“لا نريد العيش في سجن”.. مخيم نور شمس صورة مصغرة عن غزة.
عن موقع: الترا صوت
تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات توغل، بشكل مستمر، داخل مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين في مدينة طولكرم، فقد أصبح المخيم مركزًا رئيسيًا للعمل المقاوم في الضفة الغربية المحتلة.
تنقلت صحيفة “الغارديان” إلى المكان، وأعدت تقريرًا عن الأوضاع داخل المخيم، كما التقت عددًا من المقاومين وقادتهم.
تشير الصحيفة البريطانية إلى أن المخيم يغرق في الظلام ليلًا ما عدا ضوء القمر الذي لا ينفذ إلى متاهة الأزقة الضيقة، حيث يقوم سكانه بتغطيتها بقطع القماش المشمع الأسود، لحجب الرؤية عن المسيّرات الهجومية الإسرائيلية.
في ممر مكشوف لا يزيد عرضه عن متر، بين المنازل التي شيدت بشكل رديء، استقبل قائد كتيبة طولكرم في المخيم محمد الجابر، المعروف باسم أبو شجاع، موفدة الصحيفة.
المخيم يغرق في الظلام ليلًا ما عدا ضوء القمر الذي لا ينفذ إلى متاهة الأزقة الضيقة، حيث يقوم سكانه بتغطيتها بقطع القماش المشمع الأسود، لحجب الرؤية عن المسيّرات الهجومية الإسرائيلية
كان برفقة أبو شجاع، البالغ من العمر 25 عامًا، اثني عشر شابًا خرجوا من الظلام. مثله كانوا يرتدون ملابس سوداء ويحملون مسدسات وبنادق.
قال قائد كتيبة طولكرم في المخيم: إن “المسلحين تجنبوا نقاط التفتيش الإسرائيلية والمسيرات والتكنولوجيا تتبع موقعهم في رحلتهم التي امتدت 60 كيلومترًا من جنين، لأن هناك عملًا يجب مناقشته”.
تقول “الغارديان”: “هذا هو الواقع الجديد في نور شمس، الذي يبعد أربع كيلومترات فقط من الخط الأخضر والجدار الفاصل الذي يفصل الضفة الغربية المحتلة عن إسرائيل”. وتضيف: “لقد دمرت الغارات الجوية ومعارك الشوارع الشرسة مع القوات الإسرائيلية المخيم، مما أكسبه لقب غزة الصغيرة”.
هناك مبان مدمرة في كل مكان، بما في ذلك مركز الشباب، في حين تم تجريف الطرق بواسطة الدبابات. وغالبًا ما يتم قطع المياه والكهرباء. كما توجد أكوام من الإطارات ملقاة في الساحة المركزية، جاهزة لإشعال النار فيها لعرقلة الغارة الإسرائيلية القادمة. عند كل مدخل، ينقل رجال بأجهزة اتصال لاسلكية حركة الذهاب والإياب من وإلى مخيم، هم في حالة تأهب لعملاء إسرائيليين سريين أو أي شيء غير عادي. لا يتم إخفاء عبوات الغاز التي تُستخدم في صنع العبوات الناسفة البدائية، هكذا تنقل الصحيفة البريطانية تفاصيل الأوضاع داخل المخيم.
خلال زيارة موفدة الصحيفة للمخيم، الشهر الماضي، تحدث إليها أحد قادة الكتيبة، سعيد الجابر، قائلًا: “انظروا إلى حياتنا هنا.. البحر الأبيض المتوسط يبعد عنا 10 كيلومترات، ويمكنك رؤيته من التل، لكنني لم أصل إليه قط. يطلق الإسرائيليون علينا لقب الإرهابيين، لأننا لا نريد أن نعيش في سجن”. بعد بضعة أسابيع قُتل الجابر في هجوم لمسيّرة إسرائيلية.
تقول الصحيفة البريطانية: “على مدى الأشهر التسعة الماضية، هيمن الموت والدمار الناجم عن العدوان الإسرائيلي على غزة، لكن الأراضي الفلسطينية الأخرى، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس المحتلة، تواجه أيضًا إراقة دماء متصاعدة”.
ولفتت: إلى أن “الغارات التي تشنها القوات الإسرائيلية على المقاومين في مخيمات اللاجئين مثل نور شمس ليست جديدة. هناك 19 مخيمًا في جميع أنحاء الضفة الغربية، أقيمت للفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم بعد احتلال إسرائيل لفلسطين، وقد عملت العديد منها منذ فترة طويلة كمراكز للمقاومة ضد الاحتلال الذي دام 57 عامًا. اليوم، تشبه هذه المخيمات الأحياء الفقيرة، ولا تزال تعاني من معدلات عالية من الفقر والبطالة”.
أبو شجاع
في أذار/ مارس 2022، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية “كاسر الأمواج”، وهي غارات شبه ليلية، تركز في الغالب على مخيمات الضفة الغربية، ردًا على أعنف موجة من العمليات الفلسطينية تستهدف الإسرائيليين منذ 20 عامًا.
ومنذ ذلك الحين، تدهورت الأوضاع في الضفة الغربية بسرعة، يقول الشباب في المخيمات: إنهم “لا يملكون خيارًا سوى حمل السلاح للدفاع عن مخيماتهم ضد التوغلات الإسرائيلية”.
تشير “الغارديان” إلى أن السلطة الفلسطينية، التي تسيطر إسميًا على المدن والبلدات في الضفة الغربية، وتقوم بتنسيق أمني مع إسرائيل، ليس لها أي نفوذ داخل المخيمات.
ويدعي الجيش الإسرائيلي: أنه “يعمل في المخيمات وأماكن أخرى في الضفة الغربية لمكافحة الإرهاب”.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان هناك زيادة كبيرة في هجمات المقاومة، إذ يقدر جيش الاحتلال العدد بأكثر من 2000 عملية.
من جهتهم، يتحدث العديد من سكان مخيم نور شمس، عن أن “العنف المتصاعد يغذي كل من المقاومة الفلسطينية المسلحة والدعم الشعبي لتنظيمات مثل حماس والجهاد الإسلامي”.
تشير “الغارديان” إلى أن الجيل الجديد من المقاتلين في الضفة الغربية ينتمون في الغالب إلى الفصائل الفلسطينية التقليدية، مثل حماس والجهاد الإسلامي وفتح. يقول أبو شجاع: إنه كان عضوًا في حركة فتح، لكن انتقل إلى الجهاد الإسلامي، بعد تكثيف الغارات الإسرائيلية على المخيم في أعقاب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
يوضح أبو شجاع، بأنهم يقاتلون من أجل فلسطين ضد الاحتلال، وسيقاتلون تحت راية أي تنظيم “يساعدنا في الدفاع عن أنفسنا”.
تتكرر مشاهد مماثلة في جميع أنحاء الضفة الغربية، فإلى “جانب مخيم نور شمس، تحمل طولكرم وجنين ونابلس وقلقيلية المجاورة العديد من الندوب الجديدة، التي سيستغرق شفاؤها جيلًا كاملًا”.
في المخيم، يُبجل الأطفال أبو شجاع ورجاله، ويطلبون منهم حمل بنادقهم والتقاط الصور معهم.
تلفت الصحيفة البريطانية إلى أنه لم يبقى يسكن في المخيم سوى نحو سبعة آلاف شخص، العديد من المقاتلين الشهداء الذين خلدت ذكراهم الآن في ملصقات الشهداء، هم إخوتهم وآباؤهم وأبناء عمومتهم.
في المخيم، يُبجل الأطفال أبو شجاع ورجاله، ويطلبون منهم حمل بنادقهم والتقاط الصور معهم
في مقبرة نور شمس، كان على القائم بالمقبرة أن يبدأ في إعداد قطعة أرض جديدة، فقد دُفن هنا نحو سبعين شخصًا منذ تشرين الثاني/ أكتوبر.
تبكي أم سليمان، البالغة من العمر 67 عامًا، على قبر ابنها وأظهرت لصحيفة “الغارديان” صورًا وفيديو له، وقالت: إنه “أب لطفلين يبلغ من العمر 30 عامًا، لم يكن له أي علاقة بالقتال. استشهد في هجوم بمسيّرة كانت تستهدف شخصًا آخر”.
تعبر أم سلمان عن خوفها على مستقبل أسرتها، قائلةً: “ماذا يفترض بنا أن نفعل؟ أريد لأطفالي وأحفادي أن يحظوا بالأمل وأن يعيشوا حياة أفضل. وبدلًا من ذلك، أقوم بدفنهم”.