قضية الأسرى الفلسطينيين.. ما العمل؟ أَسرانا من الأخوة إلى الإخاء.
ذ. أحمد الريسوني.
إنما المؤمنون إخوة، والمسلم أخو المسلم.. هذه مسألة معروفة ومسلَّمة ومفروغ منها.
وبناء عليها، فالأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني، هم أسرانا وإخواننا، هم أسرى لجميع المسلمين. هم أسرى مغاربة، وهم أسرى جزائريون، وهم أسرى سنغاليون، وهم أسرى مصريون، وهم أسرى سعوديون، وهم أسرى باكستانيون، وهم أسرى إندونيسيون، وهم أسرى أتراك.. الخ. هم إخواننا وأبناؤنا، والمدافعون عنا وعن قضيتنا..
هذا من الناحية النظرية والمبدئية.. وهي – كما تعلمون – لا تجدي نفعا ما لم يكن لها أثر ومصداقية في الواقع؛ أي: ما لم تترجَم إلى أفعال تطابقها وتجسد حقيقتها ومقاصدها.
فلأجل هذا تأتي هذه المقالة والاقتراحُ المضمَّن فيها..
من الأُخوة إلى الإخاء
الإخاء هو تفعيلُ مقتضيات الأخوة، والووفاء بحقوقها. والإخاء ينقل الأخوة من دائرة الأقدار إلى دائرة الرضى والاختيار، ومن دائرة التعميم إلى دائرة التعيين.
فنحن المسلمين قدَرُنا المحتم هو أن نكون إخوة، وقدرنا أن الفلسطينيين إخوة لنا ونحن إخوة لهم. أما إخاؤنا فدرجة أعلى ودرجة أخصُّ على درب الأخوة. الإخاء اختيار وقرار، ووفاء وأداء. الإخاء هو أن تكون مع أخيك (فلان) في محنته وضائقته، بما تملكه وما تستطيعه.. فالأُخُوة بدون إخاء، تبقى بمثابة شيك بدون رصيد!
قال العلامة جار الله الزمخشري: محكُّ المودة الآخاء، حالَ الشدة دون حال الرخاء.
التجربة الملهمة: الإخاء بين المهاجرين والأنصار
بعد هجرة المسلمين من مكة المكرمة، ومن مختلف قبائلهم، إلى المدينة وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصبح هؤلاء المهاجرون بلا مأوى، وبلا مال، وبلا أقارب. لقد جاؤوا بأنفسهم، وتركوا كل شيء وراء ظهورهم..
وهنا جاء الوقت لتفعيل الأخوة، ونقلها إلى درجة الإخاء والمؤاخاة. أي من التعميم إلى التخصيص والتعيين، ومن القول والادعاء، إلى الفعل والأداء.
وفي صحيح الإمام البخاري: (باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار).
فجعل كلَّ مهاجري أخاً لأنصاريّ، يشاركه ويقاسمه مؤونته ومعيشته.. فرضي الأنصار بذلك ورحبوا، بل عرضوا أن يُعطُوا أكثر مما طُلب منهم..
وفي صحيح البخاري أيضا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الأنصار قالوا لرسول الله: “اِقسِمْ بيننا وبينهم النخل. قال (لا. قال: تكفوننا المؤونة وتشركوننا في التمر). قالوا: سمعنا وأطعنا”.
فكان هذا الإخاء تكافلا تاما بين كل متآخيين، في متطلبات حياتهما، حتى إن أحدهما كان يرث الآخر عند وفاته.. وهذا فضلا عن الأثر المعنوي والنفسي لهذا الإخاء.
“قال السهيلي: آخَى بين أصحابه ليُذهِب عنهم (عن المهاجرين خاصة) وحشة الغربة، ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد بعضُهم أزر بعض. فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة، أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلهم إخوة، وأنزل {إنما المؤمنون إخوة} يعني في التوادد وشمول الدعوة” – عن فتح الباري 7/ 270.
الإخاء بين الأسرى الفلسطينيين وإخوانهم من المسلمين
والمقترح الآن هو: أن نسعى إلى إقامة إخاء وتآخٍ فعلي، بين الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، وبين إخوان لهم من المسلمين في أي بلد من بلدان العالم، ممن يرغب في هذه المكرمة. ويكون التآخي إلى أجل غير مسمى، أو لمدة معينة قابلة للتمديد أو عدمه.
وبداية ذلك: أن تقوم إحدى الهيئات الفلسطينية من داخل فلسطين (كنادي الأسير الفلسطيني مثلا)، أو أكثر من هيئة، بإعداد قوائم – محيَّنة باستمرار – لكافة المعتقلين والأسرى الفلسطينيين، مع روابطِ الاتصال المباشر بهم، أو بمن يختارونه من ذويهم. ولْنصطلحْ على تسميتها مثلا: (هيئة التنسيق الداخلي).
بعد ذلك: تقوم هذه الهيئة بربط الاتصال مع هيئة مناسبة – تتحدد أز تنشأ لاحقا – تعمل خارج فلسطين، وتتكلف بهذا الأمر، إما كليا، أو جزئيا مع هيئات أخرى. ويمكن أن نصطلح على تسميتها (هيئة التنسيق الخارجي). وهي التي تقوم بتدبير عملية التآخي والربط بين كل أسير، وأخ له أو أكثر.
وبعد ربط الاتصال المباشر مع الأسير، أو مع من يفوضه، ستتحدد احتياجات الأسير وطلباته، لشخصه أو لأسرته، فيقوم أخوه المتآخي معه بما يستطيعه، ويستعين في ذلك بمن يريد، لخدمة الأسير وتلبية طلباته. ويتم ذلك مباشرة بين الطرفين.
وفي حال ما إذا نقطعت تلك الخدمات الإخائية، أو ضعفت، أو كانت قاصرة.. تقوم (هيئة التنسيق الداخلي)، أو الأسير نفسه أو نائبه، بالتنبيه على ذلك لمعالجته على الفور.
وهذه الفكرة المقترحة أضعها أمام الجميع على حد سواء. فمن حق أي مسلم، وأي هيئة أو جمعية، أخذ المبادرة، والسير بها نحو التنفيذ.
وسأكون فقط من المؤيدين والداعمين، ومن المتآخين.. وبالله تعالى التوفيق.