مسرحية “جنون الحمائم”
مسرحية “جنون الحمائم”
تأليف وإخراج عواطف نعيم
مهرجان المسرح العربي الدورة 14، بغداد، 2024.
بقلم: رشيد بلفقيه.
ينتهي العرض المسرحي قبل أن تستعيد الروح هَدأتها، تَعلَقُ شخصياته في الفوضى الشّرسة بعد إجهازها -نتيجة “سوء تفاهم”- على ذلك الغريب الذي لم يكن في الحقيقة غريبا بالمرة،
ينتهي العرض، لكن لا ينتهي قطعا أثره …
يفرّ الفكر المضطرب إلى القلم ليكتب، ليتخلص-ربما- من شيء من ذلك الوعي الشقي الذي تدفق منه، وحوله، ومن أماكن متعدّدة فيه، فينزف بصعوبة قائلا:
“إنها تمطر موتا، وخرابا في هذا العالم اليابس …
إنها تمطر جثتا بالغلط، وعن سبق إصرار وترصد،
إنه الموت في كل مكان …
الأرواح باتت عمياء، والحواس كلما استيقظت تجد نفسها تتعثر بين غلطة، وقسوة، وتتلجلج بين القلب والخاصرة، والهذيان، والأرقام، والعمى المجنون الذي لم يعد يدرك أين مقامه، أ في الماضي، أم في الحاضر المحاصر بأشواك الذاكرة، أم في البصر أم في البصيرة، أم في الطرقات المُرّة التي تُتعِب الخطوات بلا طائل، أم في أعشاش الحمائم حيث من المفترض أن ينبث في الأمل؟
لا جواب …
تسرق السنواتُ العمر، ولا توصل إلى أي مكان، فالأسوار تكبر وتكبر، وتفرق بين المرء ونفسه، وأهله وذويه.
في هذا العالم الغريب، وفي هذا الواقع المرير، قد يموت المرء لأنه لم يغادر في الوقت المناسب، وقد يموت لأنه جاء قبل موعده بدقائق، وقد يموت بالغلط على يد أقرب الناس إليه بعد أن مُحيت ملامحه في زحمة الفوضى، والأعطاب، والأسفار غير المتوقعة، أو بعد أن يفقد رائحته، ولكنته وأُلفة الحضور بين القبيلة والعشيرة.
وقد يموت لأنه اختار التوقف في المحطة الخاطئة، وقد يموت لأنه وقع في سراب الحب في زمن ضرير ضُبطت عقاربه على نبض الحرب.
في واقعنا العربي، ما أصعب ما يعيشه هذا الكائن المعاصر، المحاصر، العالق بين مطرقة الواقع وسنديان الذاكرة المليئة بالحروب، والدموع والدم والأشلاء، ما أصعب أن يتشبت بجذوره ويحلم بالسلام والأمان، فلا أمان حتى في عقر الدار، حيث تتسرب الأغلاط القاتلة لتفتك بأدق التفاصيل”.
انتهى العرض المسرحي هذا أكيد،
لكن لم تنته قطعا تلك المشاعر العظيمة التي فجٌرها،
فسلاما للحمائم…