جوابا على بيان الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين – هِمَمْ –
نجيبة جلال
يبدو أن الأمور اختلطت على الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (هِمَمْ)، التي تحاول اليوم تسويق خطاب يبدو في ظاهره دفاعاً عن حرية التعبير، لكنه في جوهره يضرب في مصداقية المؤسسات الدستورية والقانونية للمملكة.
أولاً، دعونا نذكر الهيئة بأن حرية التعبير ليست مرادفاً للفوضى، ولا تعني إطلاق العنان للسب والقذف تحت ستار إبداء الرأي. الفصل 28 من الدستور الذي استشهدت به الهيئة يضمن الحق في التعبير، ولكنه يقرن هذا الحق بشرط الامتثال لما ينص عليه القانون. وبالتالي، فإن تجاوز هذا الإطار القانوني ليس ممارسة لحرية التعبير، بل هو إساءة لها.
ثانياً، البيان يزعم أن النيابة العامة تخالف مقتضيات الفصول 6 و442 و443 و444 من القانون الجنائي، متجاهلاً حقيقة أن هذه الفصول وُضعت لضمان التوازن بين حماية الحقوق والحريات العامة، وحماية الأفراد والمؤسسات من الإساءة والاعتداء على شرفهم وكرامتهم. من المثير للسخرية أن الهيئة تتحدث عن تطبيق القانون الأصلح للمتهم، في حين أنها تتهرب من الإقرار بأن السب والقذف لا يمكن تبريره بحرية التعبير.
ثالثاً، تاريخ الهيئة ومنتسبيها لا يعفيها من المساءلة. فالعديد من هؤلاء الذين يرفعون اليوم شعارات الدفاع عن الحقوق كانوا بالأمس أدوات لضرب المؤسسات بطرق ملتوية، والتشكيك في مصداقية الدولة، بل وحتى في سيادتها. والآن، عندما يتم استدعاؤهم للمساءلة القانونية، يلجؤون إلى ارتداء قناع الدفاع عن الحريات.
رابعاً، النيابة العامة، وفق الدستور والقانون، ليست جهة تقيد الحريات، بل ضامن لتطبيق القانون. ومتابعة الصحافي أو أي شخص آخر بسبب القذف أو السب العلني هو إجراء قانوني لا يستهدف الرأي، بل الأفعال التي تسيء إلى أشخاص وهيئات بعينها. فهل تقبل الهيئة، التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، أن تُنتهك حقوق الآخرين بذريعة حرية التعبير؟
وأخيراً، الحديث عن الالتزامات الدولية للمغرب يجب أن يكون مقروناً بالمسؤولية. فالمغرب صادق على المواثيق الدولية التي تحمي حرية التعبير، ولكنه أيضاً ملتزم بحماية حقوق الأفراد والمؤسسات من التهجم العشوائي.
إن الدفاع عن الصحافة والإعلام لا يعني الدفاع عن الإساءات، ولا يمكن تبرير أي محاولة لخلط الأوراق والظهور في موقع الضحية عندما يتم التصدي للمخالفات القانونية.ما تقوم به الهيئة اليوم ليس دفاعاً عن حرية التعبير، بل محاولة لتبرير التجاوزات، وهي بذلك تسيء إلى الفضاء الديمقراطي الذي يتيح النقاش الحر ضمن ضوابط القانون. المؤسسات ستظل صامدة أمام هذه المزايدات، والقانون سيظل الفيصل بين الجميع