مجتمعمجرد رأي

الإعاقة في المغرب: بين تدبير الدولة وتدبير المجتمع المدني.

عبد الرحيم مفكير
مقدمة:
رغم التقدم النسبي الذي عرفه المغرب في مجال حقوق الإنسان، لا تزال الإعاقة تشكّل حاجزا حقيقيا للفرد في سبيل انبثاق شخصيّتة وتطوير إمكانياته، والمشاركة في تحقيق التنمية المستدامة، إذ إن انضمام المغرب إلى دائرة الدول الموقّعة على الإتفاقية الدولية للأشخاص المعاقين بتاريخ 30 مارس2007، لم ترافقه عملية تطبيق و أجرأة مباشرة وحقيقية لنصوص تلك الإتفاقية سواء في جوانبها الإجتماعية (البطاقة، الولوجيات، الإعالة الاجتماعية..)، أو الإقتصادية (تعزيز حظوظ الشخص المعاق في التوظيف..).
وأمام هذا التعثر؛ فقد سارعت المنظمات المدنية المهتمة إلى ملئ الفراغ الذي تركته الدولة في هذا المجال، عبر تأسيس العديد من الجمعيات المدنية، التطوعية والتضامنية، الهادفة إلى النهوض بوضعية الشخص المعاق ومساعدته على الإندماج في المجتمع.
وإذا كانت الدولة تتذرّع، في الغالب الأعم، بغياب الإمكانيات، لمواجهة الإحتجاجات المتصاعدة للأشخاص المعاقين وتكتلاتهم المدنية، فإن السؤال يبقى مطروحا حول طبيعة الإستراتيجية التي تتعامل بها الدولة إزاء حقل الإعاقة بالمغرب؟. وكذا حول البدائل الممكنة لتطوير إهتمام الدولة والجمعيات المدنية بملف الإعاقة، في ظل العولمة والعصر الرقمي، الذي يبدو أن العالم أصبح فيه من دون حواجز، في الوقت الذي يستمر فيه «المعاق النامي» في مواجهة مصاعب وحواجز شتى، تحول دون حفظه لكرامته وتحقيق العيش الكريم داخل الأسرة والمجتمع؟.
أولا: الإعاقة في الإستراتيجية الرسمية: حضور التنصيص وتعثر الأجرأة.
لا شك أن ما يميز تعاطي النسق القانوني والإجتماعي المغربي مع وضعية الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة: المعاقون، المكفوفون، الصم، البكم..، هو التواجد النسبي للنصوص القانونية المؤطّرة للظاهرة، في غياب الرغبة السياسية الحازمة لصانعي القرار الإجتماعي والإقتصادي في أجرأة تلك النصوص وتطبيقها. وبذلك يبقى البطء والإنتظارية، السمة المتحكّمة في مسلسل تدبير الإعاقة في البرامج الرسمية.
1- المعاق في التشريع المغربي: ضعف المقاربة القانونية.
إن دراسة ومقاربة وضعية المعاق في التشريع المغربي، تتطلب استحضار مجموع النصوص القانونية الوطنية والدولية الموقّع عليها من لدن المغرب، وعلى رأسها الإتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، المصادق عليها من لدن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 دجنبر 2006، والتي تعدّ أوّل إتفاقية خاصة بحقوق الأشخاص المعاقين.
وهكذا، فمن خلال العودة إلى نصوص الدستور، باعتباره يمثّل التشريع الأسمى للدولة، نجده ينص في ديباجته على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، أي انطلاقا من مرجعياتها العلمانية والليبرالية الغربية، المتضمّنة أساسا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في 10 دجنبر1948 والبروتوكولين الملحقين به، والمتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية و الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. فضلا عن باقي الإتفاقيات الحقوقية الإقليمية، المتّصلة بمجال حقوق الإنسان، سواء داخل المجالين العربي-الإسلامي والإفريقي، أو في المجال الأوروبي-الأمريكي.
كما أنّ تصفّح المتن الدستوري المغربي، يكشف تنصيص الفصل الثامن على أن «الرجل والمرأة متساويان في التمتّع بالحقوق»، بعض النظر عن وضعيتها البدنية والصحية. و يؤكد الدستور أيضا على حق المواطن المغربي في الحصول على الشغل والسكن والصحة. وباقي الحقوق التي تعتبر ضرورية لنمو وانبثاق شخصية الكائن البشري.
ورغم أنّ التنصيص على حقوق الفرد المعاق بصفته تلك داخل النص الدستوري، يبقى غائبا، فقد تضمّن القرار الوزاري، الصادر عن الوزير الأول في سنة 1993 تحديدا للمناصب الممكن إسنادها إلى الأشخاص المعاقين بالأولوية، وكذا النسبة المئوية التي ينبغي تخصيصها لهم في إدارات الدولة؛ وهي نسبة ضعيفة لا تتجاوز7%، مقارنة مع الشعارات الإجتماعية المرفوعة، ومع حجم الدعم والرعاية اللتين ينبغي أن يحضى بهما المعاق داخل المجتمع، والتي تعدّ معيارا أساسيا لقياس مدى تحضّر وتقدم المجتمعات. وكذا مدى المكانة التي تحتلّها الدولة الراعية داخل المنتظم الدولي. وذلك استنادا إلى مواثيق العديد من المنظّمات الإقليمية والدولية: الحكومية وغير الحكومية، العاملة في الميدان الإنساني والتضامني.
ويمكن أن نشير أيضا في هذا الصدد إلى القانون رقم (92-07) المتعلّق بالرعاية الإجتماعية للمعاقين، وأيضا المرسوم رقم (218-97-2).
أما فيما يرتبط بالمدونة الجديدة للشغل التي أشارت لأول مرة في تاريخ التشريع المغربي المعاصر إلى خصوصية وضع الأجير المعاق، لاسيما بعد إحداث كتابة الدولة المكلّفة بالأشخاص المعاقين؛ ففيما يخص المقتضيات الجديدة التي جاءت بها، نجدها قد أسندت حقوقا إيجابية بالنسبة للشخص المعاق، سواء على مستوى فتح باب التشغيل أمامه، أو بتأكيدها على أنّ الإعاقة لا يمكن أن تكون سببا في الفصل من العمل.
بيد أنها ربطت ذلك بمدى توفر الشخص المعاق على المؤهلات الضرورية لذلك، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال، ويؤدي إلى تغييب المقاربة الإجتماعية والإنسانية التي يجب أن تنبني عليها المدونة، حين الحديث عن تشغيل الشخص المعاق، إذ إن الكلام عن المؤهلات بصيغة صلبة وجامدة، من دون مرونة تذكر، مراعاة لوضعية الإعاقة، يمكنه أن يحيل على الإرادة المبيّتة للمشرع في وضع شروط قد لا تعمل إلاّ على تكريس النظرة الدونية إلي المعاق، والتأسيس بشكل قانوني للإقصاء والتهميش الذي يعانيه.
ولتفادي ذلك كان أحرى بالمدونة أن تتحدّث عن إمكانيات لا عن مؤهلات، قد تجعل الشخص المعاق متساويا مع الأسوياء في طلب الشغل، وبالتالي تعطيل تفعيل القرار الوزاري المرتبط بتخصيص «كوطا» قدرها 7% للشخص المعاق.
وبالتوقيع على الإتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة المذكورة، (وهو سلوك يحسب للحكومة المغربية، باعتبارها كانت من بين الموقّعين الأوائل على الإتفاقية، بغضّ النظر عن التحفّظ الذي أبدته إزاء البروتوكولين الملحقين بها)، يكون المغرب قد وضع على عاتقه إلتزامات كبيرة، متّصلة بتأهيل الشخص المعاق للإندماج في الحياة العامة، وضمان حقّه في التمدرس و الصحة والشغل، بما يدفع نحو تجاوز المقاربة الإحسانية التي ما فتئت الطبقة السياسية تنهجها إزاء التعامل مع الإحتياجات والمطالب المشروعة لذوي الإحتياجات الخاصة. وذلك لصالح مقاربة حقوقية تنبني على التدبير الحكيم والمعقلن لمجال الإعاقة في المغرب. فهل يتطابق، يا ترى، الوضع القانوني للمعاق مع وضعه الواقعي؟.
2- واقع الشخص المعاق: بين التهميش وقصور الإدماج.
تؤكد الإتفاقية الدولية للمعاق على «أهمية إدماج قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء لا يتجزأ من إستراتيجيات التنمية المستدامة ذات الصلة». فما مدى حضور ذلك في التدبير الرسمي لملف الإعاقة؟.
نادرا ما تترجم المقتضيات القانونية المذكورة سلفا الوضعية الواقعية للمعاق في سوق الشغل، سواء داخل القطاع العام، أو القطاع الخاص بشكل حقيقي وآمين، إذ إن ما يلاحظ هو التهميش والإقصاء الكبيران اللّذان تعانيهما فئة الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة داخل النسيج الإقتصادي الوطني، وهو ما يحيل دون إشراك المعاق في تحقيق التنمية الإقتصادية، ومساعدته على الإنفتاح والخروج من العزلة، التي صنعتها له إعاقته في نظر الآخرين.
وهكذا؛ فمن خلال رصد المجال الجغرافي والعمراني الذي يعدّ بمثابة البنية التحتية، أو الأولية لتطوير قدرات المعاق وتأهيله، يظهر واضحا قصور الدولة والممثل الجماعي المحلي في توفير الولوجيات (Accessibilités) الضرورية لتنقل الشخص المعاق للمدرسة، أو الجامعة، أو الطبيب، إذ تكاد تغيب تلك الولوجيات في معظم المرافق العمومية والخاصة على حدّ سواء. ويرجع ذلك إلى التعطيل المستمر الذي يعرفه تطبيق القانون رقم (03-10) الخاص بالولوجيات والصادر في 12 ماي 2003.
وبالنسبة لواقع تعليم الطفل المعاق، يُسجّل عدم استفادة غالبية الأطفال ذوي الإعاقة من برامج التعليم الأساسي؛ فرغم قيام الحكومة المغربية بصياغة خطة من خمس سنوات (من 2008 إلى 2012)، لتوفير التعليم الأساسي لهذا القطاع الحسّاس، لا يزال عدد المستفيدين منه ضعيفا للغاية، إذ لم يسجّل في البرنامج، حسب الإحصائيات الرسمية، سوى (74.730) طفلا معاقا من العدد الإجمالي المتراوحة أعمارهم بين (4) و (15) سنة. ولعلّ ذلك يرجع إلى العديد من العوامل المادية و «اللوجيوستيكية» من قبيل: تصميم المدارس، عدد الأساتذة، أساليب الإتصال، التقييم، الدعم الأسري وعدم فاعلية حملات الوعي التي تقوم بها الوزارة.
ولا تختلف وضعية تشغيل الشخص المعاق عما سلف إذا ما يُسجل، في معظم الأحيان، هو غياب الإلتزام الكافي، إن لم يكن عدم إلتزام الدولة والقطاع الخاص بأجرأة نسبة 7% الموكولة للشخص العاق، وكذا عدم احترام تطبيق المقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة الشغل لصالح الأجير المعاق. ولاشك أن ذلك يجد تبريره في سيطرة مجموعة من العوامل، تأتي في مقدمتها الوضعية الهشّة للإقتصاد الوطني وسيطرة عقلية الربح السريع على المقاولة المغربية، ممّا يجعل المقاربة القانونية والإجتماعية غائبة كليا لدى المقاول المغربي، إذ يظهر ذلك واضحا في سلوك أصحاب رؤوس الأموال إزاء الأسوياء، فما بالك بالأجير المعاق الذي يحتاج إلى رعاية خاصة، يتذرع صاحب المقاولة، غالبا، بعدم قدرته على توفيرها له، نتيجة الأزمة التي يعانيها القطاع الخاص المغربي على عدة مستويات، وكذا نظرا للمنافسة الإقتصادية الشرسة التي يواجهها النسيج الاقتصادي الوطني أمام هجمة العولمة الإقتصادية وشركاتها العبر وطنية العملاقة، التي شيّئت الإنسان وجعلت قيمتة مقاسة بمدى قدرته على العمل باستمرار من دون توقف، داخل الآلة الرأسمالية الجبّارة للعالم المتقدم، في غياب المراعاة الواجبة للعامل الإجتماعي والإنساني.
أمام هذا الوضع لا يجد المعاق بدّا من الإرتماء في أحضان الإحتجاجات اليومية أمام البرلمان المغربي والوزارة المكلفة بالقطاع (وزارة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن)، بهدف الضغط على الحكومة المغربية لتوفير مصدر رزق قار له داخل أسلاك الوظيفة العمومية، شأنه في ذلك شأن باقي الأطر العليا المعطّلة (حاملي الدكتوراه، دبلوم الدراسات العليا / المعمقة ، الماستر..).
وبالفعل فقد أثمرت المجهودات النضالية التي قادتها بعض جمعيات الأشخاص المعاقين إدماجا للبعض منهم في الوظيفة العمومية. بيد أنّ ذلك يبقى دون المستوى إلى حدود اللحظة الراهنة، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل بجدية عن الأدوار التي يمكن أن تتولاّها التنظيمات المدنية في هذا المضمار؟.
ثانيا : الإعاقة في الإستراتيجية المدنية: بين الفاعلية وضعف الإمكانيات.
يعرف ملف الإعاقة في الإستراتيجية المدنية المغربية حراكا متميزا. بيد أن ضمان إستمرار ذلك الحراك وتطويره يصطدم بمجموعة من المعيقات.

1- المجتمع المدني: فاعل جديد في ميدان الإعاقة.
تحظر المسألة التضامنية بشكل قوي داخل النسق الثقافي، التواصلي والتضامني المغربي ففضلا عن المكوّن العقائدي: الإسلام الذي يجعل من مساعدة الآخر الضعيف: ماديا، أو حركيا وإيثاره على النفس، إحدى القيم الدينية الواجبة، التي تورّث صاحبها تقليد الإمتثال لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «من نفّس على مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عليه كربة من كرب الآخرة»، يشكّل السلوك الإجتماعي والتضامني أحد السلوكات الضابطة لمسلسل التفاعل القبلي للمغاربة عبر التاريخ، سواء في المجال الإقتصادي، أو الإجتماعي والإنساني.
إن احتكاك المغاربة مع الحداثة الأوروبية، لاسيما فيما يخص التأسيس للسلوك المدني التضامني في صيغته التنظيمية المعاصرة، لم يفرز تخلّيا كلّيا عن الأشكال التراثية للتضامن، بل أنتج دمجا بين تلك الأشكال وصيغ التنظيم الجمعوي الحديث، في إطار نوع من الخصوصية المدنية المغربية المتميّزة، إذ صار يلاحظ التأسيس المتتالي والمتزايد للجمعيات المهتمة بالأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، عبر مجموع الجهات الإدارية الستة عشر للبلاد.
وقد بلغ عدد تلك الجمعيات إلى حدود سنة 2009 أكثر من (500) جمعية. كما تزايد عدد المتطوعين المغاربة والأجانب العاملين داخلها، وهو ما يدلّ على الحيوية والفاعلية التي أصبح يعرفها هذا المجال. ومن بين تلك الجمعيات ذات الصيت الإعلامي المعروف، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: جمعية الحمامة بتطوان والودادية المغربية للأشخاص المعاقين بالدار البيضاء والجمعية المغربية لضعاف الحركة بالرباط ومنتدى المغرب لحقوق المعاق بالرباط وجمعية الأفق بورزازات، دون نسيان جمعية الحركية للجميع ومركز وازيس (Oasis) بفاس، الذي يقوم بأدوار لا يستهان بها في ترويض الطفل المعاق ومساعدته على الحركة والإندماج في المجتمع.
ولا شك أن هذه الأدوار الجديدة التي أضحى يضطلع بها المكون المدني في ميدان الإعاقة بالمغرب، إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أنّ هذا المكون صار فاعلا جديدا ومتميزا في تدبير ملف الإعاقة، وطرح الإستراتجيات الكفيلة بردّ الإعتبار لأكثر من مليون معاق مغربي، يعانون من التهميش والإقصاء داخل مجال وطني، ما فتئت تتعزّر فيه المقاربات الحقوقية على جميع المستويات، وداخل مجال دولي أصبح يمثّل فيه التخلّي عن المرجعية الحقوقية العلمانية الغربية، ذريعة لشنّ الحرب وتغيير الأنظمة، من دون أن يدري القائمون عليها أنّهم عبر ذلك، يساعدون على إنتاج العديد من الأرامل والمعاقين والعجزة في ربوع الأرض (أفغانستان، العراق، الصومال..).
بيد أنّه تنبغي الإشارة إلى أنّه رغم النجاح النسبي الذي عرفته تلك التنظيمات المدنية، فهي لا تزال تشتكي، رغم ما قامت وتقوم به في الميدان، من العديد من المعيقات التي تجعل عملها ناقص وغير مكتمل. فما هي؟ وما هي أبرز السبل لمعالجتها؟.
2- المجتمع المدني في مواجهة ضعف الإمكانيات.
بعض النظر عن الإنتشار الذي تعرفه الجمعيات المدنية المهتمة بالإعاقة في ربوع الرقعة الترابية للمعرب، ورغم المكانة التي أمست تحتلّها، كشريك متميز في الإستراتيجية الحكومية المرتبطة بتدبير ملف الإعاقة، لا يزال عمل ونشاط هذه الجمعيات يصطدم بعراقيل جمّة منها ما يرتبط بضعف الإمكانيات المالية (أ) والبشرية (ب) المرصودة لها. ومنها ما يعود إلى نوعية الثقافة الإقصائية والتمييزية، التي لا تزال سائدة في أوساط لا يستهان بها من النخبة السياسية والمواطنين (ج)، فضلا عن التوجّس الذي تبديه المصالح الأمنية والإستخباراتية للدولة، إزاء تواجد بعض المتطوعين الأجانب في صلب هذه الجمعيات.
أ- عدم كفاية الموارد المالية.
غالبا ما تنحصر الموارد المالية للعمل الجمعوي في مستحقات الأعضاء المنخرطين والهبات الإحسانية على قلّتها، وكذا بعض المساعدات الخارجية المشروطة، والتي تتمّ في إطار سياسة التضامن المدني العبر وطني، بجانب مساعدات بعض المنظّمات الدولية الحكومية مثل الإتحاد الأوروبي، وبرامج التعاون الإنساني التابعة للوكالات المتخصّصة للأمم المتحدة.
ومن دون تبخيس المجهودات التي تتولاها الدولة في إطار المبادرة الوطية للتنمية البشرية المدعومة من لدن المؤسسة الملكية، وكذا في إطار سياسة التعاون الوطني القطاعي والشامل، تبقى إستراتيجية الدولة في تدبير هذا المجال المهّمش قاصرة عن بلوغ المطلوب والمرجو منها كما سلف. كما أن العديد من المسئولين الرسميين لم يتجاوزوا بعد المقاربة الإحسانية الخيرية في النظر للحقوق المالية والمادية للشخص المعاق، وفي التعامل مع مشاكله، سواء على المستوى المحلي، أو المركزي، الأمر الذي لا يساعد على إكساب المعاق وضعية الفرد الحاصل على المواطنة القانونية الكاملة، التي تؤهله لتحمل الواجبات والتمتع بالحقوق شأنه في ذلك، شأن كل أفراد المجتمع الأسوياء دون إقصاء، أو تمييز.
إن المقاربة الحقوقية تبقى واجبة التطبيق في التعامل مع إحتياجات المعاق والجمعيات المدنية التي تتبنى همومه اليومية، ولاسيما فيما يخص الدعم المالي، من خلال إخراج قوانين تتولى تخصيص جزء من ميزانية الدولة، لرعاية هذه الفئة من المجتمع وضمان عيشها الكريم، عن طريق إحداث صندوق دعم وطني للأشخاص المعاقين، سواء من خلال الميزانية الجماعية، أو القانون المالي السنوي للدولة.
بيد أن كل هذا لا يمنع من الإشارة إلى الإختلالات المالية التي تعرفها الكثير من هذه الجمعيات، في ظل غياب التدبير الحكيم والمعقلن لميزانياتها على قلّتها، وحضور النية لدى بعض مسؤوليها في استثمار معاناة المعاق، لأجل تركيم مصالح مالية، أو سياسية.
ب- شُحّ الموارد البشرية المؤهلة.
تشير أغلب التقارير المجراة حول وضعية الإعاقة بالمغرب، (ومن ضمنها البحث السنوي حول الإعاقة لسنة 2006 الصادر عن وزارة التخطيط) إلى الشحّ المشهود الذي يعرفه المجال الجمعوي المرتبط بالإعاقة، فيما يخص الأطر التربوية والطبية و النفسية المكلّفة بالعناية بالشخص المعاق ورعايته. ويعود ذلك، في الغالب الأعم، إلى غياب الإهتمام الكافي بهذه الفئة، وإلى اللامبالاة التي ظلّ يعرفها المجال إلى عهد قريب، وكذا إلى عدم وجود التحفيزات المادية والمالية الكفيلة بدفع المتعلّمين إلى دخول هذا المجال.
كما أن غياب إستراتيجية شمولية واضحة للدولة، لتأسيس مراكز طبية وتربوية عمومية متخصّصة في ذلك، جعل القطاع الخاص يتولى بعض المبادرات في هذا المجال، عن طريق تأسيس مراكز تدريس خاصة للترويض الطبي، يطغى عليها عامل الربح أكثر من جودة التكوين الشيء الذي أدى إلى فشل تلك المبادرات في غالب الأحيان، نتيجة لعدم تلائم الوسائل مع الأهداف إذ إنّ صرف مبالغ مرتفعة للتكوين ظلّ يقابل بغياب فرص شغل قارّة ومربحة، على اعتبار أن المجال المعني هو مجال مقصي ومهمّش، ويضمّ في معظمه أشخاصا معاقين لعائلات فقيرة ومعوزة، لا تجد حتى مصاريف إعالة الشخص المعاق، فما بالك بدفع مصاريف الترويض الطبي وغيرها..
ولا يقتصر الأمر فيما يخصّ غياب وعدم كفاية الموارد البشرية المؤهّلة على هذا المجال فقط، بل يمتد ليشمل أيضا العاملين داخل الجمعية من أطر إدارية وترفيهية وتعليمية، إذ تكاد تغيب الأطر البشرية المتوفّرة على تكوين خاص، للتواصل مع الشخص المعاق وتعليمه وتربيته، بما يتلاءم ووضعياته الذهنية والبدينة والنفسية الخاصة. بيد أنّ هذا لاينفي كلية بعض المجهودات التطوعية، لبعض الأطباء والممرضين المغاربة، لاسيما بالمدن الكبرى مثل الرباط، فاس والدار البيضاء الذين ينخرطون بنشاط كامل ضمن بعض الجمعيات كأعضاء فاعلين.
إنّ سدّ الخصاص الحاصل في هذا المجال، يتطلّب من الدولة إقرار إستراتيجية وطنية، تدمج الإحتياجات التربوية والتعليمية للشخص المعاق، ضمن البرامج التربوية لوزارة التربية الوطنية، وتخصيص موارد مالية لها من الميزانية القطاعية للوزارة، حتىّ تتمكن الحكومة من بناء مراكز لتكوين هذه الأطر النوعية من جهة، ومن جهة أخرى ينبغي عليها صياغة مقتضيات قانونية واضحة، كفيلة بدمج الشخص المعاق ضمن التعليم النظامي، بعد تطوّر قدراته الذهنية، وتبيّن نبوغه الفكري داخل أقسام التأهيل الأوّلي، لعدم كفاية تلك المعمول بها راهنا، التي ينبغي أن تشرف عليها الأطر المؤهّلة خريجة المدارس السالفة، طبعا مع توفير الوسائل «اللوجيستيكية» لذلك من نقل ورعاية صحية وتتبّع وتقييم.
