في ظل الاستعداء الطائفي بين السنة والشيعة..فهم التباينات وتجنب الوعي الزائف
بقلم :الشيخ الحسن بن علي الكتاني
رئيس رابطة علماء المغرب العربي
تنتشر حالة من الفوضى الذهنية، في ظل الاسترسال خلف الأوهام والظنون، فتجد من يحلل موضوعا ليس لديه عنه معلومة صحيحة، ويبني تصورات مبنية على افتراضات ذهنية تجافي حقائق ومعطيات واقعية عديدة. وبالمثال يتضح المقال:
• أولا: إن العلاقة بين حزب الله والنظام السوري، هي علاقة مصالح متبادلة، وفي مرحلة قديمة سبق أن اصطدما معا، فحادثة ثكنة فتح الله عام 1987 يعرفها اللبنانيون والمتابعون جيدا، وفيها قتل النظام السوري 27 من عناصر حزب الله في هجوم على مقر الحزب الرئيسي ردا على انحيازه للفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان والقتال معها ضد حركة أمل الشيعية التي كانت تحظى آنذاك بدعم دمشق.
• ثانيا: إن الاستدلال بواقع العراق على العنف المذهبي فيه شطط كبير، إذ فيه تجاهل لطبيعة البيئة العراقية وكيفية خوضها للصراعات البينية: فالانقلاب الأكثر دموية في القرن العشرين بالمنطقة العربية، والذي أبيدت فيه الأسرة الحاكمة، حدث في العراق بمجزرة قصر الرحاب عام 1958، ثم لاحقا كان حكم صدام حسين هو الأكثر بطشا، وتظل واقعة “قاعة الخلد” فريدة من نوعها لم يفعلها غيره، حيث أعلن صدام خلال مؤتمر لحزب البعث أسماء عشرات الحاضرين بحجة أنهم منخرطون في مؤامرة ضده، فخرجوا من القاعة واحدا تلو الآخر ليلقوا مصيرهم، فضلا عما فعله بحلبجة الكردية وغيرها. وكذلك كانت نسخة تنظيم الدولة العراقية هي الأكثر دموية بين الجماعات الشبيهة، فيما المليشيات الشيعية العراقية تسفك دم بعضها البعض بشكل دوري مثلما يحدث بين أنصار الصدر وأنصار المالكي والخزعلي، وما حدث من تقتيل بحق الشباب في المناطق الشيعية خلال احتجاجات 2019، ولذا ما يحدث في تعاطي المليشيات الشيعية العراقية مع خصومها من أهل السنة يتسق مع طبيعة الحكم بالعراق، والذي لا يرحم خصومه.
• ثالثا: من الخطأ الشديد الاعتقاد بأن مشروع إيران هو إبادة للسنة بالمنطقة، بينما إيران يعيش فيها 15 مليون سني إيراني، لم يُبادوا أو يُجبروا على تغيير مذهبهم طوال 45 سنة من عمر نظام الحكم الحالي، ولم تحدث بحقهم مجازر، بحجم ما حدث في العراق، بعد الغزو الأمريكي على يد الجماعات الشيعية العراقية. فهؤلاء الأولى بالإبادة وفق تلك السردية. ولا يعني هذا أنهم لا يتعرضون لقيود وتضييق، أو لا يطالبون بحقوق دينية وسياسية واجتماعية غير معطاة لهم، فإيران في النهاية دولة مذهبية.
• وأخيرا، نجد بالمشهد السوري، أن أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد سنية المذهب، وكذلك زوجة ماهر الأسد، والعديد من قادة جيش بشار، فضلا عن الجنود، وصولا لعلي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني لسنوات، والذي أشرف على أجهزة الأمن السورية. فنظام الأسد يستند إلى قاعدته العلوية، لكنه يوظف الكثير من السنة لإدامة حكمه.
إن ما سبق لا يعني عدم وجود خلافات مذهبية، فهذا واقع موجود عبر قرون وله خلفياته وأسبابه الموضوعية، ولا يعني أن السنة لا يعانون من سياسات إيران في عدة دول، وفي مقدمتها العراق وسوريا، مثلما يعانون من سياسات الإمارات في السودان وليبيا واليمن ومصر. لكن إدراك تلك التقاطعات والتباينات مهم لفهم المشهد في المنطقة، وتجنب قراءة ما يحدث من منظور مذهبي فقط، فلغة المصالح المشتركة كثيرا ما تطغى على لغة المذهب، وبالأخص ممن لديهم دول ومناطق يحكمونها، إذ إكراهات الواقع وتعقيداته تكون حاضرة في حساباتهم.
الشيخ الحسن بن علي الكتاني
رئيس رابطة علماء المغرب العربي
https://t.me/hassanalikettani/18631