بقلم : محمد كندولة
أو حين يكون العالم/ الفقيه سفيرا لأمته ،لبلده، لأن الحضارة الإسلامية قامت وتقوم على فلسفة ورؤية و رسالة حضارية، فلسفة تقوم على نشر الخير لسعادة الإنسان، ورؤية تدبيرية تروم تحقيق هذا الخير وتلك السعادة، ورسالة حضارية تفتح باب الاتصال بالغير ، رسالة تنشر المبادئ الإنسانية التي تقوم على فكرة الأخذ والعطاء مع الشعوب، فلا مكان في الحضارة الإسلامية للتعصب والانعزال، وإنما هي سياسة مرنة في إقامة العلاقات مع غيرها، فتعقد المعاهدات والاتفاقات على قاعدة الوفاء والالتزام الإنساني الأخوي.
هنا يستبين دور العالم الرسالي والفقيه المناضل في نشر هذا الخير، وفي تمثيل أمته و شعبه أحسن تمثيل وهو في السند أو الهند ، في الغرب أو الشرق ، في الشمال أو الجنوب فيؤكد للعالم أن الحرب في الحضارة الإسلامية لا مكان لها، وأن القتل لا مصوغ له ، إلا لدفع الظلم وحباله، والقضاء على الفتن ولهيبها، والدفاع عن النفس حماية للقيم الإنسانية والحضارية.
فالعالم الرسالي في الحضارة الإسلامية سفير هذه القيم، ومبعوث لثقافة السلم والأمن والأمان.
ولهذا فلابد للعالم الفقيه أن يكون واسع الثقافة، راجح العقل، حسن التصرف، فطنا،كامل الهندام ،يتحدث بأكثر من لغة، للتواصل مع غيره، عالما بثراته وشريعته، عارفا بتاريخ بلده وفلسفة أمته ، تاما في قده، عاليا في جسمه، لا قميئا ولا ضئيلا، يملأ حضوره العيون المتشوفة إليه، فلا تقتحمه، يشرف على اقرانه المتصدين له، فلا يستصغرونه، وهو إلى جانب ذلك ،يجب أن يكون ذا أهلية وكفاية للنجاح في هذه المهمة الدبلوماسية ، مؤديا دوره على أحسن وجه.
أخرج البزارعن إبن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معاذا وابا موسى، فقال لهما:” تشاورا وتطاوعا، يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا “
وقال الحافظ إبن حجر في الفتح: وكان ذلك شأنه، عليه السلام، في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات ” بشروا ولا تعسروا “
وأكثر من ذلك، كان صلى الله عليه وسلم، يختار للسفارة موفور العقل، طليق اللسان، قوي الحجة المقنعة للخصم، من امثال دحية الكلبي،وحاطب بن أبي بلتعة، والعلاء بن الحضرمي،وعمرو بن العاص، وشجاع بن وهب، والمهاجر بن أبي أمية.
ذكر السهيلي عن ابن سلام، في قوله تعالى:”وَإِذَا رَأَوۡا۟ تِجَـٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوۤا۟ إِلَیۡهَا وَتَرَكُوكَ قَاۤىِٕمࣰاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَـٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰزِقِینَ﴾ قال، كان اللهو عندهم النظر إلى وجه دحية الكلبي لجماله.
وروي أنه كان إذا قدم إلى الشام لم تبق مخذرة إلا خرجت إليه “
هذا عن جمال الخلقة ،فأما عن جمال المناظرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: ما منعه أن يدعو علي فيسلط علي، فقال له حاطب وهو سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم، العالم الفطن، ” وما منع عيسى أن يدعو على من ابى عليه أن يفعل ويفعل ” فوجم ساعة، ثم استعادها، فاعادها عليه حاطب، فسكت.
ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حروب قومه ،وذكر له أن الحرب تكون بينهم سجالا، تارة له،وتارة عليه، قال له المقوقس:” النبي يغلب؟؟”
فقال له حاطب:” فالاله يصلب؟
يشير إلى ما تزعمه النصارى أن المسيح عليه السلام صلب، مع دعواهم فيه أنه إله “
وأقول في الأخير، أنني اري الإمام العالم، يصعد المنبر في أجمل حلة ،وأحسن قوام، هادئا متزنا، تعلوه هيبة و تكسوه جلالة، فاسمع وانتبه إلى ما سيقول، وإني أرى بعضهم على غير الأوصاف فوق المنابر، أو في المؤتمرات على المنصات، أو في اللقاءات والندوات فأحس أننا أخطأنا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإمامة والسياسة والديلوماسية..فهلا انتبه العلماء إلى هذا الدور الدبلوماسي في الدعوة والتعليم والوساطة….
والسلام على من اتبع الهدى.
انتظر تفاعلكم
وإرشادكم