د. سلامه أبو زعيتر
أحيانا حالة التيه التي تعتري العمل النقابي والحسابات الخارجية والخصومه تؤثر بشكل كبير على العمل وطبيعة ادارته للنضال المطلبي بهدف تحقيق المطالب النقابية التي تعبر عن تطلعات وأمال الأعضاء، وحقهم بالعمل اللائق، وتحسين ظروف وشروط عملهم بعدالة وانصاف يكفل لهم لأسرهم حياة كريمة.
إن الواقع والمتغيرات والمستجدات والظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة تفرض نوع من الضغوط والحسابات على القيادة النقابية، لتطوير تكتيكاتها كاستجابة طبيعية للمتغيرات والمؤثرات بما لا يمس بالاستراتيجيات النقابية، وأسس ومبادئ الحركة النقابية ومبررات وجودها في خدمة الأعضاء والدفاع عن مصالحهم كأولويات وقواعد ضمن المصالح الوطنية العليا.
المراقب لطبيعة الحرك النقابي في السنوات العشر الأخيرة يجد أن هناك حالة من الاغتراب النقابي، واللامعيارية في طبيعة إدارة البرامج النضالية، ويرافق ذلك حالة من الاتهامات والتفسيرات المشوهه، والتحليلات الخارجة عن السياق، الهادفة لتفريغ أي نضال نقابي من مضمونه ووضعه في حالة الشبهة والتشكيك، ما دام لا يتناغم مع المشغلين والإدارة الحاكمة ومصالحها السياسية؟!، وهو ما يشكل تحدي كبير أمام المناضلين في العمل النقابي، كما أن حالة الاستقطاب المرتبطة بالأحزاب السياسية، والتركيز على ربط العمل النقابي بالحزب كمرجعية لإدارة العمل النقابي، وإتخاذ قراراته بعيدا عن أصحاب المصلحة الحقيقية وهم الأعضاء، يفسر أحيانا حالة الضعف في إدارة المعركة النقابية والخطوات النضالية، والدفاع عنها باعتبارها تعبر عن الحقوق المرتبطة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، والتي تسعى النقابات بنضالها المستمر لخدمة الأعضاء والارتقاء بهم نحو الأفضل.
اعتقد أن كل الممارسات العدوانية والتعنت والتجاهل والاستخفاف والإجراءات التي تنتهج ضد العمل النقابي، واستهداف النقابيين هي تعبيرات وسلوكيات طبيعية تعكس الصورة الحقيقية للنظام، وتتكرر وإن كانت بأنماط وأشكال تختلف عما هو مألوف في الخصومة عبر تاريخ العمل النقابي، فالأساليب المناهضة للعمل النقابي تختلف من مكان لأخر، وذلك ارتباطاً بطبيعة المجتمع والنظام السياسي القائم، وقوة الخصوم والمعارضين، وهذه طبيعة المعركة وضريبة النضال النقابي، وفي المعارك تستخدم كل الأسلحة، وكل طرف يعبر عن شكله الحقيقي، الامر الذي يستدعي أن يكون النقابيين والقيادات الميدانية في حالة الانتباه والوعي الشديد لما يحاك حولهم من خطط وبرامج مضادة تكاد تصل للمؤامرات العميقة بما تحمل من ممارسات عدوانية وسلوك لا أخلاقي ومتطرف في بعض الأحيان.
ومطلوب من النقابي أن يكون مؤهلا ولديه مواصفات عالية، وخاصة في إدارة النضال النقابي، فهو يمثل أهم عنصر في النقابة، وتعتمد النقابات على خبرات وشخصية القيادة النقابية ومقدرتهم على مواجهة الازمات والتحديات في إطار غياب تطبيق القانون، وضعف الحركة النقابية لأسباب متعددة أهمها ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وعدم التوازن في قانون العرض والطلب الامر الذي يؤثر على سوق العمل وينعكس على النقابات ودورها في إدارة المطالب النقابية، لذا كان للقيادة النقابية الدور الأبرز في النضال النقابي، ومنهم ارتبطت أسمائهم بتحقيق منجزات نقابية هامة غيرت مسيرة العمل النقابي، وتركوا بصمة واضحة ساهمت في نقلة نوعية للعمل النقابي، والتاريخ يشهد لبعضهم، فقد لعبوا دورا نشطا ومحوريا ومحركاً للنضال النقابي عبر محطات تاريخية، لذا نجد الحكومات والدول دائما تضع القيود على عمل النقابات، وتستهدف النقابيين ضمن خطط وبرامج للحد من عملهم وتقييد تحركاتهم لتعطيل عمل النقابات التي ينتمون لها، هنا نحتاج لقدرات النقابيين ومهاراتهم للعمل في الظروف الاستثنائية، والتي تتطلب دائما الحنكة والحكمة والالمام بجميع العناصر والعوامل المؤثرة في ظل الظروف والمتغيرات والضغوط، بحيث تكون الخطط والقرارات النقابية مبنية على بصيرة نافذة لما تطلبه المصلحة وضمن الفهم الحقيقي للواقع، وبما يحقق التوازن في إدارة المعركة النقابية.
لقد اتفقت الادبيات النقابية جميعها بأن النقابي الناجح هو الذي تمرس بالعمل النقابي، وساهم في علاج المشاكل وتذليل العقبات النقابية وقدم الأفكار البنيوية التي ساهمت في تمتين العمل النقابي وتحقيق أهدافه، ولم يكن جزء من المشكلة وسبب من الأسباب لضعفها، بغض النظر عن موقعه النقابي وحجم مسئولياته، فالنقابي شخصية ذات تأثير في مسيرة النضال النقابي حتى وأن لم يكن شخصية ذات قرار أو موقع، فالمواقع والمسئوليات مرتبطة بالانتخابات في حين المهارات النقابية مرتبطة بالخبرات والممارسات الميدانية للنضال النقابي الطويل، وهذا ما يميز الشخصية النقابية.
ان استرداد الحق صنعه، وهذا المثل ينسجم مع الواقع النقابي في ظل ما يواجه من تحديات وإشكاليات تفرض نفسها لسلب حقوق الأعضاء الاقتصادية والاجتماعية، والتنصل منها بمبررات غير منطقية أو موضوعية، الهدف منها كسر الإرادة النقابية وإفشال أي تحرك نضالي مطلبي يساهم في تخفيف معاناة الموظفين والعمال والأعضاء بالنقابات في مواجهة الاستبداد والاستغلال، والغلاء، والجشع، وتآكل الأجور، والمساومة على لقمة العيش، وغياب السياسات الوطنية للتشغيل وخلق فرص العمل…الخ.
ان كل المحاولات التي تنتهج ضد أي ممارسة العمل النقابي تفشل أمام الإرادة النقابية والعمل المبني على الرؤية المنهجية والمهنية السليمة قائمة على مصالح الأعضاء، وضمن توجهات وقرارات مستقلة، تعتمد على كيفية إدارة النضال النقابي بحيادية بعيداً عن أي مؤثرات خارجية ومصالح ضيقة، قد تساعد الخصوم في توجيه الاتهامات والتشكيك بالعمل النقابي برغم انسانيته وعدالته، والواجب أن يكون الجميع مؤمناً بأن إرساء قواعد العدالة تبدأ من إنصاف الانسان العامل في بيئة عمله، ومنحه حقوقه كاملة، وتأمينه من المخاطر ضمن معايير عمل لائقة وكريمة، وهذه الأسس تشكل مدخلا لإحداث التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، فلا يمكن الحديث عن استقرار وتوازن في بيئة العمل، وتطور اقتصادي واجتماعي بعيدا حماية الانسان العامل، ومنحه حقه بالتعبير والنضال لتحقيق مصالحه.
أخيرا إن استقلالية العمل النقابي جوهر النضال المطلبي، وبما تحمل الكلمة من معنى وكل المحاولات التي تستهدف التشكيك فيه او اختراقه، او تفريغه من مضمونه، تأتي ضمن ردة الفعل المبنية على فكر استغلالي رأسمالي عفن للفت الأنظار عن الحقوق والمطالب العادلة وحرف البوصلة عن اتجاهاتها الصحيحة نحو عمل لائق وحماية اجتماعية وعدالة في بيئة العمل التي تسعى لها النقابات بقيادتها الميدانية لخدمة الأعضاء.