الصحراء المغربيةالواجهة

شرف الجندي سلاحه …

    “شرف الجندي سلاحه” من أدبيات العقيدة العسكرية لكل جيوش العالم ، جيوش أنظمة ملكية كانت أم جمهورية … الأمر سيان مهما اختلفت النظم السياسية و الإيديولوجيات ، شأن هذا كشأن الزوج المتخلي عن شرفه و عرضه ….، عقوبتها في بعض الدول ترقى للخيانة العظمى و الإعدام في الأنظمة الشمولية ككوريا الشمالية أو الصين ، و السجن لمدد قد تطول و قد تقصر بحسب درجة الخطورة في الأنظمة الديموقراطية .

    وقفة ثلة من نساء و رجال و شباب و أطفال من مخيمات تندوف أمام معبر مهيريز ، معبر استحدث خصيصا لعبور أفراد بعثة المينورسو للقيام بدورياتهم في المناطق شرق الجدار ، وقفتهم تناقلتها مختلف المواقع الإعلامية الإلكترونية بما فيها المغربية …، فيديوهات عجت بها مختلف وسائل التواصل الإجتماعي ظهرت فيها أعلام الخصم و ترددت خلالها شعارات مناوئة .

    صور التقطت على بعد مترين من مركز عسكري للقوات المسلحة الملكية المرابطة في عين المكان ، حيث ظهر قرابة 17 من الجنود المغاربة الأشاوس ثلاث منهم فقط يتأبطون سلاحهم ، بذلاتهم الحربية تتمايز بين الأخضر و الأشهب فيما البعض منهم على ما يبدو عناصر من الدرك الحربي ، إمتشطوا هواتفهم النقالة مسجلين صورة و صوتا مجريات الأحداث ….، بخلاف أدبيات العقيدة العسكرية التي تحتم على الجنود في مثل هكذا حالات ، أن تكون أياديهم على الزناد مشهرين سلاحهم و على أهبة الإستعداد لأي طارئ …

    عدم الرغبة أو الأمر بعدم تأبط السلاح قد يوحي بحسب البعض بحالة استسلام للأمر الواقع ، و هو في هذا يكشف عن مكامن الضعف و الإرتخاء ….، بالتالي سوف يؤدى بالضرورة إلى إصرار الخصم على مزيد من التجرؤ …، للاستدلال على وجة النظر هذه ، تكفي إطلالة على ما يجري بمعبر الكركرات ، و ما قد تتبعها من خطوات تصعيدية قبيل أيام من استصدار قرار جديد لمجلس الأمن الدولي بخصوص النزاع .

    كما تجدر الإشارة إلى خرجات بعض فطاحلة المحللين السياسيين الذين قطنوا بقناة ميدي 1 ، في الوقت الذي يصول الخصم ببير لحلو و يجول بمهيريز و يتمختر بالكركرات كما يحلو له و يستحلي ، يكتفي محللنا السياسي هذا من مقره بالرباط بزلزلة الجزائر و صنيعتها البوليساريو … محذرا في الوقت ذاته من خطورة إبرام معاهدة دفاع مشترك بين الدولة الجارة و الصنيعة بحسب قوله ، متناسيا أن الجارة و الصنيعة هما دولتان باعتراف أسرتنا المؤسساتية الإتحاد الإفريقي .

    صحيح إن الامم المتحدة لا تعترف بالصنيعة كدولة قائمة الذات ، لكن في المقابل تعترف بالصنيعة كحركة تحرير لها تمثيليتها بالأمم المتحدة ، و هي حقيقة لا يتناطح بشأنها عنزان رغم ما يسوق و يشاع ، و إلا فلماذا نتفاوض و تفاوضنا و سنتفاوض بحسب منطوق القرارات الأممية (مستديرتي جنيف/ هيوستن/ و الله أعلم بمكان المستقبل المنظور ) …

    فطحلنا و جهبذنا هذا استفاض في خرجاته الإعلامية المتكررة ، مدعيا بأن بعثة المينورسو استحدثت لمراقبة وقف إطلاق النار ، و أن مسؤوليتها تنحصر فيما يقع شرق الجدار و تسجيل خروقات الخصم ، مطالبا الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها و ردع المعتدين ، وهذا في حد ذاته تعبير صارخ عن موقع ضعف في الموقف المغربي ، شبيه إلى أبعد الحدود بحالة الجنود المغاربة بمعبر مهيريز ، بالتالي تصبح صواريخه المزلزلة و خطاباته المحذرة دون أثر يذكر ، أي مجرد فقاعات إعلامية لن تغير من موقف الضعف هذا قيد أنملة .

    في مقابل القصف التحليلي ، نلاحظ أن الأمم المتحدة و بعثتها المينورسو للصحراء و مقرها العيون حاضرة الإقليم ، تكتفي بتسجيل المستجدات و تحرير التقارير و الأخذ علما بالوقفات و رفع الأمر إلى أنظار مجلس الأمن الدولي لاتخاذ ما يلزم ، لا تنديدا أمميا واضحا و لا شجبا دوليا صريحا بل مجرد تصريحات فضفاضة لجبر الخواطر قابلة للتأويل بما يخدم مصالح هذا الطرف أو ذاك … و يستمر الخصم في العناد و الجرأة … و معه يستمر المغرب في اجترار الشجب و التنديد …، بل الأخطر و المهين تصريحاتها بأن بعثتها لم تلاحظ ما يمكن اعتباره خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار ( أحداث الكركرات و معبر مهيريز ) ، فهل هو تواطؤ أممي صريح أم تهاون أم تملص من المسؤولية ؟ .

    في ظل هذا يستمر اللغط و القصف المزلزل كما يحلو للبعض تسميته ، و معه مزيدا من الوقفات على مرأى و مسمع جنودنا البواسل ، حيث يسود صمت القبور و تواري الزعامات الحزبية و تخاذل المتفرجين من الرسميين المغاربة على خرجات و وقفات الخصوم ، بينما اللحظة تستدعي المجابهة و (تحمار العينين) و سرعة اتخاذ القرار الصائب ، أما الإختفاء وراء جمعيات استرزاقية نسوية متاجرة بقضية دولة و شعب ، جمعيات تنشط فقط على الفضاء الأزرق دون أثر يذكر على أرض الواقع ، فلن يفيد و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على ارتهال مفاصل دولة و تصدع حاضنة شعبية و شرخ أصاب في مقتل الجبهة الداخلية …

    بتقييمي للوضعية الراهنة بشمال غرب إفريقيا ، نزاع الصحراء يعتبر حاليا مدخلا لمقاربة جيوستراتيجية ، و مطية لتحولات جيو سياسية تستهدف بالأساس النفوذ الفرنسي و تحجيم دوره في أزمات المنطقة ( مالي – ليبيا – النيجر – ليبيا …) ، و مع التحجيم و المحاصرة يضعف موقع الحليف التقليدي لفرنسا بالمنطقة ، بالتالي استهداف الخاصرة الرخوة ( الصحراء) لهذا الحليف ( المملكة المغربية) من شأنه تقويض النفود الفرانكوفوني في غرب إفريقيا ( مجموعة دول منظمة الاكواس) .

    حجر الأساس في المعادلة ، الجارة الشرقية للمملكة من زاوية الثقل الذي أصبحت تمثله على صعيد المنطقة و أزماتها ، عسكريا أقوي قوة ضاربة في إفريقيا / سياسيا استعادة الوهج الديبلوماسي من خلال نسج علاقات وطيدة متنوعة مع الدول الغربية الوازنة ( إيطاليا – إسبانيا – بريطانيا – أمريكا … مثال) / دستوريا القطع مع التقوقع و ترتيب التموضع ، أي بما معناه ، دسترة حق نشر الجيش خارج الحدود ، و هذا ما يمهد الطريق أمام عقد معاهدات دفاع مشترك على غرار المعاهدة التونسية الجزائرية .

    و من المرتقب أن يتكرر الأمر مع موريتانيا و ( الجمهورية الصحراوية الوهمية ) و مالي و ليبيا بعد الأزمة التي تعصف بها/ اقتصاديا من خلال فك الإرتباط و الإرتهان إلى عائدات النفط و الغاز مع التركيز على الفلاحة ( ثاني دولة عربية بعد مصر من حيث عائدات الفلاحة برقم صادرات يعادل 22 مليار دولار سنويا/ الصناعات الثقيلة و التحويلية الموجهة للتصدير بما فيها صناعة الآليات المدنية و العسكرية …) .

    الهدف المتوخى من كل هذا ، وضع حد للنفوذ الفرنسي بإفريقيا لصالح كل من الصين و روسيا و بدرجة أقل اليابان و الهند و تركيا ، و بدرجة أكثر مصالح الشعوب الإفريقية للتخلص من التبعية ( تصريحات الرئيس الروسي و الإيطالي فيما يخص سرقة فرنسا ثروات الدول الإفريقية ) ، و إلا فبماذا نفسر عسكريا ما أصبحت تشكله الجارة الشرقية من تهديد مباشر رادع لاي خطوة قد يقوم بها الغرب ( فرنسا بالخصوص) ؟ ، في محاولة لإعادة السيناريو الليبي في الجزائر و هو الأمر الذي تفطنت له روسيا و الصين ما بعد الأزمة الليبية ، فسارعتا آنذاك إلى تقوية دور الجزائر اقتصاديا و تسليحيا ….

    تسليح الجزائر لم يكن الهدف منه إشعال فتيل مواجهة عسكرية مع المغرب ، و هذه حقيقة يعلمها الجانبان ، للاستدلال و التوضيح ، صواريخ الإس 400 للدفاع الجوي مثلا تتعدى تغطيتها الجوية المجال الجوي المغربي لتشمل الأجواء الإسبانية و الفرنسية …، في حين تكفي صواريخ الإس 200 أو الإس 300 أو منظومة بانستير لتغطية الأجواء المغربية في حالة نشوب صراع مسلح بين الجانبين ، كذلك الشأن بالنسبة لصواريخ إسكندر ذات القدرة التدميرية الهائلة ، مداها يتعدى مسافة 600 كلم بما يشمل جغرافية الدول الأوروبية جنوب الأبيض المتوسط ، ما يميز هذه النوعية من الصواريخ دقتها في إصابة الأهداف .

    بالتالي تتوضح الرؤية التحليلية في مختلف جوانبها أكثر فأكثر ، لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار ما تشكله غواصات الثقب الأسود بحسب تسمية حلف الناتو ، و هي غواصات حديثة مجهزة بصواريخ كاليبير المجنحة تستهدف أهدافها من تحت الماء ( بعبع أوروبا باعتراف أمريكي ) ، ناهيك عما يتداول حاليا عن قرب تسليم أسراب من طائرة الشبح الروسية سو 57 , و كلها قدرات عسكرية تتعدى جغرافية المملكة المغربية ، ليتأكد بالوضح أن فرنسا هي المستهدفة .

    تأكيد فرضية أن فرنسا هي المعنية الأولى قياسا بدول المجموعة الأوروبية بملفات المنطقة ( ليبيا – تشاد – النيجر – مالي – بوركينافاصو – موريتانيا – الصحراء الغربية المغربية …) ، يقابله من الطرف الإفريقي بلد تجمعه الحدود مع أغلبيتها و مع فرنسا تاريخ استعماري مقيت عمر 130 سنة ، و لا زال هذا الإستعمار لحد الساعة يراوده الحنين إلى الماضي المقيت … و مع وضوح الرؤية نقترب رويدا رويدا من خلاصة مقال باي باي ماما فرنسا الذي نشر على موقع الجديدة نيوز مطلع السنة الجارية، و تتعزز الرؤية تأكيدا من خلال مقال آخر صدر منذ أيام تساءلنا عبره عن أفول نفوذ الديك الفرنسي في أحواشه الخلفية .

    زوار موقع الجديدة نيوز ، اليوم انكشفت خيوط اللعبة و بانت المقاصد و المرامي كما بانت سعاد ذات يوم في القصيدة ، المستهدف من كل ما يجري في منطقة شمال غرب إفريقيا و دول الساحل و الصحراء هو الأصيل و ليس الوكيل … و إلا فبماذا يمكن تفسير ثلاث زيارات مكوكية لوزير الخارجية الفرنسية للجارة الشرقية منذ بداية العام ، من بين مواضيعها مشكل الصحراء ، بالتالي يطرح السؤال عن محلنا نحن المغرب من الإعراب ، و هل ستضحي بنا فرنسا مقابل الحفاظ على ما تبقى من مصالحها … فالسياسة قبل كل شيء مصالح قبل أن تكون صداقات ؟ و بماذا نفسر الهرولة الإسبانية و الإيطالية و الألمانية و الأمريكية لغريمنا التقليدي ، آخرها رسو البارجة الحربية الأمريكية بالجزائر في زيارة … سموها ما شئتم ؟

    عصارة العصر أن عصر ماما فرنسا شارف على الإنتهاء و ما هي إلا مسألة وقت ، أفول الديك عنوان المستقبل المنظور و الأيام بيننا …

    إلى هنا أستودعكم معشر متتبعات و متتبعي و زوار ليل موقع الجديدة نيوز ، فلا تحسبن هذه مجرد هرطقات أنبأتني بها عرافتي … بل هي الحقيقة بعينها أو عين الحقيقة ذاتها …

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى