هل تعيد حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين رسم خريطة العلاقات المغربية الأمريكية؟
منقول
سمير بنيس
موقع: هسبريس.
في العلاقات الدولية تكتسي أي كلمة، أي بيان أو أي صورة أو حركة أهمية سياسية ينبغي الانتباه إليها والوقوف عند دلالاتها وأبعادها. ولعل ذلك ما ينطبق على الزيارتين اللتين قامت بهما سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الجزائر، إليزابيث أوبان، لمخيمات تندوف، بحيث تحمل الزيارة الثانية التي قامت بها هذه السفيرة في ظرف أقل من أسبوعين دلالة سياسية واضحة من الإدارة الأمريكية مفادها أن هذه الأخيرة لن تتردد في الضغط على المغرب من خلال استعمال ورقة الصحراء في حال جنوح هذا الأخير إلى تبني مواقف لا تتماشى مع المصالح الأمريكية، خاصةً فيما يتعلق بإسرائيل.
وقد يذهب البعض إلى التقليل من الأهمية السياسية لهذه الخطوة التي أقدمت عليها السفيرة الأمريكية والقول إنها ربما حرصت على التأكد من أن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة تذهب إلى المكان الصحيح وتساهم في تحسين الوضعية الاجتماعية والصحية لساكنة مخيمات تندوف، لاسيما أن التقارير الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة أكدت الحاجة الملحة لرفع مستوى المساعدات الدولية المخصصة لسكان المخيمات. كما قد يقول البعض إن السفيرة ربما قررت بمحض إرادتها القيام بهاتين الزيارتين دون التشاور مع واشنطن، بيد أن هذه القراءة لا تأخذ بعين الاعتبار أن أي خطوة سياسية يقوم بها أي سفير أمريكي لا تتم إلا بناءً على تعليمات من وزارة الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض. كما تتغاضى عن الأخذ بعين الاعتبار أن هذه من المرات القلائل جداً التي يقوم فيها سفير أمريكي لدى الجزائر بزيارة مخيمات تندوف.
في السابق، وبسبب حساسية الموضوع، حرص معظم السفراء الأمريكيين المعتمدين بالجزائر على تفادي القيام بأي زيارة لمخيمات تندوف لتفادي إثارة غضب المغرب، خصوصاً أن الولايات المتحدة على علم بكل التقارير التي تشير إلى التهريب الممنهج للمساعدات الدولية المقدمة لمخيمات تندوف ولثبوت تورط قيادات البوليساريو والنظام الجزائري في هذه العملية. كما أنها على دراية بعدم امتثال الجزائر لكل قرارات مجلس الأمن الداعية إلى إجراء إحصاء لساكنة المخيمات حتى يتمكن المجتمع الدولي من التأكد من هويتها ومن عددها الحقيقي. وكانت أول زيارة لسفير أمريكي للمخيمات هي التي قام بها السفير جون ديروشر يومي 27-29 مارس 2018. وجاءت تلك الرسالة ستة أيام بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “إيكس” (تويتر سابقاً) عن تعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي. وقد فُهمت تلك الزيارة على أنها إشارة من بولتون على أنه يعتزم تغيير طريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف، وهو ما فشل في تحقيقه في آخر المطاف.
إلا أن السياق الذي جاءت فيه الزيارتان الأخيرتان للسفيرة الأمريكية لدى الجزائر مغاير لما كانت عليه الأوضاع قبل خمسة أعوام. فقد جاءت بعد ثلاث سنوات من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو ما يفرض مبدئياً على الإدارة الأمريكية ألا تقوم بأي خطوة يمكن أن تثير غضب أو شكوك المغرب بخصوص النوايا الأمريكية تجاهه. فأن تقوم السفيرة الأمريكية فجأةً بزيارة مخيمات في هذه الفترة وبعدما ثبت أن منظمة البوليساريو شنت هجوماً مسلحاً على مدينة السمارة في نهاية الشهر الماضي، فإن ذلك يرسل إشارات سلبية للرباط مفادها أن الإدارة الأمريكية أصبحت شريكاً غير موثوق لا يحترم مصالح الدولة المغربية ولا مشاعر الشعب المغربي. كما يمكن اعتبار هذه الزيارة بمثابة رسالة واضحة للجزائر بأن الإدارة الأمريكية لن تعتزم ممارسة أي ضغوطات بخصوص ضرورة تنظيم إحصاء لمخيمات تندوف، بل لن تقوم باتخاذ أي خطوة من شأنها أن تضغط على هذه الأخيرة من أجل المشاركة في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى حل نهائي للنزاع بخصوص الصحراء المغربية. كما أن الصورة التي نشرتها السفيرة مع إحدى النساء القاطنات في المخيمات، والتي تظهر خلفها صورة الأمين العام للبوليساريو إبراهيم غالي، الذي أعلن الحرب على المغرب قبل ما يزيد عن سنتين، تنم عن سوء نية كبيرة من الإدارة الأمريكية تجاه المغرب، وعدم احترام لأحد أكبر الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة. كما تتنافى هذه الصورة مع القرار الذي اعتمدته أمريكا منذ العاشر من ديسمبر 2020، والذي اعترفت بموجبه بمغربية الصحراء، وبأن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب عام 2007 يعتبر الحل الوحيد الذي ينبغي البناء عليه من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي للنزاع بخصوص الصحراء المغربية.
إذا قمنا بتحليل الخطاب السياسي الذي استعملته الإدارة الأمريكية الحالية حيال قضية الصحراء المغربية خلال السنوات الثلاث الماضية، يمكن اعتبار هذا السلوك الأمريكي تجاه المغرب تحصيل حاصل، ذلك أنه حتى وإن لم تتراجع الإدارة الحالية عن قرار الاعتراف بمغربية الصحراء، فإنها لم تقم بأية خطوة يُفهم من خلالها أن واشنطن عاقدة العزم على مساعدة المغرب على إنهاء هذا النزاع. فكل ما قامت به هو استعمال اللغة الفضفاضة التي دأبت واشنطن على استعمالها في السابق، والتي سعت من خلالها إلى الحفاظ على نوع من التوازن في علاقاتها بالجزائر، مع الحرص على عدم إعطاء أي انطباع لهذه الأخيرة على أنها منحازة بشكل مطلق لصالح المغرب.
انزعاج واشنطن من عدم إدانة حركة حماس
حتى نفهم هذا التصرف غير اللائق للسفيرة الأمريكية لدى الجزائر، ينبغي وضعه في إطار السياق الدولي الحالي، الذي يطغى عليه النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والجرائم الشنيعة التي ارتكبتها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إثر الهجوم الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حركة حماس- التي تعتبرها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل منظمة إرهابية- وحركة الجهاد الإسلامي. فبسبب هول الصدمة التي تسبب فيها ذلك الهجوم والأضرار النفسية والبشرية التي خلقها في إسرائيل وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، كانت الولايات المتحدة تنتظر من كل حلفائها أن يعبروا عن تضامنهم المطلق مع إسرائيل وعن إدانتهم لذلك الهجوم. أما بخصوص الدول العربية التي تجمعها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في إطار ما يعرف باتفاقات إبراهيم، فإن سقف انتظارات الولايات المتحدة كان أعلى من ذلك، حيث إنها كانت تنتظر من حلفائها، في مقدمتهم المغرب، أن يصفوا حركة حماس بشكل واضح بأنها حركة إرهابية.
إلا أن التصريحات التي أدلت بها وزارة الخارجية المغربية لم ترق إلى تطلعات الإدارة الأمريكية وإسرائيل، ذلك أن السلطات المغربية- وعياً منها بأن الفلسطينيين يرزحون تحت الاحتلال، وأن قطاع غزة قبع تحت الحصار مدة 16 سنة، وأن حركة حماس هي حركة مقاومة مسلحة تحارب من أجل تحرير أرضها- لم تستعمل أي عبارة تشير من قريب أو بعيد إلى أنها تعتبر حركة حماس حركة إرهابية. فعوض إدانة الهجوم الذي نفذته حركة حماس، اقتصر البيان الرسمي لوزارة الخارجية المغربية على إدانة العنف من جميع الجهات، داعياً في الوقت ذاته إلى وضع حد لكل أعمال العنف وإلى التهدئة. وأكد المغرب أنه ما فتئ يحذر من العواقب السياسية الناجمة عن إحباط وعرقلة العملية السياسية. كما أكد على موقفه المبدئي الداعي للرجوع إلى الحوار والمفاوضات المبنية على قرارات الشرعية الدولية باعتبارها الطريق الوحيدة المؤدية إلى حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية. فمن وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية كذلك، فقد خذل المغرب تطلعاتهما، ذلك أنه لم يمتنع عن التعبير عن تضامنه مع إسرائيل وعن إدانة حركة حماس بشكل واضح فحسب، بل ذكر بضرورة الرجوع إلى الحوار المبني على الشرعية الدولية من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم للنزاع. وقد كان هذا الموقف أولى الخطايا التي سقط فيها المغرب، والتي أثارت غضب الجانبين الأمريكي والإسرائيلي. وقد ظهرت علامات الانزعاج الأمريكي- الإسرائيلي جلية من خلال التدوينة التي نشرها روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، المعروف بمواقفه الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل، والذي يعتبر كذلك من مراكز الأبحاث اليمينية الأكثر نفوذا في واشنطن والأكثر تأثيراً في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي قال ساتلوف إن المغرب أدان الهجمات التي تستهدف المدنيين، فإنه عبر عن تذمره من عدم إقدام أي من الدول العربية، بما في ذلك المغرب، على إدانة حركة حماس ووصف الهجمات التي نفذتها بالإرهابية.
أما ثاني خطايا المغرب، من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية، فهي عدم اتخاذ المغرب أي خطوة لمنع مئات المظاهرات التي نظمت في البلاد منذ اندلاع الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة. ففي خضم الحرب الإعلامية وحرب السرديات القائمة بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن هذه الأخيرة وحليفتها الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية، كانتا تنتظران من المغرب أن يقوم بمنع الشعب المغربي من التعبير عن تضامنه المطلق و اللامشروط مع الشعب الفلسطيني وعن شجبه للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حقه. ولا شك أن عدم قمع السلطات تلك المظاهرات شكل صدمة للولايات المتحدة، وأعادها إلى الواقع، وذكرها بأنه مهما فعلت هذه الإدارة أو كل الإدارات الأمريكية لطمس القضية الفلسطينية أو تهميشها وإخراج إسرائيل من عزلتها الدبلوماسية، فإن شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب المغربي، ستظل رافضة التعامل مع إسرائيل طالما أنها تحتل أراضي عربية وتتعامل بغطرسة وبوحشية مع الشعب الفلسطيني وتحرمه من حقوقه المشروعة في بناء دولته المستقلة.
أما ثالث خطايا المغرب فهي إقدامه على إدانة الهجوم الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد مستشفى المعمداني يوم 17 أكتوبر الماضي، مما أدى إلى وفاة أكثر من 500 مدني وإصابة أكثر من ألف. وعلى الرغم من المحاولات التي قامت بها إسرائيل لتحريف الحقيقة وإيهام الرأي العام العالمي بأنها لم تنفذ ذلك الهجوم، وأن هذا الأخير جاء نتيجة خطأ لحركة حماس في إطلاق أحد الصواريخ الموجهة ضد إحدى المدن الإسرائيلية، فإن المغرب لم يغير موقفه من إدانة إسرائيل بسبب تورطها في ذلك الهجوم. أما رابع خطايا المغرب فتتمثل في تعبيره عن تذمره من صمت ما يسمى المجتمع الدولي أمام استمرار الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين على مرأى ومسمع العالم، واستمرار القوى الدولية المؤثرة في رفض الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار. وفي هذا السياق أصدرت وزارة الخارجية المغربية بيانا بتاريخ 2 نوفمبر عبرت فيه عن انشغالها بالوضع الكارثي الذي وصلت إليه الأوضاع في قطاع غزة جراء القصف العشوائي لقوات الاحتلال الإسرائيلية واستهدافها للمدنيين وللمنشآت المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. كما عبرت عن تذمر المغرب من فشل مجلس الأمن في اعتماد أي قرار يهدف إلى وقف إطلاق النار. فحتى وإن لم يشر المغرب إلى ذلك بشكل واضح، فإن اللغة التي استعملها في هذا البيان كانت موجهة إلى الدول الغربية التي رفضت كل الدعوات لوقف إطلاق النار، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، التي عبرت عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وتشبثت بنفس نقاط الحديث التي استعملتها منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي مفادها أن وقف إطلاق النار سيساعد حركة حماس على استعادة قواها وتمركزها في القطاع. ولا شك أن هذا الموقف أثار حفيظة إسرائيل وحليفتها الأمريكية، لاسيما أن معظم وسائل الإعلام الغربية المنحازة بشكل كلي لإسرائيل تبنت الرواية الإسرائيلية. وأمام اتخاذ المغرب هذه المواقف، وحتى إن لم ترقَ إلى ما كان يتطلع إليه الكثير من المغاربة- وهو قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل أو على الأقل غلق مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب- فإنها أثارت غضباً غير معلن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل. وبالتالي كان على أمريكا التحرك واستعمال كل الأوراق التي تمتلكها من أجل الضغط على المغرب، بل ابتزازه، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، التي، كما أكد على ذلك الملك محمد السادس في خطابه يوم 20 غشت 2022، تعتبر “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
وما سهل عملية الضغط التي تقوم بها الولايات المتحدة في هذه الأيام ضد المغرب هو أن الجزائر، البلد الذي طالما تفاخر وتباهى بدعمه للقضية الفلسطينية، قرر منع المظاهرات الداعمة للفلسطينيين في قطاع غزة. ولم تكتف الجزائر بذلك، بل قررت يوم 2 نوفمبر منع الجماهير الجزائرية من دخول الملاعب لحضور مباريات الدوري الجزائري لكرة القدم. وفي السياق الحالي الذي يمر منه العالم، فإن هذا القرار كان بمثابة هدية لإسرائيل وللولايات المتحدة، ذلك أنه حرم الشعب الفلسطيني من الحصول على الدعم المعنوي للشعب الجزائري، وجنب إسرائيل في نفس الوقت التأكد بأن هناك إجماعا في صفوف الشعوب العربية على نبذها ونبذ السياسات العنصرية وسياسة التقتيل الممنهج التي تتبعها ضد الشعب الفلسطيني. كما أن الجزائر لم تشارك في القمة العربية- الإسلامية الطارئة التي استضافتها المملكة العربية السعودية يوم 11 نوفمبر. وحتى إن لم تكن هناك أي انتظارات كبيرة في الشارع العربي بخصوص نتائج هذه القمة، فإن عدم مشاركة الجزائر أدى إلى خلق شرخ في الموقف العربي، وأعطى الانطباع أن ليس هناك إجماع في صفوف الدول العربية بخصوص الموقف الذي ينبغي تبنيه تجاه إسرائيل، وهو ما كان في صالح هذه الأخيرة.
الملك محمد السادس يرفض الضغط الأمريكي
يبدو أنه في سعيهم إلى لي ذراع المغرب لم يكتف المسؤولون في الإدارة الأمريكية بتوجيه رسالة امتعاضهم من الرباط عبر الزيارتين المتتاليتين للسفيرة الأمريكية لمخيمات تندوف، بل قاموا بتحريك بعض الأقلام المعروفة بمعاداتها للمصالح المغربية من أجل مهاجمة المغرب. وفي هذا الصدد، كان لافتاً أن تقوم ثلاثة منابر إعلامية أمريكية، هي Forbes وWashington Times وPolitico بنشر مقالات رأي في نفس التوقيت تهدف بالأساس إلى المس بسمعة المغرب، والتشكيك في المشروعية التاريخية والقانونية التي ينبني عليها موقفه من نزاع الصحراء المغربية، بالإضافة إلى المشاريع التنموية التي أطلقها في الأقاليم الجنوبية. فأن يتم نشر هذه المقالات بهذا الشكل المفاجئ في وقت لا يشهد فيه ملف الصحراء أي تطورات ويميزه نوع من الجمود السياسي، فذلك يعني أن جهة ما أوعزت إلى هؤلاء الكتاب لمهاجمة المغرب. وبناءً على الخطوة غير الودية التي أقدمت عليها السفيرة الأمريكية لدى الجزائر، هناك احتمال كبير بأن تكون جهة أو جهات داخل الإدارة الأمريكية هي التي تقف وراء هذه الحملة الإعلامية. ويذكرنا هذا السلوك بذلك الذي انتهجته فرنسا طوال فترة توتر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، حيث استعملت آلتها الإعلامية كورقة ضغط من أجل لي ذراع المغرب، وهو ما فشلت في تحقيقه.
ويظهر أن هذه الاستراتيجية الأمريكية لم ولن تنجح. ولعل خير دليل على ذلك الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس بتاريخ 29 نونبر إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وقد استعمل العاهل المغربي- المعروف برفضه للتعرض للابتزاز من أي طرف وحرصه على استقلالية قراره السياسي- نبرة أكثر قوة من تلك التي تم استعمالها في البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية المغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي. فلم يتوان الملك محمد السادس في القول: “لقد أبانت الأعمال العسكرية الإسرائيلية الانتقامية في قطاع غزة عن انتهاكات جسيمة تتعارض مع أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”. كما عبر عن “رفضه وإدانته” لكل التجاوزات والانتهاكات الإسرائيلية وسياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري التي تسعى إلى ممارستها في حق الشعب الفلسطيني، مؤكداً في نفس الوقت أن قطاع غزة يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية والدولة الفلسطينية الموحدة. وأكد من جهة أخرى أن استهداف المدنيين والدمار الذي لحق بالبنى التحتية، بما في ذلك المباني السكنية والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والحصار الشامل المفروض على قطاع غزة، يعتبر خرقاً سافراً للقوانين الدولية والقيم الإنسانية. وليس هناك شك في أن هذه الرسالة الملكية ستضاعف حدة الانزعاج في صفوف الأمريكيين والإسرائيليين الذين ظنوا- بسبب سوء فهمهم للنظام السياسي المغربي ولشخصية الملك محمد السادس الذي ما فتئ يحرص على الإنصات لنبض شعبه- أنه عندما قرر المغرب الاستئناف التدريجي لعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل فقد أعطى لهذه الأخيرة وللولايات المتحدة شيكاً على بياض مفاده أن المغرب سيتخلى عن موقفه المبدئي الداعم لحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، وفي بناء دولته المستقلة بما يتماشى مع قرارات الشرعية الدولية.
بناءً على هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السياسية الدولية والإقليمية، ينبغي للطبقة السياسية المغربية أن تتحلى باليقظة التي تتطلبها لحظات مثل اللحظة التاريخية التي تعيشها المنطقة والعالم برمته، وأن تعلم أن الطبقة السياسية في الولايات المتحدة وإسرائيل تعيش في حالة صدمة بسبب الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل والفشل الذريع لهذه الأخيرة في إدارتها للحرب وخسارتها للحرب الإعلامية وحرب السرديات، مما قد يتسبب في تغيرات سياسية واستراتيجية لم تكن في حسبان الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. فقد وصلت حالة الصدمة التي يعيشها الأمريكيون والإسرائيليون إلى مستوى الهستيريا لدرجة أن مختلف وسائل الإعلام وبعضاً من مراكز الأبحاث الأمريكية طلبت من مستخدميها الانحياز بشكل كلي لإسرائيل وعدم التفكير في نشر أي تقارير أو مقالات تنقل وجهة الرأي الآخر. بل ذهبت بعض وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، حسبما استقيته من حديثي مع بعض موظفيها، إلى تهديد كل من حاول إظهار نوع من الموضوعية في تغطيته للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بالطرد. كما تحركت بعض الجهات في الكونغرس لإلغاء التأشيرة لكل من ثبت دعمه لحركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي أو نشر تعليقات من قبيل أنها حركة مقاومة مسلحة أو أن من حقها الدفاع عن أرضها من خلال اللجوء إلى الكفاح المسلح. وفي معرض ردها على رسالة استفسار من السيناتور ماركو روبيو الذي كان وراء هذا الاقتراح، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن القانون يخول لها القيام بإلغاء التأشيرات في حال حصولها على دلائل تثبت دعم الأجانب المتواجدين في أمريكا لجماعات تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية. وقد سار وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس في نفس الاتجاه، حيث أكد على إمكانية أن تقوم وزارته بإلغاء التأشيرة لكل من ثبت دعمه لحركة حماس.
وبالتالي، من غير المستبعد أن تشهد الأيام أو الأسابيع القادمة محاولات أخرى، سواء من واشنطن أو من تل أبيب، للضغط على المغرب أو ابتزازه من خلال استعمال ورقة الصحراء المغربية أو أوراق أخرى. وعلى المغرب أن يضع هذا السيناريو في الحسبان، وأن يستعد للتعامل معه.
ضرورة تقييم شامل للعلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية
بناءً على ذلك، ربما حان الوقت ليقوم المغرب بإعادة النظر بشكل شامل في كيفية تدبير علاقاته، سواء مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة. ولعل أولى خطوة ينبغي القيام بها في المستقبل المنظور هي خفض مستوى التواصل والتفاعل مع الحكومة الإسرائيلية. إن عالم ما بعد هذه الحرب لن يكون كعالم ما قبل السابع من أكتوبر. فقد أماطت هذه الحرب اللثام عن الكثير من الحقائق، التي ربما تم طمسها في السابق أو تناساها البعض بسبب خفوت نجم القضية الفلسطينية ونجاح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في الحفاظ على الوضع القائم دون خروجه عن السيطرة. إن أهم حقيقة أظهرتها هذه الحرب أن إسرائيل دول مبنية على سفك دماء الشعب الفلسطيني وهضم حقوقه وطمس هويته، وأنها دولة مبنية على التطهير العرقي والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين. كما أظهرت أن لهذه الدولة- التي تعتبر الخادم الأول للمصالح الغربية في المنطقة العربية- طموحات توسعية تفوق بكثير الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وقد ظهر ذلك من خلال الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي طفى على السطح في الآونة الأخيرة، والذي أظهر أن الأهداف الجيوستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة مبنية على نظرة فوقية للإسرائيليين، وعلى استعمالهم نصوصا دينية لتبرير سياسة القتل الجماعي للفلسطينيين وأهدافهم التوسعية.
كل هذه الحقائق تستلزم وقفة تأملية من قبل الجهات السياسية وكل الجهات الحية في المغرب للوقوف على الخطوات التي ينبغي للمغرب القيام بها في المستقبل للحفاظ على استقراره وعلى خصوصياته الثقافية والسياسية والدينية، باعتباره دولة لها باع طويل في الدفاع عن حقوق الشعوب المستضعفة، وكذلك في الدفاع عن مقدسات المسلمين، وفي مقدمتها القدس الشريف المحتل. وعلى الرغم من بعض المغريات التي يروج لها البعض بخصوص الفوائد التي قد يجنيها المغرب من تعزيز علاقاته مع إسرائيل، خاصةً فيما يتعلق بالجانب التكنولوجي والعسكري والأمني، فإن استمرار المغرب في نفس النهج الذي اتبعه في علاقاته مع إسرائيل قد يتسبب له في أضرار جسيمة على سمعته الدولية. فلا ينبغي بأي شكل من الأشكال ولا تحت أي ذريعة أن تستمر دولة مثل المغرب- التي عانت من ويلات الاستعمار والاحتلال والتقتيل والترهيب على يد قوى الاستعمار- في تعزيز علاقاتها مع دولة استعمارية تتمادى في خرق كل المواثيق الدولية، وأثبتت للعالم بشكل مفضوح بأنها دولة لا ترتكز على أي من القيم الإنسانية التي يؤمن بها الشعب المغربي، والتي تعتبر الأساس الذي بنيت عليه الدولة المغربية منذ 12 قرناً.
من جهة أخرى، ينبغي للصحافة والمجتمع الأكاديمي وكل الفاعلين السياسيين بالمغرب الحرص على تفنيد ودحض الادعاءات التي تنشرها بعض الأقلام في بعض مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية بأن التعاون الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل ذو أهمية قصوى بالنسبة للأمن القومي المغربي وللحفاظ على استمرارية النظام الملكي. إن هذا الخطاب يسيئ إلى سمعة وكفاءة الكفاءات المغربية التي تعمل في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، والتي يعود لها الفضل، وليس لغيرها، ليس فقط في الحفاظ على استقرار المغرب، بل كذلك في الحفاظ على أمن العديد من البلدان الأوروبية، التي نجت من وقوع العديد من الهجمات الإرهابية في ترابها بفضل كفاءة الأجهزة الاستخباراتية المغربية. فكيف يمكن لبلد فشل فشلاً ذريعا في التنبؤ أو التصدي للهجوم التي تعرض له يوم 7 أكتوبر وفي تحقيق أي مكاسب عسكرية في العدوان الوحشي الذي شنه على الشعب الفلسطيني أن يكون هو الحامي أو الضامن لاستقرار المغرب أو لأمنه القومي. فكما أكد على ذلك العديد من الخبراء العسكريين والأمنيين، فقد أدى الضعف والوهن اللذين أبانت عنهما الأجهزة الاستخباراتية والأمنية العسكرية الإسرائيلية منذ هجوم السابع من أكتوبر إلى انهيار كل الأساطير التي روجت لها وسائل الإعلام الغربية في السابق بخصوص كفاءة وجسارة وكالات الاستخبارات الإسرائيلية.
كما أن هذا الخطاب يحمل إساءة للمؤسسة الملكية المغربية ويصورها بأنها مؤسسة بعيدة عن الشعب، وأنها لا تتمتع بأي مشروعية سياسية أو تاريخية أو دينية. فبسبب ضعف فهم الكثير من الخبراء المهتمين بالمغرب للنظام السياسي المغربي ولتاريخ البلاد ولصورهم النمطية عن الأنظمة الملكية في باقي البلدان العربية، فإنهم يميلون إلى وضع كل الأنظمة الملكية العربية في نفس الخانة، ويتجاهلون الخصوصيات السياسية والتاريخية لكل بلد على حدة. وهنا ينبغي التأكيد على أنه، خلافاً لبعض الملكيات التي تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي بفضل الدعم البريطاني- والتي لا تزال في حاجة للدعم الأمني والعسكري الأمريكي والإسرائيلي لضمان استمراريتها- فإن النظام الملكي المغربي يستمد قوته ومشروعيته التاريخية من تعلق الشعب المغربي بنظامه الملكي، وبالإجماع الشعبي الراسخ بأن الملكية هي الضامن لاستمرارية البلاد والحافظ الأمين على استقرارها واستقلالها.
كما ينبغي للطبقة الأكاديمية ووسائل الإعلام المغربية التصدي لكل الأصوات والأقلام التي تحاول إقناع الرأي العام المغربي بأن تعزيز المغرب لعلاقاته مع إسرائيل سيساهم في تسريع وتيرة إنهائه ملف الصحراء المغربية، خصوصا أن هذه القراءة تقلل من الكفاءة والمرونة منقطعتي النظير اللتين أبان عنهما المغرب ودبلوماسيته على مدى العقود الخمسة الماضية للحفاظ على سيادته الفعلية على الصحراء. فقد أبانت الدبلوماسية المغربية عن مرونتها في تجاوز كل الصعوبات التي واجهها المغرب خلال العقود الخمسة الماضية من خلال القدرة على التأقلم مع كل المتغيرات وعلى ربح الوقت من أجل ربح نقاط إضافية في حرب الاستنزاف الدبلوماسية التي فرضها عليها النظام الجزائري. فعلى سبيل المثال، خلال السنوات التي سبقت الاعتراف الأمريكي، نجح المغرب في تفكيك محور أبوجا- الجزائر- بريتوريا من خلال تقاربه مع نيجيريا. كما نجحت البلاد في تحييد أجندة التحالف المؤيد للبوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي بعد عودة الرباط إلى هذه المنظمة عام 2017. كما نجح المغرب في دفع مجلس الأمن إلى تبني مقاربة جديدة وأكثر واقعية في تعامل الأمم مع نزاع الصحراء. فمنذ اعتماد القرار 2440 عام 2018 ركز مجلس الأمن بشكل أكبر على ضرورة عمل الأطراف من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ومقبول لكل الأطراف على أساس التوافق. والأهم من ذلك أن المجلس بدأ يذكر الجزائر كطرف يجب أن يشارك بشكل مباشر في أي مفاوضات تؤدي إلى حل سياسي، مما يعني أنه لا ينبغي اعتبار الجزائر بعد الآن مراقبا، بل طرفا كاملا في الصراع. وقبل كل هذه الإنجازات، يحسب للدبلوماسية المغربية قدرتها على الصمود- خلال الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة في مارس 2016 عقب زيارة بان كي مون لمخيمات تندوف- أمام كل الضغوط التي مارستها عليها الولايات المتحدة ودول مؤثرة أخرى من أجل دفعها إلى إعادة النظر في قرارها بطرد 75 عضوا من المكون المدني لبعثة المينورسو.
وهنا ينبغي التأكيد على أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء- الذي لن تتراجع عنه أمريكا في كل الأحوال- لم ولن يساهم في حل الملف لصالح المغرب في المستقبل المنظور، وأن هذا الاعتراف لن يكون بأي شكل من الأشكال بمثابة ضربة قاضية للجزائر، بل أعطى نفساً جديداً ربح المغرب من خلاله نقاطاً إضافية ساعدته على تعزيز موقفه الدبلوماسي. فطالما لا يزال ملف الصحراء في أروقة الأمم المتحدة، وطالما للجزائر القدرة على المناورة وإقناع بعض الأطراف المؤثرة بوضع العراقيل لإنهائه، فإن السبيل الوحيد أمام المغرب لربح الرهان هو العمل على كسب نقاط إضافية جديدة لإنهاك الجزائر وإضعاف موقفها الدبلوماسي وإجبارها في آخر المطاف على الجلوس لطاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم. وكلما عمل المغرب على تنويع شراكاته الاستراتيجية وعلى تعزيز القدرة التنافسية لاقتصاده ولنفوذه السياسي على المستويين الإقليمي والدولي وكذلك تقوية نسيجه الاقتصادي، كلما اقتنعت دول مؤثرة أخرى بضرورة تبني موقف يدعم المغرب في حماية مصالحه. وكلما تعزز نفوذ المغرب على المستويين الإقليمي والدولي، كلما ارتفعت الكلفة السياسية والاقتصادية للدعم الذي تقدمه الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية.
وفي هذا الصدد ينبغي التأكيد في الخطاب السياسي المغربي على عدم وجود أي ارتباط بين قرار المغرب استئناف علاقاته مع إسرائيل وقضية الصحراء المغربية. فخلافاً لما قامت به الإمارات العربية المتحدة والبحرين، اللتين أقامتا علاقات دبلوماسية كاملة على مستوى السفراء، فإن ما قام به المغرب في شهر دجنبر 2020 هو العودة لنفس مستوى العلاقات التي جمعت بين البلدين خلال الفترة ما بين 1994 و2000. وليس في صالح المغرب أن يتم الربط بين قضيته العادلة وموقفه المدعوم بحجج تاريخية وقانونية راسخة، واستئناف علاقاته مع دولة ضالعة في احتلال الأراضي الفلسطينية وفي انتهاكات صارخة ومستمرة لكل المواثيق وقرارات الشرعية الدولية. بل ما ينبغي القيام به هو ربط مسألة تعزيز العلاقات بين المغرب وإسرائيل بمدى إظهار هذه الأخيرة لنواياها الحسنة تجاه الشعب الفلسطيني ونيتها في الامتثال لكل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، التي تنص على تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره وفي بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس. كما ينبغي التأكيد على أنه مهما بلغ مستوى العلاقات بين البلدين، فإن المغرب يحتفظ باستقلاليته في التعبير عن رفضه الكامل لكل انحراف إسرائيلي عن الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي عن طريق حل الدولتين.
أما بخصوص الجانب الأمريكي، فينبغي للمسؤولين المغاربة التأكيد على أن حرص المغرب على تعزيز علاقاته العسكرية والأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة لا يعني أنه قرر أن يصبح ضيعة أمريكية أو أن قراراته الاستراتيجية أصبحت مرهونة بالمصالح الأمريكية أو بالقرارات التي تتخذها الإدارات الأمريكية. كما ينبغي التأكيد على أن المغرب لا يقبل المساومة بخصوص قضيته الترابية ولا استعمالها كورقة ضغط من أي طرف. وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الراعي الرسمي لإسرائيل والمدافع عن مصالحها في المنتظم الدولي، فينبغي كذلك التأكيد على أن تعزيز المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل لتصبح على مستوى السفراء رهين بمدى وقف هذه الأخيرة لسياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية وفي القدس الشريف المحتل، وبوضع حد للحصار الذي فرضته على قطاع غزة، وإبداء نية واضحة في الدخول في جولات جدية من المفاوضات بغية تعبيد الطريق أمام التوصل إلى حل الدولتين بناءً على مبادرة السلام العربية لعام 2002. وهو ما يعني أن على إسرائيل الانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب يونيو 1967، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشريف والجولان السوري المحتل والأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان، بالإضافة إلى التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، تماشياً مع قرار الجمعية العامة رقم 194 لعام 1948. كما ينبغي تنبيه الطبقة السياسية في واشنطن أنه مهما فعلت من أجل الحفاظ على الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، ومهما فعلت من أجل الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، فإن هدف تحقيق أمن إسرائيل وضمان عيش مواطنيها في سلام مستدام يظل سراباً في غياب ضمان حق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهة أخرى، هناك حاجة ملحة لتنبيه المسؤولين الأمريكيين إلى ضرورة تغيير بعض الصور النمطية عن المشهد السياسي المغربي. وفي هذا الصدد ينبغي التأكيد على أنه إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر الدفاع عن أمن ووجود إسرائيل خياراً استراتيجياً مرتبطاً بالأمن القومي الأمريكي، فإن دفاع المغرب عن حق الشعب الفلسطيني في الذود عن أرضه في بناء دولته المستقلة له ارتباط وثيق بالأمن القومي المغربي، سيما أن كل أطياف الشعب المغربي تدعم القضية الفلسطينية، ولها ارتباط وجداني وثيق بتلك الأرض. كما ينبغي التأكيد على أنه خلافاً لما تروجه بعض الأقلام وبعض المنابر الإعلامية الغربية، فإن ما يضمن استمرارية النظام الملكي وما ضمن استمراريته خلال 12 قرناً ليس هو التعاون الأمني بين المغرب وإسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، بل هو الارتباط الوثيق بين الملك والشعب المبني على روابط البيعة الدينية التي تعتبر أساس الحكم. وبالتالي، فإن المواقف التي تعبر عنها الدولة المغربية ما هي إلا ترجمة لنبض الشارع المغربي الذي ينصت إليه عاهل البلاد، والذي يأخذه بعين الاعتبار عند صياغة مواقفه السياسية بخصوص هذه القضية أو مختلف القضايا السياسية الأخرى.