أخبار

صدور كتاب سوسيولوجيا التربية : إضاءات نقدية معاصرة

صدور كتاب سوسيولوجيا التربية : إضاءات نقدية معاصرة .

تأليف الدكتور علي أسعد وطفة عن مركز نقد وتنوير- الكويت – يناير 2024 .
تَقُولُ الحِكْمَةُ القَدِيمَةُ إِنَّ الأَمْواجَ الهادِئَةَ لا تَصْنَعُ بَحّاراً ماهِراً، وَأَنَّ قَدْرَ البّحارِ المُحَنَّكِ أَنْ يُواجِهَ الأَمْواجَ العاتِيَةَ. وَفِي ضَوْءِ هٰذِهِ الحِكْمَةِ رَأَيْنا أَنْ نَضَعَ أَنْفُسَنا وُقُرّاءَنا فِي مُواجَهَةٍ حقيقية مَعَ أَكْثَرِ مَفاهِيمِ عِلْمِ الاِجْتِماعِ التَرْبَوِيِّ صُعُوبَةً وَتَعْقِيداً ولاسيّما فِي زَمَنِ الحَداثَةِ وَما بَعْدَها. وَإِذا كانَت مُعْظَمُ الكُتُبِ الجامِعِيَّةِ المُقَرَّرَةِ فِي عِلْمِ الاِجْتِماعِ التَرْبَوِيِّ تَتَجَنَّبُ التَطَرُّقَ إِلَى الجَوانِبِ الخَفِيَّةِ لِلظَواهِرِ التَرْبَوِيَّةِ، وهي َقَلَّما تَبْحَثُ – إِذْ تَبْحَثُ – فِي مَجاهِلِها، وَنادِراً ما تَخُوضُ – إِذْ تَخُوضُ – فِي مَتاهاتِها أَوْ تُلامِسُ أَعْماقَها ، وجب علينا وَضْعُ هٰذا الكِتابِ لِلبَحْثِ فِي أَكْثَرِ قضايا عِلْمِ الاِجْتِماعِ ومفاهيمه الإشكالية المستعصية صُعُوبَةً وَتَعْقِيداً، فَخِضْنا فِي مَفاهِيمِ الاِغْتِرابِ وَالاِسْتِلابِ وَالأيديولوجيا وَالرَمْزِ وَالرَمْزِيَّةِ وَالرادِيكالِيَّةِ وَصِراعِ الطَبَقاتِ وَالمَناهِجِ الخَفِيَّةِ وَالحُرِّيّاتِ الأَكادِيمِيَّةِ ، وَغَيْرِ ذٰلِكَ مِن المَقُولاتِ الكُبْرَى الأَساسِيَّةِ الَّتِي تُعْتَبَرُ ضَرُورَةً حَيَوِيَّةً لِكُلِّ فَهْمٍ حَصِيفٍ فِي عِلْمِ الاِجْتِماعِ تَحْدِيداً وَفِي مُخْتَلِفِ مَجالاتِ العُلُومِ الإِنْسانِيَّةِ، عَلَى وَجْهِ العُمُومِ.
نبارك لأنفسنا وقرائنا والمهتمين صدور كتابنا الجديد سوسيولوجيا التربية : إضاءات نقدية معاصرة عن مركز نقد وتنوير للدراسات والبحوث الإنسانية في بداية هذا العام الجديد 2024 . يقع هذا الكتاب الجديد في 700 صفحة من القطع الكبير . ويأتي هذا العمل المتواضع ليضع بين أيدي طلبتنا وقرائنا صورة علميّة لمناحي هذا الفرع العلميّ واتّجاهاته. وهي محاولة نأمل لها أن تكون أكثر غنى وتطوّراً من المحاولات السابقة الّتي سجّلت في هذا الميدان. واقتضانا إعداد ذلك العمل أن نتجوّل في الحقول العالميّة لذلك الاختصاص، وأن نسعى إلى أن نختار من كلّ حقل باقة جميلة من معطياته وثماره آملين أن نقدّم للقارئ الكريم ما يلبّي بعضاً من تطلّعاته العلميّة في مجال اجتماعيّات التربية.
ولقد حاولنا في إطار هذا العمل أن نجمع بين أمرين أساسيّين وأن نحقّق بينهما التّكامل، وهما: أن يكون ما يُعرض في الفصول والأطوار المتلاحقة قادراً على تلبية حاجة الطلبة في مراحل دراستهم الجامعيّة من جهة، ومن جهة أخرى حرصنا على أن يجد فيه القارئ المتخصّص بعض ما يَحفزه لتطوير ما جاء في مقولاته من أفكار وآراء.
ونحن نطمح إلى أن يؤدّي هذا الجهد المتواضع غايته في تعريف القارئ بمجالات علم الاجتماع التربويّ المتعدّدة، وبالمسائل المستجدّة الّتي يطرحها في خصوص العلاقة بين المجتمع والتربية، كما نأمل أن نسلط الضوء على ملامح التوجّهات المنهجيّة والاتّجاهات النظريّة الجديدة لذلك الفرع العلميّ، سعياً إلى المشاركة العلميّة في بناء الوعي الاجتماعيّ التربويّ في الوطن العربيّ الكبير.
يركز القسم الأوّل من الكتاب على تقديم علم الاجتماع في سياق التيّارات الفكريّة السوسيولوجيّة منذ لحظة التأسيس حتّى يومنا هذا. ويشمل هذا العرض تعريفاً بالنظريّات السوسيولوجيّة الكبرى وتطوّراتها الّتي تتمثّل في الوظيفيّة والماركسيّة والفيبريّة والصراعيّة والرمزيّة، وغيرها من التيّارات السوسيولوجيّة الكبرى. ويتسم هذا التناول بالطابع النقديّ للمنهجيّات والنظريّات والأصول الفكريّة والأيديولوجيّة لهذه التيّارات الفكريّة. وقد خصّصنا القسم الثّاني لقضايا الديمقراطية وتكافؤ الفرص التعليمية ويشمل قضايا الديموقراطية التربوية، وتكافؤ الفرص التعليمية، والاصطفاء التربوي. ويتناول القسم الثالث قضايا الاغتراب والمناهج الخفية في المدرسة، ومفهوم الاغتراب التربوي، والمظاهر الاغترابية في التنشئة الاجتماعية العربية. أما القسم الرابع فيبحث في قضايا الأيديولوجيا والتربية والدور الاستلابي للتلقين والعنف الرمزي في المدرسة. ورُصد القسم الخامس للبحث في قضايا التعليم العالي، ولاسيما في الجامعات العربية ويتضمن ثلاثة فصول هي: تكافؤ الفرص الأكاديمية في جامعة الكويت والحريات الأكاديمية في الجامعات العربية، والجامعات العربية في معترك الثورة الصناعية الرابعة. أما القسم السادس فقد كرّس لرصد بعض المفاهيم والقضايا الأساسية في علم الاجتماع التربوي ولاسيما سوسيولوجيا الثقافة واتجاهات التنشئة الاجتماعية والاغتراب الإعلامي في الفضاء الرقمي.
وأخيرا يعالج القسم الأخير ثلاثة نماذج ريادية في علم الاجتماع التربوي تمثلت في ثلاثة فصول هي النزعة الاجتماعية عند دوركهايم، والصراع الأيديولوجي في المدرسة عند بيير بورديو، وصدمة المستقبل عند آلفين توفلر. وقد حرصنا في سياق هذه الأقسام جميعها على تناول أهمّ المشكلات والتحدّيات والقضايا الاجتماعيّة التربويّة الّتي يعالجها علم الاجتماع التربويّ في ضوء النظريّات والاتّجاهات السوسيولوجيّة التربويّة المعاصرة.
وقد تركز جهدنا في هذا الكتاب على تقديم صورة متكاملة لمختلف القضايا الرئيسية التي يتناولها علم الاجتماع التربوي وذلك بطريقة يتجلى فيها هذا العمل بوصفه بنية واحدة تجمع بين الفروع والأصول والقضايا والإشكاليات كما بين النظريّة والواقع بطريقة نقديّة يتمّ فيها استكشاف نسيج العلاقات القائمة بين التربية والمجتمع في ضوء النظريّات التربويّة والسوسيولوجيّة المعاصرة. وغني عن البيان أننا نهتدي في هذا العمل بالتوجيه الذي تفرضه الأسئلة الجوهريّة الّتي ينبغي لعلم الاجتماع التربويّ أن يطرحها في هذه المرحلة التاريخيّة الخطرة في مسار تطوّر المجتمعات الإنسانيّة المعاصرة، وما يرتبط بها من حداثات جديدة وتحديات صعبة تفيض بالوعيد والوعود على حدّ السّواء. وأخيرا نأمل لهذا العمل أن يؤدي دوره العلمي في تنمية الوعي السوسيولوجي التربوي في العالم العربي والمساهمة في رفع المنسوب النقدي للفكر السوسيولوجي العربي المعاصر.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى