واد زم : نخب الذكريات
ابو ريحانة محمد صمري
أحيانا تنبلج من شقوق الزمن منابع ضوء الذكريات فتفتح في اجسادنا مداخن الجراح، لتسترد قامتها وتخرج من زاويا الصمت،فتسامر أنينها بعيدا ،وتلهج فينا باسم الامكنة وبمن رحلوا في ثياب الحداد ، لتلفنا وتنفينا في نسغها،فنتوسد خاصرة الألم ونقطف جروحا من حقول وأنهار
الذكريات، فنتودد إليها عسى أن تؤجل هذا الوجع العابس….
اليوم في هذا المساء الشتوي أشتم مرارة الأيام الهاربة من أقبية الفرح ،وفتحت ذاكرتي لألوب أمام حفرة هذا الفران بعد انزلاق أربعين سنة مقفرة وناشزة،…..تذكرت صوت العجائز القادمات من الأزقة الواطئة المتربة وهن يحملن الواح الخبز، تذكرت الكثير من شباب الحومة الذي ابتلعهم البحر حين كانوا يثرثرون ويتحششون على عتبة هذا الفران تحت جنح ظلام طامس ويستمتعون بالكلام البدئ مزهويين، بأنفسهم ، تذكرت معارك القطط في هزيع الليل تحت أكوام الاعواد وزحف العقارب من حواشي دلاء الرماد …تذكرت الحارس الليلي با علي وهو يحمل سطل الجمر ، تذكرت سي ميلود بوجهه الشاحب الذي ينتمي إلى الموتى ،كانت حفرة
الفران جنته وجحيمه انهزم في داخله كل شئ جميل ……
فجأة خرجت من جسدي الذي تجاذبته شرنقات الثمالة وألقيت بنفسي في تلك الحفرة الدافئة وغازلت المطرح والالواح والخبز والمناديل المضمخة براويح (الخميرة البلدية ) كما فعلنا ذات زمان تطوعا …..إنه نخب الذكريات المرير الذي لن
تمحوه هطل وإن شطت بنا السبل في دروب لم تهواها سيقاننا بعيدا عن حومة القريعة التي استمطرت الكثير من العشق والمهج في نفوسنا والساكنة على الدوام في بارود الحب الذي لا تُمزق دواوينه أبدا. ..
محمد صمري: