الثقافة الأسرية
الدكتور عبد الله صدقي :
لا أحد ينكر أن المجتمعات العربية الإسلامية، لم تهتم بمؤسسة الأسرة، وأن كل ما يقدم في شأن الأسرة لا يرقى إلى ما ينتظره المجتمع، بل لا يحمل تصورا صحيحا، ورؤية حقيقية واضحة، من قبيل، هل لدينا ثقافة لتأسيس الأسرة، بمعنى هل بحثنا في المؤهلات التي يجب أن يحصل عليها الشاب والفتاة حتى يدخلا إلى عالم الأسرة؟ وهل وضعنا أطروحات واضحة، تتضمن مؤهلات تيسر لكل من الزوج والزوجة كيف يصبحان أبويْن ناجحين؟ وكيف يكتسبان آليات ومهارات تجعلهما مؤهليْن لكي يصيرا مربييْن ناجحيْن؟
غير أن العكس هو ما يوجد، إذ يعتكف المجتمع على تأسيس المدارس لتعليم الأجيال القراءة والكتابة والحساب والحفظ والرياضة والغناء وغيرها، حتى يهيئهم ليصيروا مؤهَّلين في تخصصاتهم. تاركا مؤسسة الأسرة في مهب الريح، يرتادها من ملك دراهم معدودات (المال)، وهذا حظ فهمهم مما جاء في الحديث النبوي الشريف
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حتى غدت الأسرة (مؤسسة الزواج)، مؤسسة مفتوحة على مصراعيها، يلج إليها كل من هبَّ ودَبَّ، من غير علم ولا بينة، ولا دراية، فكانت النتيجة الحتمية تصدُّع الأسرة، واضطرابها، وتعرض الأسر إلى التبعثر، إثر الطلاق الذي غدا واقعا متفشيا، تضيع فيه المرأة والأبناء خصوصا. بل من الزوجين من لا يستمر بعد الزواج إلا بضعة أشهر، ليعلنا فشلهما أخيرا، ويتم الانفصال والطلاق، مثل أفضل حلٍّ، معلقيْن على سبب هذا الانفصال، إما بسبب مشاكل اقتصادية أو مشاكل اجتماعية أو مشاكل التواصل، وكلها تعلن في الحقيقة عن غياب ثقافة أسرية مؤهلة جُملةً وتفصيلا، بما فيها (ثقافة الزواج والأبوة والأمومة).
ذلك أن الثقافة الأسرية، التي كان على المجتمع أن يؤسس لها ثقافة، يتمكن الأطفال منذ نعومة أظافرهم، من تكوين وتأهيل حقيقيين، يغدون إثرها على دراية لمواجهة العواصف والرياح التي تتعرض لها الأسرة، سواء كانت هذه العواصف إكراهات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، وذلك أن رصيد الحب الذي جمع الشاب والفتاة، وربط بين قلبيهما، لا يجب أن يفتر ويضعف أمام هذه الرياح العاتية، أو يذوب وينطفئ تحت برودة المشاعر، والتهور الانفعالي، فالحب خيط مقدس بينهما، وقد أفضى بعضهم إلى بعض، واحب أحدهما الآخر بقلبه، بعد أن وضع كل منهما حياته بين يدي الآخر… إنهما بشر وليسا ملائكة، وكلاهما معرض للخطأ، والحب هكذا قد يعرف صعودا كما قد يعرف انتكاسة، وجب عليهما أن يعرفا كيف يدبران الخلافات بينهما، ويعبرا بزورقهما عواصف الحياة بسلام…