الواجهةثقافة وفنون ومؤلفات

لا وردة لحنان .. ولا اعتبار للسيناريست

بقلم نورس البريجة : خالد الخضري
*******************
    قدمت القناة الأولى مؤخرا فيلما روائيا طويلا بعنوان (لا وردة لحنان) .. سيناريو : عزيز الساطوري .. إخراج : سعيد خلاف .. والحقيقة ما أثارني في هذا الفيلم أو بعبارة أصح : ما “استفزني” هو جنيريكه الذي أغفل إسم أول وأهم نواة للفيلم برمته ولجميع الأفلام ألا وهو “كاتب السيناريو” لا سيما في جينريك البداية الذي قد ترتفع نسبة مشاهدته إلى 90 في المائة، بخلاف جينريك النهاية الذي لا تعاينه إلا القلة المهتمة، ويحدث ذلك غالبا في المسابقات المهرجانية. ففي جينيرك بداية فيلم (لا وردة لحنان) تم ذكر جميع العاملين فيه بل ومنهم من ذكر اسمه أكثر من مرة إلا السيناريست ؟؟؟ !!!!!

1 – ثالوث ثابت

    دأب العرف السمعي البصري عربيا ودوليا، على تخطيط ثالوث ثابت في جينريك البداية يكاد يغدو مقدسا غالبا ما ينهي به جينريك النهاية ويتعلق بأسماء: المنتج ، السيناريست فالمخرج. وهكذا ونحن نقدم أوراقا تعريفية لثالوث فيلم (لا وردة لحنان)، نطرح مقاربة وجيزة للفيلم الذي يتناول حكاية زوجة سائق طاكسي يتوفى تاركا لها طفلة صغيرة في سن التمدرس دون إرث يذكر، حتى المنزل الذي تقطنه تضطر لمغادرته أولا لعدم قدرتها على دفع أجرته الشهرية، وثانيا هروبا من تحرش مالكه الحاج بولحية المحترم !! فتسعى بدعم صديق زوجها لإيجاد شغل يسترها هي وابنتها. لكنها في سائر الأعمال التي ترتادها تتعرض للمضايقات تحرشا، استغلالا وتجريحا.. فتغلق في وجهها جميع الأبواب دون أن تلتم ولا على وردة واحدة مقابل أشواك تلسعها أينما وضعت يدها. ولذا أجد عنوان (لا “ورد” لحنان) بصيغة الجمع أقرب لمضمون السيناريو / الفيلم من صيغة المفرد (لا “وردة” لحنان).. دون أن ينتقص طبعا هذا الاقتراح من مصداقية العنوان الأول .

• السيناريست عزيز الساطوري :

    صحفي بجريدة الإتحاد الإشتراكي .. خريج جامعة لينين بيلاروسيا الاتحاد السوفييتي .. عضو مؤسس وعضو المجلس الإداري لجمعية الأعمال الاجتماعية للصحافة المكتوبة .. كاتب سيناريو الفيلم السينمائي الروائي الطويل “فداء” إخراج إدريس شويكة 2014. من مؤلفاته : “مسار مقاوم” منشورات مؤسسة الزرقطوني 2005 و”زمن الحب والموت، يوميات مغربي في كولومبيا” منشورات الاتحاد الاشتراكي 2012 . عضو اتحاد كتاب المغرب .. كاتب عام الجمعية المغربية لكتاب السيناريو .

• المخرج سعيد خلاف :

    بدأ مسيرته المهنية في صناعة السينما في مدينة فانكوفر الكندية سنة 2003.. شارك في كتابة عدة مسرحيات. انضم سنة 2004 إلى مدرسة فانكوفر السينمائية فأنتج وأخرج عروضا للقناة الكندية (Canal M) .

    أخرج سنة 2006 فيلما سينمائيا روائيا طويلا: (مسافة ميل بحذائي) فاز من خلاله بعدد من الجوائز الوطنية والدولية من بينها: الجائزة الذهبية لأفضل فيلم روائي طويل في الدورة 4 لمهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية .. الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة 2016 إضافة إلى جوائز: أفضل ممثل رئيسي للممثل أمين الناجي، وجائزة أفضل ممثلة رئيسية للممثلة فاطمة هراندي، ثم جائزة أفضل موسيقى أصلية لمحمد أسامة. كما حصل على جائزة (الحصان البرونزي) في الدورة 25 للمهرجان الإفريقي للسينما والتلفزيون في واغادوغو 2017… من مسلسلاته: (المفتش قاسم) بالقناة الأمازيغية 2017 و(عيون غائمة) 2019 .

• المنتج بوشتى إبراهيمي :

    صاحب شركة “بوشتى فيزيون” .. رئيس الغرفة المغربية لمنتجي السمعي البصري.. عضو مصلحة مراقبة الأفلام بالمركز السينمائي المغربي. أنتج عددا من الأعمال السينمائية والتلفزيونية لقي بعضها استحسانا جماهيريا من طرف النقاد والمهتمين كما حصلت على جوائز مختلفة. من بينها من حيث الأفلام السينمائية الروائية الطويلة: (ولولة الروح) سيناريو عثمان أشقرا، إخراج عبد الإله الجوهري . (بوقساس بوتفوناست) إخراج : عبد الإله بدر، سيناريو بوشتى إبراهيمي .

أنتج وأخرج للقناة الأولى :

– أفلام وثائقية بعنوان: (منابع الهوية) و(معالم وجدور)
– ومن إخراج عبد الله داري أنتج سلسلة وثائقية من عشر حلقات بعنوان (مواقع ووقائع)
– (عام في الغربة) سيناريو يوسف كرامي، إخراج إدريس صواب.

أنتج للقناة الثانية :

– (لطيفة بعد الوظيفة) سيناريو محمد اليوسفي، إخراج محمد كغاط .

كما أنتج للقناة الأمازيغية سلسلتين من إخراجه : (كثرة الهم كتضحك) سيناريو لحسن أوخميش. و(القناع) سيناريو محمد بلال … وقد شُهد للرجل بالحرفية والتعامل الإنساني والقانوني السليم.

2 – سهل ممتنع :

    فيلم (لا وردة لحنان) الذي حمل توقيع هؤلاء الرجال الثلاثة: كتابة، إنتاجا وإخراجا – إضافة طبعا إلى آخرين وأخريات فنيا وتقنيا – أقل ما يقال عنه أنه منجز بحرفية في كافة الواجهات، فالحبكة الروائية محكمة بدءا من تقديم عائلة حنان الصغيرة المتوسطة والمستقرة، بإكراهاتها الاجتماعية وتطلعاتها المادية من حيث اكتساب ملكية شقة وتوفير عيش أفضل لها لولدها وزوجها.

    لا يطنب عزيز في هذا التقديم فيزج بنا مباشرة في عقدة الحكاية بوفاة الزوج.. يردفها بعُقد أخرى في خط تصاعدي ضمن بناء درامي متماسك، إلى أن يصل بحنان إلى الباب المسدود فيفتح لها منفذا من خلال تحولها إلى سائقة طاكسي صغير محل زوجها، خالقا لها وللمشاهد متنفسا حيث تُبهجه ضحكة ابنتها الصغيرة، وهي تجلس في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة التي تقودها والدتها باعتزاز وثقة نفس، تمرق بها صاعدة من أحد أنفاق المدينة وكأنها تولد من جديد …

    حكاية قد تبدو بسيطة، كلاسيكية التركيب.. ولو.. فهذا ما نسميه بالسهل الممتنع الذي يعسر شق مثيله.. فالأحداث واقعية وسردها لا يتغيأ التعقيد أو الإطناب في متاهات بسيكولوجية وأحاسيس داخلية يصعب أحيانا ترجمتها عبر الصورة. كما أن تعامل الشخصيات وردود أفعالها تجاه بعضهم البعض لا سيما تجاه البطة والعكس صحيح، لا تشذ عن المنطق والتفاعل الواقعي للأحداث ككل. هذا البناء الدرامي سهَّل دون شك مهمة الإخراج.

    حل الإخراج ليرتفق نفس النهج تقريبا حيث اعتمد سعيد خلاف كتابة سينمائية تبدو هي الأخرى مبسطة لكن بغير استسهال. بعكس إخراجه لفيلم (مسافة ميل بحذائي) الذي اعتمد على تداخل الأزمنة والفضاءات ومزج السرد والجمود بالصمت والحركة… بينما وردت كتابة (لا وردة لحنان) سلسة خالية من الحذلقة الفنية والتقنية، مسايرة البناء الدرامي للسيناريو وطبيعة أحداثه ذات المنحى الواقعي الراهن.

    هذا دون نسيان الإدارة المحكمة للمثلين الين كانوا جميعا في مستوى إقناعي متكامل لا سيما الطفلة الصغيرة صفاء ختامي إلى جانب المحترفين طبعا: مريم باكوش، منال الصديقي، فريد الرگراگي، يوسف الجندي، حسناء مومني، نبيل عاطف… وكذلك إدارة التصوير التي اضطلع بها فاضل شويكة.. وموسيقى محمد السايسي التي سايرت الطرح الفكري والفني للفيلم والذي اعتمد فيها بالخصوص على تركيب هارموني بين البيانو، الكمان والفيولانسيل. فكل هؤلاء وغيرهم (مهندس الصوت: محمد شكر الله – مونطاج: إلياس خماس– ميكساج: يوسف حركي – مدير الإنتاج: نجيب وليد الدرقاوي…) كتبت أسماؤهم بجينريك البداية الذي دام دقيقتين و11 ثانية.. كل واحد في لوحة مستقلة وبخطوط كبيرة إلا اسم السيناريست!!

    وفي جنيريك النهاية الذي استغرق 3 دقائق وبضع ثوان حين تمرق سيارة الأجرة من النفق، يصعد العنوان بخط كبير ولوحة مستقلة: (لا وردة لحنان) يليه – ودائما بالطريقة ذاتها “لوحة مستقلة وخط كبير”- إنتاج: “بوشتة الإبراهيمي” كتبت خطأ بينما الصحيح هو “بوشتى إبراهيمي” فكان ينبغي على الأقل الانتباه للاسم الشخصي كعَلَم والذي يكتب دائما هكذا: بوشتى… على غرار موسى وعيسى وبشرى ونعمى… ثم مدير التصوير: فاضل شويكة.. مهندس الصوت: محمد شكر الله.. مونطاج إلياس لخماس.. ميكساج سفيان حركي.. وموسيقى محمد السايسي. بعد كل هؤلاء الذين استقل كل واحد منهم بلوحة خاصة وحجم كبير لكتابة اسمه، تصعد لائحة مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية وبخط أصغر، مسطِّرة أسماء عاملين آخرين في الفيلم : سيناريو : عزيز “الصاطوري” Ecrit par Aziz SATOURI .. (كُتب اللقب مغلوطا لأن الصحيح هو “الساطوري” بالسين وليس بالصاد) ثم المنتج : بوشتى إبراهيمي (للمرة الثالثة !) Produit par Bouchta IBRAHIMI. فالأدوار Interprétation … حيث تمت إعادة كتابة أسماء الأبطال الرئيسيين في الفيلم مضاف إليها أسماء لم ترد في جينريك البداية مثل عبد الحق بلمجاهد (الضابط)، أسماء بنزاكور(ممرضة المصحة)، الصديق مكوار (طبيب المستشفى) وغيرهم … لتعود لائحة أخرى تقدم الطاقم التقني L’équipe technique. يتصدرها “طاقم الإخراج” سعيد خلاف (للمرة الثالثة كذلك !) نفس الشيء أيضا – أي كتابة الاسم والمهمة للمرة الثالثة – سيطال أسماء مدير التصوير والمونتاج والميكساج… ثم المدير الفني، فمدير الكاستينغ إلى أن ينتهي جينريك النهاية …

3 – أهم عناصر الفيلم :

    أدرجتُ وكرّرتُ عمدا جزءا كبير من الأسماء والمهام الواردة في جنريك بداية فيلم (لا وردة لحنان) والذي خلا منه اسم السيناريست .. ثم في جينريك النهاية الذي بدا فيه اسمه صغيرا غير مستقل، مع أسماء عاملين آخرين في الفيلم، لإثبات الحيف الذي طال هذا الأخير ولو كان غير مقصود .. هذا رغم أهمية عنصر السيناريو في تركيبة أي فيلم. إذ لولاه ما كان لا إخراج ولا إنتاج ولا تصوير ولا مونتاج ولا ولا … فمن المسؤول الأول عن هذا الخطأ / الحيف.. ؟ هل القناة التلفزيونية ؟ أم المنتج ؟ أم المسؤول عن المونطاج وكتابة جينريك الفيلم ؟ أم المخرج ؟ ربما كل هؤلاء بنسب متفاوتة، لكن المخرج يبقى هو المسؤول الأهم عن النسخة والصورة النهائية التي يظهر بها الفيلم. فكيف لم ينتبه الأخ سعيد لهذا ؟ أكيداً أن اسم السيناريست عزيز الساطوري سقط سهوا من جينريك البداية في فيلم (لا وردة لحنان) وهو بأي شكل من الأشكال خطأ، لا أريد أن أصفه بالقاتل لأنه ليس كذلك، فأكتفي فقط بنعته بالمستفز واللامُعتبِر للسيناريست وعنصر السيناريو في تركيبة الفيلم ككل .

    سئل عبقري السينما شارلي شابلن مرة عن أهم عناصر الفيلم السينمائي ؟ فأجاب :
– ثلاثة .. أولا : السيناريو .. ثانيا : السيناريو .. ثالثا : السيناريو …
حلل وناقش …
**************
• إلى “زينة”

 

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى