مجرد رأي

غمزة : الخوف عليك أيها المراسل الصحفي

أخاف على المراسل  الصحافي الذي يلبس لكل حالة لباسها، و لا يملك موقفا محددا، و تجده ساعة هنا، و ساعتين هناك، مع الموقعين على كل العرائض، ومع الرافضين لكل شيء، لكن أيضا مع الموافقين على كل شيء.

       أخاف على المراسل  الصحافي الرعديد المبتلع لسانه حين يلزم القول، الخائف من نفسه أولا و قبل كل شيء، يرى الخطوط الحمراء و الصفراء و الزرقاء في كل حتة و كل مكان، يكاد يسب نفسه و يكرهها إذا ما وجد نفسه ذات يوم ملزم باتخاذ موقف ما، يريد السلة دون عنب، ودون أي نوع آخر من أنواع الفاكهة، بل لا يريد شيئا على الإطلاق، يريد السلامة فقط.

       أخاف على المراسل  الصحافي الذي لم يكن صحافيا في يوم من الأيام، و الذي لن يكون صحافيا أبدا. وحدها صدف وعثرات السنوات و الزمن الصعب وضعته هنا، في الوقت الذي كان من الممكن فيه أن يكون – خياطا مثلا، أو تاجر أقمشة أو بائع حمص و….- لولا بعض السخرية الدنيوية و القدرية، التي ابتلته – هو الآخر – بمهنة المتاعب، و جعلته يتعب و يتعب باستمرار، دونما أمل في التوقف لا عن التعب، و لا عن الإتعاب…

       أخاف على المراسل  الصحافي الذي لا يضبط اللغة التي يحرر بها مصطلحات كلماته و مقالاته، مما يجعله شبيها بلاعب كرة –كوامنجي- يتقن فقط إضاعة كل فرصة، سوى أن للاعب الكرة غير الموهوب حظ اللعب أمام جمهور يصفر ضده في الوقت الذي لا يمكن التصفير يوميا في وجه عدد كبير من المتهجمين على لغة التحرير في بلدنا ، إذ ستصم حينها كل الآذان.

       أخاف على المراسل  الصحافي المستعد دوما للاستسلام أمام المغريات مهما تفهت و كانت بسيطة و سهلة لا تستحق، و تتغير كل مواقفه بمجرد تسليط أضواء كاميرا عليه، أو أن يبيع أهله جميعا بمجرد تسليمه ظرفا من تلك الأظرفة التي تعرف المراسلين الصحافيين و يعرفونها دونما حاجة لفض بكرتها ( ألا يتندرون بذلك  الزميل”  الذي يعرف كم في الظرف دون فتحه من كثرة الخبرة و التجربة).

       أخاف على المراسل  الصحافي الذي يسخر كل ما علمته إياه الأيام فقط للوصول: تجده يكتب بحساب المصلحة، هذه سترضي هذا، و هذه ستجعل فلان يستدعيه لديوانه، و هذه ستفرض على علان أن ……، و هذه ستوصله إلى …، و الأخرى سترميه إلى …، و هكذا… المشكل هو أنه لا يصل في النهاية إلى ما أراد في البدء الوصول إليه، بكل بساطة لأنه لم يكن يعرف إلى أين يريد الوصول…

       أخاف على المراسل  الصحافي الذي يركن مطمئنا لآراء زوجته و… و بعض أصدقائه فيه و فيما يعمله و يكتبه و يقدمه، و لا يكلف نفسه عناء تسقط أنباء و لو صغيرة عن تقبل الناس الذين ينشر فيهم ما يقترفه إطلاقا، إذ هم لا يهمونه، و لا يكتب لهم، و لايشتغل من أجلهم أو في رواية أخرى، لا يقرؤونه و لا يقرؤون له – و قيل – لا يريدونه…

       أخاف على المراسل  الصحافي صاحب المصادر المطلعة و المتطابقة و شديدة الإطلاع و الواصلة و العليمة و القريبة من مصادر القرار… التي ينكشف أمرها في نهاية المطاف ليتضح أنها نفس المصدر، و لا ثاني له على الإطلاق. هو . هو مصدر كل شيء، و لاحاجة لتوضيح الفاضحات .

       أخاف على المراسل  الصحافي الذي يجند كل طاقاته الإبداعية لكي يكتب.   

       أخاف على المراسل  الصحافي الذي يلعب دور البطل الشجاع، و هو جبان يمشي على الأقدام مهرولا نحو الأمان. تجده ينشر الإفتتاحية – بأسلوبه الركيك – قائلا فيها أنه ” و الله لن … مهما وقع … و إلا فإن …  ” و قس على ذلك ما شئت من هذيان، لكنه ينـزوي في ركن قارورته في المساء صحبة ذلك الذي نهره في الهاتف و اعطاه الموعد هناك ” كيف كتبت ما كتبت يا…؟” ليجيب – بكل شجاعة الجبناء- ” المرحلة يلزمها بعض اللبس و الإلتباس و اللبوس و اللباس”

       أخاف على مراسلين  صحافيين آخرين، لهم لائحة طويلة  في مسائلة كثيرة مخزية، نعرفهم و يعرفوننا و نزاملهم و لا داعي…..   لكن لا شيء يمنع المرء من انتقاد بعض ما لا يسير بشكل مضبوط فيها، ففي ذلك كل الخير لكل الخائفين.

                                                        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى