قرأت لكم

أرض الحب بقلم االكوتش الدولي الدكتور محمد طاوسي

في غياهب الحياة و على بعد بضع خطوات من الرحيل ، و بعد الفراق أشعر أن سرعة المسير تتسارع حتى ما بقي منها إلا النزر القليل و أن الوداع غير متأخر ، غير أنني أصبحت أكثر حيوية و اكثر دينامية ، فلن أرضى أن أكون جثة هامدة تسأل الأرواح من انا ؟ و أين أنا ؟

فأنا هو الذي من أجل الكينونة الوجودية أبحث عن تطوير ذاتي و السير قدما نحو الوجود الحقيقي ، و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، إذ إن هذا الوجود يستدعي العمل و المحاولة في كل لحظه على تطوير الذات و التصالح معها

و على مقربة من الوصول إلى مقام الوجود حيث البرزخ هناك من صاحبني في هذه الرحلة الحثمية ، و هناك من ودعني بعدما لم بجد منه نفعا ، غير أنني لم أنتبه للوداع القصري الا بعد رحيل من اراد الرحيل ، غير أن من صاحبني في وحدتي ، هم من كانوا لي أنيسا مؤنسا خفيا يؤازرني و يساندني بكل قوة كي لا تتراجع القهقرة بنا إلى الخلف ، مدركين أن الحياة هي الوجود حيث البرزخ الذي فيه ما فيه من بهاء و نور من الله تعالى على من كانت أرواحهم على قلب حبيب واحد ، مرتبطين بحب الدلال و الجمال في حضرة الجلال ، فكم هو اشتياقي لمجالس الانس الجميلة بينهم !

في غياهب الحياة ، و على مسار تاريخ الإنسانية اطرح تساؤلات و تساؤلات ، قد يجد غيري لها إجابات شافيات ، ألهذه الدرجة أصبحت الحياة تفتقد طعم الحب و المصداقية و الصدق ، و تستوحش الهيام و التيم ، و تكره النجاح و الصلاح ؟

غير أنني لا اعدم الخير من الحاضر والمستقبل ، حيث ان الحياة تبقى جميلة بكل تقلباتها بستر الله و فضله ، و تبقى الذكريات الجميلة مرجعا للأمل ، و تبقى المحطات الصعبة و العصيبة التي يمر منها الانسان شرف لاكتشاف حب الحياة من قلوب صافيات و ارواح حانيات حاميات و نفوس ثواقة لكل الحياة ، و في نهاية الرحلة يتجدد الوعد باللقاء ، فما هذه النهاية إلا بداية لرحلة الخلود الدائم في عالم الفردوس حيث المسيرة الوجودية مبنية باليقين و ليس بالتمني .

في مسير هذه الحياة نتعلم أن الحب ليس مجرد كلام ، و الهيام ليس توهان إن جعلناه على مربط أصيل ، فنحن في هذه الحياة قد لا نعلم او ندري ما نريد ، و قد نخذل ممن أمننا عهودنا إليه ، غير أن الحب الحقيقي هو إحساس و انغماس حيث ينغمس كل محب في روح حبيبه دون أن يفقد نفسه و تفاصيله ، كما ينغمس السمن عندما يختلط بالعسل

ينسجمان امتزاجهما يزيدهما جمالا ولذة دون أن يفقد أي منهما نكهته المميزة

في مسير الحياة نتعرض للخذلان الذي يحدث بالوثوق المفرط و الشديد فيمن ليس في نواياهم الصفاء الصحيح و الوفاء الصريح ، فتنكسر مجاذف الوصال بالكذب و النفاق .

أما الجهل بحقيقة الحب يزيد الخذلان اتساعا و الفراق مصيبة ، كما يمكن أن يكون الجرح نابع من انفسنا إن لم تروى بساتين علاقاتنا بالحب و المودة و طيب الخواطر.

فكيف ننتظر ازدهار الزرع في الحقول و لا نحتسب تغير الطقس في الفصول ، و لا نتوقع اكتساح الجفاف أو حدوث فيضانات و هجوم من حشرات و قوارض عدة تهلك شمول انتظار الفلاح ، فكذلك هي الحياة و كذلك هو الحب في غير أرضه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى