بقلم أبو ايوب
سجلت حركة التوحيد و الإصلاح المغربية في بيان لها جمعا بين المتناقضات المثيرة لأكثر التساؤلات مدعاة استغراب ، حيث صبت جام غضبها في مقاربة إسقاطية ( الإسقاط بمفهوم علم النفس) متهمة الجارة الشرقية الجزائر بوقوفها وراء الإختراق الإسرائيلي لدول و شعوب الفضاء المغربي ، و لولا مناكفاتها و عدائها المستمر للمغرب لما طبع هذا الأخير علاقاته مع إسرائيل ، و كأني بالجارة هي من سمحت بمنح اليهود المغاربة أو من أصول مغربية الجنسية المغربية ، و أنها هي من أبرمت اتفاقيات و معاهدات … ، و طبعت مع أبناء العمومة من سام أخي حام , بوتيرة تصاعدية شملت كل القطاعات دون استثناء ، و بالتالي البيان الإتهام لا يعدو كونه سوى تعبيرا عن سكيزوفرينية توجه و فكر و تحليل الحركة السياسي في مقاربتها و تعاطيها مع حقيقة التطبيع .
بالتزامن مع البيان الغريب و الموقف الحركي العجيب ، نشرت جريدة هيسبريس الإلكترونية خبر تأسيس جمعية ميمونة بمبادرة من اقتصاديين و رجال أعمال مغاربة و إسرائيليين ، جمعية وضعت على عاتقها فك العزلة عن العالم القروي و إصلاح المستشفيات و المراكز الصحية ، و تقديم العلاج للمرضى المصابين بأمراض تتطلب علاجا خارج المغرب و تشييد دور الطلاب و إصلاح مدارس …، مبادرة تخفي من الهدف المتوخى أكثر مما تريد إنجازه ظاهريا ، أي بمعنى أكبر عملية اختراق و تغلغل إسرائيلي في العالم العربي لم تعهده أية دولة من قبل … فلا مصر و لا الأردن اللتين تجمعهما اتفاقية وقف الحرب و معاهدة سلام ، قبل شعباهما التطبيع و التعايش معه و تقبله كما يحصل اليوم بالمغرب .
دعونا الآن نلقي نظرة على المؤقت الدائم لنستطلع أغواره و خفاياه أو المراد إخفاءه و القفز عليه , أوله مرت عليه قرابة ثلاث سنوات سجلت توقيع اتفاقية إبراهيمية بما لها و ما عليها ، بقدر ما سجلت أيضا إعترافا ترامبيا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بحسب تغريدتة على حسابه الشخصي ، مشفوعا بوعد فتح قنصلية امريكية بعروس الأطلسي حاضرة تيرس الغربية مدينة الداخلة ( التسمية القديمة لوادي الذهب) ، موقف أعلن عنه قبل أيام من انتهاء عهدته الرئاسية ، و بمجرد خروجه من البيت البيضاوي اختفت التغريدة و أغلق حسابه ، وعد لم يتحقق لحدود الساعة على الرغم من تميز العلاقات الأمريكية المغربية . للعلم أمريكا تصنف المغرب كحليف استراتيجي من خارج حلف الناتو ، لكن هذا التميز و الوصف لم يشفعا للمغرب بانتزاع اعتراف رسمي أمريكي بسيادته على الصحراء .
بالتالي تحول المؤقت اللحظي هذا إلى ديمومة وجدانية مغربية بامتياز ، أي أننا لا زلنا كمجتمع مغربي نتغنى بوهم الإعتراف ، بل متشبثين مقتنعين به مروجين له رغم كونه من وحي المغرد لا غير ، بدليل التصريحات الأمريكية الملتوية نفسها و مواقفها الحربائية التي تناقض جملة و تفصيلا ما أعلن عنه ترامب و ما وعد به ، ما يعزز هذا الطرح وصف أمريكا للمنازع على السيادة بحركة تحرير ، فضلا عن موقفها الرسمي الداعم و المساند للأمم المتحدة و لمبعوثها الشخصي ديميستورا إلى الصحراء الغربية ( بيانات الرئاسة و وزارة الخارجية ) ، و هذا وحده كفيل بكشف الخديعة و بيع الوهم كما عودتنا أمريكا منذ نشأتها .
نفس الأمر تكرر مع إسبانيا _ جارتنا الشمالية _ لكن بلوك مغاير ، فبدل التغريدة , فضل الإسباني بعث رسالة يعبر فيها عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي في ملف الصحراء الغربية ، على إثرها حظي الإسباني بدعوة ملكية لإفطار رمضاني بالقصر الملكي العامر بالعاصمة الرباط نهاية أول أسبوع من أبريل 2022 ، و منه أعلن أمام وسائل الإعلام المغربية في ندوة صحفية بأن ملف سبتة و مليلية غير قابل للنقاش و أنهما مدينتان إسبانيتان تشكلان الحدود الجنوبية لأوروبا مع إفريقيا … والغريب في الأمر سكون الموتى الذي أخرس ألسنة المسؤولين و صمت القبور الذي لجم الأحزاب و الهيئات السياسية عن أي تعقيب أو رد .
وقبل أن يجف بحبر الرسالة أو يهضم الإفطار الرمضاني , انهالت المعاول الخارجية و آلات الهدم الداخلية على الإسباني من كل حدب و صوب ، إذ سارعت الجارة الشرقية إلى استدعاء سفيرها بمدريد لتعلن مباشرة بعد ذلك إلغاء معاهدة صداقة و تعاون و حسن جوار مع إسبانيا ، و تقليص صادراتها من الغاز مع رفع الثمن و منع استيراد المنتوجات الإسبانية و الأبقار و منع أي تعامل بنكي … مع إسبانيا سانشيز ، فيما سارعت عدة هيئات و أحزاب سياسية إسبانية من مختلف ألوان الطيف السياسي بما فيها المشاركة في الحكومة الإئتلافية إلى رفض ما أقدم عليه سانشيز ، موقفها هذا لقي دعما كبيرا من الأغلبية بمجلسي النواب و الشيوخ …و لا زال مسلسل مسيلمة الكذاب متواصلا إلى يومنا هذا يبيع لنا الوهم و يحقق هو المكتسبات بعدما ضمن إلى الأبد سيادته على سبتة و مليلية .
ورغم كل هذه التطورات الصادمة ، نستفيق اليوم على أحجية من أحاجي الزمن الجميل في حلقات الحكي بجامع ألفنا ، أحجية رسالة من نوع جد متميز تميز الحالة الصحية لباعثها و مرسلها الراقد بالمستشفى رئيس وزراء إسرائيل ، رسالة حملت من الوعود أطيبها و العهود مسكها و عطرها و أريجها ، رسالة أثلجت صدورنا و طيبت أريحيتنا كما دغدغت عواطفنا و ألهتنا عن مآسينا و أحزاننا بقدر ما أطربت مسامعنا ، في مشهد سوريالي لا يقل سوريالية عن تغريدة ترامب و رسالة سانشيز … وربما نستفيق غدا ويستفيق من غيبوبته معنا رئيس وزراء إسرائيل لنجد واقعا مغايرا لما حلمنا و آمنا به ‘يمان عدالة القضية .
من بوادر المفاجئة أن لا أحد بإسرائيل غاص في موقف الإعتراف هذا ، و لا قناة رسمية إسرائيلية رغم كثرثها غطت الحدث و سلطت الأضواء ، و لا الحكومة اجتمعت و لا الكينيست انعقد و صادق بحيث كل المؤشرات ، تشير إلى انقسام حاد تعيش على وقعه النخب السياسية بدءا بأحزاب اليسار و ليس انتهاءا بحزبي الليكود و العمال ، انقسام لم تسلم منه قيادات الجيش و الأمن و المخابرات ، إذ تبدو الجبهة الداخلية متصدعة مشروخة مع تسجيل ارتفاع مؤشر الهجرة المعاكسة ، و رفض قطاع عريض من جنود الإحتياط و ربابنة سلاح الجو الإلتحاق بأماكنهم ، كما تم تسجيل ارتفاع مهول لعدد الأصوات الناقمة الرافضة لنهج و سياسات أكثر الحكومات عنصرية في تاريخ إسرائيل منذ نشأتها ، وقع بدت معه إسرائيل و هي تعيش شللا فضيعا اصاب مفاصل الدولة في مقتل ، وضع لا تحسد عليه إسرائيل و لا مفر منه سوىعن طريق اللجوء الى انتخابات مبكرة أو سابقة لأوانها للحفاظ قدر الإمكان على المقدرات و المصالح و المكتسبات …
قديما قالوا أن حبل الكذب قصير وقد صدقوا ، كما صدق بالأمس القريب الجينرال النازي غوبلز وزير الدعاية في حكومة هتلر ، اكذب ثم اكذب ثم اكذب إلى أن تتحول كذبتك إلى حقيقة … فتؤمن بها ويؤمن بها الجميع … وبالتالي أتسائل عن كم لدغة لسعتنا و عن كم كذبة أوهمتنا ؟ على الرغم من إيماننا الراسخ بأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين ، لكننا استهوينا اللدغ و استحلينا المضغ فكم نحن بلهاء و أغبياء أو هكذا شبه لي !!! ، فلربما قائل بلد المتناقضات و المؤقت كان صدوقا … من يدري .