قرأت لكممجرد رأي

قراءة في كتاب :”دولة الإرهاب .. كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب”

عبد الرحيم لعماري
صدر عن سلسلة “عالم المعرفة”، الكويت، النسخة العربية من كتاب “دولة الإرهاب، كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب؟” (ط1، 2018)، للكاتب والموسيقي الأمريكي توماس سواريز (Thomas Su?rez)، نقله إلى العربية محمد عصفور.
يقع الكتاب في 518 صفحة من القطع الصغيرة، ويتألف من مقدمة وملاحظات، وثلاثة أقسام، عبارة عن ثمانية فصول، وخاتمة.
يثبت سواريز في هذا الكتاب، أن الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين، ليس صراعا بين عدوين تاريخيين، كما يقال في العادة، بل هو، “قصة واحدة لحركة سياسية تعرف بالصهيونية وتصميمها على الاستيلاء على فلسطين كلها لكي يستوطن فيها شعب اليهود يقوم على فكرة الانتماء إلى دم واحد ـ إلى “جنس” واحد ـ وإن ما يقال عن التعقيدات الغيبية ليس سوى سلاح في هذه الحملة يهدف إلى التعمية على السبب الحقيقي للمأساة، وإلى تزييف التفسير المقدم للعجز عن وضع حد لها، وإلى اختطاف الديانة اليهودية والاضطهاد الذي تعرض له اليهود لمصلحة هذا الهدف، ولتقديم القصة الخرافية، وكأنها حقيقة للجماهير الغربية التي تدعم حكوماتها هذا الهدف” (ص 14).
القسم الأول: أراضي شعب آخر
ينقسم هذا القسم إلى ثلاثة فصول كما يلي:
الفصل الأول: الهيكل الثالث
يناقش المؤلف في هذا الفصل، الربط بين إنشاء إسرائيل الحديثة والكتاب المقدس، حيث يقول: “أصر زعماء الصهيونية الأوروبيون على أنهم لم يكونوا مستوطنين بل “عائدين” إلى فلسطين لإعادة تشكيل إسرائيل التوراتية” (ص 36)، فـ “الكتاب المقدس هو ما يعطينا الحق في الاستيلاء على فلسطين” وفقا لتعبير بن غوريون (ص 36).
و”بينما كان المستوطنون ينظرون إلى السماء لإثبات حقهم السماوي في العودة، انقلبوا إلى الأرض ليثبتوا صحة قصتهم التوراتية، وبلغ من شدة نجاعة التأثير الذي نتج من مزيج علم الآثار، بالوعد الرباني، واللاوعي الجماعي الغربي، والوراثة في خدمة الدولة التي قامت على الاستيطان أن إسرائيل عندما تصف موقعا أثريا بأنه “من مواقع التراث الوطني الإسرائيلي” (حتى لو كان خارج إسرائيل)؛ فإن المصطلح يفعل فعله السحري، وتغدو المخلفات القديمة جزءا من تاريخ الدولة، ويزور القادة الإسرائيليون هذه المواقع، ويتحدثون كأن هذه الحجارة توقظ فيهم ذكرى بعيدة، ونوعا من المعرفة الكامنة، كتلك التي يحس بها من يعود إلى بيت طفولته، وهو يزيل بيت العنكبوت عن ألبوم صور العائلة الباهتة” (ص 37).
يشير المؤلف إلى أنه “في سنة 1948 أطلق زعماء إسرائيل على ما صنعوه اسم “الدولة اليهودية” (بأل التعريف) وليس “دولة يهودية”؛ بمعنى أن اليهودية هي دين هذه الدولة الذي قد تتخذه أي دولة أخرى ـ سموا إسرائيل “الدولة اليهودية”، أي المالكة الوحيدة والتبدي الميتافيزيقي الوحيد لليهودية، ولشعبها ولتاريخ هذا الشعب (…) يؤدي هذا الدمج بين دولة الاستيطان و”العرق” (الانتساب) إلى النتيجة الحتمية لطفل ولدته أم يهودية في إسرائيل؛ فهذا الطفل لا يكون “إسرائيليا” بل تصفه جنسيته بأنه “يهودي” (…)، وبذا تكون الصهيونية قد عكست العلاقة التاريخية بين الدين والاستعمار، بين الكتاب المقدس والسيف” (ص 38).
الفصل الثاني: الصهيونية والانتداب البريطاني حتى عام 1938.
يذكر المؤلف، محاولات هرتزل لشراء فلسطين بالقول: “حاول هرتزل شراء فلسطين من المحتلين العثمانيين لقاء سداد ديونهم الخارجية (1896). وعندما فشل في ذلك حاول الحصول عليها لقاء مساعدة ألمانيا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط (1898). وقد فكر في إيجاد مواطئ قدم: انتقل إلى بريطانيا واقترح على وزير المستعمرات جوزيف شيمبرلين إنشاء مستوطنة صهيونية في قبرص، ولكن شيمبرلن اقترح أن يجرى ذلك في مكان آخر “لم يسكنه مستوطنون بيض بعد”. كذلك فكر هرتزل في الأرجنتين وأوغندا تمهيدا لمشروعه ـ لكن أي أرض أخرى غير فلسطين لم تكن سوى ما دعاه بالاستعمار الثانوي الذي لن يجتذب سوى بضعة آلاف من العمال ولن يخدم أي هدف سياسي” (ص 50).
ويحدثنا المؤلف عن وعد بلفور (1917)، ويذهب إلى أن البريطاني صاغ “الوعد بالاستعانة ببعض زعماء الصهيونية، لاسيما اللورد روتشيلد وحاييم فايتسمان، وقد رفض كلاهما كلمة establishment (إقامة/ تأسيس) في عبارة “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي”، وأرادا أن يضعا محلها كلمة establishment – re (أي إعادة الإقامة والتأسيس) ذات الصبغة الخلاصية.” (ص 51).
وبدءا من منتصف نيسان (إبريل) من العام 1918، بدأ الجنود اليهود يختلقون حوادث في مدينة القدس “يقصد منها استثارة أقسى ردود فعل من المسلمين”، وكان ذلك إشارة مبكرة لمحاولات الصهاينة استثارة ردود الفعل من قبل الفلسطينيين. وقد اتخذت هذه الأحداث شكلا متكررا، اضطر البريطانيون بسببها إلى منع هؤلاء الجنود اليهود (ولي المدنيين) من دخول المدينة القديمة في أيام العطل الدينية، فما كان من البعثة الصهيونية إلا أن اشتكت من الاضطهاد.” (ص 55 ـ 56).
و”مع ازدياد المزايا التي تمتع بها اليهود، ازدادت حدة المقاومة الفلسطينية من مستوى الرجاء والاتصالات الديبلوماسية إلى الإضطرابات والمقاطعات، ووصلت في أواخر عقد العشرينيات إلى حد العنف، ووصل ذلك العنف إلى أشده في مذبحة سنة 1929 التي راح ضحيتها سبعة وستون يهوديا في مدينة الخليل، التي كانت شرارتها قد اندلعت بسبب إشاعة كاذبة. ولذا لم يعد في إمكان البريطانيين تجاهل أزمة الفلسطينيين” (ص 61).
ويشير المؤلف إلى اتفاقية هافارا للتسفير (1933) بين الصهاينة وألمانيا النازية، التي تنص على أن “اليهود الذين يغادرون ألمانيا إلى فلسطين، يمكنهم استعادة بعض أموالهم باستعمال تلك الأموال لشراء المصنوعات الألمانية التي يمكنهم بيعها بعد ذلك. وقد جربت هذه الفكرة لأول مرة في أيار (مايو) من العام 1933، أي بعد تولي هتلر منصب المستشار الألماني بأربعة أشهر على يد شركة صهيونية للحمضيات اسمها هانوتايا” (ص 62).
