ثقافة وفنون ومؤلفات

عرض “اكستازيا”

عرض “اكستازيا”
تأليف وإخراج ياسين أحجام
الصور لنور القيصر
بقلم: رشيد بلفقيه.
يروي العرض المسرحي “أكستازيا” قصة زوجين على طرفي نقيض، ثالثهما الشيطان، الزوج آدم الذي لا حلم له إلا بطفل يتحقّق عبر امتلاكه اكتمال زواجه، هو الذي أُنزل من جنّته بعد أن أصيب بالاكتئاب خطيئته التي لا تغتفر، والزوجة ليليت الأم الشريرة في الأسطورة، لكن الفنانة التشكيلية في العرض التي تحب الغناء، والرقص، والموسيقى الصاخبة، والتي تحاول بكل السبل ترميم علاقتها بزوجها وفقا لطرائقها إنقاذا لزواج مهدد بالانهيار، محاولةً جرّ ذلك الزوج إلى عالمها، ولو بجعله يدمن على حبوب الاكستازي، لكن الزوج يظل متشبثا بعوالمه السوداوية، لكن الصادقة -على الأقل- والمضمونة بالنسبة إلى معاييره، عوالمه التي لا نفاق فيها، وفي تلك التفاصيل التي تشكل الشخصية الدرامية لكل منهما يجد الشيطان المرتع والسبيل سالكا لتأجيج الخلافات، وتأزيم العلاقة، وصولا إلى النهاية التراجيدية بتدميرهما معا، بجعلهما يجدان السير في سبل شتى لا يعرفان نهايتها وكأنهما صورة لذلك الكائن الحائر التائه الذي رسمه إيليا أبي ماضي حين قال:
“جئت لا أعرف من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت”
تبرز المسارات بوصفها التيمة الرئيسية للعرض، فكل من الزوج والزوجة يملك مسارا منفصلا عن الآخر، فهي الحالمة بالحرية المتطلعة على مزيد من الشغف بالحياة، وهو السوداوي المتشدد المتأثر بنيتشه المتطرف، ويتحدد تعقد تلك المسارات وتشابكها منذ بداية العرض بتوظيف بلاغي للإضاءة بجعلها تتجاوز وظيفتها التقريرية المحددة في الإضاءة لتؤدي وظيفة مجازية تحدد لكل منها سبيلا يسير فيه، ثم سبلا متقاطعة، ومتشابكة، يزيد حمل كل منهما لحقيبة السفر من تأكيده، يظل الزوجان يترددان في تلك السبل، وحتى عندما يسيران معا تظل المسافة بينهما متباعدة، ويزيد بروز أثر المسارات في حبكة العرض عندما يسلم إبليس للمرأة مجموعة من الأحذية الجديدة كناية عن الطرق التي لم تسر فيها بعد، تلك التي بإمكانها أن تسير فيها وحدها إن هي تجرأت على ارتكاب الخطوة التي تخلصها من ذلك الزوج المكتئب، طرق مليئة بلا شك بالإثارة والحب، يحيل عليهما اللون الأحمر لتلك الأحذية بوصفه لون الحب والإثارة …
في مضمر العرض نتساءل، أ تنحت الخطى مساراتها في الطرق بقوة التكرير كما تفعل سيول الماء؟ أم تحدد السبل للخطى مساراتها بشكل مسبق؟ أتلين القلوب وتتآلف بالمعاشرة والسير قرب بعضها أم تزداد حدة الخلافات والاختلافات بكثرة المعاشرة؟ ثم هل يصلح الحب ما يفسده الشيطان المرير
في العرض، في أثر الخطى التي لا ترحم، يتجسد صدى القصيدة الخالدة لدرويش، تلك التي تحدد مصير الكائن الذي خلق ليسير نحو مصيره، حتى كأننا نسمع همسا، يزاحم المعزوفات الصاخبة التي رافقت العرض ليردد:
“أنا للطريق … هناك من تمشي خطاه
على خطاي، ومن سيتبعني
إلى رؤياي”.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى