صفقة الإمارات وما تحمله من أبعاد على العلاقات العربية الإسرائيلية
نشر موقع “The Conversation” مقالة تم فيها تسليط الضوء على الأبعاد الكامنة وراء توقيع اتفاق التطبيع الأخير بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. ويرى صاحب المقالة سيمون مابون، وهو أستاذ العلاقات الدولة بجامعة لانكستر البريطانية، أن هذه الاتفاقية لا تعدو عن كونها زوبعة في فنجان وضعٍ قائم بين البلدين لا يحتاج إلا لوضع صبغة الطابع الرسمي عليه.
وسبق لإسرائيل والإمارات العربية المتحدة التوقيع مؤخراً على اتفاقية تاريخية بين الجانبين، لتكون بذلك الإمارات الدولة العربية الثالثة التي تعترف بإسرائيل بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994. وفي إطار الاتفاقية التي أطلق عليها اسم “اتفاقية ابراهام”، فقد علّقت إسرائيل خططاً مثيرة للجدل تقضي بضم الضفة الغربية. ومع ذلك، فقد اعتبر الكثير من الفلسطينيين هذه الاتفاقية كخيانة غادرة.
ويرى مابون أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية يحمل في طياته صبغة رمزية للغاية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيّما وأن الاتفاق يجعله واحداً من بين ثلاثة قادة إسرائيليين فقط تمكنوا من التوصل لاتفاق سلامٍ مع دولة عربية. ومنذ توقيع الاتفاقية يوم ١٣ أغسطس الماضي، بدأت موجة من النشاطات التي تستند على العلاقات القائمة بين الجانبين، بالإضافة إلى تشريع الأبواب لفرصٍ اقتصادية جديدة بشّر بها الكثيرون في اسرائيل والإمارات.
وبحسب مابون، فإن هذه الاتفاقية لا تحمل في طياتها سوى تغييرٍ بسيط، على الرغم من وصف البعض للاتفاقية على أنها “زلزال جيوسياسي”.
وبصرف النظر عن حالة الغضب الفلسطينية من توقيع الاتفاقية، فقد قوبل قرار الإمارات باستخفاف جماعي من قبل معظم دول المنطقة، ما يعكس على الأرجح ما وقع من تقلباتٍ على مستوى الأمن الإقليمي خلال السنوات الاخيرة. وقد يكون الأمر قد وصل ببعض الدول العربية إلى الشعور بالسرور والرضا عن الاتفاقية وعن سحب اسرائيل لتهديدها بضم الضفة الغربية.
ويرى صاحب المقالة أن حالة عدم الاكتراث هذه ليست مفاجئة. ففي أواخر عام ٢٠١٧ اعترفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وكان لوقوع مثل هذا الحدث أن يؤدي في السنوات السابقة لاحتجاجاتٍ واسعة النطاق ولصدور بيانات شجبٍ قوية من قبل القادة في المنطقة. إلا أن ما حدث مؤخراً، لم يؤدي سوى إلى خروج النذر اليسير من الانتقادات.
وإذا ما نظرنا بأثرٍ رجعي، فإننا سندرك السبب الكامن وراء توصيف إدارة ترامب ولا سيما صهر الرئيس ومساعده جاريد كوشنر للاعتراف بالقدس بـ “الخطوة الرمزية”. ويرى مابون أن هذه الخطوة جاءت في إطار سعي واشنطن الواسع لتشجيع إعادة تشكيل الاصطفافات في منطقة الشرق الأوسط، سيّما وأن إسرائيل وجدت نفسها بشكل متزايد في نفس الجانب مع الإمارات العربية المتحدة.
عدوٌّ مشترك :
العلاقات السرية بين إسرائيل والإمارات ودول الخليج قائمة منذ عقود – وهي مدفوعةٌ بمخاوف أمنية مشتركة بشأن إيران. بيد أن السنوات الأخيرة شهدت إقامة علاقات تطبيع غير رسمية بين إسرائيل وهذه الدول عبر عمليات التبادل الثقافي والسياسي والاقتصادي – وقد تكون دعوة إسرائيل للمشاركة في معرض إكسبو دبي ٢٠٢٠ أكثر هذه العمليات وضوحاً.
وعلى الرغم من تحسّن العلاقات منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها تسارعت مع بروز إيران كعدو مشترك للجانبين. واستمر التنافس بين السعودية وإيران على أجندة الأروقة السياسية الإقليمية منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979. وعلى الرغم من تقارب البلدين الواضح في السنوات العشر السابقة للحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية على الإرهاب، إلا أن الإطاحة بصدام حسين في العراق قد فتح جبهة جديدة على مستوى التنافس بين الجانبين.
وفي أعقاب غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، أصبحت التصرفات الايرانية في المنطقة عدوانية بشكل أكبر، ما أثار استياء قادة دول الخليج ونظرائهم الإسرائيليين. وفي الفترة التي قضاها محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران بين عامي 2005 و2013، كانت تصريحات حكام الخليج مماثلة في أغلب الأحيان لخطاب إسرائيل الداعي لتوجيه ضربات لإيران.
السياسة الواقعية :
شنت اسرائيل حرباً على جماعةٍ عربية وهي “حزب الله” في عام ٢٠٠٦، كما أنها لا زالت تفرض سيطرتها على المناطق الفلسطينية. إلا أن التحول الذي أحدثه إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة واسرائيل ضحّى ببعض المظالم الفلسطينية على مذبح السياسة الواقعية.
وبحسب مابون، فقد كانت التحالفات القائمة بين دول الخليج وإسرائيل مزدهرة على الدوام. وكشفت مراسلات ويكيليكس عن تطرق ملك البحرين حمد في عام 2006 إلى الحاجة لوجود “سلام حقيقي” مع إسرائيل لأن ذلك “يمكننا جميعاً مواجهة إيران”. ويرى الكاتب أن الاتفاقية الإسرائيلية – الإماراتية الجديدة قد لا تغيّر الكثير على مستوى بناء هذا التحالف القائم ضد إيران، لكنها قد تفتح الباب لتنافسٍ أوسع بين أطياف جماعة السنّة في المنطقة، لا سيما مع تركيا. يأتي ذلك في الوقت الذي بدأت فيه أنقرة بلعب دور أكثر حزماً في السياسية الإقليمية، لتضع نفسها في موقع الطرف الآخر المقابل لإسرائيل والإمارات العربية المتحدة من قضايا المنطقة، لا سيّما على مستوى ليبيا.
السعودية بدون توقعات :
يتوقع الكثيرون أن تحذو البحرين والمغرب وسلطنة عُمان حذو الإمارات، لكنهم في الوقت نفسه لا يتوقعوا قيام السعودية بالأمر نفسه. ويأتي هذا التصوّر على الرغم من مزاعم كوشنر بأن تطبيع المملكة للعلاقات مع إسرائيل سيكون أمراً “جيداً للغاية”.
وبصورةٍ مغايرة للإمارات، فإن السعودية تستمد قدراً كبيراً من شرعيتها عبر التعامل معها كحامية للمسلمين في جميع أنحاء العالم. كما احتلت القضية الفلسطينية دوراً مركزياً، وإن كان سطحياً، في النشاط الإقليمي للملكة منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل. ولم يمنع هذا الدور المملكة من التعامل سرّاً مع إسرائيل، لكن الانخراط الأوسع مع تل أبيب لن يأتي إلّا بعد التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين.
ويرى مابون أن هذا الأمر يشير على الأرجح إلى التوتر الأكثر خطورة على مستوى المنطقة – ألا وهو التوتر القائم بين الحكام والمحكومين. ففي الوقت الذي قد يبدي فيه الحكّام انفتاحاً على إقامة علاقاتٍ رسمية مع إسرائيل، إلا أن التصوّر الشائع بين أبناء المنطقة لا زال يعتبر إسرائيل، وليس إيران، تهديداً أكبر للأمن الإقليمي.
ويختم مابون مقالته بالتالي: “أدت جائحة كورونا إلى تفاقم الضغوطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تتسبب فيه هذه التوترات بإجهاد العلاقات القائمة بين الحُكّام والمحكومين، فإن الكثير من الحكام قد يتوخى الحذر من السير على خطا القيادة الإماراتية، ويعود السبب في ذلك إلى خوف الحكّام من تسبّب مثل هذا القرار لنشوب الاضطرابات على المستوى الداخلي.