“شهد العام 1937 أيضا إصدار تقرير اللجنة الملكية لفلسطين؛(…) قبلت لجنة بيل (كما عرفت) ادعى الصهاينة أن اليهود ينتسبون إلى قومية قديمة بالدم، وأن لهم حقوقا تمنحها لهم التوراة(…) اقترحت البعثة تقسيم فلسطين (إلى دولتين) (…) ومع أن المؤسسة الصهيونية رحبت بالوعد الضمني الذي جاءت به اللجنة بإنشاء دولة ينفصل فيها العرقان، فإنها رفضت الخطة لأنها لم تعطِهم فلسطين كلها” (ص 64).
رفض الشعب الفلسطيني مقترحات التقسيم، واستمر التمرد الذي بدأ في سنة 1936 مع ازدياد الإرهاب الصهيوني، “وكان الرد البريطاني على الشغب الفلسطيني عقابا جماعيا على صعيد واسع، على الرغم من أن القرى الفلسطينية (على عكس المستوطنات الصهيونية) لم تكن تشارك في تنظيمات الإرهابيين أو تحميهم. (…) وجرى نسف مائة بيت من بيوت الناس الذين لا علاقة لهم بالثورة من دون تعويض في العام 1936. وعندما اغتال أحد الفلسطينيين مسؤولا بريطانيا في العام 1938 كان الرد البريطاني تسوية جزء كبير من البلدة التي أتى منها، وهي جنين بالأرض” (ص 65- 66).
ويقارن المؤلف بين طبيعة العمل الفلسطيني والصهيوني بالقول: “بينما كان الإرهابيون terrorists (!) الفلسطينيون مجموعات متفرقة من الفدائيين guerrillas يعملون في المناطق الريفية، فإن الإرهابيين الصهاينة كانوا مليشيات منظمة تعمل داخل المدن، وتتمتع بحماية السكان” (ص 66).
الفصل الثالث: بينما كانت الحرب تستعر: 1939 ـ 1944.
يؤرخ المؤلف لإرهاب المنظمات الصهيونية، حيث يقول: “أدى الخوف من انتصار النازيين إلى ممارسة منظمتي الأرغون والهاغانا الإرهاب في أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك لم يحظ بموافقة كل الأعضاء، فانشقت عنها مجموعة يقودها أفراهام شتيرن، وكانت عصابة شتيرن (وهو الاسم الذي عرفت به) أو ليهي (وهو الاسم الرسمي) أشد المنظمات الرئيسية الثلاثة تطرفا(…) وفي أواخر العام 1940، سعى شتيرن إلى إيجاد تحالف بين ليهي والنازيين” (ص 74).
وقد صيغ تفاهم ليهي مع الفاشيين الإيطاليين هذا في “اتفاقية القدس للعام 1940” واقترح فيها أن يساعد الفاشيون في هزيمة البريطانيين في فلسطين، ومن ثم “استعمال كل ما لديهم من قوة لإنهاء الشتات اليهودي” ـ أي أن يعمل الفاشيون على تدمير كل المجتمعات اليهودية غير الفلسطينية نيابة عن ليهي، ونقل سكانها بالقوة إلى المستعمرات الصهيونية” (ص 75).
ويعرض المؤلف ما تعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وترويع وذبح جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى “المارة العرضيين”، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب، ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية (ص 77- 84).
وبحسب المؤلف، “ظلت منظمة الأرغون بخاصة، هي “المسؤولة عن المذابح العشوائية الناتجة عن زرع القنابل في الأماكن التي يرتادها العرب، وعن قطع طرق العرب وقتلهم” (ص 84).
يشير المؤلف إلى إنشاء الوكالة اليهودية فرقا للرحالة، للحصول على “معلومات دقيقة وشاملة عن المناطق العربية” (ص 92). “كانت الصور التي يلتقطها “المتجولون” تعالج في مختبر للصور يعمل في الظاهر على أنه شركة ري، أما رسم الخرائط، فكان يقوده شخص تابع للجامعة العبرية يعمل في مجال الطوبوغرافية، وعمل أيضا رسام خرائط للبريطانيين. وتضمنت المعلومات التي جمعوها طوبوغرافية كل قرية، وطرق الوصول إليها، وميزات أراضيها، وينابيعها، ومصدر دخلها الرئيسي، وتركيبتها الاجتماعية السياسية، وانتماءها الديني، وأسماء زعمائها، وأعمار أفرادها، ودرجة عدائها للمشروع الصهيوني ـ كل ما كانت تدعو إليه الحاجة لمعرفة “أفضل الطرق لمهاجمة” القرى وفقاً لكلمات أحد “الجوالة”. وتوسعت التفاصيل لتشمل الفلاحة والزراعة وعدد الأشجار، ونوعيه بساتين الفاكهة، ومعدل الأرض للعائلة الواحدة، وعدد السيارات، وأسماء مالكي الدكاكين، والعاملين في الورش، وأسماء أصحاب المهن والمهارات التي يتقنونها. وعندما حل العام 1948 كانت لدى الجيوش الصهيونية صور وخرائط وخطط وإحصاءات دقيقة عن القرى والقرويين المراد محوها ومحوهم” (ص 107).
القسم الثاني: سقوط الفاشية ونهوضها.
ينقسم هذا القسم إلى ثلاثة فصول كما يأتي:
الفصل الرابع: انتصار الحلفاء 1945
يستمر المؤلف في توثيق الأعمال الأرهابية للعصابات الصهيونية، وبحسب قوله: “كان يهود أوروبا المضطهدون “يُستخدمون سلاحاً سياسياً لكسب السيطرة على فلسطين”، وكان “إعلان أي سياسة لا تحابي الصهيونية المتطرفة” يقابل بالأعمال الإرهابية. وكان اليهود “المعارضون للتطرف السياسي معرضين للتخويف، ولم يكن لهم أي تأثير سياسي”. (ص 132).
يذهب المؤلف إلى أن “الوكالة اليهودية هي نفسها التي أدارت الهجمات المكثفة، وهي “سلسلة من الهجمات المنسقة” (…) “مثال: الهجوم على خطوط السكك الحديد، (…)” (ص 132). و”هاجمت منظمة الإرغون معسكر الجيش البريطاني في بيت نبالا (…)وفي العام 1946 فقد البريطانيون سيطرتهم على فلسطين لمصلحة المليشات الصهيونية. (…) وقد شنت مجموعة “من اليهود المسلحين هجوماً وحشياً” على قيادة الشرطة في القدس. (…) في نفس الوقت كانت قيادة الشرطة في يافا تتعرض “لهجوم شديد يقوم به يهود مسلحون في طريق يافا/ تل أبيب” (ص 137 ـ 138).
الفصل الخامس: السباق نحو التعصب، 1946م.
في العام 1945، تصاعدت حملات الإرهاب الصهيوني في فلسطين، وبدأت أولى التفجيرات الصهيونية في أوروبا. وبحسب المؤلف، فان “أفضل التقديرات المتاحة إن نسبة اليهود الذين لا يمانعون في الذهاب إلى فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لا تتجاوز 15% على رغم الجهود التي بذلتها الدعاية الصهيونية على مدى سنوات طويلة. ولذلك شنت حملة ثلاثية الأبعاد لمعالجة هذه “المشكلة”: العزل القسري للناجين وإجبارهم، وتخريب أي ملاجئ آمنة تتاح لهم على المستوى الدولى، واختطاف الأيتام اليهود” (ص 142).
وينقل المؤلف ما جاء في صحيفة “نيويورك تايمز”: “لقد تحول اليهود المساكين الذين يعيشون في مخيمات المهجرين في أوروبا إلى رهائن لا يفديهم إلا إنشاء دولة إسرائيل… لماذا يعلق مصيرهم ـ بحق الله ـ بنداء واحد لإنشاء الدولة مادام الجميع يعترف بأن يهود أوروبا قد عانوا معاناة تفوق الوصف؟” (ص 147).
ينقل المؤلف، تقريرا للقائد السير برنارد باجت، ورد فيه أن “الأدلة تشير بوضوح إلى أن جنوداً بريطانيين يهودا (من جنود اللواء اليهودي؟) في القوات البريطانية “كانوا يشكلون تهديداً للأمن” إلى حد ارتكاب جرائم القتل بحق زملائهم من الجنود ورجال الشرطة، وبما أنه كان من غير الممكن التمييز بين الجنود اليهود وأولئك الذين زرعتهم المنظمة الصهيونية فقد دعا باجت إلى تسريح جميع اليهود من الخدمة بأسرع وقت ممكن” (ص 148).
ويسرد المؤلف بعد ذلك العمليات الإرهابية الصهيونية في فلسطين بالقول: “في اليوم الثاني من العام 1946 انفجرت رسالة ملغومة في تل أبيب وحيفا (…)وفي يوم 12 يناير نسفت الإرغون، بمعونة البالماخ، قطار الركاب الواصل بين حيفا والقدس (…)وفي يوم 19 يناير تم نسف خمسة يهود (من بينهم فتاة) المحطة (محطة الكهرباء) وبعد ذلك جرى تفجير محطة الإذاعة الفلسطينية في القدس بأربع قنابل، وبينما كان الهجوم جارياً كانت جماعات أخرى من اليهود المسلحين (ومن ضمنهم فتيات) يتخذون لأنفسهم مواقع في شارع القديس بولس، وطريق الملكة مليساند، والشوارع الفرعية القريبة… (…) وفتحت مجموعة النار على دورية عسكرية رافقتها تفجيرات بالقنابل اليدوية، والزجاجات الحارقة، والألغام (…) واعترفت منظمتا الإرغون وليهي بالمسؤولية المشتركة عن الأعمال الأرهابية التي قامتا بها تلك الليلة” (ص 149ـ 150). ويستمر المؤلف في سرد العمليات الأرهابية الصهيونية في فلسطين.
الفصل السادس: “حامية محاصرة” 1947
يقول المؤلف، إن “العام 1947، وهو العام الذي بشّر “بمقاومة أشد من قبل”، من جانب الوكالة اليهودية تجاه أي دعم لمقاومة الإرهاب، وبزيادة مدى الهجمات وعددها. فقد عاد كثيرون ممن كانوا ينتمون إلى اللواء اليهودي إلى فلسطين والتحقوا بالميليشيات، وانخرط بعضهم في عمليات الاغتيال في أوروبا، وساعد بعضهم في عمليات اختطاف الأيتام اليهود من العائلات التي تبّنتهم. وعندما لجأ البريطانيون مجدداً، إلى القنوات الدبلوماسية لوقف عمليات التبرع لمنظمة الإرغون، أدى تسريب الخبر عن هذه المحاولة إلى نشرها على أنها “ضغط بريطاني” ضد “منظمات الإحسان” اليهودية” (ص 201 ـ 202).
ويستمر المؤلف في سرد العمليات الأرهابية الصهيونية، حيث يقول: “استخدم الإرهابيون في هجوم ضخم في الثاني من يناير، قاذفات اللهب ضد الأشخاص والبنايات والسيارات في القدس والخليل وتل أبيب، حيث تبين أن شرطة المستوطنات اليهودية تتعاون مع الإرغون” (ص 202 ـ 204).
ويستطرد المؤلف: “وفي إيطاليا هددت الإرغون بمهاجمة “المراكز العصبية” ما لم تساعد الحكومة الإيطالية على تنفيذ المطالب الصهيونية، وفي 10 يناير انفجرت كراسات ملغمة في ثماني مدن إيطالية كبيرة.” (ص 204).
ويعدد المؤلف العمليات الأرهابية الصهيونية في فلسطين، والتي لا مجال لحصرها هنا، وينقل اعتراف المسؤولين البريطانيين بأنه: “ليس ثمة من هو في مأمن من الإرهاب الصهيوني في فلسطين، وأنه من الضروري تسفير النساء البريطانيات وأطفالهن والموظفين البريطانيين غير الضروريين، وبالفعل أصدر المندوب السامي أمراً بتنفيذ هذا التسفير” (ص 206).
كان يهود أوروبا المضطهدون “يُستخدمون سلاحاً سياسياً لكسب السيطرة على فلسطين”، وكان “إعلان أي سياسة لا تحابي الصهيونية المتطرفة” يقابل بالأعمال الإرهابية.
في الوقت نفسه “هددت نشرات الإرغون بإضرام “جحيم” في العالم كله إلى أن يُستجاب إلى مطالبها، واعترف المسؤولون البريطانيون، سراً، بأن الإدارة المدنية في فلسطين كانت بمنزلة “حامية محاصرة”.” (ص 212).
ومع استمرار العمليات الأرهابية كتب عدد “من موظفي القطاع العام وعائلات الضحايا للحكومة البريطانية؛ للتعبير عن إحباطهم في ضوء وجود قوات بريطانية يبلغ تعدادها مائة ألف فيما تعجز عن مواجهة الإرهاب الصهيوني.” (ص 220).
القسم الثالث: موطئ قدم
ينقسم هذا القسم إلى فصلين كما يلي:
الفصل السابع: التقسيم: “الإجراء المؤقت” 1947- 1948
جاء التقسيم ـ ومن ثم إيجاد دولة إسرائيل ـ خضوعاً للإرهاب الصهيوني (ص 272). كان قرار التقسيم 181 “خطوة أولى نحو دولة يهودية بأوسع حدودها التاريخية التوراتية” (ص 273).
وينقل المؤلف عن بن غوريون قوله في العام 1937 من “أننا سنلغي التقسيم بعد تأسيس الدولة ونتوسع لنضم فلسطين كلها” (ص 273). وبحسب المؤلف، “تكشف تقارير المخابرات البريطانية التي يعود تاريخها إلى منتصف كانون أول (ديسمبر) أن البريطانيين أنفسهم اعترافوا، بعد وقت قصير من التصويت على التقسيم، بأن وعد الأمم المتحدة بإنشاء دولة فلسطينية كان من قبيل الخداع. (…) وقال تقرير بريطاني آخر بصراحة، ولم يمض أسبوعان على القرار 181، إن الدولة الفلسطينية الموعودة لن تظهر إلى الوجود، وإنه “لا يبدو أن دولة عربية فلسطينية سيكون لها كيان”.” (ص 278). فقد كان التقسيم، “شأنه شأن وعد بلفور، حركة إستراتيجة، وكذبة (…) <فـ> لم يكن التقسيم سوى “إجراء مؤقت”.” (ص 313).
الفصل الثامن: إسرائيل بلا حدود
خلف العام 1948 ما يقرب من مليون فلسطيني مبعد عن بلده بسبب انتمائه العرقي، وأكثر من أربعمائة قرية مُحيت من الوجود، وحُطمت حياة من لم يشملهم الاقتلاع المباشر. (ص 316).
ويشير المؤلف إلى أن إسرائيل ظلت “تطبق الأحكام العسكرية على أساس عرقي طوال السنوات الثماني عشرة الأولى من وجودها، رسمياً، وفترة أطول من ذلك في الواقع، مع استثناء اليهود من تلك الأحكام، إذ كان يُطلب من غير اليهود أن يحصلوا على أذون من الحكومة العسكرية لمغادرة قريتهم لأي سبب، وهو الأمر الذي أصاب جوانب الحياة اليومية العادية، المدنية والعائلية والاقتصادية، بالشلل. وكان المزارعون أو التجار الممنوعون من الوصول إلى الأسواق؛ لأنهم من غير اليهود، مضطرين إلى بيع منتجاتهم إلى التجار اليهود بأسعار أقل بكثير من أسعارها الحقيقية، وعندما كان الأزواج أو الآباء الفلسطينيون يحصلون على الإذن بترك القرية للعمل؛ فإنهم كانوا يعيشون في خوف دائم مما قد يفعله الجنود أو المستوطنون الإسرائيليون لعائلاتهم بينما هم بعيدون عنها.” (ص 317- 318).
ويذهب المؤلف إلى إن “التقدير الرقمي لعدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للتطهير العرقي في العام 1948، وهو 750 ألفاً، هو رقم مضلَّل؛ لأنه أقل بكثير من الرقم الحقيقي (قال آيزنهاور إنه 900 ألف)،إذ إنه لا يشمل سوى أولئك الذين دُفع بهم إلى ما وراء خط الهدنة، والذين تقع بيوتهم وحقولهم بكاملها في الجانب الإسرائيلي من ذلك الخط.” (ص 318). فقد “تطلب نجاح الرواية الصهيونية محو مئات القرى الفلسطينية من الناحيتين الفيزيائية (أي المادية) والميتافيزيائية (أي المجردة)، فأزالوها من الخرائط بالمعنين المجازي والحرفي. وزرعت إسرائيل فوق رمادها أشجاراً، أو بنت قرى جديدة أعطتها أسماء جديدة ذات صبغة توراتية لتحل محل الأسماء العربية” (ص 322).
ويحدثنا المؤلف عن حالات التطهير العرقي التي مورست على يهود شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فقد كانت “أشد أعمال التطهير فظاعة تدمير إسرائيل للمجتمع اليهودي ذي الأصول القديمة في العراق، حيث شكّل اليهود، حتى وقت التطهير الصهيوني لهم، ثلث سكان بغداد(…) أخذ العراقيون يتخلون عن موطنهم القديم بعشرات الآلاف؛ ليتحولوا إلى مستوطنين في دولة إسرائيل”. (ص 323).
وبحسب المؤلف، فقد “توجهت أنظار إسرائيل إلى سكان شمال أفريقيا من اليهود لإرواء ظمئها من المستوطنين من ذوي الأصول العرقية الصحيحة(…) فالمهاجرون القادمون من شمال أفريقيا لم يكونوا قد تركوا بيوتهم بسبب الاضطهاد بل بسبب إجبار إسرائيل لهم. وبما أن هؤلاء لم يكونوا أوروبيين “فقد جرى رشهم بمادة ال دي دي تي في ميناء الدخول، ثم حشروا في مخيمات استقبال شديدة البدائية”، وأرسلوا للخدمة في الجيش ثلاث سنوات، ووُضعوا في المناطق الحدودية لامتصاص أكبر قدر من الأذى الذي قد ينتج من هجمات محتملة عبر خط الهدنة”. (ص 327).
ويخبرنا المؤلف عن عمليات أرهابية مارستها العصابات الصهيونية بعد تأسيس الدولة، فقد تم تأسيس كتيبة من كتائب جيش الدفاع “تميل إلى اغتصاب الفتيات وقتلهن” (ص 331)
خاتمة: الانتقال إلى الحاضر
عندما جاءت حرب الأيام الستة في العام 1967 عادت إسرائيل إلى التطهير العرقي؛ فطردت ثلاثمائة ألف فلسطيني من أراضيهم. (ص 369).
يقول المؤلف: “إن كل تحد جديد مارسته إسرائيل قُوبل بطلبات أضعف فإن النتيجة هي أنها كُوفئت منذ ولادتها على عدم امتثالها لما يُطلب منها. ومع كل قرار جديد ضعيف نجد أن القرارات السابقة التي لم تُنفذ قد نُسيت، وهو ما يعني أن إسرائيل “أُعطيت” الفرق بين القديم والجديد. وهكذا تُعاد عقارب الساعة إلى الوراء في مسألة عدم الامتثال إلى أن يأتي القرار الجديد، الأضعف، الذي لا ينفذ. وتمثل الإنجاز الأكبر لدولة الاستيطان في حصولها على حصان طروادة المعروف بتفاهمات أوسلو، وهي تفاهمات منحت الموافقة الرسمية على كل ما فرضته بالقوة” (ص 370).

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى