السينما والعهد الجديد
بقلم الدكتور عبد الله صدقي
ظلت التقاليد القديمة جاثمة على حالها، وبدت الأجيال العاشقة لها والمهتمة ترضخ لواقعها، وتركع لكل معتقداتها في تبجيل المبدعين السينمائيين السابقين (كتاب الأفلام (سيناريست) مخرجون، ممثلون، منتجون …)، من غير أن نحرك ساكنا، ونفكر في طبيعة الحياة، التي تتطلب ضرورة تطوير كتابة السيناريو وإخراجه من بوثقة الطرق التقليدية الكلاسيكية، لأن القديم والمعتاد ليس قرآنا، بل يجب تطويره ولما لا تجاوزه، في طريقة تقديم الشخصيات، تناول الحبكة، البناء الهندسي، بسط الأزمنة، ربط الفضاءات، طرح الرؤيات للعالم، وابتكار الزوايا، والتوسع في تقنية الوصف، وبناء جديد لصيغ الخطاب والمونولوج، وهندسة المواقع الانتمائية والايديولوجيا، وتمديد التفاعل، وتغيير نوع التيمات وطريق تناولها، والعمل على الإبداع في التداخل بين الخيال والحلم والميتافيزيقا والتصورات، وطرق الحصول على تناغم المكونات السينمائية من السيناريو إلى الإخراج إلى التمثيل إلى الفرجة …
وقد نرى أهمها في ابتكار طرق غير مستهلكة بل جديدة لا قبل للمتفرج بها، ذلك قيما يخص (طرح الأسئلة الجوهرية) المتعلقة بالتيمة أو التيمات المكونة للفيلم، ومحاولة تقديم مقاربات جديدة خاصة بالمسافة الجمالية، يكون فيها المتفرج (الجمهور) القارئ السامع والرائي فاعلا متفاعلا بأفقه، تسمح له بتفاعل ذخيرته مع ذخيرة السيناريست والمخرج، حتى يتحرر من السيناريست والمخرج، وينجز أسئلته الخاصة (نظرية التلقي)، أملا في صياغة رؤية جديدة للحياة، بدلا من أن تبقى السينما بين أيادي أكل عليها الدهر وشرب، يتناقلونها (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) … بعدما أصبحنا ندرك تماما كل التقنيات السينمائية التي تركها اجدادنا.
نحن في 2024 عصر الأنترنيت عصر الذكاء الاصطناعي، الفيلم أو الشريط ذو الطرق التقليدية الأمريكية تُجوِّزت، والناس لم يعودوا يتابعون الأفلام ، (مثلا على مستوى الزمن) ساعة أو ساعتان، أو حتى ربع ساعة، وهو ما يدعو السيناريست إلى إعادة النظر في زمن الفرجة، ليس الزمن فقط، بل في عمومية خصائص ما يتعلق بالسينما، و استخراج طرق إبداعية جديدة تليق بالذكاء الاصطناعي … وبفصيح القول، لقد أصبحت السينما وكتابة السيناريو والإخراج عجوزا وانتهى أمرها، وهذا ليس عيبا، إنها سنة الحياة وسنة التطور، فماذا بعد التقليد الذي سيْطر ردحا من الزمن .
لا يجب أن نكذب على أنفسنا ونضللها عن الحق، صحيح سيظل دعاة الجمود يعارضون التجديد ويحاربون دعاة التجديد، وهذا طبيعي، حدث ويحدث في كل المجالات حتى العلم ظهر فيه معارضون للجديد، وفي الأدب والشعر وغيرها… كلنا نؤمن وندرك أن القدماء لهم تقاليدهم في كيفية عيش الحياة، وأجيالنا لها الحق أن تبني منظومة قيمها الجديدة التي تؤلف تقاليدهم الخاصة، لا نعادي أحدا ولكننا نؤمن بالتطور، فإذا كان العلم المضبوط ( فيزياء كيمياء رياضيات) يتطور، فكيف نعارض تطور الفن الذي يرتبط بالروح والنفس ويحتل فضاءً غير محدود… فكذلك نرى ضرورة العمل وتشجيع الشباب المبتكر في الفن السينمائي، أن يفكروا في تطوير الصورة وتوظيفها، وتطوير كل تقنيات الكتابة القصصية والروائية والسينمائية، فحين نطلب من المبتكرين الشباب والأجيال الجديدة المهتمة بالمجال أن يفسحوا خيالهم ليبتكروا ويُبدعوا بمخيلتهم، فسنرى حضارة جديدة تسطع على هذه الأرض، بدلا أن ننتظر غيرنا، ويكون لهم دائما السبق الحضاري، ليضحوا الأصل، ونحن النسخة من الأصل، بعد ذلك نصير نشازا في هذه الحياة، وفوطوكوبي للغرب، بل نصير ظلا باهتًا لهم …فهل من مذكر …