بقلم ذ. محمد غولي
من أشد المواضيع إثارة لدى دعاة تيار الحداثة موضوع : نظام الإرث في الإسلام … الذي يحمل في نظرهم تعسفا واضحا في حق المرأة المالي ، فهو من جهتهم يفاضل بين الذكر والأنثى ، فللذكر قسمتين وللأنثى قسمة واحدة ، وهو تمييز وإجحاف للنساء مجتمعات بعد استنفاذ حقهن في الثلثين عند انفرادهن بالميراث بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم ورجوع باقي التركة على أصحاب التعصيب سواء كان أبا أو أخا أو إخوة متعددين ، وهو وسيلة – في نظرهم دائما – لحرمان المرأة من حقها في ثروة أبيها كاملة مناصفة مع أخيها الرجل ؛ مما يضعف مكانة المرأة في النسيج الاقتصادي للمجتمع … حجتهم في ذلك مجموعة من الاعتبارات والاجتهادات المستمدة أساسا من المواثيق الدولية والاتفاقيات الحقوقية ، الداعية إلى حظر كل أشكال التمييز ضد المرأة … وبنص الدستور المغربي في الفصل 19 ” يتمتع الرجل والمرأة ، على قدم المساواة ، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية … أو باستحضار السياق التاريخي الذي جاء فيه التفاضل بين الذكر والأنثى في الميراث ؛ إذ يؤكدون أن التمييز بين الذكر والأنثى في نصيب الإرث كان مرتبطا بمبررات تاريخية مثل : تحمل الرجل أعباء نفقة الأسرة والأقارب ، ومسؤولية الدفاع عن العشيرة والقبيلة ، والمسؤولية التضامنية ، والنسب ، الأمر الذي أصبح متجاوزا اليوم ، بعدما أصبحت الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين ، وتراجع الأسرة الممتدة لصالح الأسرة النووية ، الشيء الذي جعل من المرأة أكثر حضورا في الفضاء العام ، حيث تشير الإحصائيات الرسمية الأخيرة أن نسبة الأسر التي تعيلها النساء قد بلغت 16,7 % من مجموع الأسر المغربية …
ولمناقشة هذه المبررات والحجج تنبغي الإشارة إلى الاعتبارات التالية :
أولا : ليس من مصادر التشريع الإسلامي – طبعا إذا سلمنا أن التعديلات المنتظرة لها طابع شرعي وليس وضعي – المواثيق الدولية والاتفاقيات الحقوقية ، إذ أن الانتقال من مجتمع فيه مسحة إسلامية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام ، إلى مجتمع علماني تغيب فيه التشريعات الإسلامية أمر يدعو إلى كثير من الاستغراب والدهشة ، فنحن هنا أمام تغيير جذري في كل مفاصل المجتمع…
ثانيا : كون الدستور المغربي يدعو إلى تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بكافة الحقوق والحريات المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية ، والثقافية والبيئية … فهذا لاينافي في شيء أحكام الشريعة الإسلامية إذ النساء شقائق الرجال في الأحكام فلا فضل لذكر على أنثى أو لأنثى على ذكر إلا بالتقوى … فكل الحقوق والحريات على قدم المساواة لقوله تعالى : “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة … “فمتى كان اشتغال المرأة حراما مادام أنه عمل صالح يفيد الفرد والمجتمع والأمة ؟!!! على العكس من ذلك المجتمع يقوم بالرجل والمرأة ، فكلاهما سواء في القيام بالواجبات والتمتع بالحقوق ، على قدم المساواة في ظل نظام إسلامي متكامل يوزع الأدوار بينهما دون شطط أو تمييز …
ثالثا : كون نظام الإرث في الإسلام يمنع المرأة من نصيبها في ثروة أبيها على اعتبار التفاضل القائم بينها وبين أخيها الرجل في الميراث أمر يدعو للاستغراب والحيرة … فنصيب المرأة من الميراث نصيب خالص ليس فيه تبعات وواجبات مادية اتجاه زوجها أو أسرتها ، أو أي فرد من عائلتها … لها استقلال تام في ذمتها المالية دون الحاجة إلى وجوب الإنفاق على أي كان حتى ولوكانت موسرة وزوجها معسر ، اللهم إن تفضلت بالنفقة تبرعا منها وليس إلزاما لها … فتجزيء نصيب الميراث من المنظومة الشاملة الداعية إلى تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة في ظل واجبات النفقة والقوامة والحضانة والولاية في شقها المادي بالنسبة للرجل كطابع عام ، وفي شقها التربوي الوجداني بالنسبة للمرأة كطابع مقابل، هو مايؤدي في الغالب للصراع والشنآن بين الزوجين نظرا لتداخل الواجبات والحقوق بينهما …
رابعا : لا أحد ينكر السياق التاريخي لوضعية المرأة في المجتمع المغربي ، نعم انتقلت من وضعية المرأة المعالة إلى وضعية المرأة المعيلة ولو بنسبة محترمة 16,7% ، لكن هذا لايدعو إلى قلب الموازين ، وتبادل الأدوار بينها وبين أخيها الرجل ، فتصبح هي معيلة وهو معال ، ينتظر راتبها الشهري للانتفاع به بحجة أنها عاملة مجدة وهو عاطل عالة عليها … الأصل في العملية هو التكامل وليس التنافس في الريادة وقلب مفهوم القوامة … الرجل قوام بمافضل الله بعضهم على بعض إذا توفرت فيه شروط القوامة من نفقة وقدرة نفسية ومادية على إدارة شؤون الأسرة ، والمرأة عاملة معينة وقد تكون معيلة إن أرادت ذلك على زوجها وأسرتها، دون أن تتخذ ذلك مطية للاستعلاء والاستقواء على زوجها ، بمبرر أنها معيلة وهو معال ؛ لأن الوضعية أساسا ليست تحت الإلزام وإنما بموجب التفضل والتكرم فقط … نعم قد تواجه المرأة هذه الوضعية مجبرة وليست مختارة ، إذا ماتوفي زوجها أو غاب عنها لفترة معينة أو أصيب بعاهة أو مرض عضال، آنذاك تستطيع مباشرة دور القوامة والتدبير لأسرتها دون حرج في ذلك …
للأسف غياب الوعي لدى معظم الرجال والنساء بأدوارهم الزوجية ، ناهيك عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية ، هو مادفع بالبعض إلى الدعوة بوجوب إعادة النظر في منظومة الأسرة المسلمة ، والدعوة صراحة إلى تطبيق القوانين المنظمة للأسرة الأوروبية ؛ وكأن هذه الأسر الغربية قد حققت الإنصاف للمرأة والاستقرار لفلذات أكبادها … في حين أن الواقع المعاش يكذب كل ذلك ، ومانسب الانحراف الأخلاقي ، والشذوذ الجنسي ، والتفكك الأسري ، والسلوك العدواني….إلا أرقام شاهدة على فشل الأسرة الغربية على أن تكون قدوة ونموذجا يحتذى بها من قبل المجتمعات الأخرى …
ذ.محمد غولي
تبارك الله ماشاء الله
حفظك الله ورعاك أخي معاذ…