ج- عدم فعّالية الحملات التحسيسيّة.
لعلّ أبرز ما يطغى على مجمل الحملات التحسيسيّة المنظّمة لفائدة المعاق، لا فرق في ذلك بين تلك التي تقوم بها الدولة، أو المنظّمات المدنية، هو الطابع الظرفي والموسمي؛ فخارج تاريخ3 دجنبر و 30 مارس من كلّ سنة([14])، تستمر حالة المعاق تُسيّجها وضعية النسيان السياسي، نظرا لغياب خطة وطنية، تتولىّ التفعيل اليومي لقضايا المعاق في المجال العمومي، باعتبار ذلك مبدأ من مبادئ إقرار العدالة والمساواة داخل برامج التنمية البشرية والاقتصادية للبلاد.
وهكذا، فبعد أن كان شعار الإعاقة، متضمّنا في تسمية الوزارة المكلفة بذلك، تمّ حدفه لصالح تسميّة جديدة بعد تنصيب حكومة السيد عباس الفاسي، عقب انتخابات 7 شتنبر2007 هي: وزارة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن، من دون الإشارة إلى مسألة الإعاقة صراحة، وهو ما يدلّ على وضعية التراجع التي أصبحت تعرفها الإعاقة في سلم أولويات الوزارة الوصية، لصالح قضايا أخرى.
إنّ تكريم الشخص المعاق وضمان قبوله السلس والإيجابي داخل هياكل المجتمع، من دون تشنج، أو تعال، أو إقصاء، (تبعا لكون الأسوياء كيفما كانت مستوياتهم ليسوا في مأمن من الإعاقة ومن دوائر الزمن)، يتطلب إضطلاع الدولة بالمزيد من حملات التحسيس التضامنية والتواصلية مع هذه الفئة، التي تكاد تمثّل عشر البشرية، أي ما يناهز (650) مليون شخص، حسب الإحصائيات الأخيرة للأمم المتحدة، إذ يضم المغرب لوحده أكثر من (1.530.000) معاق، أي بنسبة ,51% من الساكنة، منهم (230) ألف طفل معاق تقل أعمارهم عن (15) عاما، حسب إحصائيات الوزارة المكلّفة بالقطاع.
كما أنّ على الدولة تخصيص الدعم الكافي للجمعيات المدنية على نحو ما سبق (أي توفير الدعم المالي والأطر البشرية المؤهّلة)، حتّى تتمكّن هذه التنظيمات التطوعية من القيام بعمل تحسيسي جاد، مؤهّل ومستمر، يجنّب الشخص المعاق الإقصاء والتهميش.
خاتمة:
في المحصّلة النهائية يلزم القول بأنّ الإعاقة هي شأن وطني، إن لم يكن إنساني وعالمي شامل، ينبغي أن تتضافر فيه مجهودات الأفراد والأسر والمجتمع، وكذا المنتظم الدولي ككل كل من موقعه، لأجل إيلاء ملف الإعاقة المكانة التي يحتاجها، سواء داخل المجالات الوطنية، أو الدولية، وبالتالي الحيلولة دون إهدار طاقات كامنة لأشخاص تحدّوا الواقع الذي يعيشونه، ويريدون المشاركة في بناء صرح الحضارة الإنسانية، بما أتوا من إمكانيات رغم محدوديتها.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

تعليق واحد

  1. تحياتي للقلوب النقية
    الله الوطن الملك
    إعاقة حركية
    AB176931
    0713399914
    أطلب من سيادتكم محل تجاري سوق الصالحين سلا
    متزوج وعندي طفلان
    26/01/1973 سلا تابريكت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى