في آخر حوار مع الفنان فتاح الخِيَّالة
منقول عن موقع الزميل خالد الخضري :https://khalidelkhodari.com/
نورس البريجة: خالد الخضري
أولا: “حين مرضت لم يعد أحد يعرفني“ !! ؟؟
المقال الحامل لهذا العنوان عن الفنان الجديدي الراحل فتاح الغصن المعروف ب”فتاح الخيالة” وكذلك الحوار المصور معه والمبثوت في اليوتوب عبر قناة (نورس البريجة)، تم إنجازهما في متم سنة 2022 حين هممت بتكريمه في الدورة 11 لمهرجان الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة في نفس السنة. وقد اشتكى فيه فتاح عن شعوره بالوحدة وبأن الجميع تنكر له، حيث قال بالحرف:
((كل ما أتمناه هو أن يتعاون الموسيقيون فيما بينهم تواصليا، اجتماعيا وصحيا. فأنا شخصيا كان الجميع يعرفني ويسأل عني، لكن حين مرضت لم يعد أحد يعرفني)).
وستشهادون وتسمعون هذا بالصوت والصورة في الفيديو المرفق. وقد نشرت في متم المقال عنوان ورقم هاتف المرحوم فتاح بأمل أن يتصل به محسن ما أو بعض زملائه وأصدقائه من الفنانين ولو على الأقل من باب السؤال، ولكن ولا واحد؟ أقولها وأكررها مسطرا عليها بالأحمر”ولا واحد” رفع السماعة للسؤال عن فتاح الخيالة، فكنت كلما جالسته بمقهى الأندلس الكائن قرب بيته حيث شاهدته لآخر مرة بيومين قبل وفاته، وسألته هل اتصل به أحد، يجيب يإيماءة برأسه بالنفي ثم يبتسم ابتسامة مرارة وسخرية في آن واحد ، فلم أعد أسأله.
والآن بعد وفاة فتاح الخيالة كثر السائلون والمحسنون والداعون والواعظون، وتكونت مجموعة عزاء لذويه، وهذا شيئ جميل لكنه جاء متأخرا. إنما يبقى وجودها خير من عدمه وجازى الله الإخوان الذين ساهموا ولا يزالون في هذه الحملة التضامنة ولوبقليل فأجره كثير. حبذا فقط لو نأخدعبرة مما حدث له قبل وفاته، فهذه الأخيرة جاءت حين انتهى أجله وحل قدره ولا راد لقدر الله، فأنا إنما أتحدث عما عاناه في حياته على إثر بتر ساقيه ومن بعد إصابته بالقصورالكلوي ونسيان الجميع له. ولكننا لن نعتبر فسوف تتكرر مأساة فتاح الخيالة مثل مآسي عدد من فنانينا أمثال الموسيقي امحمد برشيد (بحيبيبحة) والمسرحي مصطفى صيكوك وغيرهما ممن لايزالون على قيد الحياة أطال الله عمرهم، وهم يعانون في صمت وكبرياء من العوز والمرض والبطالة المقنعة إن لم أقل الظاهرة. فلهؤلاء يجب أن نلتفت ونكَوِّن مجموعات التضامن عبر الواتساب والفايسبوك و و و ولكن الشيء المؤكد هو أننا لن نفعل. “كية اللي جات فيه”.
ثانيا: من هو فتاح الخيالة؟
نجم من نجوم الطرب الشعبي بالجديدة وبإقليم دكالة والوطن ككل، سطع منذ ثمانينات القرن الماضي واستمر لما يربو عن 30 سنة، إنه عبد الفتاح الغصن المشهور ب”فتاح الخيالة”. ابن صالح بلحَيْمر وحليمة بنت محمد، ولد في 7 يناير 1969 بالمحمدية ثم انتقل ولما يتجاوز عمره الخمس سنوات مع أسرته إلى الجديدة سنة 1974.
في مدرسة أحمد المنصور الذهبي حصل على الشهادة الابتدائية، وبمؤسسته القدس الحرة تابع دراسته الثانوية التي انقطع عنها مبكرا لشغفه المفرط بالموسيقى حيث كان شبه مرابط بدار الشباب “البْرَيْجة” لا يفارق الموسيقيين إلى أن التحق بمجموعة “المجاهد” كعازف إيقاع ومنشد رفقة حسن عفان، عبد الفتاح وَكِلي، جواد حبشي وعبد السلام نصفان.
في مستهل الثمانينيات انظم إلى مجموعة “الخيالة” التي شملت آنذاك السادة: نور الدين حشلاف، عازف (البوزق) امحمد برشيد أو بحبيبة (الكمان) حميد جليل، عبد الكريم العاطي الله وهو كعازفي إيقاع ومنشدين.
في بداية التسعينات أسس مجموعته الخاصة التي حملت ولا تزال اسم “فتاح الخيالة” حيث برز نجمه بشكل لافت إلى درجة أصبح نفر مهم من مشاهير الطرب الشعبي يؤدون أغانيه المتميزة مثل: (الميمة) (شطنتني) – (مادار فيا) – (شوف ألعالي) – (ما دار فيا) – (عزيتو عز حبابي واغدر بيا) – (حبك شد فيا شدة وحدة ما بغا يرحمني) وخصوصا (اسمعت اليوم اللّوم) التي تردد حاليا بشكل واسع في الحفلات بمختلف أنواعها والتي يقول مطلعها: ”سمعت اليوم اللوم. نعست ما جاني نوم. الكمنجة تبكى. حاسكة قلبي. الوتار يوتر. السواكة سواك الحر. آهيا المعلم. دردك لا تحشم. نغمة خيالية عزيزة عليا”
غنى عبد الفتاح الخيالة في الحفلات الخاصة والعامة والأعراس والمناسبات الوطنية والمهرجانات داخل وخارج مدينة الجديدة، كما غنى إلى جانبه عدد مهم من مشاهير الطرب الشعبي ضمنهم: الفنانة خديجة البيضاوية، الحاجة سعاد، نعيمة الشتوكية المعروفة ببنت الرجيلة، عايشة السعدية وغيرهن.
أما نوعية القطع التي كان يؤديها فتاح فتتوزع بين البراول والسواكن والعيوط المرساوية إضافة إلى أغانيه التي هي من تأليفه وتلحينه مسجلا كثيرا منها في أشرطة وأسطوانات مضغوطة، ولا تزال إلى الآن تجد إقبالا جماهيريا عبر قناته اليوتوب الحاملة لا سم ” فتاح الخيالة”.
فتاح الغصن أصيب قبل 14 سنة خلت عام 2008 بداء السُّكري الذي تفاقم به فاضطره إلى قطع رجله اليسرى سنة 2019، الشيء الذي جعله لا يتنقل إلا عبر كرسي متحرك وبالكاد على رجل اصطناعية. كما حرمه تقريبا من الغناء، فلا يشارك إلا من حين لآخر في حفلات محدودة ومتقطعة، ولولا مساعدة ابنتيه ابتسام ووجدان ما وجد من يعيله هو وبقية أبنائه الثلاثة، وهم: عثمان 21 سنة، جنات 10 سنوات، صلاح توأم لوجدان 27 سنة ثم ابتسام 28 سنة.
فتاح الخيالة الذي أطرب الجديديين وضيوف دكالة خلال 3 عقود مُدخلا الطرب والبهجة إلى قلوبهم وبيوتهم، يعيش الآن شبه نسيان وعزلة حيث قال بالحرف وبحرقة وأسى وعينين مغرورقتين بالدموع:
“كل ما أتمناه هو أن يتعاون الموسيقيون فيما بينهم تواصليا، اجتماعيا وصحيا.. فأنا شخصيا كان الجميع يعرفني ويسأل عني، لكن حين مرضت لم يعد أحد يعرفني”
قال هذا وشرد بعيدا يتأمل رجلا يمشي على رجليه.
يقيم فتاح الخيالة في رقم 3 درب برق الليل، مرشان، الجديدة. هذا رقم هاتفه لمن أراد أن يسحب عنه ستار النسيان ويفك عنه شبح العزلة. ولو فقط بالسؤال عنه: 06.68.44.44.88
* ملحوظة: (نشر هذا المقال لأول مرة بهذالموقع بتاريخ 22 دجنبر 2022 كما نشر في كاتلوغ مهرجان الأيام الsينمائية لدكالة بالجديدة في نوفمبر من نفس العام وفي عدد من المنابر الإعلامية الورقية والإلكترونية)
توفي فتاح الخيالة عن عمر 55 سنة رحمه الله فجر يوم الجمعة 24 ماي 2024 بالعنوان أعلاه. وفيما يلي الحوار الذي تم إنجازه معه، قيد حياته طبعا: