و د. الفنان الشاب اسامه السلطان , والمخرج المتالق تاليفا واخراجا الفنان عكاب حمدي , والذين لم يسعوا في اختياراتهم للنصوص المسرحية الا مايرونه مليئا من الطموحات المشروعة والراقية يشوبها الابداع والرقي وعلى ضوء المرحلة التي يعيشونها والحالة النفسية للمتلقي والتي لا تساعد على الحضور ومتابعة العروض المسرحية كما كانت في المرحلة السابقة من تاريخ حركة المسرح العراقي .