أحمد رمضان.
أورد هنا المعايير نفسها التي قمتُ بتطبيقها على حرب روسيا ضد أوكرانيا، وأرجو نسخها لاحتمال حذفها أو تقييد الوصول إليها. لا تقاس الصراعات الكبرى بالقدرات العسكرية فحسب، وإنما بحزمة إمكانات، مقرونة بالأداء، مع عوامل البيئة المحلية والإقليمية والدولية.
١) المجال السياسي: ويركز على السردية المُقنِعة، المعزَّزة بالأدلة، والمرتكزة للوقائع، ومع دخول العدوان شهره الثاني تتفوق المقاومة الفلسطينية على الطرف الإسرائيلي المعتدي، الذي فقد زخم سرديته بعد أسبوع من اندلاع المواجهة في ٧ تشربن أول، نتيجة اعتماده التلفيق والتضليل، وهو ما تم كشفه بسهولة، وفي مقابل الرصانة والهدوء لممثلي المقاومة يبدو الارتباك والتوتر والقلق على مسؤولي الاحتلال، مع خلافات ونزاعات بينية.
٢) المجال الدبلوماسي: رغم افتقار المقاومة للعامل الدبلوماسي نظراً لعدم وجود اعتراف قانوني دولي بها، إلا أن مخزون التعاطف والتفهم الدولي للقضية الفلسطينية كان كفيلاً بتحقيق إنجاز في الجمعية العامة للأمم المتحدة على حساب إسرائيل والولايات المتحدة والدعم الغربي، وبدا أن الزخم الدبلوماسي لأطراف العدوان يتأكل مع تعمُّق الأزمة الإنسانية، ومشاهد الأطفال القتلى والجرحى، وتصدُّع سردية الاحتلال في تبرير عدوانه.
٣) المجال العسكري: رغم فارق الإمكانات العسكرية، بين قوة محاصرة منذ ١٧ عاماً، وجيش مُعزز بالقدرات الحديثة، مع دعم من تحالف يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا (ميزانيتها الدفاعية السنوية ١,٩ تريليون دولار)، واستخدام أسلحة وقنابل متطورة، إلا أن الإنجاز الميداني للقوة المعتدية ما زال محدوداً في الشهر الثاني للعدوان، وخسائر الاحتلال كبيرة، ما يدفعه لاستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية، كما أن معنويات المقاومة مرتفعة مقابل حالة الصدمة والرعب التي تكتنف جنود الاحتلال.
٤) المجال الأمني: تتفوق المقاومة بشكل كبير في هذا المجال، وتمثل هجمة الـ٧ من تشرين أول ضربة كبرى لمنظومة الاحتلال الأمنية لا يمكن تجاوزها، كما أن جيش الاحتلال فشل في الوصول إلى أي من الأسرى رغم القصف الهائل، كما لم ينجح في الوصول إلى أي من قادة المقاومة رغم إلقائه ما يزيد عن ٣٠ ألف طن من المتفجرات.
٥) المجال القانوني: ما يرتكبه الاحتلال يُوصف بأنه جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، وانتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومع توثيق الأدلة من أطراف دولية سيُمكِّن ذلك جهات قانونية من ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم، وقد يأخذ ذلك وقتاً طويلاً، لكنه يشكل عنصراً مهما لصالح القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.
٦) المجال الاقتصادي: رغم ما أوقعه العدوان من خسائر في غرة نتيجة وحشية القصف، إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه أزمة متصاعدة، وتقدر خسائره المتوقعة بأكثر من ٥٠ مليار دولار، واضطر البنك المركزي لضخ ٤٥ مليار دولار لمنع تدهور سعر الشيكل الذي تراجع إلى أدنى مستوى له من ١١ عاماً، ويتوقع أن تكون الخسائر فادحة كلما استمرت الحرب مع تجنيد ٢٠٪ من القوى العاملة ضمن الجيش.
٧) المجال الإعلامي: ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تفكيك سردية الاحتلال وتفنيد أكاذيبه، ورغم انحياز كبرى وسائل الإعلام الغربية له بشكل يفتقر للمهنية والموضوعية، إلا أن المقاومة حظيت بتعاطف عالمي متزايد، ولم تنجح القيود التي فرضتها الشركات المالكة لوسائل التواصل، وحالة الترهيب التي فرضتها الحكومات الغربية في الحدِّ من موجة التضامن العارمة الآخذة في الاتساع، وبعود جزء كبير من ذلك إلى حرص المقاومة على المصداقية والموضوعية، في مقابل المعلومات المضللة والمزيفة التي يضخها الاحتلال، ما تسبب في إحراج مسؤولين غربيين كبار، اضطروا للاعتذار لاحقاً.
٨) مجال القوة الناعمة: لم يجد الاحتلال تعاطفاً يذكر في هذا المجال، وتعرضت الشركات الداعمة له إلى حملة مقاطعة شديدة، كما ظهرت مشاهد تعاطف وتضامن واسعة من شخصيات ومشاهير في مجالات الفن والرياضة والإعلام، وأدى انحياز الحكومات الغربية إلى إلحاق تصدعات بنيوية في سرديتها الثقافية والفكرية، وخاصة عند مقارنة مواقفها من الأزمة الأوكرانية، والتي كانت على النقيض مما تفعله الآن.
وفق المعطيات بعد شهر من العدوان فإن المقاومة الفلسطينية تتفوق بما معدله ٧ إلى ٣ في إجمالي المجالات الثمانية، رغم شراسة استخدام القوة العسكرية المفرطة بحق المدنيين، والتي يقابلها صمود أسطوري لعناصر المقاومة.