لماذا مثّلت غزة مشكلة دائمة لإسرائيل؟
بقلم: ديما عودة. بي بي سي نيوز عربي
أعاد الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، قطاع غزة الذي تسيطر عليه الحركة إلى مركز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مجددا، كما أعاد للأذهان التاريخ الطويل للصراع بين إسرائيل من جهة وحركة حماس بشكل خاص وباقي الفصائل الفلسطينية في غزة بشكل عام. فما الذي يجعل غزة مشكلة دائمة بالنسبة لإسرائيل؟
بعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت غزة جزءا من فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني عام 1920، وعندما أصدرت الأمم المتحدة خطة تقسيم الأراضي إلى دولتين عربية ويهودية عام 1947، أضافتها إلى الدولة الفلسطينية المقترحة ولكن القوات المصرية دخلت المدينة عام 1948. وفي فبراير/ شباط عام 1949 وقعت كل من مصر وإسرائيل هدنة تقضي باحتفاظ مصر بالمدينة وبقيت تحت الحكم المصري حتى حرب عام 1967.
لم تقم مصر بضم المدينة والأراضي ولكنها أدارتها من خلال حاكم عسكري.
في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1965 شنت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل هجوما على مصر (العدوان الثلاثي أو حرب 1956 كما يعرف في مصر والدول العربية أو أزمة السويس كما تعرف في الغرب أو حملة سيناء كما تعرف في إسرائيل)، واستولت القوات الإسرائيلية على غزة وضواحيها، لكن الضغط الدولي سرعان ما أجبر إسرائيل على الانسحاب.
وبعد أن أعادت إسرائيل احتلال غزة في حرب الأيام الستة في يونيو/ حزيران عام 1967 (ما يعرف لدى مصر والدول العربية بالنكسة)، ظلت المدينة تحت الإدارة العسكرية الإسرائيلية حتى عام 1994، عندما بدأ النقل التدريجي للسلطة الحكومية إلى الفلسطينيين. وفي عام 2005 أكملت إسرائيل انسحابها من قطاع غزة وسلمت السيطرة على المنطقة للفلسطينيين.
لكن غزة لطالما مثّلت مشكلة وعبئا على إسرائيل فلم تتوقف الفصائل في القطاع عن تنفيذ الهجمات، ولم تَحُلْ أي اتفاقيات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل دون وقوع تلك الهجمات.
يقول الكاتب الصحفي المقيم في لندن، أحمد أصفهاني: “منذ البدايات جربت إسرائيل كافة الوسائل لإخضاع غزة، فلم يؤت الحل العسكري ثماره ولم ينفع الحصار الكامل والتضييق الاقتصادي في تمكين إسرائيل من السيطرة عليها”.
حركة حماس والقتال المستمر
ولعل تشكيل حركة حماس في 6 ديسمبر/ كانون الأول 1987 كان نقطة فاصلة غيرت مسار الأحداث في غزة.
أعلنت الحركة بيانها التأسيسي في 15 ديسمبر/ كانون الأول 1987، إبان الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1993.
وقد انخرط سكان مدينة غزة في وقت مبكر في الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وكانت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، تقوم بتوزيع النشرات الأسبوعية في شوارع غزة مع جدول زمني للإضراب المتزامن مع الاحتجاجات اليومية ضد الدوريات الإسرائيلية في المدينة.
يقول الكاتب حسن أبو هنية الخبير المتخصص في الجماعات الإسلامية: “لطالما كانت غزة تملك خصوصية كون معظم القيادات التاريخية سواء في إطار الحركات الوطنية أو حتى الحركات الإسلامية، تشكلت في المدينة”.
وخلال المظاهرات، أُحرقت الإطارات في الشوارع، كما ألقى الحشود الحجارة والزجاجات الحارقة على الجنود الإسرائيليين.
ورد الجيش الإسرائيلي بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وأغلق المدارس في مدينة غزة ونفذ الاعتقالات وفرض حظر التجول ومنع السفر، ما اعتبره الفلسطينيون عقابا جماعيا.
إسحق رابين بين السعي نحو السلام وهاجس غزة
شغل إسحق رابين منصب وزير الدفاع في حكومات ائتلاف حزب العمل والليكود من عام 1984 إلى عام 1990، حيث رد بقوة على انتفاضة الفلسطينيين (الانتفاضة الأولى)، لكن فشل السياسات المتشددة في قمع الانتفاضة أقنع رابين بضرورة التعامل سياسيا مع الفلسطينيين.
وعندما عاد ليتسلم منصب رئيس الوزراء عام 1992، قام رابين بتجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية الجديدة في الأراضي المحتلة، كما أجرت حكومته مفاوضات سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية بلغت ذروتها بتوقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (سبتمبر/ أيلول 1993)، والتي اعترفت فيها إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ووافقت على التنفيذ التدريجي للحكم الذاتي المحدود للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن حركة حماس اعتبرت اتفاق أوسلو “اتفاقاً باطلاً ومشؤوما، كونه أعطى إسرائيل الحق في السيطرة على 78 في المئة من أرض فلسطين التاريخية”، وقالت الحركة إنها لن تلتزم بهذا الاتفاق وأعلنت استمرار عملياتها ضد القوات الإسرائيلية، وسرعان ما نفذت هجمات داخل إسرائيل ضمت تفجير حافلات وعدة هجمات بالسلاح الناري.
وقد تناقلت وسائل إعلام حينها أن غزة شكلت هاجسا لدى رابين الذي استشعر بأنها حجر عثرة أمام التوصل لأي اتفاق تسوية وأنه قال: “أتمنى أن أستيقظ ذات يوم وأجد أن غزة غرقت في البحر”.
يقول الكاتب الصحفي أحمد أصفهاني: “شكلت غزة بالنسبة لإسرائيل تاريخيا معضلة كبيرة جدا، فرغم قدرتها على الاستمرار في احتلالها، إلا أن الثمن والتكلفة باهظان، فالمقاتلون الفلسطينيين يزدادون قوة، والكثافة السكانية هناك لا تبشر بأي مستقبل للاستيطان”.
تم التوقيع على اتفاقية أوسلو 2 أولا في طابا في شبه جزيرة سيناء في مصر من قبل إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 24 سبتمبر/ أيلول 1995، ثم بعد أربعة أيام في 28 سبتمبر/ أيلول 1995 من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وبشهادة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في واشنطن العاصمة.
وقد أثارت التنازلات الإقليمية معارضة شديدة بين العديد من الإسرائيليين، وخاصة المستوطنين في الضفة الغربية، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، حضر رابين مسيرة سلمية حاشدة في تل أبيب، أقيمت لحشد الدعم للاتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن التجمع انتهى بمأساة عندما اغتيل رابين على يد متطرف يهودي.
يقول الكاتب حسن أبو هنية: ” بعد توقيع اتفاقية أوسلو تخلت منظمة التحرير الفلسطينية عما يعرف بالكفاح المسلح والمقاومة وأصبحت تصفها بالإرهاب وبالتالي تبنت نهج السلام مع إسرائيل، لكن غزة بقيت مركزا للمقاومة نتيجة وجود زخم كبير لحركات المقاومة وتحديدا حركتي حماس والجهاد الإسلامي”.
وإسحق رابين بحضور بيل كلينتون
شارون والانسحاب الكامل من القطاع
في 27 سبتمبر/ أيلول عام 2000، اقتحم زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون المسجد الأقصى بحماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة، وبموافقة من رئيس الوزراء حينها إيهود باراك. وكانت تلك الزيارة بمثابة الشرارة التي أطلقت الانتفاضة الثانية.
وقد نفذت حماس في تلك الفترة عدة عمليات مؤثرة ضد إسرائيل، بينها هجمات ضد محافل في نتانيا، وهجمات ضد ملاه ليلية داخل إسرائيل، ما أدى لمقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين.
وردت إسرائيل بغارات جوية على قطاع غزة، واغتيال القيادي في الحركة صلاح شحاده، وتوالت الاغتيالات في الأعوام التالية حيث طالت مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين والقيادي إسماعيل الرنتيسي.
لكن الخيار العسكري لشارون، الذي أصبح رئيسا للوزراء عام 2001، بهدف إجهاض حماس ووقف الانتفاضة باء بالفشل، فقد بدأت حماس بحفر أنفاق مطلع عام 2003 وتمكنت لاحقا من بناء شبكة من الأنفاق تحت الأرض، شكلت تهديدا خطيرا للجيش الإسرائيلي، خاصة وأنه لم يتمكن من تدميرها بسبب عمقها الكبير تحت الأرض وخرائطها المتشعبة.
وفي ظل تلك المعطيات بدا الخيار الأمثل أمام إسرائيل هو الانسحاب الكامل من غزة، والذي تم بالفعل عام 2005.
وقد يبدو استعداد شارون، في المرحلة الأخيرة من حياته المهنية، لقبول شكل ما من أشكال الدولة الفلسطينية والأمر بالانسحاب الإسرائيلي من غزة في مواجهة معارضة العديد من مؤيديه السابقين بلا شك تحولا جذريا – على الرغم من أن بعض النقاد صوروه على أنه انتهازية تكتيكية أكثر من كونه انعكاسا لتغير جوهري في المنظور.
يقول الكاتب الصحفي أحمد أصفهاني: “كان التفكير آنذاك أن الانسحاب من غزة خطوة استراتيجية، إذ يمكن ضمان محاصرة غزة من البحر من جهة ومن الحدود المصرية، التي تربطها مع إسرائيل معاهدات سلام، من جهة أخرى، إضافة إلى وجود بعض العناصر الداخلية في غزة التي يمكن أن تتعاون مع إسرائيل وتنسق معها أمنيا، وبالتالي كان الرهان على عنصرين الأول هو الوجود المصري المؤثر نظرا للتعاون الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، والعنصر الثاني وجود جماعات تابعة للسلطة الفلسطينية، لكن يبدو أن تلك الحسابات لم تكن في مكانها فقد تمكنت حماس من الوصول إلى السلطة في غزة بعد انتخابات تشريعية فازت فيها فوزا ساحقا، ولم يعد من وجود لعناصر السلطة في القطاع”.
فازت حماس بغالبية الأصوات في الانتخابات التشريعية في القطاع عام 2006، وهو الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية، وطالبتا الحركة بالتخلي عن المقاومة والاعتراف بإسرائيل.
حدثت بعد ذلك مواجهات بين حماس والسلطة الفلسطينية في القطاع أسفرت عن إبعاد عناصر السلطة، وسيطرت الحركة على قطاع غزة بشكل كامل.
ويشرح الكاتب حسن أبو هنية: “منذ سيطرة حماس على قطاع غزة باتت تتنامى قوتها وقوة الجهاد الإسلامي، كما أصبحتا جزءا من تيار إقليمي مرتبط مع إيران وحزب الله اللبناني وسوريا فيما يسمى بمحور المقاومة، وبالتالي باتت غزة المنطقة الحاضنة”.
عام 2008 أطلقت حركة حماس عشرات الصواريخ على مجمعات سكنية إسرائيلية قريبة، وردت إسرائيل بشن هجوم موسع على القطاع، وأسفر ذلك عن مقتل 13 إسرائيليا، و1400 فلسطيني.
بدأت حماس تطور قدراتها الصاروخية، وتستخدمها كسلاح ردع ضد إسرائيل. وفي العام 2014، شنت إسرائيل عملية أخرى ضد القطاع وردت حماس بالصواريخ، واستمرت المواجهات سبعة أيام، وتسببت في مقتل 73 إسرائيليا بينهم 67 عسكريا، وأكثر من ألفي فلسطيني.