المرأة الفلسطينية أكثر من يعاني في الحرب على غزة.
الباحثة إسلام العالول: المرأة الفلسطينية أكثر من يعاني في الحرب على غزة.
عبد الحكيم أحمين
موقع: الجزيرة.
قالت مديرة أكاديمية المسيري للبحوث والدراسات في قطاع غزة الباحثة إسلام حشدة العالول إن “طوفان الأقصى” أسهم في ترسيخ مفهوم المقاومة لدى الشعب الفلسطيني الذي أيقن أنه وحده سيحرر أرضه.
واختارت العالول أن تخلع قبعة البحث العلمي لتتحدث عن الجانب الإنساني وتسلط الضوء على جوانب من معاناة النساء في القطاع، فربطت ذلك بما تعانيه هي نفسها بوصفها أما لابنة مريضة -لم تتجاوز من العمر 3 أعوام- تحتاج إلى دواء، تسبب فقدانه في إصابتها بمشاكل صحية أخرى.
وقالت إن “أفظع ما تتعرض له المرأة الفلسطينية بشكل خاص هو التحقيق والتفتيش العاري والاعتقال وإهانة إنسانيتها”، وذكرت أن نساء فلسطين يقمن بمهام عديدة من تربية وتوعية وتنشئة ورعاية، كما أنهن يسهمن في “مقاومة سياسة الاحتلال بالاعتكاف في المسجد الأقصى، والوقوف في مقدمة الصفوف التي تواجه مخططات التهويد”.
وتطلّب إجراء الحوار مع العالول أن يتم عبر مراحل عن طريق تطبيق “واتساب” بسبب انقطاع الكهرباء وضعف وتقطع الاتصال بالإنترنت، إضافة إلى ذلك تقول العالول “تنقلت في غزة من مكان إلى مكان هربا من القصف، وبعد ذلك انتقلت إلى جنوب القطاع إلى مدينة خان يونس بحثا عن الأمان، وبعد دخول الاحتلال إلى خان يونس انتقلت إلى مدينة رفح، وتنقلت في رفح لأكثر من مكان، وطبعا حياتنا في خيام”.
يذكر أن إسلام حشدة العالول نالت وسام “امرأة فلسطين لعام 2022” في المجال التطوعي في قطاع غزة، ولها عدة كتب، أهمها “التطهير العرقي ضدّ الشعب الفلسطيني: فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري ومستمر” (2023)، و”نظام الأبارتايد في دولة الاحتلال راهنا وجنوب أفريقيا سابقا وسبل مناهضته” (2021)، و”محطات فاصلة في تاريخ فلسطين القديم والحديث” (2019).
وفي ما يلي نص الحوار مع الباحثة الفلسطينية:
شاهد العالم نساء مجندات في أثناء تبادل الأسرى، فما أشكال مشاركة المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال؟
المرأة الفلسطينية هي مصنع الرجال ومربية الأجيال، فهي أم الشهيد وزوجة الشهيد وابنة الشهيد وأخت الشهيد. المرأة الغزية خاصة -والفلسطينية عامة- لا تدفع ابنها لمقاومة المحتل فقط، بل تقاوم بفكرها وبتربيتها وبنشرها الوعي بين الأجيال الصاعدة. ولا ننسى المرأة الشهيدة التي نفذت أعمالا فدائية ضد المحتل، فهي لم تنل الشهادة فقط، بل روت تراب وطنها بدمها، وقدمت نموذجا لمن حولها وزلزلت كيان المحتل الصهيوني.
ورغم أدوار المرأة الفلسطينية المهمة في التربية والتوعية والتنشئة والرعاية، فإنها تقوم بأعباء أخرى كثيرة، لعل أبرزها مقاومة سياسة الاحتلال بالاعتكاف في المسجد الأقصى، والوقوف في مقدمة الصفوف التي تواجه مخططات التهويد، من دون أن ننسى ما تتعرض له من معاملة مسيئة لكرامة البشر لدى تنديدها بجرائم الاحتلال من اعتقال وهدم بيوت وغيرهما من الجرائم.
كما لا ننسى المرأة الأسيرة التي شاركت في أعمال مقاومة، وأيضا هناك المرأة التي رفضت التخابر مع المحتل مقابل سفر للعلاج هي في أمسّ الحاجة إليه.
إن المرأة، مثل الرجل والطفل وكبار السن، جزء من مجتمع كامل يتعرض لجرائم التخويف والإرهاب والقتل، لكن أفظع ما تتعرض له المرأة الفلسطينية بشكل خاص هو التحقيق والتفتيش العاري والاعتقال وإهانة إنسانيتها.
هل يمكن أن تروي لنا بعض مظاهر المعاناة التي تتحملها المرأة في غزة خلال العدوان الإسرائيلي الحالي؟
اسمحوا لي بأن يكون حديثي عن المعاناة الإنسانية للمرأة الفلسطينية في قطاع غزة على شكل جمل مركزة ومختصرة لعلّها أن تصف مظاهر الإبادة الجماعية التي تمارس على الشعب الغزي خاصة:
المرأة الفلسطينية هي أكثر من يعاني في هذه الحرب، لأنها تتحمل تبعات كل الإجرام الصهيوني الممنهج ضد شعبنا، فهي تخاف على أبنائها من العدوان وتحتضنهم لتخفف من خوفهم.
تبعات الحرب غيّرت واقع الحياة لدى المرأة، فمثلا تحولت مهمة الطهي إلى طهي على الحطب، في ظل عدم توفر المواد الغذائية ومكونات ومقومات الطبخات المعتادة، مما يضطرها لاختراع أكلات غير مألوفة. كما أن “الجلي” والتنظيف يحتاجان إلى نقل كميات كبيرة من المياه يوميا باستخدام “غالونات” يتم حملها بشكل يدوي. والغسيل تحوّل من غسالة أوتوماتيكية إلى غسيل يدوي.
في ظل الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة ونفاد الموجود في القطاع من الكثير من أساسيات الحياة، تعاني المرأة أيضا مشاكل في تدبير أمور الحياة لعدم توفر أدوات المطبخ مثلا التي تفقدها مع كل ترحال من مكان لآخر.
وفي ظل عدم توفر الفواكه والخضار والحلويات واللحوم والبيض والطحين، تقف المرأة عاجزة أمام سد جوع أطفالها، فقد أضحت أكثر الكلمات التي ينطقها الطفل في اليوم “جعان يا ماما كثير”.
الازدحام الشديد والحياة في الخيم وقلة الخدمات الصحية وعدم توفر الأدوية وتلوث المياه وسوء التغذية، كلها أمور أسهمت في انتشار الأوبئة والأمراض الموسمية والجلدية والمناعية وحشرات الرأس لدى الأطفال، مما شكّل ضغطا كبيرا على المرأة لملازمة أطفالها ومتابعة علاجهم.
بكل أسف، عدم دخول الأدوية لقطاع غزة تسبب في عدم شفاء عديد من الأمراض. فعلى صعيدي الشخصي، أصيبت ابنتي التي لم تتجاوز 3 سنوات من العمر، بمرض أميبيا متحوصلة، ولعدم توفر العلاج فهي تعاني إسهالا شديدا وألما منذ 4 أشهر، مما أدى إلى ظهور مشاكل أخرى لديها، مثل تساقط الشعر وغيره.
عدم الاستقرار وحياة التنقل التي يفرضها الاحتلال بطلبه من سكان قطاع غزة إخلاء منطقة ما والانتقال لمنطقة أخرى، ومن ثم يطلب إخلاء المنطقة التالية وهكذا، هذا الواقع الجديد فرض على المرأة ضرورة التأقلم السريع مع كل منطقة ترحل إليها، ولعل ذلك ركز لديها مشاعر الفوضى وعدم الاستقرار والخوف وعدم الأمان.
رغم هذه المآسي والجرائم والمعاناة، فمن خلال معايشتي للناس في الواقع الحالي يتبين لنا أن الشعب الغزي لديه قدرة عالية على صناعة الحياة، والتأقلم السريع مع الواقع المتغير.
ما تقييمك لدور المرأة في دعم القضية الفلسطينية وطوفان الأقصى في بلدان العالم عامة، وفي الدول العربية والإسلامية خاصة؟
قامت المرأة في البلدان العربية والإسلامية وحتى في الدول الغربية بأدوار مهمة في دعم المرأة الفلسطينية ودعم صمود أهل قطاع غزة، سواء عبر جمع التبرعات، أو المشاركة في الحشد وفي المظاهرات المناهضة لجرائم الاحتلال الصهيوني ونصرة لأهلنا في غزة.
وقد تابعنا كلنا من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الدور الكبير والبارز للمرأة المكمل لدور الرجل في نشر ثقافة المقاطعة للاحتلال، ولم يقتصر ذلك الدور على المرأة والرجل العاديين، بل شارك فيه المثقف والأكاديمي والسياسي الحر وغيرهم.
لكن يبقى هذا الدور الذي تقوم به على أهميته محدودا ويفتقر لخطة إستراتيجية واضحة تضمن الاستمرارية وعدم الموسمية.
ما الرسائل التي توجهها المرأة في غزة إلى باقي النساء العربيات في ظل ما تعيشه النساء بفلسطين، وفي ظل موجة النسويّة الغربية الزاحفة بأشكال متعددة؟
ما تقوم به المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال وجرائمه اللاإنسانية قد يكون أكبر رسالة للعالم كله وليس للنساء وحدهن، لكن هناك رسائل خاصة يمكن توجيهها للمرأة خارج فلسطين، سأقتصر على ذكر بعضها في نقاط:
العمل جنبًا إلى جنب إخوانها الرجال في نصرة أهل غزة وقضية فلسطين.
الاستفادة مما يقوم به الاحتلال من جرائم واضحة ومصورة، ونشرها في المجتمعات عامة، والبلدان الغربية خاصة، لنقل جانب صغير فقط من الظلم الواسع الذي يتعرض له الفلسطينيون ولدحض الرواية الصهيونية الكاذبة.
المشاركة في وضع وتنفيذ خطط واضحة للضغط على الحكومات العربية والغربية، بحيث لا تكون المظاهرات والاحتجاجات عشوائية وكأنّ الهدف منها هو التظاهر فقط.
وضع خطة واضحة لمقاطعة الاحتلال بكافة الأشكال الاقتصادية والثقافية والأكاديمية والدبلوماسية… والتوعية بأهمية المقاطعة وضرورتها ومدى تأثيرها.
مرت على الشعب الفلسطيني حروب عديدة من الاحتلال خلال العقود الماضية، ما الفروق الأساسية بين الحروب السابقة والعدوان الإسرائيلي الحالي؟
هناك فروق كبيرة وكثيرة سواء على مستوى معاناة الفلسطينيين، أو الفعل والأداء المقاوم أو حتى على صعيد الإجرام الصهيوني المتنامي، ولكن أذكر أهمها بشكل مختصر:
إن الشغل الشاغل للاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب هو أن يرسخ لدى الفلسطينيين أنّ المقاومة وبال عليهم. إن الاحتلال يرغب عبر الحرب الحالية في ترسيخ فكرة لدى الأجيال اللاحقة بأن المقاومة وبال عليهم، وسبب في تدمير للحياة الرغيدة لديهم.
مارس الاحتلال كل الطرق للاستهداف المتنامي للإنسان الفلسطيني، فأعداد الشهداء في هذه الحرب مرتفعة جدا، وأغلبهم من النساء والأطفال، وكأنّ هدف الاحتلال إيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء.
في هذه الحرب تم تهجير أغلب الشعب الغزي، وسكن أغلبهم الخيام، أما في الحروب السابقة فكان عدد الذين يتم تهجيرهم محدودا، وغالبا يلتجؤون إلى الأماكن القريبة من الحدود.
ما الذي سيحدث لخيار المقاومة لو تم القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وغيرها من الفصائل في قطاع غزة؟
حركة حماس ليست مبنى تنتهي بهدمه، ولا أشخاصا باغتيالهم تنتهي الحركة، بل “حماس” فكرة متغلغلة في الشعب الفلسطيني، فهي منه وإليه، لكنها تتطور باستمرار، ويمكن أن تخرج “حماس” غدا بشكل جديد، وربما حتى باسم جديد.
من الصعوبة أن تنتهي المقاومة أو يتم القضاء عليها، ولو تم تقويض المقاومة لأيام أو أسابيع وحتى شهور، ستتعافى مع مرور الوقت وترجع للقيام بدورها في إمداد شرايين فلسطين بالحياة والاستقلال عن الاحتلال.
كل مخططات الاحتلال بإنهاء المقاومة ستبوء بالفشل، لأن زيادة الإجرام ستزيد دافعية المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وسينشأ جيل يريد أن ينتقم.
إن إجرام الاحتلال الإسرائيلي سيجعل أبناء قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وفلسطين عامة متمسكين بحق الآباء في أرضهم، ولن ينسوا أن هذا العدو الصهيوني مجرم، ومارس التطهير العرقي بحقهم منذ عام 1947 وحتى اليوم.
ومن المعلوم بالضرورة أن شعب فلسطين تفرقه أشياء كثيرة ولكن تجمعه المقاومة، ولن يزول هذا الشعور حتى تحرير آخر بقعة من أرض فلسطين.
ما أبرز خطط التطهير العرقي التي يرتكبها الاحتلال حاليا ضد سكان فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة؟
التطهير العرقي بمفهومه لا يعني إبادة شعب بالكامل، لكن يعني استخدام كل أشكال العنف العسكري والبيروقراطي من أجل تقليص نسبة الفلسطينيين قدر المستطاع داخل الحدود التاريخية لأرض فلسطين.
فمنذ عام 1948، يرغب الصهاينة في الحصول على “أرض بلا شعب”، أو في أسوأ الأحوال على أقلية فلسطينية راضخة منزوعة الأملاك تقوم بخدمة اليهود كعمال وفلاحين. وعلى مدى سنوات، تغيرت الخطط الصهيونية وتبدلت، ولكن لم تفلح في إفراغ فلسطين من أبنائها ومواطنيها الأصليين.
في حرب “طوفان الأقصى” استخدم الاحتلال مجموعة من أشكال الإجرام بشكل مخطط لإفراغ قطاع غزة من أهله في مقدمةٍ لإفراغ الضفة الغربية أيضا من أهلها، ومن أبرز هذه الأشكال:
ارتكاب المجازر الكبيرة التي تستهدف المدنيين بشكل مركّز، والقصف العنيف الذي يستهدف كل شيء. فقد ركز الجيش الإسرائيلي -في بداية حربه وعدوانه- على الأبراج السكنية، واستخدم أسلحة متطورة ذات أصوات مرعبة من أجل قتل عدد كبير من الفلسطينيين وتخويف الآخرين ودفعهم للهروب من مساكنهم ومناطقهم.
استهداف وقتل مظاهر الحياة في قطاع غزة عن طريق قطع الماء والكهرباء والوقود والدواء والغذاء عن مواطني غزة بشكل كامل.
تدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، أو تدمير المدينة بمفهومها ومعالمها وطبيعتها، حيث أصبحت مدينة شهيدة مثل سكانها، فقد تعمدت إسرائيل تدمير البنية التحتية والمباني والشوارع والقطاع الصحي والبنوك.
تدمير الوضع الاقتصادي عبر هدم المصانع والمحلات الكبيرة والمولات وسرقة الأموال من البنوك ومن كبار التجار ومن البيوت في أثناء الاجتياح البري، وسرقة الأفراد في أثناء مرورهم عبر “الحلابات” (الممر الآمن) ونقاط التفتيش.
تدمير القطاع الصحي بتدمير المستشفيات واستهداف الأطباء والممرضين وسيارات الإسعاف، والمنظومة الصحية بشكل عام.
تدمير المنظومة التعليمية بالكامل عبر هدم المدارس والمعاهد والجامعات، وتعطيل التعليم لمدة عام كامل.
كل ذلك وغيره يهدف إلى تدمير قطاع غزة وجعله مكانا غير صالح للعيش فيه، ويتوقع الاحتلال أنه إذا وجد الفلسطيني في القطاع نفسه فجأة في مدينة مدمرة، ولا يوجد لديه بيت ولا أموال ولا حياة كريمة ولا تعليم ولا صحة، فسيكون خياره الطبيعي هو الهجرة خارج هذا المكان إلى أي مكان يضمن له الحياة الكريمة، لكن الشعب الفلسطيني عامة، وسكان قطاع غزة خاصة، اختاروا أن يبقوا على أرضهم وأن يدفنوا فيها شهداء أو يبقوا فيها أحرارا.
المصدر : الجزيرة