أزعم أننا نعيش -كمجتمع- أزمة فكرية حقيقية تتمثل في عدم قدرتنا على فهم بعضنا البعض وبالقدر الذي يجعلنا نؤمن بأحقية كل منا في طرح رؤيته للأشياء انطلاقاً من مرجعيتنا الفكرية التي تشرّب كل منا بها. من هنا تعرض بعضنا، والمعنيون بالشأن الفكري تحديداً إلى جملة من الاتهامات المجانية من أناس لا همَّ لهم إلا توزيع التهم والتصنيفات، ومحاولة مصادرة حق الآخرين في إبداء ما يرونه ضرورياً للارتقاء بمجتمعهم، والذي يدخل في صلب رسالتهم و.. لا وصاية على أولئك الناس الذين يخالفوننا الرأي.. فهذا حقهم، ولكن دحراً واستهجاناً لمبدأ التصنيف كأن يُقال: إن فلانا من الكتّاب (…)، وآخر (…) وثالث (….) !ولعل من المهم، بل والمهم جداً أن تتسع رؤيتنا للأمور، فنؤمن بأن الاختلاف هو سنة الحياة، وهودليل إيجابي على حرص كل منا على أن يقدم ما يراه متوائماً مع توجهاته لخدمة هذه البلاد، وخدمة الأجيال القادمة التي نرى أن من حقها علينا أن نصدقها القول باعتبار مستقبلها ومستقبل الوطن أمانة مقدسة في أعناقنا لا ينبغي أن نحيد عن معالجة ما نعتقد أنه حق ويتفق مع تطلعاتنا كشعب ينشد الارتقاء، ويرنو إلى أن يدخل العصر الجديد وهو متسلح بالأدوات اللازمة التي تخلق منا أفراداً منتجين، قادرين على التعامل مع متطلباته.ولعل من المفيد أن نتعلم الدروس الحقيقية التي عن طريقها يمكن أن نشكل رأياً حضارياً قادراً على الصمود في وجه التحديات المعاصرة، فلم يعد من المنطقي أن نتشبث بنظرية (المؤامرة)، والتقوقع فيها بل والعوم ضد التيار، والتي تؤدي إلى أن تشكل منا (طابوراً) هامشياً يعيش خارج الزمن وخارج الجغرافيا.. فنحن شئنا أم أبينا نعيش مع الآخرين في عالم واحد، ينتصر فيه المؤمنون بحقهم في الوجود، وحقهم في المنافسة عن طريق الإنتاج المتميز، والإقناع الواعي لا غير.ولعل من عاداتي السيئة ربما، عدم الإذعان لمن يحاول أن يجرني إلى مستنقع الجدل (البيزنطي) أو الحوارات (السفسطائية والحق أنني أعجب من أولئك الذين يشترون المطبوعات المختلفة لا للاستفادة أو الاطلاع، ولكن لمحاكمة «النوايا».. الذين هم مواطنون مؤمنون، يحبون وطنهم.. لنا أن نقبل منهم ونرد عليهم بموضوعية و«حسن ظن».. فالكلمة أمانة، والخلاف في الرؤى لا يعني الاختلاف في الهدف الأسمى.. خاصة فيما يتعلق بثوابتنا وقيمنا...المطلوب منا كمجتمع متحضر يؤمن بحتمية التغيير والإصلاح في كل المعوقات التي تعترض مسيرة التنمية والازدهار.. أن نتفق على أنه ليس من حق أحد الوصاية على أحد .. وعلينا أن نعي أن مساحة الرأي تتسع لكل الطروحات المخلصة التي تهدف إلى مصلحة المجموع، كما أن فضيلة الحوار المفضي إلى الحقيقة باتت مطلباً ملحاً وضرورياً للخروج من ربقة الأحكام الجاهزة، والأفكار المبتسرة، من هنا كان لزاماً علينا أن نتعامل مع الآخر وفق منظور حضاري لا يلغي أحد معه أحداً، بل يجله ويُقدّره، ويؤمن بحقه في مخالفته.. فالاختلاف قيمة متطورة ما أحوجنا إلى أن نتعلمها ونؤمن بها!!